روح خائفة.

359 28 1
                                    

خوف الروح من الروح أكثر صعوبة من خوف الروح من الشيء، فالخوف الثاني يفني مع فناء الشيء ولكن الخوف الأول دائمًا حاضر ومتجدد ولا يختفي حتى وإن اختفت الروح من الوجود، فلا يوجد شيء أكثر قسوة على الإنسان من الأناس الآخرون من حوله، من يعرفهم ومن لا يعرفهم من بينهم ، وكلما ازدادت الروح ضعفًا زاد الخوف داخلها ولا شيء يمكنه أن يعينها على هذه الشجرة السامة التي تنمو داخلها وتبث السم بها كالأكسجين .

فالخوف يملك تأثير موذيًا على القلب كتأثير الظلام على الأعين، فكلما طال بقاء الإنسان في الظلام أصابه العمى أسرع حتى ينسي كيف كان يبصر الحياة وكيف كان يبدو النور، وهذا هو حال الخوف على القلب، أن طال داخله يسيطر عليه ويصنع له قبرًا من الهواجس والكوابيس حتى ينسى القلب كيف كان يعيش ولا شيء يمكن القيام به وقتها سوي تجاهل ذلك الخوف ودفنه أولًا قبل أن يفعل هو مع روحك وقلبك، لعله يسأم ويفني ذات يوم.

وهذا ما كانت ليلى تعيشه طوال الأشهر السابقة، فهي كانت تحاول تجاهل ذلك الخوف الذي ينبت داخلها يومًا بعد يوم، خوفها من ظهور زياد مرة أخرى في حياتها وظل الفساد يحيط به ليغرقها في فساده ذاك ويكون خروجها عسيرًا، هي تزوجت يونس لتنجو منه وهو قد حافظ عليها بعيدًا عن شره طوال الأيام السابقة، ابقاها في المنزل ليبعدها عن الخطر قد الإمكان ولكنها الآن تقف في مواجهته بعد أن طرق بابها بنفسه بينما ينظر إليها بابتسامة واسعة أخبرتها أنه ومنذ زمن طويل دق زياد طبول الحرب بينهم.

تراجعت ليلى خطوة إلى الخلف وعلى حين غرة دفعت الباب تحاول غلقه في وجه الضيف الغير مرغوب به ولكنه اعترض طريقه بيديه الأثنين وهو يدفعه إلى الداخل بعنف وعبر إلى الداخل بينما يراقب ملامحها المفزوعة بابتسامة مستمتعة، وبسخرية تحدث قائلًا :

_  كدا يا ليلي تقفلي في وشي الباب وأنا اللي جاي أقولك مبروك عشان اتجوزتي الباشا.

تراجعت ليلي عدة خطوات أخرى وهي تراقب تقدمه منه بخطواتٍ زاحفة، نظرت إلى الباب من خلفه خلسة لتجد أنه لم يغلق تمامًا فهو بحاجة أن يدفعه أحدهم من الداخل ليغلق بشكل كامل، والآن كل ما عليها فعله هو ألهائه لتغلدر نحو الأسفل فالبقاء معه أسفل سقف واحد كابوس لا تريد أن تغرق به مرة أخرى.

تنفست عدة مرات بهدوء وهي تحاول أن تسيطر على ارتعاش كفيها وصوتها وقالت بهدوء :

_ أمشي يا زياد قبل ما يونس ما يرجع، وأنا مش هقوله أنك كنت هنا صدقني، ولو عايز فلوس هديك بس أمشي.

اقترب منها زياد خطوة أخرى لتتراجع هي أخرى تحافظ علي مسافة امنة بينهم وقال بصوته الساخر مرة أخرى :

_ المفروض اني أخاف منه يعني والا أي؟، أنا مش عارف أنتِ ليه دايمًا بتقللي مني، يمكن عشان كدا حبيتك، أصل ستي كانت بتقول أن القطة مبتحبش إلا خناقها.

قهوة بالنعناع. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن