بعد عمل دام لأثنا عشر ساعة يقوم به رجلان أو ثلاثة أتحرك من مكان العمل سيراً كالمعتاد وأنا أُفكر فى الآم الماضى وقسوة الحاضر والخوف من المستقبل ، وبكل هدوء أدُخل يدىِ فى جيبىِ لإخرج علبة السجائر لإشعل سيجارة وأنا آتالم من كل عظمة فى جسدى كان يوماً شاقاً جداً ، وبعد السير لمدة طويلة آرى أخيراً باب المنزل وعلى وشك نفاذ السيجارة الثانية أصعد الدرج ببطءٍ شديد من كثرة الآلم وأقول لنفسى بسخرية :
- أيه يا مجدي مالك ده أنت لسه تلاته و عشرين سنة يامنيل ومش قادر تطلع كام سلمة.
وبعد وصولى إلى الطابق السابع وأنا أستلقط أنفاسى بصعوبة أخرج المفتاح وأفتح الباب وأسمع ذلك الصرير المرعب والرائحة العتنة المعتادة وذلك الظلام الحالك مع الضوء الخفيف القادم من خلفى الذي يسقط علي الآثاث ويجعلها كأرواح شريرة تنتظرنى لتلتهم روحى ؛ أدخل وأغلق الباب وأُنير الغرفة وأركض مسرعاً لكى أبدل ملابسى لأتصل بفريدة التى ستلتهمنى حياً فلم أستطع أن أتواصل معها طوال فترة العمل ، وبعد أن بدلت ملابسى أُمسك بهاتفى متلهفاً لكى أتصل بها.
فهى كل شئ بالنسبة لى ، ليست مجرد فتاه أحببتها بل هى كهفى الصغير الذى أهرب وأتخفى فيه من هذا العالم البشع ، مجرد سماع صوتها يشعرنى بطمأنية غريبة وأحساس بالسعادة ليس له وصف.
وفى منتصف الجرس الأول تُجيبنى بصوتها الجميل وهى تقول :
- لسه فاكر يا أستاذ تكلمنى وأنا مستنياك من الصبح ؟
- أُجيبها بكل هدوء وأنا فى قمة السعادة لسماع صوتها :
- وحشتينى يا راس الخرشوفة ، طمنينى عملتى إية فى الجامعة النهاردة !؟
- تجيبنى وهى صوتها ممتلئ بالعصبية من هدوئى :
- رُحت وخلصت محاضرتين وروحت مع أصحابى.
أجيبها مستفهماً :
- أمال فين عربيتك ؟
- العربية عطلت ومعرفتش أشغلها فروحت مع مريم وأحمد كلمت رامى علشان يروح يصلحها
ثم تتوقف عن الكلام لثوانى وتسألنى بلهفة :
سيبك مني أنا طمنى عليك الشغل كان كويس النهاردة ؛ ومكلمتنيش ليه طول النهار ؟
أخذت نفس عميق ثمَ رَويتُ لها ما حصل فى يومى وبعد ساعتين من حديثنا أقول لها :
- يلا يا جميلة عشان ننام.
- تقول لى بصوتً نائم :