¹²

114 8 0
                                    


-

«مِن أين لكَ هذا القاربُ الضخم!»

«إنه لِهوسُوك، وقبل أن تسأل وتقوِّس ثغرَك سأخبرُكَ، هوسُوك هو أحد معارفِي، صديقُ منفعةٍ وشخصٌ جميلٌ يهوَى مضايقتِي.»

غضَّ الطرف عن لُقيا عيوني وأنبر: «وهل يمكِنُ لأحدٍ مضايقَتُكَ، أنت كتلةُ صقيعٍ يغلِّفُها الفَرو!»

في خفوتٍ ضحكتُ، ما زال متناقضًا للغايةِ بوصفي، وهذا أمثلُ وصفٍ لي، حثثتُ الخطى صوب قُمرةِ القيادةِ أشغِّلُ المحرِّكَ معلنًا بدايةَ رحلتِنا.

وضعتُ القارِب على وضعِ المقوَدِ الآليّ، وبعد أن قطعنا شوطًا محدَّدًا أوقفتُ القاربَ، وخرجتُ صوبه، حيثُ كانَ واقفًا يستندُ بكوعهِ لسورِ القارِب مسهبًا بزرقةِ النَّهرِ، تتطايرُ خصلاتُه البرتقاليّةُ بعبثيةٍ يداعبها النسيمُ البارد، إنَّنا بنوڤمبِر، نوڤمبر فاتن.

موسيقى هادئةٌ انبعَثَت حولنا بعد أن قُمتُ بتشغيلها،
تقدَّمتُ أنقرُ كتفهُ بهدوءٍ فيستديرَ نحوِي متنبِّهًا، قبل أن أشدَّ كفَّهُ رفقتي لينتهي بنا الأمرُ واقفَين بمنتصَفِ سطحِ القارِب.

«بماذا تفكِّر؟»

سألتُه بخفوتٍ، أسحبهُ نحوِي ليشاركني حركاتِ رقصةٍ عبثيةٍ مرَّت على خلدِي، لكنَّهُ فاجَأنِي حينما أرغمني على متابعةِ حركاتِ جسدهِ السلِسة لرقصةٍ ملكيَّةٍ هادئةٍ، غلَّفَ كفِّي بكفِّه بنُبلٍ وعلَّق الأبصارَ عليَّ، عدَّ الخُطى وأنا تبعتُه دون إدراكٍ مني أحذُو حذوَ إيقاعهِ المثاليِّ..

ربَّـاه، كلُّ شئ يفعلهُ هذا الرَّجُل لهو غايةٌ في الفتنةِ والمثالِيَّةِ، وها أنا أكتشفُ أنَّهُ يجيدُ الرَّقص وباحترافيةٍ.

وسطَ جوٍّ هادئٍ من التمايلاتِ الطفيفةِ كُنَّا، أكادُ أجزمُ أنَّ الأمواجِ بحدقتَيهِ تغرقني وتشدُّني للقاعِ شدًّا عنيفًا، مناراتٌ تستغيثُ ألّا يُطفأ وهجُها سكنَت مآقيهِ، وأما عن وقعِ تلاقِي أناملنا فقد كان الأسوء..

لقد بثَّني بعثرتَهُ بهدوء ففرَّقَ أشتاتِي، منحنِي ألوانًـا ورديَّةً بفرشاةِ نفسهِ حالكةِ الطلَّةِ، أرجحَني بين الدعةِ والجزَع، وقد كُنت مفتونًـا معميًّا عن حُمرةِ البحرِ فرغبتُ الغرَق.

«بكَ أفكِّر.»

هنيهةٌ من الصَّمت تبعَت أحرُفَه، وضعَ كفَّيهِ حولَ خصرِي حتى حسبتُه يتبعُ الرَّقصة، لكنَّهُ فقَط هوَى بثقلِ دماغهِ فوق كتفِي يكبِّلُنِي بشبهِ عناقٍ، عنوانه مأساةٌ حُلوة.

نثرَ تقطُّع الأنفاسِ عندَ عنقي يشدُّني نحوهُ، ولو لم أكُن أدرِي أنَّه جيمين لقُلتُ بأنَّهُ يبكِي، لكنَّهُ تابع التمايُلَ برقَّةٍ رفقتِي، متغاضيًّا عن غصَّةِ الشجنِ الموجِع التي زرعها بنفسِي.

حرِّرنِي، يُ.مِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن