٩.

7 1 0
                                    


"السعادةُ حلقة كوكبيةٌ ، متلاحقةٌ شِبه فصول السَّنة، قلبك سيزهر ثم يذبل لتتساقط أوراقه قبل أن يُسقى من جديدٍ."

عودة إلى ماضي القريب، قبل أشهر من الآن ..

ذاكرته دائما تعود إلى  ذلك الفجر، قبل شهور من الآن ،فجرُ أول يوم من الأسبوع  .. بارد وخالي بشكل مرعب، مهجور دون أي صوتٍ ؛ دموع ذلك الفتى الصغير نزلت على وجهه ملطخة خديه، رسمت خطوطا متواصلة دون توقف مثل ألوان مائية على صفحة ورقيةٍ انسابت و تبعثرت تلك القطرات اللؤلؤية انتشرت مثل نجوم السماء في ليلةٍ مقمرةٍ.

هو لم يعي ما يحدث حوله بشكل جيد ،هو فقط واصل التحديق حوله دون إدراك ، اللون الأحمر للدماء كان مثل الضباب حجب كل ما أمامه حتى الأفكار داخل رأسه . صوت البكاء تعالى؛ حوله تلك الشهقات المتواصلة .. كل ذلك النحيب والعويل. عقله الصغير لم يستطع ربط الأحداث مهما حاول ليبدو كل شيء حوله ؛ أحجية غامضة تعذر على  طفل  سنوات عمره تُعد على أصابع يده الصغيرة  إيجاد حل لها ..

قلبه الواهن واصل العزف داخل صدره بكل عنف.  تنفسه أصبح غير منتظم وحاول بجهد إدخال بعض الهواء إلى رئتيه ، أن يتنفس رغم أن الألم كان مثل سكاكين حادة تخترقه، دموعه واصلت الإنهمار، تلك الكمية من المياه المالحة بدت قادرة على تنظيف كل تلك الدماء لو انسكبت عليها. ظن لبرهة أن قلبه سينفجر لشدة عنف نبضه أو أنه سيتوقف فجأة بعد كل تلك الضربات المتواصلة لكن قلبه لم يخذله على عكس كل شيء حوله، لقد  بقي صامداً .

لم  يستطع للحظة أن ينسى مهما حاول .. لقد حاول بجهدٍ طي تلك الصفحة البائسة...  لكنه لم يمتلك القدرة على  تمزيقها ورميها بعيدا على حرقها لتصبح رمادا  وتندثر مثل كل شيء جميل أراده أن يبقى معه  لكن أجزاء تلك الأحجية أصبحت صورة واضحة الآن .. هو فهم أخيرا ماذا خسر تلك الليلة. الذكريات واضحة كزجاج كرستالي، ومثل حبل مشنقة تلتف على رقبته كلما حاول الابتعاد عنها، تخنقه وتمنعه من الهروب، هو مجرد طفل، حياة الأطفال من المفترض أن تكون سهلة.

لكنه ليس طفلا فقط،

بعد الأشخاص يولدون كمأساةٍ


العائلة؟.

كلمةُ اختفت من قاموسه قبل أن تظهر مجددا الآن أمامه ، بحروف مبعثرة ومتفرقة، لكنها كانت واضحة ومقروءة.

إليوس يتمشى الآن في حديقة القصر منتظرا السيدة إليزابيث الشخص الذي أصبح عائلته الوحيدة ، لقد غادرت قائلة أن لديها عملا مهما. غرس وجهه الضئيل داخل وشاحهِ الصوفي، لم يكن الجو باردا على كل حال لكنها أصرت عليه عندما طلب إذنها بالمشي إلى حين عودتها. بدا أن الربيع يطرق الأبواب،رغم أن بوادره قد تأخرت في الظهور هذه السنة، فكل شيء مازال يرتدي ثوب الشتاء الكئيب.

لا أحد هنا كان يحب فصل الأمطار خصوصا إن كان منزلك تملأه الثقوب، لكن هذه المرة كانت القصة مختلفة. إليوس أحب صوت القطرات وهي تدق السقف،صوت انسيابها بعد ملامستها الأرض، رؤيتهت تنسكب من فوق الأشجار كبلورات زجاجية صقلت بإتقان، شعوره عندما تلامس وجهه الدافئ تحت تلك الملابس الصوفية المزغبة.

تساقط الثلوج لتغطي كل شيء،تثقل كاهل الأشجار ،فتجعلها تميل بهدوء، قمم الجبال وأسقف البيوت تتلون بالأبيض، صوت الرياح تعصف وهي تزمجر بكل عنف لتجعل كل شيء يتراقص رغما عنه ،تُمايل الأغصان شمالا ثم تدفعها يمينا.

جلس أمام المدفأة و هو يتأمل ألسنة اللهب تلتهم الحطب بشراهةٍ، الدفء الذي يدب في كل زاوية من جسده، لقد أحب الشتاء وكان هذا شعورا جديدا، بدأ أنه يجرب هنا العديد من الأشياء لأول مرة.

قاطع الصمت صوت المفتاح وكان هذا دليلا لعودتها. ركض بسرعة نحو الباب وكان هذا عادة اكتسبها كذلك. أن تنتظر أحدا كان شعورا باعثا للدفئ،

عيون مستديرة مثل الهررةِ، بريق ليلي ينم على التصلب والعناد، عن النهم في الحياة ، فكرة غريزية للبقاء. كان هذا أول ما أبصره إليوس من ملامح الفتى أمامه، كان يبدو في عمر مقارب له، أطول وأنحف لكن ما برز كان تلك العيون.

"دانيال،" همست السيدة إليزابيث " أول صديق لك." أكملت بابتهاج مشيرة نحو إليوس ليتقدم نحوهما.

عائلته تكبر شيئا فشيئا، بتدرج بطيء ستُجمع كل تلك الأجزاء المنكسرة، سيكون هناك بعض الفراغ عند تركيبها كقطعةٍ واحدة وستظهر تلك الشقوق بين كل جزء وآخر، لكنه متأكد أنها ستكون لوحة بديعة، الفن لا يجب أن يكون جميلا فقط، الفن عليه أن يجبرك على النظر نحوه.



______________________

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 07 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حلقاتُ زُحل؛حيث تعيش القصص. اكتشف الآن