كُوبُ قَهْوَةٍ

270 23 39
                                    

"بينما يبحث الإنسان عن الهدف، يصادف غالبًا ما لم يكن يبحث عنه، وهذه الصدفة تغير مسار حياته بشكل دائم."

فيودور دوستويفسكي

في صباح يوم شتوي بارد، كانت تقف على رصيف الشارع، تنتظر إشارة المرور الحمراء لتتوقف السيارات وتتمكن من عبور الطريق. كانت السماء ملبدة بالغيوم، والرياح الباردة تلفح وجهها كأنها صفعات من برد لا ينتهي. الهواء كان محملاً برائحة المطر القادمة، والأشجار العارية من أوراقها بدت كأنها هياكل عظمية متشبثة بالأرض.

كانت أفكارها متشابكة كخيوط عنكبوت تتقاذفها الرياح، تتأمل وجوه المارة وعينيها تبحثان عن شيء لا تعرف ماهيته. الحزن يعتصر قلبها كقبضة حديدية، والوجع يثقل على صدرها كصخرة عظيمة. كانت الوحدة تلتهمها ببطء، كما يلتهم الجوع الجسد الهزيل. شعرت وكأنها تائهة في بحر من المشاعر المضطربة، تتقاذفها الأمواج من جهة إلى أخرى.

عيناها متعبتان من كثرة التفكير والسهر. كانت الليالي تمضي عليها كأنها دهور، والظلام يحاصرها من كل صوب. كانت تفكر في كل شيء ولا شيء في آن واحد؛ في الأيام التي مضت، في الخيبات التي لاحقتها. كانت الوحدة تبتلعها كما يبتلع المحيط قطرة ماء، لا تترك لها مجالاً للتنفس أو الهروب.

فجأة، لمحت بجانبها شابًا أنيقًا، يرتدي بدلة رسمية، ممسكًا بهاتفه الذكي. كان غارقًا في شاشة هاتفه، يتصفح ما بها من أخبار أو ربما رسائل، بينما هي كانت غارقة في بحر وحدتها وألمها. بدا منشغلاً تمامًا، كأنما العالم الخارجي لا يعنيه. لفت انتباهها وسامته وأناقة مظهره، لكن شيئًا ما في داخله لم يكن مشابهاً لبرود العالم من حوله.

رفع الشاب عينيه من شاشة هاتفه ونظر إليها متعجباً، قائلاً: "لماذا تنظرين إلىَّ بهذه الطريقة؟! "

لتسأل نفسها في صمت وعينها مازالت معلقة عليه، "معه حق لماذا أنظر إليه بمثل هذه الطريقة ... ولكن أشعر أني أريد الحديث معه لا أدري لماذا ... هل تُراني جننتُ الآن ؟!"

بجسارة غير متوقعة، تغلبت على ترددها وسألته فجأة، بأغبى سؤال قد يخطر على بال أحد في تلك اللحظة: "هل.. هل انا قبيحة؟!"

ليجيبها باندهاش تام علي سؤالها المفاجئ له وفي هذا المكان وأيضا لرجل غريب لا تعرفه، "ماذا؟"

لتُبعد عيناها عنه في الجهة المخالفة له أغمضت عينها في تأنيب علي ما فعلته محادثة نفسها مجدداً، "ما الذي قلته؟ .. هل هناك أحد يخرجني من هذه الورطة؟ هل تراني جننت؟ .. من هو حتى أسأله هذا السؤال؟ اااخ على رأسي وما يفكر به."

ولكن تتفلت الحروف وتقف جرأتها امام مطب الريح في ثقة وقوة، "أسألك أنت ... هل حقاً تراني قبيحة؟! رفيعة لدرجة لا يتحملها أحد أو سمينة لدرجة لا تتقبلها الأعين ... وشعري هل منظره مخيف؟!"

My Refuge - مُتَنَفَّسِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن