الفصل الثالث

77 6 6
                                    

الفصل الثالث /
أحيانا نظن أن الوصول لأهدافنا هي نهاية الطريق ، ولكن في الحقيقة ما هي سوى بداية جديدة .
بمنزل عائلة سراج /
دلف مراد ويبدو على وجهه السعادة
_الله يسهلو يا دوك ، مبارك يا جميل .
تحولت إبتساماته لضحكات وإحتضنه مردفا :
_ الله يبارك فيك تسلم يا أيمن باشا عقبالك .
صفعه على رأسه مازحا ثم سأله :
_ أخبار العروسة إيه؟
_زي القمر
قالها بحالمية جعلت الأخر يضحك قائلا :
_ طب إتجدعن بقي عاوزين نفرح بيكوا
_عيوني ياعمو
قالها بإستفزاز ، ليتذمر أيمن مردفا :
_إنتي يابني مصمم تحسسني إني كبير دول يادوب خمستاشر سنة فرق.
نظر له مراد بتأمل مصطنع ثم أردف :
_أقنعتني الصراحة
_شوفت ، يالا بقي أنا هتوكل على الله وأمشي
ما إن أنهى جملته حتى عبس مراد وتحدث بضيق :
_إيه ده مش كنت قولت هتفضل يومين كمان؟!
أمسك بحقيبته وإستعد للخروج وهويوضح له :
_كنت عامل حسابي على كده بس في مأمورية جديدة ولازم أروح
_ربنا يوفقك ويسترها معاك
قالها بحب محتضنا إياه مودعا له .
.............
في إحدي الحواري الشعبية ببيت متهالك في الدور الثالث داخل الشقة الرثة المظهر كصاحبتها
نجد فتاه عشرينية ذو ملامح ملائكية ترتدي الملابس الرثة تقف بالمطبخ تتابع طعامها البسيط فوق الموقد لتتفاجأ بطرق شديد على باب الشقة لتذهب مسرعة وتجذب الحجاب لتضعه فوق رأسها سريعا وتفتح الباب مرحبة :
_أهلا يا ست فردوس إتفضلي
نظرت لها تلك السيدة بإمتعاض مردفة :
_لا أهلا ولا سهلا يا بسمة أنا مش جاية أضايف
شعرت بسمة بالقلق من لهجتها وتساءلت بتردد :
_خير يا ست فردوس؟
_بصي إحنا قبلنا نسكنك عندنا رغم إنك بنت لوحدك والكلام هيكتر بس قولنا دي بنت يتيمة ونكسب فيها ثواب، بس بقي الكيل فاض بقالك تلت شهور مدفعتيش لا إجار ولا ماية وده ميرضيش ربنا.
كانت تتحدث بعصبية أربكت الأخرى أكثر لتحاول تهدئتها :
_ياست فردوس والله غصب عني ، أنا ...
قاطعتها تلك المرأة بعنف مردفة :
_ الكلام معدش ييجي بفايدة بكرة تسيبي الشقة أنا برده هطلع بنت أصول وهسيبك تباتي فيها الليلة لغاية ما ترتبي أمورك .
نظرت لها بقلة حيلة وبدموع تهدد بالسقوط تشدقت :
_هروح فين بس يا ست فردوس؟
_وأنا مالي يأختي حد قالك إني فاتحاها سبيل
قالتها بقسوة ،وهي تشيح بيديها وتركتها ورحلت وهي تتمتم بالكلمات الغاضبة
_ يارب  إنت إل عالم بحالي دبرها من عندك
قالتها ببكاء حار وهي تجثو أرضا وتستند برأسها على الباب بقلة حيلة
.........
في المساء /
إجتمع الجميع على طاولة الطعام لتناول وجبة العشاء وكان الصمت حليفهم إلا أن قطعه محمد قائلا:
_ عامر إبن الحاج محروس عاوز يناسبنا
مصطفي بتعجب :
_يناسبنا في مين؟
محمد بهدوء وكأن ما يقوله شيء طبيعي:
_عاوز كروان
نظر حسين بطرف عينه لأوس يحاول سبر أغواره ولكنه وجد الجمود والهدوء، ولكنه لا يعلم أنه هدوء خارجي فقد كان يشعر بداخله بإضطراب لا يعلم مصدره.
فوجه نظره لولده قائلا بحدة :
_عاوز تجوز بنتك لواحد متجوز!
