رايتك صدفة - الفصل الثالث
الكاتبة صفاء حسنى
ضحكت، وكنت فرحانة أن نظرة الكل اتغيرت، الفلوس واللبسة بيعلي كرامة ال بن آدم، والبت الا مش بتشبع وتلبس في حضن أبوه هتعيش طول عمرها مكسورة. لكن (أجود) مشي من جانبي من غير ما يتكلم، وأنا عيوني عليه، شفوته وهو متجه نحو الشباب، وقال:
- معلش يا شباب، أنا محتاج ياسر في شغل، فرصة تانية تتجمعوا، وياريت مش هنا، عشان الحديقة ده من حق أهل البيت، وفي بنات ونسوان بيكون عايزين يمشوا براحتهم والا ايه يا ياسر؟ لو مش غيران على أهل بيتك، أنا بقي أغير.
أحرج ياسر، وهز راسه:
- عندك حق، هما الشباب كانوا جايين يتفقوا معايا على النقلة الجديد، يعني شغل.
ابتسم (أجود):
- الشغل في المكتب أو المصنع مش في البيوت، تعالوا معايا.
فعلاً اتجه محمود وياسر وأجود.
اتجه أجود عند أبوه وسأله:
- طمني، أبوها وافق تتنقل تقعد عندنا؟
رد عبد الرحمن:
- كل حاجة تمام.
ابتسم أجود:
- صح كدة، بدل ما يمنعوها تيجي ويلوي درعنا.
- وأريج وفقت تنقل مدرسة هنا.
تنهد عبد الرحمن بعصبية لم يتذكر الا حصل:
- قولت كله تمام يا أجود.
استغرب أجود ضيق أبوه:
- أنت زعلان ان طلبت منك تجيب أريج تقعد معانا؟
رفض عبد الرحمن:
- لا طبعا، أنت بتقول ايه ده؟ بنت اختي.
استغرب أجود:
- طيب مضيق ليه؟ مش بتقول كله تمام؟ اه نسيت الولاية التعليمية عملت فيها ايه؟ وليه اتاخرت اسبوع هناك؟
مسك ورق وحطه قدم أجود:
- كل ورق أريج، وكمان عقد تنازل.
مسك أجود وقرا، وبعد كده انتبه من التنازل، وسأله:
- مش فاهم تنازل ايه ده؟
تنهد عبد الرحمن بوجع:
- صلاح اتنازل عن حضانة بنته مقابل الشقة وشيك ٢٥٠ جنيه.
لم يستوعب أجود، شهق من الصدمة وقاعد مكانه شوية:
- أنت بتقول ايه؟ وأريج عرفت؟رايتك صدفة - الفصل الثالث
الكاتبة صفاء حسنى
اتأثر عبد الرحمن:
- عرفت طبعا، ما التأخير عشان اخدها واقعد في فندق على ما المحامي خلص الإجراءات، وبعد كده اخد التنازل وطلعت على مدرستها وسحبت ورقها وجينا.
سأله أجود بوجع:
- وأريج قالت ايه؟
تنهد الاب:
- خلال الأسبوع كانت ساكتة تمام، مش بتنطق حتى الدموع منزلتش، لدرجة كنت خايف عليها، لحد ما ركبنا العربية واحنا جينا، أو كلمة طلبتها مني اوديها ل محل هدوم عشان مش معها حاجة، سناء خرجتها بالفستان الا عليها بس.
كتم غيظه أجود:
- وازى تسمح ليها تعمل كدة؟ كنت خليتها أخدت هدومها غصب عنها.
وضح عبد الرحمن:
- كنت هعمل كدة، لكن أريج رفضت وقتها.
- ولم طلبت مني وقالت:
- "مش انت هتكون مكان بابا بعد كدة ومسؤل عني؟ جيب لي انت."، ولم قلت ليها "اكيد انا وبعدي أجود"، عارف ردت قالت ايه؟
سأله بلهفة أجود:
- قالت ايه؟
تنهد عبد الرحمن:
- شبهتك ب ابوها وقالت انك مش بتحبها زي ابوها، وممكن تبيعها عشان حبيبتك او مراتك.
انصدم أجود:
- أنا كدة ماشي يا أريج.
ضحك عبد الرحمن في وسط حزن:
- ما عنفك السبب على فكرة، وتجاهلك ليها.
- أنا عارف انك تعتبرها اختك زي أشجان، وهي كمان عارفة كدة، لكن اسلوبك خالها حست انها تقيل عندنا.
رفض أجود:
- بالعكس، انا كنت بستفززها عشان تطلب تقعد معانا.
تنهد الاب:
- هي لسه هتكمل تعليمها، وتعمل مستقبل لنفسها، تفكيرها يتغير لسه، أقدمها ٧ سنين يعمل عقل تاني وتفكير تاني.
- وصعب الا في نفسي يحصل.
سأله أجود:
- كان نفسك في ايه؟
تنهد عبد الرحمن:
- صعب، انت اصلا سنك دلوقتي انك تتجوز، والحمد لله متاح كل حاجة، صعب انسي.
رفض أجود:
- ومين قالك اني اتجوز دلوقتي؟
ضحك عبد الرحمن:
- يعني هتترهبن؟ ما انت عندك ٢٧ سنة، يعني اصلا اتاخرت على الزواج، وخصوصا شقتك جاهزة، وسنك مناسب، هو أنا الود ودي اصلا تكون من نصيبك، وتخلص تعليمها وتفضل معنا، لكن الفرق كبير ما بينكم، ياريت كان عند ولد اصغر منك.
هز راسه أجود بالنفي:
- الفرق ١٢ سنة بس.
ضحك عبد الرحمن:
- يا حبيبي عارف، لكن لو مثلا انت ٤٠ وهي ٢٨، تمام، عقلها يكون نضج، لكن هي ١٥ سنة، فاهمنى؟ عشان كدة كان الحل تكون تحت حضانة جدها، وكمان ولاية التعليمية من حقنا.
رايتك صدفة - الفصل الثالث
الكاتبة صفاء حسنى
هزّ رأسه أجود، وقاعد على المكتب وهو يتنهد ما بين نفسه:
- أنا عارف ان صعب حد يصدقني ان بحبها، عشان أنا دايم راسم وش الخشاب، كنت خايف يظهر حبي ليه اقدم عيونها واضعف، وهي طفلة بريئة. وابتسم ما بين نفسه: كنت فاكر كدة لحد ما رايتك صدفة، رايتك بمنظور تاني وعقل تاني، كنت وقتها عندنا وانتي في ستة ابتدائي، كنت عندك ١١ سنة تقريباً، وقتها كنت في الحديقة، المفروض بتلعب زي كل الأطفال الا في سنك، لكن لاقيتك قاعده على الاريكة المتحركة وتتأمل السماء، وقتها سالتك أشجان الا كانت همزة الوصل ما بينا، كنت دايم ابعتها ليك وقتها، دخلت جيبتها.
أشجان:
- انتوا سايبين أريج ل وحدها ليه؟
نظرت أشجان:
- يخبر، أنا كنت فاكرة بتلعب مع ملك ومحمود، انت عارف سنهم قريب من بعد.
تنهد أجود:
- طيب روح خليه تلعب معهم.
وفعلاً قربت أشجان، وأنا كنت انسحب، لكن لم سالتك، وانتي رديت عليها، اوقفني الرد.
- متقوم تلعب مع ملك ومحمود يا أريج، اقعدة ليه، وتتأمل ايه؟
نظرت أريج لسماء:
- القمر شبهي صح؟
ابتسمت أشجان:
- طبعا انتي قمر ١٤.
هزّت رأسها بالنفي أريج:
- مقصدش الشكل، لان درست في العلوم ان القمر جسم معتم ملي بالظلام، ووحيد اه بيعكس ضوء الشمس، وده الا بيعطنى النور، لكن هو ملي بالظلام، وأنا زيه، وممكن أكون حجرة عايشة جواها.
استغربت أشجان كلامها:
- انتي بتقولي كدة ليه، وايه الكلام الكبير ده؟
كانت أريج تنظر إلى القمر:
- هي ماما روحها موجوده في أنهى نجمة؟ اكيد المنورة، واكيد أخوي الا مات جواها النجم الصغير، هي ليه ماخدتنيش معها وجبيته هو على الاقل هو ولد يستحمل اي حاجة؟
نزلت دموع أشجان، واقتربت منها وضمتها:
- يا حبيبتي وانتي كمان قوي.
نظرت لها أريج:
- انتي عارفة اول مرة حد يعمل معايا كدة؟
استغربت أشجان:
- كدة ازى؟ تقصد يضمك ما بين صدره؟
هزّت رأسها أريج:
- اه، أنا عارفة ان تقيل على الكل، وبحاول مطلبش اي حاجة من حد، عشان محدش يكرهني، نفسي اروح عند ماما.
وفجأة اغمى عليها.
أنا انصدمت، الوجع الا جواك يا أريج، متصورتش عقلك كبير أو كدة، اه طول عمرك هدى وسكتة، وضحكتك منورة وشك، لكن مكنتش متخيل مخبي كل الوجع ده.
جريت عليك حملتك ما بين دراعات، وقتها حسيت بقلبي بيدق بشدة، ومدة ايد على راسك، كنت دافى وحرارتك مرتفعة، وبتلهوسة بتنادى على امك.
دخلت الاوضه وانصدمت لم شفوت فراشة على الأرض.
وسالت أشجان:
- الفراش ده ليه على الأرض؟
ارتبكت أشجان:
- أريج بتحب تنام على الأرض.
صرخ فيها أجود:
- انتي بتقولي ايه؟
نادى على ماما بسرعة، وحسابك مع بابا.
- أريج حرارته مرتفعة، اكيد أخدت برد، وانتي ومُلك كل واحدة نايمة على سرير.
وصرخ:
- امي، ابوي، عمتي.
الكل اتجمع بسرعة، سأله عبد الرحمن:
- خير يا أجود؟
صرخ أجود:
رايتك صدفة - الفصل الثالث
الكاتبة صفاء حسنى
تنهدت أشجان:
- كانت عايزة تاخد منها هدوم عشان هدومي كبيرة عليها، ومُلك قريبه من طولها، لكن وقتها ملك قالت:
- "هو انتي على طول كدة؟ اديك هدوم من عندي تلبسيها، وبعد كده تاخدها معاكِ تاني مرة، ترجع من غيرها، خلصت هدومي."
وقفت أريج مكسورة:
- اسفة، مش عاوزة حاجة.
وراحت نامت على الأرض، ولم سالتها قالت:
- "مراتة بتخلينى انام على الأرض عشان السرير صغير ومكفى اخواتي بس، فتعود على الأرض."
ولم سالتها:
- "هي مرات أبوكي مش حنين معاكِ، وعشان كدة بتاخد الهدوم الا ملك بتديه ليك صح؟"
ردت عليا:
- اه.
انصدم عبد الرحمن.
في الوقت ده كانت عمتها اتصلت بالدكتور، وكشف عليها، وطلب منهم:
- "البت عندها هبوط، ووضح جدا انها عندها انيميا، محتاجة غذى، لازم تتنقل على المستشفى عشان نفوقها وكمان نعالجها ونعلق محلول."
وقعت الكلمة على الكل بصدمة.
الكل كان في حالة صدمة من الحقيقة الا عرفوها، كبارة البلد الا عندهم اطيان ومصنع للقطن والقمح، بنتهم عندها انيميا وضعيفي.
وقتها اتنقلت، وفعلاً نامت في المستشفى يومين، كان مقيم فيهم أشجان وأجود، وبيهتم بيها، ومن الوقت ده وقعت في حبه أريج، شعرت معه حنان الاب والام، خصوصا لم كان يعدلها ويشربه العلاج، ياكلها، ومن وقتها بقي دايم تفكر في أريج، وتحاول التفكير ل حب.
فاق أجود من الذكريات.باك.
رايتك صدفة - الفصل الثالث
الكاتبة صفاء حسنى
ومن وقتها بقي موجود معاكِ، ومش معاكِ، عيوني بخبيها منك ل تفضحني، مستني لم تخلص تعليمك ويجي اليوم الا اقدر اعترف اقدم الكل.
وافتكر حاجة، قام من مكانه.
عند البنات
دخلت ملك وراء أشجان وأريج:
- شفوتي عمل ايه اخواكي؟
نظرت لها أشجان:
- عمل ايه تاني؟
استغربت ملك:
- هو كان عمل اولا المهم، طرد الشباب بشياكة، ومنع اي شباب تتجمع في الحديقة.
ابتسمت أشجان:
- طبعا عنده حق، مش أريج اول ما دخلت خلعت الحجاب، وكانها داخلة البيت، رغم ازهرى وعارفة ان حرام اصلا نقعد بشعرين، اقدم ياسر ومحمود وأجود تروح تخلع الحجاب اقدم الكل.
حسيت ب الاحراج من نفسي، ازى فعلاً نسيت نفسي للدرجة ده.
دفعت عنها ملك:
- وفيه ايه يعني؟ مرة من نفسها، كلنا جاءت علينا لحظة نفسنا نخلع الحجاب ونخرج بشعرنا، خصوصا واحنا داخلين الثانوي، انتي عارفة تعليم الازهري بيفرض علينا الحجاب من سنة اول ابتدائي، يعني مش بيكون عندنا الاختيار، والتعود نكبر على الاعتياد، لكن في لحظات نتجنن في دماغنا.
ضحكت أشجان:
- عندك حق، انا جاتلي فترة وانا في اول ثانوي، واتجننت وخلعت الحجاب عند المصورتي واتصورت انا واصحابي، بس لازم أريج تفهم طبعهم هنا، عشان هتقعد معانا على طول، صح يا أريج؟
في الوقت ده افتكرت بيع بابا لي، وكنت محرجة اتكلم، واستذنت منهم هدخل اغير هدومي.
لكن وقفنا أجود وقال:
- استنى عندك.
تابع: