13_ماض بريئ

24 4 10
                                    

سحب سوداء غطت ذلك القمر الوحيد، تخفي من بريقه شيئا تأخذه لنفسها. الجو هذا ينذر بهطول أمطار غزيرة.

المنظر من النافذة المفتوحة يبدو مهيبا... نعم، إنه الجو الملائم تماما لهذه الليلة.

غرفة حملت جدرانها أسرارا أكبر من مساحتها، وصمتا تكلم أكثر من هذين الجالسين هناك.

الهواء هناك مشحون وخانق. فإستقام فهد من مكانه يطقطق أصابعه، ليتبعه زياد يمسك يده مردفا:

_"أخي،  أين تذهب؟"

_"ليلة طويلة... أحتاج القهوة"

ضحك زياد بخفة ثم إبتسم يقول:

_"أفزعتني، ضننتك خلتني أكذب"

_"لن أنكر، الأمر صعب التصديق، خصوصا وأني صدقت والدي دون التشكيك به للحظة، لأكتشف بثانية أن المعلومة التي كنت أقر بصحتها منذ طفولتي محض... كذبة، الأمر إختلط علي وتشوشت قليلا."

_"حسنا إذن، إذهب لتعد القهوة وسأنتظرك هنا كي أدعك ترتب أفكارك ولتحصل على مساحتك الشخصية"

إبتسم فهد بهدوء يفكر في كيف أن زياد يفهمه دون حاجته إلى الكلام ودوما ما يكون إيجابيا ومصدر تفاؤل وطاقة. شخص حساس ومرح، عكسه...

تنهد يستدير بعد أن كان لجهة الباب، ثم عانق أخاه بقوة. شعر كلاهما بالأمان أخيرا، والحنين... الحنين إلى الطفولة والذكريات. مضى على أخر عناق لهما عشر سنوات... عشر سنوات كاملة لم يتكلما كأخوين حتى.

لم ينطق أحد منهما، فالموقف تكلم وعبر أكثر مما قد تفعل الكلمات. ثم وكما عانقه بصمت، غادر تلك الغرفة بصمت أيضا يتجه للمطبخ بالطابق السفلي.

وهناك أثناء تحريك حبيبات القهوة الطافية فوق الماء الساخن، تغطي بلونها الأسود على شفافية المياه. كان فهد ساهيا شاردا يستذكر فصلا أخر من ذكرياته... حدث متعلق بوالده.

Flash Bach...

في ذلك اليوم مشرق، كان العام الثاني لوجود زياد في هذه الحياة، أي أن فهد يبلغ من العمر ست سنوات.

إستيقظ ذاك الصباح متجها لمدرسته. غسل وجهه، إرتدى ملابسه، ثم تناول فطوره ليقله أباه كسائر الأيام.

حين إجتاز تلك الباب الكبيرة وخرج من رعاية والده إلى رعاية هذه المؤسسة دخل إلى قسمه يجلس بجانب صديقه الجديد الغريب، فؤاد.

كان طفلا حيويا يمتلك من الطاقة ما يخول له إنارة الكوكب وسيتبقى له بقشيش. فهد لا يمزح، منذ أن إلتقى بهذا الشيطان وهو لا يعرف للهدوء مدخلا، كان قبلا يجلس وحيدا  في أي طاولة توفرت، يركز مع المعلم أثناء الحصة وفي الفسحة يأكل لمجته حين تصفحه لأحد الكتب أو مراجعة دروسه. لكن الأن... يود الصراخ من التعب. طوال اليوم تجد فؤاد ملتصق به في كل مكان، يجلس معه في طاولته، يتحدث معه في الفسحة أو حتى وسط الحصة، يبقى معه عند إنتهاء الحصص. وهو طفل هادئ بشكل غريب عكس اقرانه من الفتيان.

متاهات وهميةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن