154 11 11
                                    


--

برَحتُ الوسَن بالتاسعةِ صباحًا إزاء أنينٍ مكتومٍ يناضِلُ ألَّا يرى الضياء، ولستُ أدري كيفَ انتفضَت كلُّ ذرةٍ بجسدِي أهرعُ من فراشي صوبَ المُستلقِي على أريكَتِي، ينكمِشُ على نفسهِ كجنينٍ خرجَ للدُّنيا للتوِّ، إلّا أن بكائَهُ لم يكُن مسموعًا، أليسَ الأنينُ يعدُّ بكاءًا ببعضِ الأحيان؟

جثوتُ على ركبتيَّ بمحاذاةِ رأسهِ، وأنشأتُ أمسحُ على خصلاتِه التي تشبهُ آخر خيوطِ الشمسِ بهدوءٍ، أحثُّه على الإسترخاء، لقد كانَ جسدهُ نائمًا بينما روحهُ مستيقظةٌ بعيونٍ جاحظةٍ تؤرِقَ هناءَ نومِه، لربَّما يرَى كابوسًا بشعًا، أيًّا كان ما تسبَّب في ظهور تلك الملامِح المتألِّمةِ فهو شئ بشِعٌ.

فرَّق ترابُطَ أجفانهِ بغتةً، وامتثلَ بالسَّقفِ محدِّقًا، لا يتنفَّس، لا يرمِش، لا حياة، هكذا بدَى..

«جيمين، تنفَّس!» بأذنهِ نبَستُ، ولم تتوقَّف يداي عن مسحِ رأسهِ وصدرِه.

كالذي يُغدِقهُ ماء المحيطِ بلا رحمةٍ وأخيرًا نال النجاةِ، كانَت شهقتهُ، وكأنما اجتُثَّت روحهُ من جسدهِ وارتدَّت إليهِ، لكنَّهُ لم يتوقَّف عن الحملقةِ بالسقفِ بخواءٍ، مقلتَيهِ حملَت رمادَ حريقٍ كافحَ ألّا ينطفئ.

أبعدَ كفِّي بوهنٍ، استقامَ يخرجُ من الغرفةِ وأنا تبعتهُ بصمتٍ، وإذا بهِ يدلُف إلى المرحاضِ، وأنا شدَدتُّ الخطَى نحو خزانتِي، أنتقِي ملابسًا خِلتُها ستليقُ بهِ، وعدتُّ إليه في سرعةٍ لم أنتبهِ لها..

طرقتُ الباب مرارًا، ناديتُه، ولم يُجِب، لم يخطُر في بالي عندئذٍ أنَّهُ لطالما كانَ هكذا، يتجاهُل الحديث ولا يجيبُ على أسئلتي؛ بل كُلُّ ما اجتاجَني حينها هو الجزَع، وتلبَّسني الذعرُ، والقلقُ قد تفشَّى بسيماءِ وجهِي، وهنا ارتفعتُ بصوتِي صارخًا: «جيمين!»

فُتِحَ جزءٌ من الباب بعد لحظاتٍ، وأطلَّ رأسهُ مكفهِرَّ المعاليمِ من تلك الفتحةِ الصغيرة، يقولُ متأفِّفًا: «ماذا الآن، لماذا تصرُخ منذ الصباح!»

لقد كان يأخُذ حمامًا ليس إلّا، سحقًا لي، ألا أفهمُ ماذا تعنِي الخصوصية؟ أقدِّسُها وها أنا ذا أخترقُ خاصةَ الرجُل هنا.

لكنِّي لن أظهِر أيًّا ممَّ مرَّ بمحطَّات خاطري أبدًا، مدَدتُّ الثيابَ صوبهُ، ثمَّ التقَيتُ برمادِ مقلتَيهِ لأجد أمرًا غريبًا بهما، ربَّما طالهُما جزءٌ من دخَّان الحريق، لقد كانتا بالغتا الحُمرة، وكأنَّما هما الجمر الذي أشعل اللَّهب.

ارتفعَ طرفُ شفتاي ببسمةٍ طفيفةٍ، ونبَستُ: «تفضَّل ثيابًا نظيفة، لن تخرُج إليَّ عاريًا، أليسَ كذلك؟»

حرِّرنِي، يُ.مِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن