٧.

38 8 0
                                    


إن كان السُّحر* شيئا خياليا ، لا التعويذات ولا اللعنات، إذا كيف استطعت لمس قلبي بيديكَ ؟.

السحر = magic, بالمعنى الخيالي للكلمةِ.

لقد تخلت إليزابيث عن اسم عائلتها من أجل من تُحب ليس قرارا ندمت عليه للحظةٍ. بعد زواجهما حَرصا على جمع المال الكافي لشراء القصر المتهالك شمال البلدة. كانت تملك السيدة هيغن رؤية مستقبلية لما سيكون عليه القصر بعد عقد من الزمن، ربما كانت  نظرة رومانسية بشكل خيالي لكنها سعت بشكل دؤوب على العمل باجتهاد من أجل ذلك اليوم.

بعد سنوات قليلة من الزواج وبعد زيارة متواصلة لجميع أطباء البلد، وصلت   ال ثنائي إلى التصالح مع فكرة أنهما لن يستطيعا الحصول على ابن مهما حاولا.

دماء آل هيغن المشوبة بالإثم بدت كلعنة ستلاحقهما دائما. السعادة مقابلُ المال هذه كانت الصلاة المتواصلة لأسلافها. وبدا أن السماء استجابت. لأنها تستطيع أن تجزم أنها في كل مرة لامست فيها أناملها أحد أثواب السعادة كان يُسحب منها بشكل عنيف. تاركا خلفه الخيبة فقط.

الأحزان لا تأتي فرادى وبدا أن كفارة ذنوبها باهضةُ الثمن. لقد خرج زوجها في رحلة عمل إلى بلد آخر، يوما بعد دام الإنتظار دون أي خبر. انتظرت رسالته وبعد سنوات أصبحت تنتظر جثته. لكنها لم تحصل على إجابةٍ وافية. بين الحياة والموت، ترقب أزلي ورجاءٌ غير منقطع.

كان صباحا كئيبا، الشمس تختبِئ خلف السحب الرمادية، والأرض الرطبة قد تشربت الماء لعدة أيام تواصل فيها انهمار المطر. صوت البوابة الأمامية وهي تفتح جعلها تقف على عجلٍ ولكنها أدرى بأن استباق الأحداث لا يجلب غير المزيد من الخيبةِ وتثبيط الأمل الذي لا يزال يُزهر. ربما الرياح فقط كلمت نفسها محاولة كبح فصولها. قبل أن تضع وشاحها متوجها نحو ذلك الصوت.

خصلات شقراء بلون الذهب، تزامنت في تحركها مع اتجاه النسيم البارد. جسد صغير مغطى بثياب بالية وقف أمامها بنظرات مترددة. بقع الطين كانت تلطخ وجهه وكامل ملابسه. نظرت مطولا مترقبة بصمت ما يريد هذا الكائن الصغير الواقف أمامها. لكنه لم ينبس بحرف واحدٍ مواصلا اللعب بأطراف قميصه بأنامله الصغيرة الملوثة بالتراب. انحنت إلى مستوى نظره، ابتسامة مرتبكة رسمت على وجهها. قبل أن تسأل.

" هل أضعت طريقك نحو البيت؟."

هزة رأس متتردة يحاول فيها نفي كلامها. لتسأل مجددا.

"هل أنت جائع؟." بدا هذا سؤالا مناسبا أكثر، رفع رأسه نحوها والتقت بذلك اللون الزمردي في مقلتيه. ابتسامة خجلة جعلت ابتسامتها تتسعُ أكثر، قبل أن تضع أصابعه الصغيرة بين يدها عائدةً معه إلى البيت.

إذا ... نطقت محاولا كسر ذلك السكون الذي لم يأرقه سوى صوت المضغ الذي صدر عن ذلك الكائن الصغير. "هل تمتلك اسما؟. "سألت بترقب معلقة عينيها عليه. هزة رأس أخرى مترددة قبل أن يجيب.

"عمتي تناديني "الخنزير الصغير" تقول أنني لا أجيد سوى الأكل واللعب في الطين. لكنني لم أكن ألعب .. بيدرو قد دفعني على الأرض."

"بيدرو .." سألت

"ابن عمتي،" أجاب ذلك الصوت الهزيل.

"هل تعرف طريقك نحو منزل عمتك؟ يمكنني إيصالك بعد انتهاءك من الوجبة."

"لقد ذهبت، أخبرني مالك البيت أنهم سافروا، لقد عاد زوجها لبيت والدته."

"ذهبت دون أخذك معها؟" لقد كانت الإجابات واضحة، لذا لم تلح إليزابيث في السؤال قبل أن تربت على رأسه الصغير.

"هل تريد البقاء معي، يمكنني الإعتناء بك" سألت بابتسامة مترجية، واستطاعت رؤية توسع تلك الحدقات حين رفع رأسه نحوها وكانت تجزم أن هذا كان أوضح قبول صامتٍ.

"إليوس،" تكلمت دون تفكير، لتجد تلك الملامح المرتبكة ترتسم على وجهه

"هذا هو اسمك" تحدثت مجددا محدقة بتلك الخصلات الذهبية التي تشبه في لمعانها خيوط الضوء. "إليوس " همس صغير بدا وكأنه يجرب طعم تلك الحروف على لسانه. وقد كان طعما سُكريا غير مألوف بالنسبة له. ابتسامة مشرقةٌ وجدت طريقها نحو ثغره. وجزمت إليزابيث أن هذا الكائن الصغير أمامها كتلة من الشمسِ المتوجهة. ودون إنذار أصبح هذا الشتاء دافئا.

وهي تُقلب صفحات الكتاب بين يديها، شاردة في تلك الأفكار التي واصلت الطواف داخل فضاء عقلها.

"يمكنني تحويل القصر إلى ملجأ" تحدثت فجأة ليظن إليوس أنها تكلمه.

"ملجأ؟" سأل الصغير.

"هل تريد الحصول على أصدقاء؟" سألت إليزابيث بحماس وهي تمسك يدي إليوس الضئيلتين بين يديها، لقد مر شهر كامل منذ وصوله إلى هنا، جسمه لا يزال نحيفا لكنه بدا بصحة جيدة أكثر، الشحوب في وجهها اختفى وخدوده الزهرية أصبحت بارزة أكثر.

ودون انتظار جواب واصلت الحركة، جيئة وذهابا بين جدران الغرفة الواسعة، محاولا تنظيم كل الخطوات بإحكام وأول ماكان عليها فعله هو الحصول على موافقةٍ من مجلس المدينة. ولأول مرة منذ سنوات، شعرت إليزابيث أن اسم عائلتها يمتلك فائدةً.

________________________

حلقاتُ زُحل؛حيث تعيش القصص. اكتشف الآن