أغمضْ عينيكَ وأصغي إلى تلك الترانيم،
سيصلكَ صوتي بين كل لحن."هل حقا علينا إخبار السيدة سيلفيا بما حدث؟." نبرة يملأها الملل غادرت شفاه صاحبة الشعر الأشقر وهي تجر قدميها بإجبار محاولة إقناع صديقتها بالعدول عن ذلك القرار الذي بدت مصممة عليه.
"علينا فعل هذا، " امتلكت نوفيليا شعورا غريبا ولسبب غير معلوم هي مقتنعة أنّ سيلفيا تمتلك جوابا لكل ما يحصل. ربما هو مجرد حدس، إحساس ربما لا يكون له أي صحة. لكنها ستخوض هذه التجربة على أساسه.
نزلتا عبر المنحدر المعشوشب، على طول الطريق المخضر بين الحديقة الخلفية والغرفة المنفصلة الخاصة بالسيدة سيلفيا. مشيتا المسافة كلها في صمت مطبق بعد أن انتهى ترجي أوديت. كان الطقس اليوم باعثا على البؤس، بردا شقيا زحف نحو العظام، الرياح تجد طريقها نحو تلك التنانير الثقيلة. وقفتا أمام المرجة خارج الغرفة وجرت طقوس تجهيز نفسي بدت طويلة، في محاولة لتحضير نفسيهما، وحين ختمتْ دلفتا نحو الرواق.
على عكس الجو المظلم والرطب خلف هذه الجدران، كانت القاعة هنا دافئة تحمل نوعا من الحميمية الأسرية، إضاءة برتقالية خافتة . حاولت نوفيليا تنظيم نبضها محاولة تعويض الأنفاس التي تناثرت منها أثناء عبورها إلى هنا.
ينفتحُ قفل الباب بعد طرقة واحدة مصرةٍ وحادة.
آه، نوفيليا ... و أوديت طبعا ابتسمت السيدة سيلفيا وهو تحدق بهما بابتسامة متكاسلة، بدا التعب ظاهرا عليها بشكل واضح، العديد من الملفات فوق سطح المكتب وبعضها قد افترش الأرض بإهمال.
"ربما، ربما أتينا في وقت غير مناسب" تكلمت نوفيليا مقلبة نظرها بين المكتب والباب في رغبة مفاجئة بالمغادرة.
تقف السيدة سيلفيا أمامها مباشرة، قبل أن تربت على كتفها مشيرة نحو الأريكة في وسط القاهرة ملمحة لهما بالجلوس.
"الأعمال لن تنتهي في أي وقت قريب، " نبرة هادئة قبل أن تأخذ مقعدا أمامهما.سيلفيا تعرف كلاهما منذ أن كان عمرها يُعد على يدٍ واحدة. وإن كانت تحب ملاحظة فتياتها العزيزات بشكل منفصل، فإن كانت اوديت حرة وشفافة كانت نوفيليا النقيض تماما. شخص يحب المشي بين الظلال بخطوات خرساء دون إحداث ضجيج ودون إثارة انتباه غير مرغوب به. لكن النظرة اليوم بدت حازمة أكثر بين تلك الحدقات رغبة مترجية لم ترها سيلفيا قبلُ.
لقد وجدنا .. تحدث أوديت قبل أن تصمت محدقة بنوفيليا، إيحاءات جسدية تشير لها بضرورة إصدار صوت. تضيقُ عيني نوفيليا بتركيز شديد، استغرق الأمر بضع ثواني قبل أن تأتيها الشجاعة لتُحرك لسانها.
"لقد وجدنا، دفترا .. مذكرات شخصية، بالأسماء الأولى دون أسماء عائلات ونريد منك مساعدتنا لإيجاد صاحبها. " استرسلت بالكلام دون توقف، قبل أن تظهر الدفتر الذي كان يختبأ وراء ظهرها. مدت السيدة سليفيا يدها نحوه قبل أن تلتقطه بسلاسة. وكان كما توقعت تماما، كان الجزء المفقود مما امتلكت. وقفت لتغلق الستائر، قبل أن تنتقل نحو درج مكتبها، مجموعة دفاتر من نفس النوع الذي وجدته نوفيليا، لكن الألوان تختلف. وضعت سيلفيا المجموعة أمامها قالت أنها مرتبةٌ حسب التاريخ وبدت كلها مذكرات شخصية مرتبطة. مجموعة قصصية واقعية. أشارت السيدة نحو نوفيليا لتسحب أول كتابٍ. فتحت أول صفحة كتب فيها بحروف واضحةٍ.
" إن حدث وأنني فتحت لك الباب نحو روحي كاشفا الستار عن قلبي ، تذكر أن تغلق الباب بإحكام خلفكَ، ما قيل هنا سيبقى هنا."
تأخذ السيدة سليفيا نفسا ضعيفا، تلتفتُ نحوهما عيناها معلقة على الدفتر بين يدي نوفيليا، "تذكران عندما كنت أقرأ لكما في كل ليلة قصة قبل النوم؟" ابتسامة حميمية فتحت العديد من الذكريات المُهترئة التي مر عليها سنوات طويلة. كيف لأي منهما أن تنسى، لقد كان ذلك الشيء الوحيد المؤكد والمطمئن بين الاحتمالات العديدة، الدفأ والآمال المولودة حديثا، كيف لأي منهن أن تنسى.
" ساقرأ لكما آخر قصةٍ." عن عالم يشبهُ الخاص بكما، عالم رمادي لم يرى الشمس تشرق سوى قليل المرات.
أمل بارد،
وعود لم تكن صادقةً بتكوين عائلات حقيقية، باكتناز ذكريات ستخيط تلك الجروح وتمحو تلك الندبات.
النافذة أُغلقت، ولاشيء يملأ تلك الجيوب سوى الأفكار والتساؤلات.
هل إليوس حصل على نهايةٍ سعيدة؟.
حلمه، هل كان قادرا على تحقيقه.؟
انسكب اللون الأصفر للكرة الباهتة التي حجبتها الغيوم، تدفق مثل تلك الآمال ذات الأجنحة المنكسرة، استصبغ بالأحمر معلنا نهاية اليوم. لون أصبح مألوفا. أحس الجميع أن الدفأ الذي ينبعث من الحطب المحترق بدأ ينجزرُ متحولا إلى برودة متصلبةٍ. الشمسُ تغيب خلف النهر، لونها يصتبغ بظلال قرمزيةٍ شاحبةٍ.
__________________________
أنت تقرأ
حلقاتُ زُحل؛
Mystery / Thrillerفي مستنقع ضحل، تُزهر بين تلك الأشواكِ. البتلات تلأْلأْت شبه النجومِ. القصة ذات أصول بائسة،. إلى أين النهايةُ ؟.