لم يهتم محمد وتحدث بلا مبالاه:
_وماله على الأقل تلاقي حد يلمها وأهو كويس إن حد رضي بيها

_أستغفر الله العظيم ، حرام عليك يا محمد ده بدل الواحدة متجوز إتنين .
أنهى مصطفى حديثه وهو ينظر لوالده يستنجد به
وفاء بحنان وهي تربت على ظهر كروان كدعم لها :
_دي كوكو ست البنات وألف مين يتمناها
حنان بخبث:
_وإنتي رأيك إيه يا كروان؟
نظرت لها كروان ثم نظرت لجدها الذي يحثها على الكلام وتلعثمت من الخوف وهي تقول:
_أنا مش عاوزة أتج...
قاطعها والدها بقسوة قائلا :
_معنديش بنات تقول رأيها، جوازها سترة وأنا عاوزة أسترها فين العيب في كده؟
لم يحتمل مصطفي أكثر فصرخ به :
إنت كده بترميها مش بتسترها
نظر لشقيقه ثم أردف :
_إنت مش خسران حاجة بناتك الإتنين مخطوبين وهيتجوزوا وترتاح عاوزني أسيبها كده من غير جواز، قراري نهائي هنحدد الخطوبة مع بناتك
كروان ببكاء:
_مش عاوزة أتجوزه
محمد بعصبية وغلظة:
_إخرسي
_هتخطبهاله إزاي وهي مخطوبة؟
نظر الجميع له بصدمة بينما هو تابع تناول طعامه ببرود وصلابة إعتاد عليها،
محمد بسخرية:
_مخطوبة لمين إن شاء الله، مش إنت رفضت؟
_أنا مش مجنون علشان أضيع كل الثروة دي برفضي لجوازي منها ، إنت عارف أن هملك إيه لما أتجوزها ، حقي من بابا وحقها منك ده غير حقها هي من جدي .
إبتسم حسين برضا وهو ينظر إليه، فهو يعلم جيدا أن الفلوس لا تهمه بشئ وإنما قال ذلك لتبرير عودته في قراره
حنان:
أنا مستحيل أوافق إنت مش شايف هي عاملة إزاي، دي متنفعش تشتغل عندك مش تبقي مراتك
تشنجت ملامح وجهها من قساوة الكلمات فليس ذنبها أن والدها يمنعها من إرتداء الملابس المناسبة
إنسحبت كروان من الحجرة وصعدت لغرفتها وهي تبكي بمرارة
محمد بغلظة :
_وانا معنديش مانع طالما هرتاح من همها
_أنا كده كده مش هعمل فرح يبقي مافيش داعي نستني فترة خطوبة من الأفضل نكتب الكتاب بكرة وتيجي معايا القاهرة .
أنهى حديثه الذي بجديته أراد به إخبار جده بأن هذا هو قراره النهائي .
لتردف حنان بسخرية :
_والله عندك حق دي بشكلها ده خسارة فيها الفرح والتجهيزات
حسين بعتاب:
_ليه كده بس يا أوس ، هي دي الوصية يا إبني ؟
إلين بإعتراض:
_لأ طبعا هي من حقها تلبس فستان فرح زي كل البنات
محمد وهو ينهض :
_وأنا موافق كده أريح، بكرة كتب الكتاب وخدها خليني أرتاح من همها
مصطفي بقلة حيلة:
_لله الأمر من قبل ومن بعد
......
حل منتصف الليل على الجميع كلا منهم بغرفته ويشغل تفكبره أمرا ما
كان أوس متسطح ينظر للفراغ يفكر هل إتخذ قرار صائبا بالزواج منها أما لا؟؟
والأهم لماذا قام بتلك الخطوة هو لا يهتم بالمال إذا لما شعر بوخزة عندما رأي دموعها وإنهيارها وعندما علم برغبة والدها بتزويجها،
يبدو أنه لم يقبل أن يقع عليها مثل هذا الظلم البين، فهو لا يحتمل أن يقف بلا حركة عندما يجد شخصاً يريد المساعدة وهو يستطيع تقديمها إليه، فما بال أنها فتاه وأيضاً تسري ذات دمائه بعروقها ، يبدو أن جده معه حق غروره الذكوري لا يسمح له .
أقنع ذاته بهذه المبررات المقبولة ليرخي جسده من أجل النوم ليتفاجأ بطرق على الباب فقام وتوجه لفتح الباب ظنا منه أنه آسر أو إلين،
ولكنه صدم برؤيتها أمامه
كانت ملامح وجهها تظهر مدي إرهاقها وضعفها، عيونها كزهرة زابلة، أنفها شديد الإحمرار
كروان بصوت مبحوح من كثرة البكاء:
_ليه عاوزنا نتجوز؟
أوس ببرود رغم رغبة غريبة ملحة بأن يسكت بكاؤها وينهي آلامها لا يعلم من أين أتته :
_مش عادتي أقدم مبررات لحد
كروان بتوسل:
_لو سمحت تجاوبني.
أوس بنفاذ صبر، فقد لعب توسلها على ثباته :
_ما أنا قولت مش هضيع الفلوس والأملاك دي كلها علشان جوازة
نظرت له وتساءلت بألم :
_ياعني مش لأني صعبت عليك وقررت تساعدني؟
كان يعلم في قرارة نفسه أن هذه هي الحقيقة؛ صحيح لا يعرف لما ولكن قلبه قد أهداه لذلك التصرف، هو متعجب من نفسه كثيرا فمنذ متي لا يحكم عقله بأمر ما؟ ولكن إن فكر بالعقل سيهددي لنفس الإجابة لذا أجابها بجمود:
_لأ، أنا مبعملش حاجة من غير مقابل
كروان بشبح إبتسامة:
_طب كويس لأن ساعتها كان هيبقالك فضل عليا أما دلوقتى نقدر نعتبر الجوازة دي إتفاق مربح لينا إحنا الإتنين.
تعجب أوس من ردها اللاذع ولكن يبدو أنها تتخبط داخل أفكارها فهي لا يبدو عليها  القسوة التي تحاول إظهارها
_وهي كده فعلا أنا هستفيد الورث وإنتي هتبعدي عن هنا
_كروان بتوتر فهي لا تصدق أنها واقفة تتحدث معه ، لا تعلم من أين واتتها تلك الشجاعة لتقف أمامه بهالته تلك ، ولكن ربما أرادت أن تحفظ ولو القليل من كرامتها التي أهدرها والدها أمامه :
_طب ده هيتم إمتي؟
_بكرة
أربع أحرف دون نقاش أو حتى تفكير فجحدطت عيناها بصدمة مردفة بإرتباك :
_بكرة طب إزاي ياعني هنلحق نجهز للفرح؟
_مافيش فرح أو حتي فستان والكلام ده، دي صفقة وأنا بحب أخلص صفقاتي في أسرع وقت.
كان قاسيا ... حديثه مؤلم ، أضاع ما حاولت أن تحفظه ولو قليلا .
كسي الحزن روحها قبل وجهها وإنطفأت عيناها تماما ولكنها إستجمعت نفسها لتردف بثقل:
_كده أحسن فعلا .
-طبعا، لأن الجوازة دي علشان المصلحة ياعني مافيش داعي للمظاهر الكدابة ولا إن الناس تعرف.
وكأنه بهذا الكلام زاد على جروحها آلاف الأوجاع ووضع بدم بارد ملح ليجعلها تأن من الآلم، ألا يكفي أنها ستتزوج بهذه الطريقة، سيرتبط إسمها وحياتها بشخص لا تعرف عنه شئ سوي أنه إبن عمها، ولن تحصل على أبسط حقوقها بالإحتفال أو إرتداء الفستان الذي يصاحب جميع الفتيات في أحلامهن، لا من الواضح أنه لم يكتف بذلك ليخبرها أن زواجهم لن يعلمه أحد،
بالطبع يخشي على سمعته وشكله الإجتماعي من الإرتباط بمن مثلها، هي تعلم أنها ليست كالفتيات التي يتمني رجل مثله الإرتباط بها.
حاولت التحدث، حاولت أن ترد عليه ولكن محاولاتها بائت بالفشل فإكتفت بإماءة بسيطة قبل أن تنصرف من أمامه وهي تجر خيباتها وتحطم ما تبقي من كرامتها المزيفة، أينبغي عليها أن تطالبه بحفظ كرامتها ووالدها أول من يهينها وأهان كرامتها.
صعدت لحجرتها  بروح فقدت الحياة.
بينما هو أغلق بابه بعنف يشعر بالغضب من كل شيء وخاصة تلك النبضة الهاربة منه عند رؤية دموعها .
........
بغرفة مي /
كانت مستيقظة لم تستطع النوم تفكر فيما آلت إليه الأمور،
كيف لها أن تتزوج به،
تقدمت من التراس الخاصة بحجرتها، ثم أخدت تشاهد النجوم المتلألأة بالسماء وهي تسترجع ذكريات لقائها به
في وقت سابق /
كانت هي من ضمن مجموعة المتدربين الذين وقعوا عليهم الإختيار بقضاء فترة التدريب بشركة درغام للمقاولات، إتفقت مع زميلاتها بملاقاتها أمام الشركة ولكنها وصلت مبكرا عنهم، كانت تريد إكتشاف ذلك الصرح العائد لعائلتها وعندما كانت مندمجة في رؤية الصرح خارجيا وتعود للخلف بظهرها لكي تستطيع رؤيته بصورة أوضح، لم تنتبه للدرجات من خلفها لتضع قدمها في الفراغ، لتشهق بفزع ظنا منها أنها ستقع ولكن هناك من إستطاع الإمساك بها في آخر لحظة 
مي بفزع وهي تبعد يديه:
_يانهارك إسود تحرش كده عيني عينك وبالنهار.
نظر لها بغضب وأردف بعنف :
_إنتي مجنونة، إنتي كنتي هتقعي وأنا لحقتك
_أه كنت هقع دي بقي حجتك.
كانت شديدة الإنفعال وغير مكترثة لشيء ليصيح بحدة:
_حجة إيه يا أستاذة حضرتك إل مش مفتحة عينك، وأنا الحق عليا إني أنقذتك كان المفروض أسيبك تقعي يمكن لما كانت رجلك إتكسرت كنتي إتعلمتي تتكلمي بذوق، بس يظهر ده إسلوب جديد لجذب الإنتباه.
ألقي عليها كلاماته النارية ثم رحل من أمامها وقبل دلوفه من باب الشركة تذكر أنه ترك باب سيارته مفتوحا عندما رأها ستسقط وخطي سريعا لإنقاذها فعاد مرة أخري لغلقه، وعندما رأته هي يتوجه لسيارته أقسمت على الإنتقام منه لإسلوبه الفظ، فإنتظرت أن دلف إلي الشركة وذهبت للمستودع القريب الذي قد سبق لها رؤية بعض العمال يقومون بطلاء جدارنه وأخذت بعض الطلاء ومن ثم عادت إلي حيث سيارته ثم سكبته فوقها، وتوعدت له أنها ستجعل جدها يعاقبه مجرد ما تعرف بهويته.
وها هي الآن ستتزوج به .
.........
في الصباح الباكر/
إستيقظت الفتايات وقررن التوجه إلى إلى حجرة كروان بغرض محاولة التخفيف عنها
دلفن بهدوء ظانين أنها مازالت نائمة ولكن وجدوها مستيقظة وتجلس بالتراس
لامست مريم كتفها وبتريس شديد تحدثت:
_أخبارك إيه؟
عندما لم تجد منها إجابة أو رد فعل أشارت لشقيقتها بعينيها للتحدث فأردفت بحماس زائف :
_ كوكو عندي فكرة مطقطقة إيه رأيك لو...
_ممكن تسيبوني لوحدي، أنا مش محتاجة شفقة من حد، ومتنسوش المفروض إني عروسة ولازم أجهز.
تصلبت أجسادهم لإستماعهم لتلك الكلمات منها، ولكن لم يكن شيئا ليفعلونه سوي تنفيذ رغبتها
هبطن إلي الأسفل والحزن عليها يجوش صدورهن
إلين بحزن:
_بقي ده شكل عروسة!؟
مي بآسف:
_بجد صعبانة عليا عمرها ما فرحت وكمان اليوم إل بتتمناه كل بنت مش هتقدر تفرح فيه.
كانوا يتحدثون وهن غافلات عمن يستمع لهن
.........
لو سمحت الليلة في البنسيون بكام؟
في شقة فاضية؟
هذه الأسئلة وشبيهاتها كانت تدور بها بسمة بين هنا وهناك من أجل إيجاد مكانا تستطيع الإنتقال إليه ولكن دون جدوي.
.........
إرتدي أوس الحلة السوداء التي أكسبته رونقا فريدا ثم جذب عطره الخاص ونثره بطريقة تختطف الأنفس وهبط للأسفل حيث جده ووالده وعميه وأخيه والمأذون،
نعم إقتصر كتب كتابهم عليهم فقط لا أحد دونهم علم
كانت الفتيات يحاولن مع كروان من أجل إرتداء أحد الفساتين التابعة لأيا منهن ولكنها رفضت رفض قاطع
تتذكر كيف كان رد أبيها على إرتدائها فستانا منذ عدة أشهر حيث قام بضربها وقطع الفستان إلي أجزاء وقام بحبسها بالحجرة لولاتدخل جدها، هي لا تجرؤ على إرتداء مثل تلك الأشيئاء تجنبا لحدوث شئ سئ فهي تريد التحرر.
كانت ترتدي بنطلون من الجينز فوقه جاكت طويل واسع وطرحة سوداء، لا تبد كعروس.
إبتلعت غصة مريرة بحلقها عندما ناظرت بنات عمومتها وهن يتألقن بزينتهم،
دقائق وإستمعت لطرق الباب
حيث دلفت زوجة عمها وفاء وأطلقت زغروطة تعبر عن فرحتها، ثم أخبرتها بضرورة الهبوط لأسفل من أجل إتمام عقد الزفاف
وبالفعل هبطت للأسفل وتم عقد القران لتتفاجأ به يقول:
_إحنا خلاص كتبنا الكتاب، بابا يبقي يجيب القسيمة معاه إنما أنا لازم أرجع القاهرة إنهاردة
حسين:
_يابني ما تخلوكوا معانا إنهاردة حتي نحتفل بيكم مع بعض
_مافيش داعي يا جدو، أنا أخرت شغلي بما فيه الكفاية ولازم أتحرك.
أنهى أوس بجملته الجدال
محمد بغلظة:
_إنتي مش سامعة جوزك بيقول إيه، إمشي يالا حضري شنطتك خليكي تمشي من هنا ولا من أولها مهتسمعيش الكلام.
مصطفي وهو يحتضن كروان:
_روحي يابنتي جهزي نفسك علشان متتأخروش
كروان بخفوت:
_حاضر بعد إذنكم
رحلت من أمامهم وهي تشعر بالإنكسار
دائما ما يشعرها والدها أنها لاشئ، نكرة أو أقل، هي بالنسبة له عبئ يريد التخلص منه، حمل ثقيل يريد إزاحته من فوق أكتافه. لم تشعر يوما بحنانه رغم أنه كان يجب عليه أن يغدقها بحنان أكثر، حنان مضاعف فهي يتيمة الأم، وجب عليه تعويضها ولكن هو كان يقسوا عليها أكثر، لم يحنو عليها قط يوما كانت تري عمها كيف يتعامل مع بناته  كانت تشعر بالغيرة منهم أحيانا لما تراه من فرح بأعينهم،
في طفولتها كانت تتمني أن يأتي لها بهدية أو إحدي شخصيات الكرتون على هيئة دمية تلهو بها ولكن لم يفكر بها قط، كانت تتلقي من جدها وعمها ولكنها دائما ما كانت تشعر بالنقص، لم يحتفل بعيد ميلادها قط ولم يسمح لأحد بالإحتفال به، كانت عندما تمرض يتهمها بالضعف وأنها تريد جذب الإنتباه،
كيف لطفلة لم يتجاوز عمرها الرابع عشر أن تكون قوية، بل إنها هشه ضعيفة تريد الحماية والإحتواء،
تتذكر أنها أصيبت بالتبول الاإرادي بسبب عقابه الذي إستمر لمدة شهر بحرمانها النزول للحديقة وعدم رؤية أحد وإستغل غياب جدها.
كانت دائما ماتشعر بثقل أنفاسها من الحزن عندما تري عمها يحتضن بناته فهي لا تعرف طعم حضن أبيها،
نعم يحاول جدها تعويضها بأكبر قدر من الإهتمام حتي أنه ساعدها على الدراسة خفية ولكن الأب يبقي أبا.
فاقت من تذكرها اللمحات السريعة من حياتها السابقة عندما شعرت بملمس يده عندما كان يتناول منها حقيبتها لوضعها بالسيارة.. صعدت بجانبه بهدوء وهي شاردة في حياتها القادمة.
إنطلق هو دون التفوه بكلمة وظلا طول الطريق على هذه الوضعية، هو مركز فقط بالقيادة أو كما إفتعل ولكنه بين الحين والآخر كان ينظر لها بطرف عينيه ليجد أنها لم ترفع عينيها عن الطريق، تنظر للسيارات المارة بجانبهم بترقب.
.........
_بقالك ساعة عمالة تفركي بإيدك هتقولي عاوزة إيه ولا أدخل جوة
قالها آسر بضجر  بعد أن فاض به الكيل بإنتظارها لتقول له ما تريده فهي طلبت منه الإنفراد لقول شئ خاص ولكنها مازالت تفرك بيدها ولم تتحدث
_ هو.. ياعني إنت قولت لجدو إنك موافق علشان.. علشان
لم تستطع إكمال جملتها من شدة التوتر ، ليكملها هو قائلا :
_ علشان أنتقم
_ياعني صح أهو
قالتها بعد أن هبت من مكانها بغضب هائج ليشير لها بالجلوس مرة أخرى متمتما :
_إقعدي يا هبلة
_نعم ...
_ شوفي يا مي بطلي التسرع في حكمك على الناس، أنا مش هنكر إني وافقت عند بس بعد كده فكرت في الموضوع كويس أنا ماليش في إني أتعرف على البنات والغراميات والحوارات دي وإنتي بنت عمي ...صحيح عيلة وهبلة بس أتحملك أنا لأنك مش هتلاقي حد يتحملك
جحدطت عيناها بصدمة من حديثه ليقول بتسلية :
_ مش بقولك هبلة
.........
وصل أوس لمنزله الذي كان عبارة عن إحدي الشقق بعمارة ما لا تبعد كثيرا عن شركته حيث إستقل بالسكن منذ عدة أشهر بعيدا عن فيلا أسرته.
_وصلنا إنزلي
سيطرت عليها رجفة رهبة عندما أيقنت أن كلها دقائق وسيغلق عليهم باب واحد، كيف ستبقي مع هذا الكائن؟،
يا الله كم تخشاه وبذات الوقت لا تخشاه
كم يربكها أنها لا تعرف ماهية شعورها إتجاهه ولكنها موقنة أن له هيبته التي تسبب لها التوتر
_هتفضلي واقفة كده كتير
نظرت له بعدم فهم لتجده يشير لها بإتجاه الباب لتعلم أنه يريد منها الدلوف ويبدو أنه ينتظرها منذ فترة ولم تشعر هي به حيث كانت تائهة بأفكارها.
إنتفضت بشهقة عندما أغلق الباب ببعض العنف ، فأردف ببعض الرأفة :
_تعالي يا كروان
_ أجي.. فين.. أنا
كانت تتلعثم في حديثها ليشعر بالشفقة عليها ويتذكر حديث جده معه قبل كتب الكتاب
( كروان هشه قويها ، أوعى تستقوى عليها ، حرمتها من ليلة العمر لكل البنات متحرمهاش إنك تكون زوج ليه بكل معنى الكلمة يا أوس فاهمني طبعا ، لما تشيل القشور والألم هتشوف الجمال ، الورد يابني لما بتقطفه من بين الشوك ريحته وجماله بيبقوا ملكك )
أهدأ من صوته وأردف بلطف :
_متخافيش، أنا مش هعملك حاجة، بس لازم تعرفي شوية قواعد مهمة ما بتهاونش فيها مع حد، تعالي إقعدي هنا
أشار لها على إحدي الأرائك التي تتوسط الصالة الكبيرة التي إحتوت على طقمين من الصالونات المذهبة الغاية في الرقي،
ذهبت لتجلس وجلس هو فوق أريكة صغري بجانبها وبدأ في حديثه :
_أول حاجة لازم تعرفي إني رجل أعمال وزي ما ليا نجاحي ليا أعداء بيتمنوا ليا أقع وممكن حد يستغل جوازنا ده، علشان كده جوازنا هيبقي سري على الأقل في الفترة دي،
تاني حاجة أنا بقول الكلمة مرة واحدة، والحاجة إل عاوزك تعرفيها هقولهالك إنما إنتي تسأليني ده مقبلوش
تالت حاجة تسمعي الكلام وبلاش تتعبيني، أنا عارف إن سنك صغير بس ده برده ميمنعش يكون عقلك كبير
مفهوم
_أه
قالتها سريعا من شدة توترها ، ليمسح هو على وجهه وييترسل :
_ طب بصي الشقة دي أنا ساكن فيها لوحدي وأنا بحب النظام جدا فخلي بالك من النقطة دي
قومي إدخلي  أوضة النوم  أكيد تعبتي من الطريق إرتاحي شوية وأنا هنزل أخلص حاجة للشغل وأجي
_هتسيبني لوحدي
قالتها برجفة خوف حقيقية شعر بها ليقول بحنان غريب عليه :

_متخافيش أنا مش هتأخر وكمان تكوني إنتي أخدتي على الشقة.
رحل بعد أن دون لها رقم هاتفه على ورقة ما في حالة إحتاجت لشئ ولكن كيف إن أرادت الإتصال به ستتصل وهي لا تملك هاتف؟
وقفت تخطو أول خطواتها بالبيت الذي سيشهد الكثير من الصراعات والإنكسارات ولكن بالطبع الكثير والكثير من الحب.
دلفت إلي الداخل لتجد ثلاث أبواب أمامها فتحت أول باب لتري غرفة لم تري مثلها قط، كان أثاثها عبارة عن أجهزة الرياضة المختلفة ولكن أبرزها خاص بالمصارعة والعدو،
حدثت نفسها بإعجاب
_الله بجد الأوضة دي تحفة طبعا إل يستخدم الأجهزة دي لازم يبقي زيه كده،
أغلقت باب الحجرة ودلفت لما تقابلها وجدته مطبخ عصري أعجبها كثيرا. أغلقت بابه وفتحت الباب المنتصف لهم وجدتها غرفة النوم.،كان أثاثها راق لدرجة أنها لم تستطيع إغلاق عينيها، صحيح يغلب عليه اللون الأسود ولكنه أضاف رونقا خلابا
_ بجد زوقه جميل
جلست على الفراش تتابع بعينيها النقشة البارزة فوق خزينة الملابس العملاقة لتشهق بفزع عندما إنتبهت أن الشقة ليس بها سوي حجرة واحدة للنوم
_وبعدين بقي أنا هنام فين؟
.............
بداخل قسم الشرطة التابع لمديرية القاهرة
تبكي وتنتحب حظها العاثر الذي أوقعها في ذلك البنسيون، كانت قد عثرت عليه بعد عناء بحث دام لساعات،
سعدت عندما أخبرتها تلك المرأة بالمقابل المادي البسيط مقابل الإقامة فيه،
ظنت أن الحظ حالفها تلك المرة وخاصة بعد أن قالت لها المرأة أن هناك عملا شاغرا إذا أرادت، وإتفقت معها أن ترتاح تلك الليلة ثم يتحدثان لاحقا، فرحت كثيرا ولم تفكر أن ربما هذا فخ  لئيم لوقوعها في المحظور،
لم تهنئ بعد بدلوف الحجرة حتي سمعت صوت صرخات أفزعتها وعندما همت بفتح الباب وجدت من يقتحم الغرفة ويجذبها من ذراعها بقوة
_ قومي يابت
صعقت بل تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها  في تلك اللحظة التي رأت بها الكثير من النساء شبه عاريات يجرهن أفراد الشرطة فعلمت أنها وقعت مع إحدي بيوت الدعارة.
_يالا يابت إنتي وهي قدامي
_ لو سمحت يا شويش أنا عاوزة أقابل حضرت الظابط
قالتها ببكاء وتوسل
_ وحضرت الظابط فاضي لأمثالك يابنت#
_أنا والله مظلومة والله معملت حاجة
كانت تنتحب بقوة تحاول إقناعهم ببراءتها
_في إيه يا شويش إيه الدوشة دي؟
_دي واحدة من المقبوض عليهم طالبة تقابلك يا أيمن باشا
نظر أيمن بإتجاهها ليري فتاه محجبة تبكي بشدة، تعجب لأنها لا تشبه غيرها من الماجنات فأمره قائلا :
_هاتها خلينا نشوف حكايتها إيه؟
دلف وجلس في مكانه المخصص ووقفت هي ترتجف
_إهدي علشان تعرفي تتكلمي
أزالت بقايا دمعاتها بيد مرتعشة، ثم أخذت نفس عميق كي تستجمع شجاعتها وأردفت بصوت جريح :
_أنا معملتش حاجة، أنا مكنتش أعرف إن.. إن البنسيون ده كده.
والله لسه داخلة.. إنهمرت في البكاء مرة أخرى بخزي وخوف.
شعر بصدقها ليسألها بلطف :
_إنتي إسمك إيه؟
_بسمة عبد السلام
_إيه إل وداكي البنسيون ده؟
_أنا طول النهار كنت بدور على سكن جديد لأنهم طردوني من الشقة، وفي ناس دلتني على البنسيون ده
_فين أهلك؟
_أنا يتيمة، إتربيت في ملجأ وخرجوني منه من ست شهور.
_أه، طب معاكي ورق يثبت الكلام ده
بسمة بلهفة :
أيوة إتفضل دي البطاقة إل سلموهالي في الميتم لما جيت أخرج، وده عقد الشقة إل كنت فيها ومكتوب فيه تاريخ النهاردة لإنتهائه
أخذ أيمن منها الأوراق وتأكد من صحة كلامها وأمر بالإفراج عنها ثم وكأنه أيقن شيء ما فتسأل :
_ياعني إنتي دلوقتى ملكش مكان تروحي فيه؟
ألمها ضعف حيلتها فأردفت ببكاء :
_للآسف لأ.
شعر بالشفقة عليها وأراد مساعدتها فقال بلطف :
_طب إستنيني بره وأنا هحاول أتصرف
_حاضر ومتشكرة جدا
_العفو، يا شويش خد الآنسة الإستراحة وهاتلها أكل وكوباية شاي
_مالوش لزوم يا فندم..قالتها بحرج شديد إبتسم على خجلها الواضح وقال بإبتسامة ودودة :
_إنتي زمانك جعانة وبعدين أنا إعتبرتك زي أختي يبقي إنتي واجبك تسمعي الكلام
بسمة بإمتنان وإبتسامة رضا:
_مشكرة أوي
..........
دلف أوس لشقته وهو يحمل بعض الحقائب البلاستيكية التي تحتوي على الأطعمة فوجد الهدوء هو المسيطر على المكان فعلم أنها إستغرقت في النوم
وضع ما بيده داخل المطبخ وتوجه لغرفة النوم فلم يجدها على الفراش قطب حاجبيه بتعجب
_راحت فين دي؟!!
عندما هم بالخروج لمحها نائمة فوق الآريكة بنفس ملابسها حتى أنها لم تنزع حجابها ،
دلف للحمام المرافق للغرفة وأبدل ثيابه لأخري مريحة ثم خرج وتقدم بإتجاهها وظل يتأملها قليلا،
لا يعرف  لما ولكن قسوته المعهودة لا تظهر لها،
إبتسم بخفة عندما وجدها تغلق عينيها بقوة فعلم أنها تصتنع النوم،
مد ذراعيه ليضع أحدهما تحت ركبتيها والآخري حول كتفيها وحملها؛
لتشهق بفزع وتفتح عينيها لتقابل عينيه مباشرة،
يعترف أنها ليست بالجمال الخلاب، يوجد الكثير والكثير من الفتيات حوله أشد جمالا منها،
ولكن هالاتها السوداء المحيطة بعينيها من كثرة البكاء والتوتر لم تخفي جمال عينيها التي يراها الآن، تلك البراءة المنبثقة من داخلهم لم يري لها مثيل،
الجروح على شفتاها  بسبب الضغط عليهم بقوة بأسنانها عندما تكون متوترة فقد إنتبه لهذه الحركة عندما كانت تحادثه الليلة السابقة لم تقلل من إثارتهم بل زادتها
أما هي فكانت تنظر إليه بصدمة ذلك الوحش يحملها على ذراعيه دون أدني مجهود، تكاد تجزم أنها لا تشكل أي ثقل له،
نظرت لملامح وجهه ببراءة سلبت عقله،
أمعنت النظر بعينيه الزيتونية فتلك المرة الأولي التي تنتبه للونهم، قسمات وجهه المتشنجة والمخيفة دائما مسترخية الآن 
أوس بتريث مقاطعة تأملها :
_إيه إل نيمك على الكنبة؟
كروان بتوتر:
أصل.....
لم تكمل حديثها، كانت تتابعه بينما هو يتوجه بها للفراش ووضعها عليه من إحدي الجوانب وإستلقي على الجانب الآخر مردفا بهدوء :
_ده مكانك من الليلة، كل ما إتعودتي عليه أسرع كل ما كان أحسن، وأنا كمان لازم أتعود عليكي
_أنا...
حاولت التحدث ليقاطعها بلطف :
_نامي يا كروان إحنا الإتنين محتاجين الراحة والوقت
وبالفعل لم تقاوم كثيرا فهي بحاجة للراحة والنوم.
إطمئن هو أنها إستغرقت للنوم ومن ثم أغمض عينيه ليستسلم للنوم هو الآخر.
......

أحفاد درغام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن