٤.

60 15 0
                                    


أُمرر أصابعي على تلك الخيوطُ، راجيةً أن يصلكَ بكائي بين تلك الألحان السعيدةِ.

لَعنةٌ مستمرةٌ، حدادٌ على ما قُتلَ.

كوتسوولدز، الواقعة على مفترق من المقاطعات وسط الريف الغربي الإنجليزي على تلال كليف . مياه النهر تلونت بلون رمادي ضبابي يعكسُ برود سماء الليل. الأرض أمامكَ موحلة ، هواء الليل الرطب سيخنقكَ ، تَواصَل سقوط المطر لليالي متتابعةٍ والتربة واصلت الانجراف مفسحة المكان ليمتد النهرُ أكثر مقتربا نحو البيوت.

خلفك تتحرك حقول من الأعشاب المتطاولةِ على الامتداد يلمحُ قصر عائلة إيلورد، موطن قصص الرعبِ التي يتردد صداها في كل جُحر من المدينة. قصر الأشباح، مقبرةُ الملائكةِ التي أذنبتْ.


الحرب سَلبت على مدى عقودٍ جمال المدينة، اللون الأحمر على ضفاف الأنهار لم يكن صادرا عن فرشاةٍ فنان، كان دماء جماجم الجنود التي هشمتْ على حواف الطرقِ. كرهت السيدة إيلورد الحرب، مقتتها بكل جوارحها، في تلك الحرب قتلِ أمنها وسلب منها أعز ما تملك. نعمة السلام كان شيئا يجب الحفاظ عليهِ. لكن الآن هناك شيء آخر ستحرص على الحفاظ عليه، الملجأ يجب أن يبقى ملكية لها. وهي ستفعل كل لازم لتحقيقِ ذلكَ.

يا للقبحِ، واللعنةُ ما هذا ؟ صرخت أوديت محدقةٌ بالبقع الحمراء التي غطت الجدار. هل علي تنظيف هذا حقا؟. هل هي دماءٌ ؟

مجرد طلاء قديم، تكلمت نوفيليا بنبرة مواسيةٍ وهي تبلل قطعة القماش الرثِ، مُمرة حوافها على طول الحائط، محاولة الحفاظ على أكبر جزء منها نظيفا.

مر الأسبوع دون أحداث مهمة، عواصفُ متواصلةُ أعلنت قدوم الشتاء، فصل مكروه هنا، دفئ حطب المدفأة كان كافيا لمنع تجمد أطرافهن فقط. المطر قد تسرب إلى كل الغرف، وبمجرد توقفه وجب التنظيف في محاولة جعل الأرضية تجف، قبل أن يتساقط المطر مجددا، دائرة مغلقةٌ و مكررةٌ.

الأرضية كانت رطبة في كل زوايا الغرفة، ستكون قادرا على الشعور بالبلل يتسلل إلى أعظم نقطة في جسدكِ بمجرد الوقوف أمام الجدارِ. كان هذا شيئا مزعجا، و أوديت التي كانت تكره البرد وجدت تنظيف هذه الغرف عقابا لا تتحمله، أما نوفيليا لم تشتكي للحظةٍ. كلما قاما بالتنظيف بشكل أسرع كلما كان هذا أفضل. عضات الصقيع سترسم آثارها على أصابعهما إن ركزتا بمواصلة الحديث دون تحريك أيديهما.

يقالُ أن الشيطان يجد عملا للأيادي التي لا تعملْ، تكلمت نوفيليا.

الشيطان سيجدُ طريقه نحونا في كل حال من الأحوال، نحنُ في قعر الجحيم، سخرت أوديت. قبل أن تلتفتَ إلى عملها.

بقي الرواق فقط، ابتسمت نوفيليا ، وهي تمسح إطار اللوحة بكل حرصٍ
كم مر من الزمن منذ انتهاءِ الحربِ ؟ سألت اوديت وهي تنتصبُ لتحدق باللوحةِ أمامها.

٤ عقودِ من الزمن أجابت نوفيليا، ٤ عقود مرت منذ انطفاء نيران المعركةِ. الإنسان كائن غريب، متعاطف بشكل مبتذلٍ .. كيف لشخص أن يرثي حربا لم يخضها؟ تساءلت وهي تحدق باللون الذهبي المنبعث من اللوحةِ. مُمرة أصابعها على الحروف المنقوشةِ.

Henri Ludovic Marius Pinta (1856-1944): Ange musicien.

أبي خسر كل عائلته فيها، أليس هذا غريبا؟ تكلمت أوديت .. الحرب لم تستطع قتلهُ، ذلك الرصاص لم يستطع دفنهُ، لكن الحمى فعلت، كأن جسمه استهلك كل جبروتهِ ليصمد في وجه الحرب وانتهى به الأمر مهزوما أمام بعض الدفئ.

رفاهية تأمل الفن، سخرت أوديت، هل يجب أن نعتبر أنفسنا من أصحابِ الحظ الجيد ؟

نحن كذلك، أجابت نوفيليا.

إنها أصلية؟ سألت مجددا.

أجل، أجابت نوفيليا ببساطة.

يقال أن السيدة سليفيا ورثتها عن عائلتها، كان عليها أن تبيعها، ألم تَقل أنها تواجه صعوبة في توفير الغذاء؟

إنها إرث عائلي، ربما يمتلك من القيمة ماهو أكثر من المادةِ.



_________________________________


برأيك عزيزي القارئُ، إن كنت تسمح لي باستعمال كلمات التحبب من باب اللباقة الإجتماعيةِ طبعا.

أي اللوحتين مزيفٌ ؟

لا يمكن لكلاهما أن يكون أصليَّا.

حلقاتُ زُحل؛حيث تعيش القصص. اكتشف الآن