عندما تفرد جناحيكَ على المدى، في محاولتك نحو اكتشاف السماء،كم مرة عليك أن تقع،
قبل أن تتعلم التحليق ؟.
العائلة تحددُ بروابطِ الدم، ليس هناك علاقات أعمق مما يتم تمريره بين الأجيالِ. ماذا بالنسبةِ لمنْ لم يكن محظوظا كفايةً بالحصول على عائلةٍ، الرابط بينه وبين والديه هو مجردُ اسم على وثائق رسمية، تم توقيعها دون موافقتهِ حتى.
الأوبئة كانت غضبا إلهيا هذا ما تم تداوله من الحضارات القديمة إلى يومنا هذا، امتلأ ميزان الخطايا وعلى العقاب أن ينزل من السماءِ.
هل فقدان العائلةِ هو غضبُ من السماءِ ؟.
"فيما تفكرين؟" سألت أوديت وهي تحدق بصاحبة الشعر الأسود الذي بدت منهمكةً في تدوين حروفها على صفحات دفترها.
"هل تذكرين عائلتك؟" سألت نوفيليا بصوت صغير يكاد لا يسمع لولا وجود الأخيرة بقربها.
"عائلتي؟."
تساءلت أوديتْ. طبعا أتذكرها. لقد كانت لها من مباركة بقدرٍ كافي يجعلها تعيش إحدى عشر سنة كاملة مع والديها. على عكس أوديت التي توفيت والدتها أثناء ولادتها ولحقها والدها بعد نصف سنة فقط. لنترك في رعاية جدتها التي توفيت كذلك قبل أن تتم عامها التاسع حتى، لتجد نفسها أمام بوابة القصر في يوم ربيعي مشمسّ.
أيهما أسوأ؟ أن تفقد شيئا امتلكته أم شيئا لم تمتلكه يوما؟ البكاء على ماكان لك؟ أم البكاء على شيء رجوته بكل رغبةٍ؟ من منهما كانت بائسة بشكل أكبر، تساءلت أوديت؟ هي من لم تعرف معنى العائلة يوما؟ أو أوديت التي فقدت ذلك الدفئ قَصرا؟. كان تريد معرفة الإجابة حقا، لكنها اكتفت بكتابة آخر سطر قبل أن تغلق الدفتر، واضعة إياه تحت وسادتها.
"لا تعبسي،" تمتمت أوديتْ وهي تقرصُ خديها، "أنا عائلتك." أضافت وهي تضع ذراعها حول كتفها.
"أنتِ كذلك،" أكدت نوفيليا. لقد كانت كافيةً، شخصٌ واحد كان كافيًا فكرت وهي تشعر بالدفِئ يمر على كل جزء منها ليصل إلى قلبها. أن يحبكَ شخصٌ واحد بشكل صادقٍ لهو أكثر من كافي.
"هل تعتقدين أن إخفاء الدفتر عن السيدة سيلفيا أمر حسنٌ؟" سألت أوديت وهي تمرر أصابعها على الحروف المطرزة التي زينت الغلاف. لقد وجدت الدفتر قبل أيام، أثناء دورية التنظيف الأسبوعية، كأن هناك شق في الجدار قرب اللوحة تماما.
الأسماء المذكورة في الدفتر، كانت الأسماء الأولى لأشخاص دون ذكر أسماء العائلات. أعتقد أن السيد سيلفيا بحد ذاتها لن تكون قادرة على تحديد ماهية هذا الدفتر. أجابت نوفيليا موجهة نظرها نحو الدفتر.
"يبدو كسيرة ذاتيةٍ،" ابتسمت وهي تقلب صفحاته. لطالما أحبت القصص وان تمتلك الفرصة لقراءة واحدة قد تكون ربما حدثت في ذات الوقت والمكان الذي توجد هي فيه له أمرر محببٌ لقلبها.
"احتفظي به، أعتقد أن بعض القصص الواردة في الدفتر طريفة بشكل ما، خصوصا عندما يكون الحوار متعلقا بذلك القصير .." ردت أوديت بنبرة مستمتعة وهي تتأمل نظرات إعجاب نوفيليا بالدفتر
" تقصدين ..
"إياك أن تذكريني بأسمائهم مجددا،" مقاطعتها أوديت .. "لدي الكثير من الأشياء التي تذكرها، و أسماء شخصياتك الخيالية ليس منها."
"ربما ليست خيالية،" فكرت نوفيليا. "ربما هي لأشخاص واقعيين قد عاشوا في هذا القصر قبلنا."
"ليس مهما، "قاطعتها أوديت مجددا ، ثم علينا الإسراع نحو المكتبة. الدرس سيبدأ بعد دقائق فقط. وإن تأخرنا فإن ليلي الواشية ستحرص على إخبار السيدة ستيفاتي بذلك. تكلمت باستعجالٍ محاولة إيجاد ربطة شعرها، باحثة بعينيها كل زوايا الغرفةِ.
"ألم يضعوا جدولا دوريا لتنظيف المكتبة بعد كل درس؟" سألت نوفيليا وهي تحاول مساعدتها في البحثِ.
"لقد تطوعت ملينيا، كم هي شخص مجتهد بشكل مبتذلٍ، هل على الشخص أن يفعل كل شيء يؤمر به ليصبح شخصا جيدا في نظر المجتمعِ؟" أجابت أوديت بنبرة يملأها الإزعاج محاولة فهم ما يحدثُ .. " إن كان هذا ما علي أن أبذله لأصبح شخصا جيدا أفضل كوني من السوء ما يجعلني قادرة على قول لا لكل ما أرفضُ القيام به." أكملت كلامها قبل أن تقع عينيها على الربطة الحمراء المرمية خلف الطاولةِ
"معتقدات مثيرة للاهتمام،" ضحكت نوفيليا قبل أن تحمل دفاترها.
"أنا جادة " أكدت أوديت، وكذلك السيدة ستيفاني، ملينيا وهي متشابهتان بشكل كبير، اللطف يعني أن تفعل ما تُؤمر، أليس هذا لطفا منمقا؟ الغاية منه ليست مساعدة أي أحدٍ بل هو غاية مستميتة منك لإرضاء الآخرين في محاولةٍ يائسة منك لإيجاد الرضى النفسيِ.
أعتقد أن كون الشخص جيدا يرتبط بشكل نمطي بالمدى الذي يتبعه في محاولته إرضاء الآخرين وعدم قول لا، أعني الرفض بصفة عامةٍ . عليك القيام بكل ما يطلب منك دون أن تتذمر لثانية. الأمر يتعلق بآلية شخصية متعلقة بإثبات النفس والخوف من التسبب في مشكلة تجعلك تواجه غضبا ممن حولك الأمر بشرح أبسط يتعلق بكون بعض الأشخاص يربطون الإستحقاق بمن حولهم، استحقاهم للحب، الاهتمام وغير ذلك. تكلمت نوفيليا وهي تجمع أغراضها قبل أن تقف أمام الباب حيث صديقتها التي كان تنتظرها للخروج معا.
وهو كذلك، أكدت أوديت.
______________________
أنت تقرأ
حلقاتُ زُحل؛
Mystery / Thrillerفي مستنقع ضحل، تُزهر بين تلك الأشواكِ. البتلات تلأْلأْت شبه النجومِ. القصة ذات أصول بائسة،. إلى أين النهايةُ ؟.