أرفع يدي نحو السماء، متضرعًا للإله .. أصلي أن تجدِي طريقكِ نحوي.
لوحةٌ ؛ الملاكُ العازِف ؛ ألحان تعزف عندما تتصادمُ الأجنحةُ.
أن تكون غنيا،
لهو حظٌ سعيد.
شعورٌ لن أعرفه، تمتم دانيال وهو يخطو خطوات متثاقلة داخل الفناء الرطب متوجِها نحو البوابة الخلفية. كان عليه أن يحرص على وضع الحطب في كومة مكدسة إلى انتظار تقطيعها. صوت الأقدام ارتفع خلفه والتفت ليرى إليوس يتنفس بصعوبة، يحمل كمية الحطب الباقية، والتي كانت ضعف ما أوصله دانيال. إليوس كان طويل القامة، ليس بطول تيودور طبعا. تيودور كان عملاقا إن تم مقارنته بأقرانه، عريض الكتفين وفارع الطول. كان على دانيال أن يشعر بالخوف وهو يلقي عليه بشتائمه لأنه حقا كان قادرا على طحنه بكل سهولة. لكن دانيال لم يرف له جفن للحظةٍ، الشجاعة لا تقاسُ بالطولِ ولا القوة. القلبُ هو جوهر الأساسُ.
وقف الثلاثة أمام اللوحة التي عُلقت في المنتصف المثالي للحائط، هذا ما قالته السيدة اليزابيث، على اللوحة أن تقف بشموخٍ منتصف الجدار، أشبه بالشمس منتصف سماءِ النهار. وصفها الرومانسي لم يحرك شيئا داخل دانيال الذي يجزم أن اللوحة ليس في المنتصف، تحتاج إلى تعديل، بعض أجزاء السنتميتر نحو اليمين. هذا ما وافقه به تيودور ما جعل دانيال يغير رأيه طبعا.
إليوس حدق باللوحة بكل إعجاب، قرأ اسم الكاتب بإمعان وهو يمرر أصابعه على الإطار. ملاكٌ موسيقيٌ، شعاعٌ ذهبي يلامسُ أوتار الكمان.
Henri Ludovic Marius Pinta (1856-1944): Ange musicien
إنها لوحةٌ أصلية؟. تساءل تيودور. هي كذلك أجاب إليوس دون أن يرفع عينيه عن اللوحةِ. أصليةٌ ؟! سخر دانيال، العجوز بالكاد تستطيع دفع ثمن بعض قطع الخبزِ، من سيصدقُ أنها قادرةٌ على شراء مثل هذه اللوحة، ليس هذه اللوحة فقط، منْ يستطيع أن يصدق أنها قادرة على شراء أي شيء أصلي.
إنها هديةٌ، نبست السيدة اليزابيث قبل أن تضرب الكتاب بين يديها على رأس دانيال، وانتبه إلى أسلوب كلامكِ. أكملت كلامها قبل أن تقف إلى جانب إليوس. أليست بديعةً؟ سألت بصوت يملأه الإعجاب.
ملائكيةٌ .. أجاب إليوس بصوتٍ متخدرٍ.
هي كذلكَ، أكدتْ مبتسمةً.
هديةٌ مِن منْ؟ سأل دانيال وهو يحدق بالسيدة أمامه، ماذا سنفعل بمثل هكذا هدية؟، سأل مجددا.
أحيانا علينا أن نرى الأشياء من منظور روحي، من وجهة نظر غير قابلة للمساومةِ ماديا. تمتت إليزابيث مواصلةً التحديق باللوحة قبل أن توجه نظرها نحو إليوس.
الجمال لا يملك ثمنا، أكمل إليوس. والجوع الروحي كذلكَ، إشباع النفس أحيانا يكون أهم من أي شيء ماديٍ.
أخبر هذا لمعدتي عندما تصدر تلك الأصوات العالية مهددة بأكل أي شيء أمامها.
يجب ترويض الجسد قبل العقل، نبس تيودور
"يجب ترويض الجسد قبل العقل" كرر دانيال بنبرة ساخرةٍ، لتذهب فلسفتكم الجماعيةُ للجحيم. ماذا على الشخص أن يفعل كي يحصل على شيء دون سماع محاضرات أدبية سخيفة بعيدة عن الواقع تماما. الجمال شيء يقدرهُ الأغنياء، الأشخاص الذين يملكون رفاهية الإلتهاء بشيء غير توفير القدرة على النجاةِ في هذا القعر البائس.
على سيرة الأغنياء تمتمت السيدة إليزابيث، هناك مأدبة اليوم على شرف هذه اللوحة. أليست ذات فائدة تكلمت وهي تغمز لدانيال.
أخيرا أصبحت تتكلمين لُغة أفهمها نبس دانيال دون محاولة إخفاء البهجة التي لونت صوته.
واصلوا التنظيف تكلمت بنبرة جديةٍ، هناك الكثير من الحضور الذين يجب نيل إعجابهم ليواصل الملجأ عمله.
تماما، هكذا .. واصلي الحديث بلغتي وسنتفاهم بشكل جميل. تكلم دانيال وهو يتجاوزها متوجها نحو المطبخٍ.
أيها المتحذلق، صاحت السيدة وهي ترفع طرف فستانها كيف تتمكن باللحاق به، كم مرة أخبرتك أن تحسن طريقة كلامك معي ! لا تنسى أنني المسؤولة عنكَ !
إنهما ظريفان، ابتسم إليوس وهو يحدق بهما.
إن كانت الظرافة مساوية للإزعاج، هذا بالتأكيد يعني أنهما ظريفان جدا، رد تيودور، لنَذهب للمكتبة، لدينا الكثير من التنظيف.
المكتبة؟ .. ربما علينا الاعتناء بالقاعة الرئيسية أولا.
صحيح، مأدبة الليلةِ.
__________________________
أنت تقرأ
حلقاتُ زُحل؛
Mystery / Thrillerفي مستنقع ضحل، تُزهر بين تلك الأشواكِ. البتلات تلأْلأْت شبه النجومِ. القصة ذات أصول بائسة،. إلى أين النهايةُ ؟.