-2- قُرَى بُحَيْرَةِ الضَّبَاب

52 14 16
                                    

    يَالَتِلْكَ البُحَيْرَة السَّاحِرَة!
          وَ يَالَتِلْكَ القُرَى الخَضْرَاءِ البَدِيعَة!

     بين الحدائق و الحقول، و بين الشقائق و البقول، تتدفّق ستة أنهار من بُحيرة قديمة لِيَمُرّ كل نَهرَين بجانبَيْ إحدى القرى الثلاث.

     تلك البُحَيرة، يحتضنها الضباب بِشِدّة و يُشَتّت النظرَ إلى أرجائها، فلا أحد يستطيع رؤية مِيَاهِها إلّا بعد عبور الأشجار النادرة المحيطة بها؛ و لهذا إقترن إسمُها به.

     و مرّت العُقود و القُرون... و هاهو الجمال في أُفُول...
و كأنّ البُحَيرة ماتتْ!
و كأنّ الحياة من عُمقِ الجذور اِجتُثَّتْ!

     صار لون تلك المياه العذبة يميل إلى السواد، و لم يعرف أيٌّ من سُكّان القرى و زُعمائها كيف حدث هذا، و ماالذي سيَحلّ بهم بعد فساد مصدر المياه الوحيد لديهم. و بطبيعة الحال، "لا ماء" يعني لا حيوانات تَشرب و لا محاصيل تُسقَى و لا بيوتًا تُبنى...

                 -باِختصار شديد-
                     إنّه"الهَلَاك"

     عَمَّ الجفاف... و تَهَجَّمَ الموتُ على أهل القُرى حاملًا بيديه مبرّرات فِعلَته... إنَّها فقط " الجوع و العطش". تُختَطَفُ الأرواح يومياً... و ينتظر الآخرون الرَّمَقَ الأخير.

     و فَكرّ الزعماء الثلاثة في حلّ للكارثة... لكنّهم لم يجدوا غير الإخلاء. و عِلمًا أنّ هذه القُرَى الخضراء (كما كانت) تقع في منتصف الصحراء فإنّ أقرب مدينة إليها توجد على بُعْدِ أراضٍ رملية واسعة، لِذا فإنّه من الخطير أن يسير كلّ السُّكان عبرها نظرًا لِقِلّة الزّاد.

     فِكرَة الإخلاء تلك لم تَرُق لزعيم القرية الوُسطى "هونوا" الذي كان يُدعى بـ"رُوي" العجوز، فقد إقترح إحضار جزء من جذع "شجرة الحياة" العجيبة؛ لكن كالعادة لا أحد يأخذ برأيه، فهو يُلَقَّب بالعجوز المجنون لأفكاره المهلِكة و حِكَمِه السخيفة، ثم إن السبيل إلى تلك الشجرة في غاية الخطورة إستنادًا بالأسطورة المعروفة عنها.

     لم يجرُؤ أحد على مرافقته، لذلك قرّر الزعيم "رُوي" البحث عن الشجرة الاُسطورية وحيدًا، فهو يؤمن بأنّ الموت في سبيل إنقاذ القُرَى أنبل و أنفع من الاستسلام للجوع و العطش، فالحكمة تقول:"حتى لو فشلت، يكفي شرف المحاولة". ثُمَّ إنّه لم يعُد يُبالي بأيّ مسؤولية بعد أن تنازل عن الزعامة لأحد شيوخ القرية.

         _______________________

- تمالك نفسك يا جدّي... أرجوك ابقَ قويًّا...

- لا جدوى من القوّة... حين يكون عدوُّنا الموت... كانت ألفاظه الأخيرة تتصارع مع أنفاسه.

شجرة الحياة و التحديات المميتة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن