متاهات وهمية

18_أول جلسة

الشمس هذا اليوم حارقة جدا خصوصا في هذا الوقت، وتلك الطبيبة لم تختر موعدا للعلاج إلا بهذا اليوم وهذا التوقيت!.

مسح على جبينه حبيبات العرق المتشكلة، ثم تأكد من الساعة دون الإضطرار لرفع كم قميصه لأنه يرتدي قميصا بلا أكمام. وهنا فقط دخل للعيادة بقلب مطمئن لأنه لن يضطر للإنتظار طويلا فقد جاء في الوقت مباشرة.

صعد الدرج ليجد أمامه باب العيادة الرئيسي مفتوحا، دلف إليه وسأل موظفة الإستقبال عن رقمه. وحمدا لله، دوره سيحين بعد خروج الزائر الحالي.

أطلق نفسا مرتاحا، وجلس بأحد الكراسي الفارغة واضعا يديه على فخذيه شارد الذهن.

هل حقا أتى اليوم الذي سأزور فيه طبيبا نفسيا للعلاج؟

كان هذا جل تفكيره بحسرة على حاضره، لكنه يرجو الأفضل لمستقبله، أو على الأقل... مستقبل الأقرباء منه.

بقي على ذلك الحال ينظر للفراغ حتى نادت الموظفة بإسمه ليقف كي يدخل تلك الغرفة ثانية.

أدار المقبض، ثم فتح الباب. فإستقبله نسيم قليل منعش من النافذة المفتوحة، لتنجرف عيناه بعدها للطبيبة التي إستدارت بكرسيها المتحرك ناحيته بعد أن كانت تدون شيئا على مكتبها تعطيه ظهرها.

إبتسمت برسمية ثم نظرت لساعتها تقول بفرحة

_"رائع، أخيرا سأذهب لأستريح، أنت أخر زائر. لقد مضى الوقت بسرعة"

أومأ بلا مبالاة يجلس على الكنبة يقابل كرسيها المتحرك التي قرّبته قليلا ناحيته لتتحدث

_"لا حاجة للتوتر أو أي شيئ، ستكون بضع أسئلة لفحص حالتك وتقييمها فقط لمعرفة ما إذ كان عليك أخذ علاج، أم فقط حصص دردشة."

أومأ فهد ثانية وقد بدأ يركز مع محيطه

_"إذا أخبرني يا فهد، ما أسباب طلبك العلاج؟"

رفع فهد حدقيتاه بتفكير ، ثم أردف

_"حسنا، بداية أنا شخص لديه مشاكل في التعبير عن أحاسيسه، وسوء تقدير لها. كما أني...-

صمت لثواني يرفع عيناه لها والتوتر ظاهر عليه لإنقباض قبضته على فخذه وجلسته الغير مرتاحة.

حك رقبته ببطء، فأومأت تحثّه على الكلام مع إبتسامة رسمية مريحة وغير مريحة له في نفس الوقت. وما لبث حتى وجد نفسه يكمل مع إخفاض بصره

_"أشعر بضغط كبير من كل النحاوي، لا أستطيع تقبل أي خير أو أي شخص يتعامل معي بشكل جيد، حتى صديق طفولتي! أحاول الإنسجام معه... التصرف براحة، لكني دائما حمل ثقيل على أكتافه. لا أستطيع مواكبة شخصيته المتحمسة، الحرة الطليقة، العفوية، الإجتماعية وكثيرة الكلام والمزاح بينما أنا شخص إنطوائي كتوم مؤذي لمحيطه المكون حرفيا من فردين أو ثلاثة."