أنه هنا.

326 30 4
                                    

الشك الذي يصيب قلب الإنسان يأكله باردًا نيئًا، فأن شك الإنسان بشأن شيء لن يستطيع أن يصدقه مرة أخرى، لن يستطيع أن يصدق صوت عقله أو صوت قلبه أو حتى صوت روحه، كل ما سوف يصدقه وقتها سيكون شكه، إن شك أحدهم في حبيبه أو صديقه فالمشاعر بينهم سوف تجف وتزبل كزهور فصل الخريف، ولن يتبقي لهم من علاقتهم سوا غضب ونفور وعناد.

السقوط في دائرة الشكوك كالسقوط في مغارة مظلمة وجميع مخارجها محاطة بمتاهة لا نهاية لها، ولا يوجد علاج للقلب المصاب بالشك فهو مرض خبيث لن يعالج إلا ببتر تلك العلاقة، ولكن ماذا أن شك المرء بشأن شيء لن يستطيع بتره أو التخلص منه، ماذا أن شك الإنسان بشأن واقعه؟، ماذا أن شك بشأن الأصوات الذي يسمعها وبشأن حقيقه ما يحدث معه؟

وأجابة هذا السؤال هي الدمار، فدمار الإنسان يبدأ عندما يشك في واقعه وتهزتز صورته في عيناه حتى يصبح ظلًا مهمشًا بلا ملامح، ووقتها سوف يصيبه الشك بشأن وجوده.

أما عن المصاب بالشكوك فقد كانت ليلى وحدها، هي تتسطح على فراشها ملتفة بالغطاء الخفيف خاصتها كالشرنقة، لا يظهر بها شيء سوا رأسها، هي مستيقظة منذ وقتٍ مبكر من اليوم فهي قد أعادت على الذهاب إلى العمل في هذا الوقت من الصباح وحتي بعد أن توقفت عن الذهاب إليه فهي قد استمرت في مغادرة المنزل في ذات الوقت، كانت شاردة وهادئة منذ أن حصلت على تلك الصفعة وتم حبسها في غرفتها، لا يعطيها حسن إلا القليل لتأكله وتشربه ولم تتذمر بشأن هذا أيضًا.

لقد اكتفت بالهدوء كموقف لها لأنها ليست يائسة لتتوسل زياد ووالده ليفرجوا عنها، حتى وإن ماتت داخل تلك الغرفة لم تكن لتطلب منهم كوبًا من الماء ولكن عليهم فقط أن يتحملوا ذنب ما تعانيه بسببهم على أكتافهم، لم تضع اللوم علي عمتها فهي تدرك أنها كانت تعيش في جحيم مع ذلك الرجل منذ أن تزوجته، ثم لاحقًا زاد زياد عليها الأمر صعوبة فعمتها على عكس زوجها كانت تدرك وتقر بالفساد الذي يسير في عروق أصغر أبنائها بدل الدماء ولكن لم يكن بيدها شيء لتقوم به إن كان ابيه يعجبه ما أصبح عليه ابنه.

وهي كانت دائمًا لا تملك حيلة، لا تملك حيلة لتنقذها منهم الآن ولم تكن تملك حيلة سابقًا لتنقذ نور من بين انيابهم وقبل هذا بأعوامٍ طويلة لم يكن لديها حيلة لتنقذ نفسها من قبضة حسن البغيض، والشخص الوحيد الذي كان يملك حلًا لها ومفتاحًا لزنزانتها قد تخلي عنها بعد أن كبلها بأصفاد العادات والتقاليد، هي تذكر عدد المرات التي أتت بها عمتها فاتن إلى شقيقها الوحيد والكبير سليمان طالبة العون منه على عبئها ليخلصها ولكنه كان يردها خائبة في كل مرة.

أتت إليه في كل حالاتها الصعبة، أتت إليه بعد أن تعرضت لضربٍ مبرح من حسن الذي لم يشفق على ضعفها كامرأة ولم يهتم بها أو بأطفاله الذين يشاهدوا الأمر بلا حول ولا قوة، أتت إليه بعد أن سبها حسن بكل فردٍ حي وميت من عائلتها، وأتت إليه بعد أن فضل عليها نساءٍا لا يملكوا من الشرف ذرة، بكت إليه وأخبرته أن يطلقها، أخبرته أنها لم تعد تتحمل وأخبرته أنها قد اكتفت من أفعال زوجها بها ولكن في كل مرة كانت إجابة شقيقها واحدة، كان يخبرها أن المرأة لا تملك في هذه الحياة منزل سوي منزل زوجها، كان يخبرها أن الطلاق شيءٍ لا يصح وأنها يجب أن تتحمل من أجل أطفالها، وأن المجتمع سينظر لها على أنها حثالة لا تستحق أنفاسها.

قهوة بالنعناع. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن