زحفت الغيوم الكثيفة على طول السماء بعيدا في مشهد اصطبغت فيه بالأرجواني، كان قرص الشمس يذوب خلف الجبال الشرقية بحيث انسكب الظلام على الكون بالتدريج، وابتداء بالمنزل الكبير المنتصب على التلة.
-انشر الحراسة على الشرفات.. أي شيء مريب يلفت نظرك فقط أطلق إشارتك وسأكون هنا.
تحدث الضابط الكبير إلى الجندي الذي انحنى وسارع ينفذ عمله.
من الداخل، كان المنزل مؤلفا من قاعة كبيرة رئيسية جزء منها مفتوح على السماء وارتفعت فوقها شرفات حجرية مطلة على الداخل وعلى جانبيها ممران تنتشر فيهما غرف كثيرة مغلقة بالإضافة لفناء كبير أمامي وآخر خلفي انتصبت فيه الأعمدة البيضاء المحززة والأسقف المكسوة بالعريشة.
كان طراز المكان مزيجا من الأبيض للجدران والأحمر الداكن للأرضيات والسجاد واللوحات.
قرع طبل كبير بقوة وانفتحت بوابة القاعة ليظهر العروسان، ألسيديس وعروسه، بحيث انطلقت الموسيقا ونثرت الورود في كل مكان بينما يعبران نحو مجلسهما المشترك في الصدارة، كانت تلف ذراعها على ذراعه..
عند اللجوء إلى الوصف، كان يبدو رجلا في مطلع الأربعين، له شعر أحمر قصير وأجعد ولحية متموجة، متوسط الطول، بينما زوجته.. كانت شابة تبدو في العشرينات أو ربما أقل..، يمكن من خلال النظر إلى ذلك، تخيل أنها الفتاة التي وقعت عينه عليها وما كان لأهلها رفض رجل بثرائه ونفوذه.
لدى جلوسهما هناك، خرج شاب أنيق الملبس بين صفين من عازفي القيثارة، يرتدي عمامة على رأسه، وتحدث بلهجة ترحيبية أنيقة أسعدت الرجل المعني بها:
-"يا له من يوم مميز لنا جميعا، سيدنا الكريم (ألسيديس) قد وجد طريقه إلى المرأة الصالحة التي ستزهر بها أيامه وتبارك حياته بالذرية، اقبلوا منا يا سيدي تهانينا الحارة وأمنياتنا لكم بالتوفيق والفرح والرزق الدائم، واسمحوا لنا ببدء العرض السعيد!"
اعتلت وجه ألسيديس ابتسامة واسعة وأومأ مشيرا بيده للبدء فانطلقت الطبول بلحن حماسي انفتحت معه البوابة مجددا لتظهر الفرقة الراقصة من خلفه على شكل رتلين من الفتيات الشابات بفساتين بيضاء تغطي الركبة وتتقدمهن شابة اختلفت عنهن بثوبها الأحمر الطويل وشريط رأسها الذهبي تضم يديها لبعضهما في حركة رشيقة وتصل للمقدمة، التقت عيناها بعيني ألسيديس، ابتلعت ارتباكها..
أخذت نفسا عميقا ثم انحنت، بشعرها البني الذي انسدل على جانبي رأسها، بشرتها الوردية، وقامتها الممشوقة، كانت أندريا تتبع كل الخطوات بأدق التفاصيل..
رفعت رأسها، رسمت ابتسامة على وجهها، بعدها فكت يديها عن بعضهما وتركتهما على خاصرتها ومع بدء اللحن التفت حول نفسها في دوامات متتالية كانت شارة البدء لباقي الفتيات اللاتي ابتعدن عن بعضهن وشكلن دائرة انفتحت وظهر في منتصفها، أرسني، بردائه الأبيض الناصع يتقدم نحوها لتتوقف عن الدوران بعد أن أمسك بيدها ليبدآ رقصتهما الثنائية التي أبهجت العروسين وحولهما الفتيات يدرن في تشكيلات تظهر -عند النظر من أعلى- بمظهر الوردة التي تغلق وتفتح وتغير شكلها.
أنت تقرأ
"الجانب الآخر من البحيرة"
Ficción histórica||مكتملة|| (ضياء حامد عساف) شابة بلغت العشرين من عمرها، حائزة على الدرجة الأولى في الفروسية لثلاث سنوات على التوالي، قبيل سباق الجامعات الكبير، تعيش ضياء الأحداث الأكثر مأساوية في حياتها ما دفعها للتخلص من نفسها في (البحيرة المثلثية) بغية وضع حد لحي...