« العشرون »

1.2K 73 11
                                    

كانت لأول مرة تراه بهذه الصورة ، بدأت تبكي بهستيرية وتحاول الاقتراب منه أو التحدث معه ولكنه كان ينهرها بقوة ، حتى صرخ بها :
مش لازم تعملي كل ده علشان تباني زوجة صالحة ، ولا تحاولي تمثلي حبك ليا وخوفك عليا ، أنا مش بحبك أصلاً ، اتعميت وحبيتك زمان ، بس طلعتي رجعية ومتخلفة ، راضية بالذل والعيشة القحط ، وأنا مرضاش بكده ، أنا طول عمري عارف إن مكاني مش وسطكم ، أنا مكاني فوق .

استمعت له وهي تشعر بالاختناق ، ولكن فجأة بدأت أطرافها ترتعش وشفتيها مع تخبط أسنانها حتى ظهر تشنجها بشكل ملحوظ ، استمر هذا لثوانٍ حتى سقطت أرضاً فاقدة للنطق والوعي .

نظر لها وابتسم بسخرية ولا وعي وقال :
قومي ، قومي يلا يا "زُبيدة" الحركات دي قديمة ، بطلي تعملي كده علشان تاخدي الخناقة لصالحك .

لم تُبدي أي استجابة ، اقترب منها ببطء وتفقد ، ثم قام برجها ولكن دون جدوى ، بدأ الندم والخوف يتمكن منه ، لا يدري ماذا يفعل ؟ أسرع نحو هاتفه واتصل على الفور بوالدها ، السيد "عصام الصادي" ..

كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل ، حين استيقظ "عصام" بفزع على مكالمة من "أحمد" ، اعتدل بسرعة وقال بقلق وذعر :
في ايه يا بني حصل حاجة؟

قال "أحمد" بلسان ثقيل وصوت باكي مرتجف:
"زُ.." ، "زُبيدة" وقعت ومش بتنطق .

نهض "عصام" بفزع وهو يقول:
يعني ايه مبتنطقش ؟ بنتي حصلها ايه يا "أحمد" .

بدأ "أحمد" بالبكاء وهو يشير نحوها ويقول :
معرفش كنا بنتخانق ووقعت .

استيقظ الأطفال من هذه الضوضاء التي حدثت ومن صوت أبيهم المرتفع ، لتركض الصغيرة "ليان" نحو والدتها وهي تقول بخوف:
"ماما" ..

ركض خلفها "آسر" وكلاهما في فزع وصدمة من هذا ، ومع تكرار منادتهما لوالدتهما وصوت بكائهما ، كان "عصام" قد أغلق المكالمة ليسرع راكضاً إلى بيت ابنته ، كان "أحمد" يجلس على الأريكة بصدمة لا ينطق ، فقط يراقب في صمت وخوف .

مرت دقائق ليتم طرق الباب بقوة ، كان ذلك "عصام" الذي أتي مفزوعاً تتصارع دقات قلبه التي كادت تتوقف من خوفه ، هذا العجوز المريض ، متهالك الجسد منحني القامة ، تساقط شعره مع السنين ، لا يعلم كيف ركض ليصل إلى هنا ولكنه لا يشعر بقدميه ، فقط يريد رؤية ابنته ..

فتح "أحمد" البيت وقد بدا على وجهه الشحوب والعجز ، دفعه راكضاً إليها ، يحركها بكل ما يملك من قوة وهو يصرخ باسمها ، ثم التفت ليقول بغضب :
أنت واقف تتفرج عليها ، بنتي هتموت منك .

ثم نهض وهو يحاول حملها ، خانته قوته وظهره المتألم ولكن لم يستسلم ، وهنا قد انتبه "أحمد" ليركض نحوه وقام بحملها وأسرع خارج المنزل ، ركض الطفلان خلفه وخلفهما جدهما ، الجميع يركض ويبكي ، امتطى "أحمد" سيارته بزوجته ومعه طفليه وجدهما ..

وصية غالية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن