13

123 34 29
                                    

صدحتْ الموسيقَى مُنذُ بِدايَةِ النّهارِ كمثلِ أيِّ سنةٍ مُنذُ وَفاةِ طِفلي، إنها عادة سنوية لا تتغير، لكِنّ هذا احتِفال ذِكرى موَلّد طِفل أثرى امرأة بِالمنطقة 'إدوين' ذو الخمسة أعوام، نفس العمر الّذي كان عليه ابني لولا رحيله.

وكأن الموسيقَى تُحاول أنْ تُغطي على الصمتِ الذي تركه غيابُه، لكِنْ أنا حَياتي كَالجَحيمِ وكأَنّهمْ يحْتفلُونَ بموتِ طِفلي، لا يمُرُّ هذَا اليوْمَ إلّا ودُمُوع عيْني تنْفدُ منْ كثْرةِ الانْهيارِ الذي مَرّ بِي.

هل سأكْمِلُ بقيّة حَياتي هكَذا؟!
دُونَ أحَدٍ يُخففُ ألمّ قَلْبي!

كنْتُ أشتَري الحلْوى وأُعْطِي الأطْفالَ الذِينَ يلْعبونَ؛ لعلّ هَؤلاءِ يَجْعلونَني أشْعر بالدفئِ والحنانِ بدلًا من أترابي الذين تركوني.

لكن عنْدما حلّ المساءُ، سمِعتُ صوْت بُكاءِ طِفلٍ وصُراخِ رجلٍ، ماذا يحدث؟! طرحتُ في عقْلي هَذَا السّؤالُ ثم اتّجهتُ نحوَ الصّوْتِ بِبطءٍ وَإذا بِرِجلِ المتجرِ يصرخُ على طِفلٍ صغيرٍ، هرْولتُ لأهدِئهُ فقال بغضبٍ شديدٍ: هذا الفتى سرق تفّاحةً، ولا يُريدُ أعادتها لي...إنّهُ لِصٌّ!

سمعتُ كلماته بهدوءٍ ثمّ انحنيْتُ لأصبحُ بِمُستوى الطّفلِ، فرقتُ شفتاي لأقول: بُنيّ أين التفّاحةُ؟

: لنْ يُعْطيها لكْ! إنّه يُخْفيها...ولدٌ شقيّ!

قال الرجل معاتبًا فنظرتُ له نظرة صامتة، لمَ يقول هذا؟ أيدري أن التفاحة ليست معه! قلب الآخر عينيه بضيقٍ فنظرتُ للطفلِ، كانتْ الدموعُ تتساقت مع كل حركةٍ من حركاتِ رأسهِ نافيًا فمسحتُ دموعَهُ وعلمتُ إنه فاقدٌ للكلامِ...

ضممتُ الطّفلَ بِقوّةٍ حتّى راقتْ رائِحتهُ لي، لقدْ أحببتُه، هُناك شُعورٌ جميلٌ وأنا معه، لا أريد الِابتِعادَ عنهُ إطلاقًا. فصلتُ العناقَ لأتحدثُ معه: إدوا...ين...
إدوين؟

كنتُ لِلتوّ سأنطِقُ اسم طِفلي لتشابه الاسْميْن، اتمَنى ولوْ يَكون ابْني مَعي، لقدْ تَخيْلته في ذلك الطّفلُ ذو الخمْسَة أعْوام.

أوْمأ لي بِبراءةٍ مؤكدًا، فوَقفتُ وَأخرجتُ نُقودي واشتريْت تُفّاحًا ثم أخذتُ واحدةً لأُعطيها للتاجر، ثُمّ أنحنيْتُ لِأحمِل الطفل بيْنما هوَ تمسّكَ بِملابِسي.

مشيْتُ بعض خُطواتٍ ثمّ أنزلتهُ وأخرجتُ لهُ تُفّاحةً: أعلمُ أنّك لم تأخذْ شيْئًا...لا تقْترب مِن ذلك الرجلِ بعد الآن.

أخذ التُفّاحة بابْتسامةٍ هادئةٍ وَإذا بِرِباطٍ أسودِ يَلبسُه في يَدِه، رفعتُ يدي أمام ناظِريْه وقلتُ: أنظُر أمْتلك مِثلهُ...

قهقهتُ بخفةٍ ثم أردفتُ بشرودٍ: أتعلمُ أنتَ تذكرْني بِشخصٍ أفتقِدهُ كثيرًا.

بدأت دُموعي بِالسُّقوطِ فحاوَلتُ كبحها بضمّه وَسط صدري لأعانِقه بقوةٍ، فصَل العِناق مُسرِعًا ثُمّ ذهب ليَركُض خلفي، مسحتُ دموعي ثم نظرتُ لِلوَراءِ قليلًا فوَجدتُه يَضُمّ والِده، وَقفتُ ثمّ التفتُ بِجسدي وابتسمتُ بهدوءٍ، فاقْترب الرّجُل مِني ليَبدأ بِسُؤالِي بِتعجُّبٍ: هل تسكُنُ في تِلك المنطقةِ؟! مِن أنت؟!

: أجل! أنا ويليام سميث.

همهم بهدوء ثم قال: لا تظهر كثيرًا لذلك نسيت وجهكَ...

بوجهٍ صامتٍ نظرتُ له فقال: ألفريد مونرو، تشرفتُ بمعرفتِك. وأعتذر أنّ إدوين أزعجك...لقد تغير تِلك الفترة مُنذُ وَفاةِ والدتهِ وَأصبح يَهرُبُ كثيرًا من المنزلِ.

: لا بأسَ، لكِن كيْف تحتفِلون وَهيَ توُفّيَت قبل ثلاثةِ أشهُرٍ؟!

دقائقٌ مضت على انتظاري له ليقول: تتذكر التّواريخُ على الرّغمِ مِن أنّها لا تهِمك بِشيْءٍ!...حتّى لا يَحزن إدوين...لكِن أظُنُّ أنّها لا تُفرِّقُ مع ذلِك الشّقيِّ.

قالها بيْنما يَبعثِرُ شعرُ الطِّفلِ فابتسمتُ بِلِطافةٍ: عن إذنِكُم.

غادرتُ قاصِدًا منزِلي الّذي هوَ قصرٌ بِضخامتِهِ وَلا يوجِدُ بِهِ غيْري أنا، أعيش فيه لخمسِ سنينِ، أجلسُ بيَأسٍ واستسلمتُ لِلنّوْمِ على السريرِ.


عندما تنطفئ الشمعة ✍حيث تعيش القصص. اكتشف الآن