-11-مرة أخرى

1 1 0
                                    

     و هاهي ذي ميران تحاول أن تنزل دون أن تستوعب ما حدث، هي فقط، تنظر إلى جثة رفيقها الذي لطخ الأرض بِدِمائه بِنَظراتٍ ضبابيةٍ سبَّبتها العَبَرات.

     كانت ترتجف بينما تنزل بصعوبة و تنزلق مرة فيُجرَحُ كاحلُها أو يُكسرُ أحدُ أظافرِها.

     و ها قد وصلت إلى الأسفل... تقدمت قليلاً... لا تزال بضع خطوات تفصلها عن الجثّة...

- ساكي...

     تحدثت بنبرة باكية و هي لا تعرف ماذا تقول أو تفعل، أَتُنادي بِإسمِه و تندُبُ دربها كما فعلت من قبل؟ أم تقترب منه لتسترق السمع من قلبه؟

     ثم ماذا؟ ماذا ستفعل إذا لم ينبض صدى قلبه في أذنها؟ هل ستتجاهل ذلك و تحاول إيقاظه من نومه المزعوم؟ أم ستتشجّع و تدفِنُه؟... 

     هذه لم تكن تساؤلاتُ ميران، بل كانت تَمَوُّجاتُ مشاعرِها التَّائهةِ بين الواقعِ و عدمِ الاستيعاب.

     اقتربت ميران إلى أن أدركت الجثّة، فجلست بِجَانبها تتأمّل ذلك الوجه الشّاحب و تتخيّل أن رفيقها المُستَلقي يستيقظ مُمازحًا إِيَّاها، مُتناسيةً تمامًا أنَّه... "لَيس كلّ مرّة تسلم الجرّة"...

- ساكي... أَلَن تستيقظ الآن؟ -تُحدِّثُه بِنَبرةٍ مُنهارة- لَمْ يكن إرتفاعًا عاليًا، صحيح؟ إذًا... هل كان العقرب؟... هو لم يكن سامًّا أَلَيْسَ كذلك؟ -ثم صرخت قائلةً و هي تَجذِب يَاقَتَه - لقد دفنَتْكَ الرِّمالُ من قبل لكنَّك بقيتَ حيًّا... قُل شيئًا...

     و أيَّ إجابةٍ قد يسمعُ ذاك الذي يُخاطب جثّةً هَامِدة!

     هي لَم تعد تتحمّل كلامَها الفارغ فغلبها البكاء الذي سبق و اقتحم قلبَها لِيندَمِج بِصَوتها شيئًا فشيئًا...

     كاد المساء أن ينتهي و لم يستفق ذاك المَلدُوغ، أمَّا عن ميران فقد كانت فقط جالسة بِقُربِه شاردةَ المنظر، بل كانت تائهةَ الرُّوح مُنكَسِرة الخاطر، و كأنَّها للجبل الذي خلفها الأنيس الوحيد الذي غدرت به الحياة.

     ساد الظلام و أدرك الليلُ الجبال و صار على ميران أن تفكّر في ما ستفعله في صباح اليوم التالي، و لكنّها لا تبدو مُبَالِيَةً بذلك البَتَّة ، بل اكتفت بالاستلقاء على جنبها ذابلةَ الملامح فارغةَ الذِّهن و استسلمت للنَّوم.

     و هاهو ذا البدر الجميل ينشر إطلالته ككل ليلة لِيُلقي بِنَاظره على النَّائمَيْن، لم يكن هو الذي أيقظ ميران، بل كان ذلك النُّورُ المتدَّلي مِن عُنُقِها، ذاك الذي بدأ يشع بعد أن لامسه الضِّياء.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 03 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

شجرة الحياة و التحديات المميتة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن