النهاية.

567 50 17
                                    

نحن البشر خلقنا الله مختلفون في كل شيء عن بعضنا البعض، مختلفون في الشكل والأحلام والطموح والأقدار أيضًا، وهذا الأختلاف هو ما يجعل مسارات أفكارنا مختلفة في ما يتعلق بكل شيء، وهذا ما ينطبق على تعريفنا لكلمة نهاية، فكما يختلف نطقها وطريقة كتابتها من لغة لأخرى فكل واحدٍ منا ينظر إليها بطريقة مختلفة ومن أبعاد مختلفة لتعني لكل فرد منا شيء مختلف بعيدًا للغاية عن أفكار الأشخاص من حوله.

فقد تعني كلمة نهاية للبعض نهاية حدثٍ كارثي وبداية أخر أكثر صعوبة مِن ما مضى، أو قد تعني نهاية فترة جيدة كالأحلام في حياة بائسة لأحدهم ، وفي مكان أخر من العالم قد تعني هذه الكلمة نهاية الأمل وقد تكون النهاية بداية ظهور الأمل، قد يفكر أحدهم أن هذه كلمة مميزة يمكن كتابتها في نهاية كتاب ممل لم يمتع صاحبه كما يجب وقد يعتقد شخص آخر أنه لا يريد أن يرى كلمة نهاية بعد أخر مشهد من فيلمه المفضل، وفي نهاية مسرحية ملحمية قد يقول أحدهم بصوت جوهري أن هذه ليست النهاية بل بداية كل شيء، وقد تكون النهاية بالنسبة لرجل الدين ليست إلا نهاية العالم القادمة لا محالة.

النهاية كلمة يمكن أن تطلق على كل شيء وأي شيء في هذه الحياة التي لديها نهاية ككل شيء أخر ، قد تقال بسعادة أو قد تقال بشجي، وفي كل الأحوال تكون نقطة النهاية التي يتوقف عندها الإنسان هي ذاتها نقطة بداية جديدة لشيء جديد سوف يأتي بصحة التغيير، فما بعد النهاية دائمًا شيء خارج عن المألوف والمتوقع، أما يكون هدوءًا بعد حرب أو حربٍ بعد الهدوء ولا يوجد إحتمال ثالث كالهرب، فالمرء لا يمكن أن يهرب من مصيره، فحدوث النهاية هو شيء حتمي كحتمية الزمن.

ليلي كانت من الأشخاص الذين يعترفوا بالنهاية وحتميتها، كانت كلما يعيق تقدمها حجرًا تجزم أن هذه هي نهايتها وأن حياتها سوف تبقي عالقة في هذه النقطة للأبد، ولكن بطريقة عجيبة كانت تستمر متخطية هذه الأحجار واحدًا تلو الأخرى، لقد تخطت موت والديها والحياة الصعبة التي عاشتها مع حسن ونجله، والآن هي تحاول أن تتخطي حجرًا أخر كان يطبق علي قلبها كل ليلة  بعد أن تغلق عيناها لتنام وتريح نفسها بعد يومٍ طويل، ولكنها حتى اليوم وبعد مرور شهرين من محاولة زياد لقتلها لم تستطيع أن تتخطي ومرة أخرى لجأت إلى تجاهل مخاوفها لعلها تذهب عنها وتتركها لتعيش بسلام.

حياتها المعبئة برائحة السلام ما زالت مستمرة وبين زحام يومها بعد أن بدأت العمل في مكتب خالد الذي استقبالها برحابة صدر لم تكن تتذكر أي شيء من ما حدث، بل تجري مع التيار وتستمتع بطعم التعب المعبئ بلذة تحقيق أحلامها، تعود إلى المنزل لتمارس واجبها كزوجة وفي أوقات فراغها تنخرط في الحياة المجتمعية وتتواصل مع نور ويارا التي علي وشك الولادة بعد أن بلغت شهرها التاسع قبل أيام.

هي تعترف أن كل شيء تغير مع الجميع بعد أن وضع زياد خلف القضبان، انتشر خبر فعلته بين الأصدقاء وكان وضع نور سيئًا لعدة أيام حتى اقنعتها هي أنها بخير الآن وستكون بخير أكثر لاحقًا، حسن أمطر فاتن زوجته بغضبه عندما علم بالأمر وفي النهاية غادرت فاتن سجنه الذي بقيت داخل جدرانه ثلاثون عام، وكان ما حدث لزياد النقطة التي جعلت الكأس صبرها يفيض
وينسكب، وبعد أن رفض أن يقوم بتطليقها كما طلبت منه مرارًا ساعدتها ليلي برفع دعوى خلع لتنفصل عنه رغمًا عنه وتتركه بلا، شيء، بلا امرأة يستند منزله على ظهرها، وبلا ابنة يمكنها أن تكون حبيبته وصديقته الوحيدة وبلا الصبي الذي تمناه من الله والذي افسده كما يفسد الحبر الحليب.

قهوة بالنعناع. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن