كفي الميزان.

508 35 7
                                    

الكثير من المصريون بشكلٍ خاص يكرهون شهر فبراير من كل عام، وفي الطبقات البسيطة من المصريون يقولون أنه نذيرًا للشؤم رغم أنه صغير وتقتصر أيامه على ثمانية وعشرون يومًا فقط والطقس به لطيفًا وهذا قد يبدو تفكيرًا غريبًا غير مبرر، والأكثر غرابة أنه بين فبراير وأغسطس فبراير ما زال غير محبوبًا، رغم أن أغسطس شهر حار طويل عدد أيامه دائمًا واحد وثلاثون يومًا، النهار به طويلًا والشمس تكون في أوج لحظاتها.

هي لم تكن تفهم الأمر ايضًا، لما عليهم أن يكرهوا شهرًا مسالمًا كفبراير الذي يدعوه البعض 'فقراير' من شدة تشائمهم به بينما يتركوا أغسطس حرًا تليقًا من رصاصات ألسنتهم، لطالما كرهت ذلك الشهر والأحداث الكارثية التي تحدث لها به كل عامٍ جعلتها تتمسك بموقفها حتي اللحظة الأخيرة، وحتي اللحظة الأخيرة سوف تتمسك بوجهة نظرها المعاكسة للجميع، كوجهة نظرها حول شرب الشاي باردًا بعد أن يتم صبه بدقائق طويلة ووضع النعناع على القهوة.

وقفت نور بجانبها في المطبخ وهي تراقب كيف تضع بعض النعناع المجفف مع القهوة التي تقترب من الغليان بينما تصنع لها فنجان اخر بدون نعناع وبملامح متجعدة بغرابة هتفت نور :

_ هو الاختراع دا حقيقي طيب، طمنيني عليكِ أنتِ ومعدتك وقوليلي أن حد بيشرب العك دا غيرك.

ابتسمت لها ليلى بخفة علي استغرابها من مشروبها المفضل وهي تحضر الفناجين من المطبخ الخشبي خلفها وقالت :

_ من معدتي إلى نور، اطمني كل حاجة تحت السيطرة.

اقشعر جسد نور وهي تأخذ فنجان قهوتها الطبيعي بينما تأخذ خطواتها إلى غرفتها القديمة أولًا، والتي أصبحت غرفة ليلى الآن بعد أن تبقت هي في منزل عمتها بعد زواج الأخرى من أحمد، حبيب شبابها، ذهبت خلفها ليلى وهي تقهقه بصوتٍ خافت حتى لا يصل الصوت إلى غرفة عمتها وزوجها فالوقت أصبح منتصف الليل وهم في منتصف نومهم الآن، حتى يستيقظوا باكرًا ويذهب كلًا منهم إلى عمله.

دفعت نور الباب ثم عبرت خلفها ليلى التي وبهدوء أغلقت الباب ثم خفية عن أعين الأخرى أغلقته مرة أخرى بالمفتاح، ثم ذهبت خلف نور التي اتجهت إلى الشرفة لتأخذها مجلسًا لهم فالجو خانق من شدة الحر وربما في الخارج يلتقطن أي ذرة هواء باردة تساعدهم على التنفس، جلستا الاثنتين مقابل بعضهم البعض وبصوتٍ هادئ فتحت ليلي موضوعًا معها تبدأ جلسة من جلسات الثرثرة المفضلة إلى قلبها :

_  أنتِ أي اللي جابك النهاردة، حصل حاجة بينك وبين أحمد والا أي؟

نفت لها نور وهي تستمتع بشرب فنجان قهوتها التي صنعته لها أفضل صانعة قهوة على الإطلاق من رأيها ثم بالقليل من الحزن الذي سيطر على نبرتها قالت :

_ النهاردة عيد ميلاد يونس، أحمد ومروان كان عندهم أمل أنه كان ممكن يتنازل ويروح يحتفل معاهم النهاردة عندنا عشان كدا جيت وسبتلهم الشقة بس كالعادة يونس اتهرب ومرحش.

قهوة بالنعناع. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن