10_التصالح مع النفس

43 8 13
                                    

ظلام دامس، لا شيئ يسمع في تلك الغرفة الكئيبة غير صوت أنفاس مضطربة، وقضم للأظافر. هناك، حيث كان يجلس فهد فوق سريره، يده اليمنى تمسك رأسه، واليسرى يقضم أظافرها، بينما ركبتيه تلامسان صدره وتسبب له آلما من شدة ضغطه عليهما. كان في حالة نفسية خطيرة، يبدو كالمجنون بجلسته.

توقف عن قضم أظافره، وبسط كفه أمامه يلاحظ العرق الغزير الذي يتصبب منها...لقد إنتبه توا أنه يعصر يده بحدة.

تنهد طويلا، ثم تكلم يحدث نفسه بصوت عال كلأحمق:

_"كفى كفى، ما هذا الوضع المزري... لما أفكاري يصعب إلجامها؟... لما أفكر كثيرا في أشياء قد مضت؟... لما الإعتراف بما خالج صدري لسنوات جعل قلبي يزيح أثقاله ليرميها أفكارا على عقلي؟ توقف أيها الرأس الغبي عن التفكير...سأنفجر..."

إستقام من مكانه، وراح يسير بالغرفة ذهابا وإيابا بخطوات سريعة يحاول إسكات عقله قليلا وإشغاله. لكن دون جدوى، فجلس أرضا يجعل برودة ترتفع لجسده مسببة قشعريرة مرت على طول نخاعه الشوكي، إلا أنها كانت نوعا ما منعشة بالنسبة له. فضم جسده له، وأخذ ينظر في زوايا الغرفة المضلمة أين تسللت ذكرى إلى رأسه

Flashbac

نسيم بارد يتسلل من نافذة الغرفة المفتوحة، جعل جسد ذلك المراهق يقشعر، إلا أنه لم يرفع رأسه من على ركبتيه حتى، غير مباليا بإمكانية مرضه، و لا الظلام في هذه الغرفة.

أنين خافت صدر عنه. لقد كان يكبت دموعه طوال النهار، لكن حان وقت نزع غشاء الكذب والتمثيل، لتشهد هذه الجدران الأربعة إنهيار هذا المكافح. نهارا يضحك ويبتسم، وليلا يتمزق ويتفكك.

صوت صراخ من الطابق السفلي خارج الغرفة يزداد حدة مع مرور الوقت. يجعل من الفتى يتضرر بنسبة أكبر، فهو لا ينام إلا و والديه غرقا في نوم عميق. لكن هذه الأيام، قلت فترات نومه بشكل ملحوظ للكل. حتى إسود جفنه السفلي، إحمرت عيناه، و أصابتها عدة إلتهابات بسبب كثرة البكاء. أما بشرته فقد ساءت حالتها كثيرا. لكن من يلاحظ ذلك؟، من يملك هذا الصغير ليشعر به غير أهله الذين أهملوه بالفترة الأخيرة؟. لم يكن يعلم أن البكاء الصامت والذي يقوم به الأن، هو أخطر أنواع البكاء بحيث أنه يسبب صدمة نفسية كبيرة وتوتر داخلي ينتج عنه ألم زائد وضغط لا يحتمل... لكن مرة أخرى، من قد يبالي بمراهق يظنه الأغلب يسهر طوال الليل على شاشات الهواتف. من سيلاحظ أن الهاتف لا يتسبب بارهاق نفسي وجسدي مثل ما حصل معه. من سيفكر في تكذيب فتا قال ان الهاتف سبب مرضه، بينما الكل يعلم أن المراهقين يرفضون الإعتراف بالأمر ولو كان صحيحا.

في هذا السن، من المفترض أن يعيش أفضل أيام جياته. يتجول مع صحبته، يستمتع باللعب مع رفاقه، ويشكو لهم عن ضغوطاته التي تتشكل بهيئة الدراسة والمدرسة. إلا أن فهد كان يعيش مشاكل أكبر من هذه بكثير. الدراسة... إخفاء للمشاعر... تألم وكبت للبكاء... أوضاعه العائلية... إختفاء أخيه. كلها يواجهها مراهق لم يتعدى ال16. حتى الكبار بعضهم لم يكن ليتحمل. غريب هذا الصبر الذي يملكه.

متاهات وهميةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن