"الحلفايا، بحري، الخرطوم":-
إرتدت تنورة طويلة وضيقة قماشية الملمس بالاسود"إسكيرت"، قميص طويل بنفس اللون، حذاء رياضي بالابيض، لفّت حجابها الفوشيا بإحكام بعد أن وضعت كمامتها، حملت حقيبة ظهر صغيرة وخرجت من غرفتها، نزلت بهدوء حتى لا يراها أحد، لا تريد أن يسألها أحد عن وجهتها، مرّت من أمام المطبخ وكانت "فاطمة" جالسة بهدوء تصنع بعض الفطائر لصغيرتيها، جوان وليلى لتفاجئهما وقت الغداء.
تسللت "أميرة" خارج المنزل وعيناها تحملان كثيراً من الخوف والتوتر الذي تحاول جاهدة إخفائهما ، هي حتماً واقعة بمشكلة، مشكلة كبيرة..
إستقلت إحدى المركبات العامة ثم أخرجت هاتفها لتجري إتصالاً مُهماً..
_أ..ألوو..
=آلوو أميرة وينك إنتي؟!، فتاة تصيح على الهاتف بقلق..
_فـ..في المـ..مواصلات ماشة على المحطة الوسطى ..
=طيب إنتظرينا هناك، ح نجي عليك..
_تـ..تجو؟!، إنتي ومـ..منو ي رؤى؟ رددت أميرة بفزع وهي تتلعثم، وكانت مُشكلة التلعثم هذه احدى الأسباب التي جعلت من أميرة منطوية ووحيدة.
=أمين رسل لينا عربية، زهج خلاص من مماطلتنا..
_ طـ..طيب تـ..تمام..
اغلقت أميرة هاتفها، أخبرها عقلها بأن تهرب، وألا تذهب لملاقاتها، هي الآن واقعة بمشكلة كبيرة جداً، كانت تعلم أنهم لن يتركونها وشأنها، شعرت منذ اللحظة التي أخذت فيها ذلك الكيس البلاستيكي من رؤى أنها ستقع بورطة، حذرها عقلها لكنها تجاهلت تحذيراته، أخذته وخرجت من الجامعة، كانت قد أخبرتها رؤى أن حرس الجامعة يشكون بها وسيقومون بتفتيشها في أي لحظة، سلمتها ذلك الكيس وطلبت منها أن تحتفظ به معها يومان فقط، وياليتها لم تستمع لها، كانت رؤى إحدى أكبر المروجات للمخدرات والحبوب الممنوعه بجامعة (**) الأهلية، كانت جامعة للنساء فقط ، تعرفت عليها أميرة بعد قبولها بكلية نُظم المعلومات ومنذ دخولها كطالبة جديدة بتلك الجامعة.. قبل سنتين..،كانت رؤى تكبرها بثلاث سنوات، تخرجت دفعتها الدراسية لكنها لا زالت بالسنة الثالثة، وكانت تُجيد إصطياد زبائنها ببراعة، تختار فريسة، يظهر عليها الثراء، الوحدة، والضياع ترمي بحبال الوِد اليها، تُصادقها، تنصحها بتجريب إحدى حبوبها حتى تُصبح الضحية مدمنة وزبونة ثابتة، وهذا تماماً ما حدث لأميرة، كانت تتناول أقراص "الكبتاجون" الممنوعة، والتي هي شائعة بين الشباب والمراهقين هذه الايام، فقط الكبتاجون الذي ربما يُعد الأقل سوءً بين بقية الممنوعات التي تروج لها رؤى ومنها " المورفين، أقراص إكستاكسي، وحتى الكريستال ميث (آيس كريستال)، وغيرها الكثير"، وكانت تجني اموالا طائلة من ترويج هذه الممنوعات تأخذ منها نسبة بسيطة وباقي العوائد كلها ل"أمين" الذي يُلقب ب "إسكوبار"، يُعد أمين أكبر تاجر مخدرات بالخرطوم، يعمل تحت إمرته مئات المروجين، منهم طلبة بالجامعات والمدارس، موظفين، وحتى بعض "ستات الشاي". كان فاحش الثراء، يملك ثروة كبيرة، يرتدى اغلى الملابس، ويقود أفخم السيارات، يملك شركةً للإستيراد والتصدير وهي ما يغطى بها على اعماله، متزوجٌ من إبنة اثرى تُجار امدرمان، ويملك إبناً وحيداً في العاشرة من عمره.