حوالي الساعة العاشرة صباحاً، في شقة كبيرة بالرياض، هاتفٌ يرنّ بإلحاح منذُ دقائق عُدة، مد يديه بتكاسل وصمّت هاتفه ثم عاد الى النوم لكن سرعان م ايقظه رنين هاتفه مجددا من غيبوبته، تناوله بنفاذ صبرٍ وفتح سوداويتيه الناعستان يُناظر شاشته، "ست الحبايب"، سحب على شاشته ورد وهو يتثائب ليأتيه صوتها حنونا دافئا كما العادة...
_ست الحبايب: صباح الخير ي همام ولدي كيف اصبحتا..
=صباحي منور باتصالِك وصوتِك، تصدقي ياادوب صحيت، قال جملته الاخيرة وهو يتثاءب مجددا.
_امس م جيت سوقتا البنات! شكلك اتأخرتا..
=استوى على ظهره في فراشه الوثير وهو يمّطُ إحدى يديه بتعب: رجعت متأخر من عرس "يوسف"، كل المسؤلية كانت في راسي لانو "ايهاب" م قدر يجي، وديتهم الاستديو وبعدها انتظرتهم لحدي م موعد طيارتهم قرّب اخدتهم على المطار..
_قالت برضى: والله م قصرت معاهم، صمتت قليلا لتردف برجاء مُغلف بأمل بعيد:عُقبال افرح بيك انتا كمان ي ولدي..
=عم الصمت لثانية، لم يكن هناك جواب، حاول تلافي الاجابة وتغيير الموضوع حين قال بمرح:اجهزي وخلي أميرة تجِّهز البنات وتجهز معاهم، الليلة يوم مفتوح، نطلع ونتفسح سوا😉..
_والله يا ولدي انا م اظن اقدر اطلع معاكم، لكن بكلم "أميرة" والبتين.
-------------
نهض وقد بدأ النشاط يدب بجسده، رمى بهاتفه على الفراش بعد ان انهى مكالمته مع والدته، "فاطمة" صاحبة القلب الطيب والنظرة الحنون، دائما م كانت تحمل همه، لم ترتح يوما، لم يهدأ قلبها ولم يهنأ خاطرها منذ أمد بعيد، منذ رحيل زوجته وحبيبة قلبه الوحيدة، والدة طفلتيه الصغيرتين "جوان وليلى"، رحلت وتركت له فتاتان كاللقمر ليلة تمامه تأخذان من ملامحها الكثير، تنهد بعمق وهو يتجه نحو الحمام، يحاول طرد الذكريات المؤلمة، فليأخذ حماما هانئاً الان ويُنزل كُل م اعتلاه من تعب ليلة البارحة، وبعدها يستعد للخروج مع طفلتيه واخته الصغرى"أميرة".
_____
خرج من الحمام وقطرات الماء متناثرة على جسده الرياضي الممشوق لتعطينا مشهدا مُثيراً، كان يجفف شعره حالك السواد بمنشفه ويلف خاصرته بأُخرى، اتجه نحو المرآة واخذ يرش برفانه المفضل على كامل جسده وشعره، وقف قليلا يناظر انعكاسه " كم تبدوا وحيدا وكئيباً يا همام، كم تبدو مُزرياً" ابتعد من امام المرآة بحركة مفاجئة قاطعا محادثته الى انعكاسه، يبدو انه بدأ يفقد م تبقى من عقله الذي فقد جزءاً منه حين غادرته "سارا"، ابتسم بسخريه على حاله وأخذ يرتدي ملابسه ..
__________
اوقف سيارته "الجِيب" امام البوابة ونزل دالفاً المنزل، رأى جوان وليلى يلعبان في الحديقة ببراءة، ابتسم برضى يتأملهما، قطعتي الشوكلاته، كنزه الثمين واغلى ما ورثه منها، كان يحبهما اكثر من نفسه ويرى فيهما حبيبته الراحلة، كانتا امانتها التي تركتها بعنقه، اتجه نحوهما وما إن رأتاه حتى تركتا كلُ شئ في أيديهما الصغيرة واسرعتا تتسابقان في براءة للوصول إليه، كان الحُب متبادلا، كل من يعرف هذه الاسرة الصغيرة الجميلة يرى ذلك جلياً ..