لَا تَتْرُكْنِي

32 4 8
                                    

"الحزن هو هدية من السماء، فبدونه لا نفهم طعم الفرح."

فيكتور هوغو

في حضرة الحياة، تتلبسنا لحظات الضعف والقوة، وننجرف في أمواج التجارب التي تتساقط علينا كالأمطار من السماء. فالإنسان، كما قال الشاعر الجاحظ في مدح الصبر والتحمل: "إنَّما الصبر مفتاح الفرج، ومن زرع الصبر جني الفرجا"

في تلك الكلمات، تتجلى حكمة تقبل الإنسان للمحن والصعاب التي تقتحم حياته، فالصبر ليس مجرد صفة، بل هو موقف روحي يسلحنا بقوة لنتأقلم مع ضغوطات الزمان والمكان.

في كل ركن من ركني هذا الكون، ترتسم قصص البشرية بألوان مختلفة، حيث ينسجم الفرد مع ما يحمله من أعباء ومسؤوليات. وكما قال الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد: "واصبر لحكم رب السماء ما اختلفت دعوتك ما انفكت"

تحثنا تلك الكلمات على الثبات والتحمل، وعلى أن الصبر له دور كبير في تخطي الصعاب والتغلب على التحديات. إذاً، فالحياة ليست سوى سلسلة من اللحظات التي تعلمنا كيف نتأقلم معها، نصنع منها فرصاً للنمو والتطور، ونحول الصعاب إلى دروس تعلمناها بفخر وصبر.

في نهاية المطاف، تبقى قصص الصمود والتحمل من أروع ما ينبغي أن نراه، ففي كل مشهد من مشاهد الحياة، تحفظ لنا الأرواح دروساً لا تُنسى في كيفية الصمود والتأقلم مع تقلباتها المتقلبة.

في ليلة روسية قارسة البرودة، حيث تغطت الثلوج الأرض ببياضها الناصع، يعكس أضواء الهليكوبتر التي كانت تختفي تدريجياً هذا المنظر المذهل. بينما نزلت من الطائرة بخطوات ثابتة، شعرت بوزن المسؤولية الكبيرة التي تنتظرها. قدمها غمرتهما قوة وإصرار لا مثيل لهما، إذ علمت أن كل خطوة في هذا المكان البعيد تحمل معها أعباءً لا تنتهي.

أمامها، كان أسطول من المركبات السوداء ينتظرها، مصطفة بدقة عسكرية تامة، أضواءها الزرقاء الصغيرة تضفي على المكان جواً من الجدية والرهبة. الرجال في زيهم الرسمي يقفون بصرامة، أعينهم تتبع خطواتها بانتظار ما هو قادم، وكل هذا بحضورها الخاص.

بشكل رسمي، هبطت على الأرض، حيث صدح صوت حذائها الثقيل على الثلج، وشعرت بصلابة الأرض تحت أقدامها كتذكير بجدية المهمة التي تنتظرها. أخذت نفساً عميقاً، الهواء البارد يحتل رئتيها، لكنها لم تتراجع. بدلاً من ذلك، تقدمت بثبات نحو الشاب الضخم الذي كان ينتظرها بمقدمة الأسطول.

"مرحباً بالڤيرا في روسيا." كان صوت الشاب الضخم عميقاً وحازماً، وهو يؤدي تحية عسكرية بيديه مضمومتين خلف ظهره بإحكام.

ابتسمت بزاوية في فمها، مستجيبة للتحية بإيماءة سريعة، ثم أجابت بصوت واثق: "شكراً لك. دعنا نبدأ فوراً."

انضم الشاب الضخم إلى جانبها، مشيراً بإحدى يديه نحو المركبة الأولى المجهزة بالمعدات اللازمة. "الأسطول جاهز بأكمله بأوامرك، ڤيرا. نحن ننتظر تعليماتك."

My Refuge - مُتَنَفَّسِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن