فِي الجِوَار|01

1.6K 61 51
                                    

جال بصري في كامل أنحاء الغرفة التي لطالما احتوتني وكان بوسعي أن أسمّيها غرفتي رغم أنني لم أرغب في ذلك يوما، لكنها أخيرا ما عادت كذلك.

ذلك السرير على يمين النافذة قريبا سيضمّ طفلة جديدة أراها تجلس فوقه.

منذ لحظة دخولها وهي منغمسة في البكاء والنحيب وهو ما جعل تلك الشقراء الكريهة ترميها بالوسادة التي كانت تنام عليها منفجرة: فلتتوقفي عن هذا حالا قبل أن أجعلك تذوقين نصيبا من مزاجي السيء في يومك الأول! ذهنك الصغير لهو عاجز عن تكهّن ما ينتظرك هنا لذا وفّري دموعكِ لوقت ٱخر والٱن ابتعدي عن ازعاجي قدر الإمكان وكوني مطيعة وإلّا جعلتكِ تندمين.

فرّت من الأخرى شهقة ثمّ ما لبثت أن أخذت تحاول إمساك دموعها وكبْت رغبتها في الاندفاع في البكاء من جديد.

أوليفيا!

ألا ترى حال المسكينة كيف هو؟! عوض أن تخفّف عنها وتواسيها تضاعف أوجاعها وتزيد فزعها!

ألا يكفيها دخولها إلى مكانٍ مَا حسبت يوما أنّها قد تخطو خطوة واحدة داخله وها هو يضمّها على أنّها يتيمة مثلها مثل بقيّة الفتيات هنا؟!

الكلّ يتيم هنا حتى وإن لم يكن أحدهم قد تيتّم حقيقةً لكنّ روحه تحاكي عجزه وحرمانه.

البعض قد فقد أهله في حادث سير، ٱخرون في إحدى الأيّام أفاقوا على صراخ وشكوى أحد والديهم الذي قد لاق ضرعا من صعوبة الحياة فلجأ إلى حلّ ميسور وهو أن يلقي بابنه على عاتق الدولة لترعاه، وغيرهم قد شهد لحظة سكون تامّ تدبّ في جسد من يرعاه ففقد ٱخر من يسنده في دنيا كهذه..

في زمننا وجب الخوف.

ألا نخاف كوننا لا حول لنا، عاجزون أمام هول مكائد الحياة التي تتقاضفنا من ضَائقةٍ لأخْرى. حياة هي تَتلاعبُ بنا مثلما تشاءُ وتأبَى. وهل يمكن لإنسان أن يخالف مصيرا بالأصل قد حاكته له هي؟ بالطبع كلّا! لذا أن نخافَ لَهُو أمرٌ بديهيّ فنحن لا نملكُ الإرادةَ.

ربما هذه الفتاة قد عاشت خيبة أمل كبيرة منذ قليل عندما تخلّى عنها من حسبتهم أقرب الأشخاص إليها واعتقدت أنّهم يحبّونها. أو ربما كانت ليلة أمس كابوسا مرئيّا تجسّد أمامها عندما خمد صوت أهلها من البيت نهائيّا.

لا وجود لخالد في هذا الكون والكلّ فانٍ لا محالة لكنّ التقبّل يبقى عقدة متشابكة في حياة المرء يجهل الأخير كيف يفكّها وكيف يتعامل معها.

أضافت بعد برهة صاحبة أكثر صوت مستفزّ كنت قد سمعته في حياتي، فنبرتها في الكلام لا توحي إلّا بمستوى عال من الغرور بل وحتى ملامحها تكاد تنطق بمقدار نرجسية من تمتلكها، هذه الشقراء وكأنها خُلقت لتكون هكذا شديدة الاستفزاز: هيه أنتِ أحضري لي الوسادة ومن ثمّ ابدئي في وضع ممتلكاتك في الخزانة دون احداث ضجّة أريد أن أنام.

ليتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن