كنت وطني و نسيت أن الأوطان تُحتل !
ليلى محمد
___________________________________________
عندما خرج من عندها لمح سيارة صديقه تقف أمام سيارته ، تجاهل وجوده تماما و هو يركب سيارته .. رفع ( امير ) حاجبيه و همس : بقى يا ( كريم ) عامل نفسك مش واخد مني .. طيب انا هوريك بقى .
اشعل كشافات السيارة ، فأغمض ( كريم ) عينيه بشدة و رفع رأسه من النافذة يهتف بضجر : اقفل الزفت ده يا ( امير ) .. عيني وجعتني ..
تظاهر ( امير ) بالتجاهل ، فنزل ( كريم ) من سيارته يهتف بحدة : ده انت بجح يلا ..
ثم دخل إلى سيارته فأغلق الكشافات ، و عندما خرج منها أردف بسخرية : جاي ورايا ليه يا ( امير ) يا اللي عايز مصلحتي ..
التفت فجأة و هو يتصنع المفاجأة : ايه ده ؟! ( كريم ) .. ازيك اخبارك ايه ؟ انت واقف بقالك قد ايه ؟
لم يرد ( كريم ) سوى بكلمة واحدة : مستفز ..
ثم عاد إلى سيارته و قبل أن يتحرك وجد ( امير ) يركب جواره هاتفا بحنق : جاي وراك اشوفك بتهبب ايه ..
لم يرد ( كريم ) بل انشغل بهاتفه تماما ، ظل ( امير ) يتحدث طويلا عن صداقتهما و عن أهميته بالنسبة له ، حتى لاحظ أن ( كريم ) لا يعيره اهتماما ، و قبل أن يسأل ما به صرخ في انفعال : المزرعة بتاعتي يا بجح ..
- مزرعة ايه ؟
تفوه بها ( امير ) بغير تصديق ، فرد ( كريم ) بنفاذ صبر : المزرعة اللي أنا عملتها اخدها مني ..
امسك بتلابيبه و هو يصيح : بقالي ساعة بتكلم معاك و على صداقتنا في الآخر بتلعب على التيلفون ؟!
اغلق هاتفه و قذفه إلى الوراء ثم تحدث بإبتسامة صفراء : خير ؟ مش انت كنت عاملي فيها واحدة غضبانة على جوزها .. و متجيش حتى تسلم عليا و احنا في المدرسة و لا ترد عليا و انا بكلمك في الإجتماع انهارده ؟
زفر بضيق ، ثم أردف : على فكرة بقى طريقتك دي هي اللي مخلياني عمال اعمل كده ..
ابتسم ( كريم ) بسخرية و أردف : عندك حق .. سيبني بقى و روح عربيتك ..
- أنا آسف ..
قالها و هو ينظر أمامه ، فأردف الآخر بتهكم : و انت جاي على نفسك عشان خاطر العيال و لا ايه ؟ .. ما تقولها عدل ، افرد ضهرك كده و علي صوتك ...
- انت عمال تبيع و تشتري فيا و لا كإني الخدام الفلبيني بتاعك .. ماشي ...
تنهد بعمق ثم اردف : ( كريم ) أنا آسف ..
ثم التفت يخبره بصدق : بس انا خايف عليك .. أنا بجد مش عايزك تتظلم في جوازة زي دي ، يا بني انت لسه صغير و ملكش تجربة .. و غير كده اول جوازة ليك تبقى مع واحدة متجوزة اصلا
شعر بالضيق من حديثه ، فقاطع حديثه : أنا لما عرضت عليها الجواز من كم سنة كنا في ظروف مختلفة ، كانت هي بتحبه ، و انا مكنتش ناضج كفاية ، بس دلوقتي الموضوع اختلف .. أنا لسه بحبها و مشاعري ليها زي ما هي و يمكن زادت دلوقتى ..
- ربنا يشفيك ..
رفع ( كريم ) كفيه يؤمن على حديثه ، ثم سحب من خلفه كيس رائحته شهية ، فتحه ثم أردف و هو يفتح الشاشة التي أمامه و هو يخبره : طلع الشاورما اللي عندك دي خلينا نآكل ، على ما اجيب فيلم ..
- ايه ده فين المخلل ؟
سحب منه الكيس و بحث فيه ، و لكن وكزه في كتفه يخبره بسرعة : ( كريم ) .. بص ..
رفع رأسه و أردف : ايه ؟
ثم نظر إلى المدخل حيث ينظر ، فجحظت عيناه و سأل ( امير ) بدهشة : مش ده ( معتز ) ؟!
ثم دقق النظر ، و سأل مرة أخرى : مين اللي معاه دي ؟
- معرفش .. بس الموضوع فيه حاجة ، هما واقفين بقالهم فترة ؟
هز كتفيه و هو يقول بإهمال : بقالهم يجي عشر دقايق كده .. بس انا كنت بشبه عليه اصلا ...
ثم سأل مرة أخرى : مين اللي معاه دي ؟
زم شفتيه دليل على عدم معرفته ،
أما في الأعلى ..
تشعر بالتعب الشديد تأملت باقة الورد و الشوكلاتة التي احضرها إليها فإبتسمت برقة وضعتهم على السرير ، و لكنها لاحظت الكارت الذي يتدلي من الباقة ، انكمش حاجبيها بدهشة و فتحت ، كان خطه الأنيق يزين الورقة ، و كانت الرسالة مفادها : مع تمنياتي لكِ بالسعادة يا بطة ..
ضحكت و هي تتذكر هذه الجملة ، حينما كانت تشعر بالتوتر في العام الأول لها في الجامعة .. لم تجد ( معتز ) كما اعتادت ، لم تكن تعلم الكثير عن الكلية ، وجدته فجأة يقف أمامه بقمته الفارعة يسألها : تايهة ؟
طالعته بتوتر و اومأت دون أن تنظر إليه ، ضحك و هو يخبرها : شكلك اول سنة .. هو أنتِ قصيرة كده ليه ؟
- انت اللي طويل بزيادة على فكرة ..
قالتها بغضب ، فإنفجر ضاحكا و هو يردف : مفكراني هزعل يعني ؟ تبقي لسه متعرفنيش .. أنا ( كريم الشهاوي ) ..
اختفى غضبها ، و قالت بعدم اهتمام : ( بتول المالكي ) ..
- اهلا يا بطة ..
قالها بحفاوة و كأنه يعرفها منذ زمن بعيد ، كررت خلفه بإستغراب : بطة ؟!
مضى في طريقه فمضت خلفه تقول بحدة : ايه بطة دي ؟
- اومال بيدلعوكي يقولولك ايه ؟ بطبط .. بيبو ؟
في الواقع ، لم يدللها أحد من قبل فلم تعرف ، أمام صمتها قال بإبتسامة : يبقى بطة .. المهم كنتي عايزة تروحي فين ؟
فتحت الورقة لترى الجدول ، ثم اردفت : محاضرة الدكتورة سمية ..
- حبيبتي دي .. دكتورة سمية مين ؟
قالت بغضب : اومال بتقول حبيبتك منين ؟
تنهد في ارتياح مردفا : أي حد هِنا حبيبي و بحبه .. أنتِ مأخدتيش نشيد ( اخي الإنسان ) و لا ايه ؟
ثم بدأ يدندن : اخي في العالم الوا...
- خلاص .. مش لازم تغني ، أنا هروح ادور بنفسي ..
- دكتورة سمية في الدور التالت .. اطلعي هتلاقيها على ايدك الشمال ..
قالها بإبتسامة ، ثم أكمل بحنق : بلاش تبقي متوترة كده .. فكي شوية خليكي فريش ..
ثم تركها ، و قبل أن يمر أردف بإبتسامة : مع تمنياتي لكِ بالسعادة يا بطة .. سلام ..
أفاقت من شرودها على ابتسامة بلهاء ، نظرت إلى انعكاسها ، فضحكت أكثر على حالتها حتى بكت ، شتان حالتها بين اليوم و تلك الذكرى ! يرتج جسدها من بكائها ، و تحتضن نفسها .. اليوم تشعر بالخوف ، الخوف الذي لم يفارقها للحظة واحدة في حياتها منذ موت أبيها .. ذلك الخوف المحاصر لها من جميع الاتجاهات ، كفكفت دموعها سريعا تحاول السيطرة على انفعالاتها حين سمعت صوت جرس الباب .. حافظت على هدوئها المتبقي ، حاولت الإبتسام فلم تستطع .. لن تجبر نفسها ، اكتفت بتعديل ثيابها ، نظرت إلى المرآة تعدل من هيئتها ، وقعت الفرشاة من يدها تنهدت بعمق حتى لا تبكي مرة أخرى .. عندما رفعت رأسها رأته ! رأت انعكاسه في المرآة ، لم تملك إلا الصراخ و قذفت الكوب في المرآة لتتهشم .. دخلت ( ريحانة ) تسألها بهلع : في ايه يا ( بتول ) ؟
أشارت بيد مرتعشة إلى المرآة المهشمة و باليد الأخرى تضع كفها على صدرها تحاول التنفس ، تهمس بخوف : شوفته .. شوفته يا ( ريحانة ) ..
انكمش حاجبيها تسألها بشك : هو مين ده ؟
تهمس بخوف : بابا ..
- باباكي ؟! باباكي ازاي ؟
انسابت دموعها تقول لها بإنهيار : و الله شوفته .. كان واقف ورايا بيبصلي ..
زفرت ( ريحانة ) بتوتر تنظر حولها ، ثم اردفت : طب يلا نشوف مين اللي بره دول ..
- استني اغسل وشي الأول ..
نهضت و هي ترتعش ، فقالت ( ريحانة ) بخوف : استني بلاش تسيبيني لوحدي ..
كادت أن تذهب وراءها لولا أنها سمعت صوت ( معتز ) الحاد : هي فين ؟ يا ( بتول ) ...
خرجت بالفعل ، تقول في حدة : في ايه ؟ بتزعق كده ليه؟
كان ( امجد ) الحائل بينهما الذي قال بحدة : ادخلي جوا من فضلك يا ( بتول ) و ملكيش دعوة ..
كادت أن ترفض ، لولا ( معتز ) الذي صاح بشراسة : هو ايه ده اللي متدخلش و ملهاش دعوة بإيه ، انت مالك اصلا ؟ دي مراتي و انا حر فيها إن شالله اموتها ..
دفعه ( امجد ) بشراسة يهتف بحدة : اولا اسمها طليقتك مش مراتك ، و حتى لو مراتك مش يحقلك انك تموتها و لا تمس شعرة منها .. و آه هي مش هتدخل و لا هتقعد معاك دقيقة واحدة بعد كده ..
صرخ الآخر بها : هو أنا مش بقول تيجي ..
لا تعرف ما الذي تفعله ، نظرت إلى ( ريحانة ) تستغيث ، فقالت ( ريحانة ) : ادخلي جوا زي ما ( امجد ) قال ..
حاول ( معتز ) تمالك أعصابه بقوله : يا ( بتول ) تعالي نتكلم بالراحة كلنا ..
- كلنا ؟
تساءلت بإستغراب ، فظهر الارتباك على وجه ( امجد ) و نظر تلقائيا الى غرفة المعيشة ، نظرت ( بتول ) إلى ما ينظر إليه لتجد ( عاليا ) تنظر لهم جميعا ، تهتف بحدة لها : هو أنتِ مش بتسمعي الكلام ليه ؟ مش كفاية جايين بنفسنا و عايزين نتكلم معاكي ؟ ..
- بس يا ( عاليا ) ..
نطق بها ( معتز ) بحدة ، بينما لم تفهم ( بتول ) الموقف و سألته بعدم استيعاب : هو انتوا جايين تتكلموا في ايه اصلا ؟ هو انت جايبها هِنا ليه ؟
ابتعد ( امجد ) ليقف ( معتز ) قبالتها بخبرها بجمود : جايين نتكلم ..
الصدمة تسيطر على كل حواسها ، و تفكيرها توقف .. اردفت في صدمة : تتكلموا في ايه ؟ هو انت مش اتجوزتها خلاص ؟
سحبها إلى غرفة المعيشة ، فأردفت فجأة و كأنها مغيبة : استنى ..
ثم نظرت إلى ( ريحانة ) و ( امجد ) ، تتحدث : تعالوا معايا ..
تطلع إليها بسخرية خفيفة ، يهمس في اذنها بإستهزاء : هو أنتِ خايفة و لا ايه ؟
أغمضت عيناها و ابتعدت عنه ترد عليه بثبات : لا مش خايفة ..
ضحك بسخرية و سبقها إلى الداخل ، جاء ( حسين ) الذي كان جالسا في غرفته يحاول أن يستوعب الأمر ، يحاول أن يستمد قوته حتى يستطيع المواجهة ، جلس جوار التي ترتعش يدها بلا توقف ، تلك الحالة التي تأتيها في لحظات الخوف الشديدة .. بينما تجلس ( عاليا ) و جوارها ( معتز ) الذي بدأ حديثه : أنا واثق إن ( بتول ) قالت عن علاقتي ب( عاليا ) ، بس خلوني اقولها بطريقتي ، أنا فعلا متجوز ( عاليا ) بقالي سنتين .. بس الحقيقة اللي ( بتول ) متعرفهاش ليه قُلت انهارده تحديدا ..
نظر لها يهتف بإبتسامة : مش عشان قولتيلي انك حامل لا ..
ثم طالع أباه و صديقه يخبرهما : أنا قُلت كده عشان ( عاليا ) حامل ..
الصدمة التالية التي اعترتها جعلت عيناها جاحظة بشدة ، و اهتزت من داخلها بقوة ، أمسكت ( ريحانة ) بيدها الباردة .. بينما طالعتها ( عاليا ) بشماتة من داخلها ، و هتفت بتصنع التأثر : أنا قلتله بلاش دلوقتي نعرفك عشان برضو موضوع الخلفة ده أنتِ بتتأثري بيه اوي .. بس لما عرفت انك خلاص مشكلتك اتحلت قلت اعرفك بقى أنه متجوزني ..
ثم رفعت اصبعيها الاثنين السبابة و الوسطى ، تهتف في ابتسامة منتصرة : اصلهم مش واحد بس ، دول توأم ..
هُنا شعرت بأن الأرض تميد من أسفل قدميها ، تريد الاختفاء .. و بأي ثمن ، قال ( معتز ) بعدما لاحظت تغير حالتها : ده كان السبب الأول ، السبب التاني ..
تمهل قليلا ، فزجرته ( عاليا ) بكتفه تهمس بغلظة : انت سكت ليه ؟ مش هي سابتك ؟
همس في ارتباك : شكلها تعبانة ..
- هتقول و لا أقول أنا ؟
أمام صمته ، قالت ( عاليا ) : بصراحة بقى ، ( معتز ) مش عايز البيبي بتاعك ..
رفعت رأسها مبغوتة ، و انتقل نظرها إليه ، طالعها بتوتر ثم اشاح بنظره بعيدا عنها ، جاء سؤالها المفجع : ليه ؟
لعبت بأناملها و هي تردف بملل : اصل بصراحة .. هو مش هيقدر يصرف على بيتين ، و هو كده كده طلقك ، فملوش لازمة كمان يصرف على طفل منك ..
- هو ايه اللي بيحصل ده ؟
قالها ( حسين ) اخيرا بعد صمت طويل ، يحاول التحكم في ذاته .. يحاول الصمت و لكنه لم يفلح ، الصمت في بعض الأحيان خيانة ، و كذلك كان الموقف .. صمتها كصمت القبور لا تتحدث و تطالع ما يحدث بعينان زائغتان ، و الأخرى تتحدث و كأنه حق مكتسب لها ، لا ينتبه لها بقدر ما ينتبه ل( بتول ) و كأنها تسبح في ملكوت آخر ، عيناها متركزة على النافذة المفتوحة ..
تابع حديثه و هو يوجه نظراته إلى ابنه : انت اتهبلت في مخك مش كده ؟
- بابا لو سمحت ..
رفع صوته يخبره بإنفعال : بابا ايه ؟ انت خليت فيها بابا ، انت واحد خان مراته ..
نهض ( معتز ) يدافع عن نفسه بنفس الإنفعال : لا ثانية واحدة بقى .. هو ايه اللي خنتها ؟ ، أنا قلتلها اني اتجوزت على سنة الله و رسوله .. و بعدين أنا مطلقها دلوقتي يعني مظلمتهاش و لا حتى خونتها ..
- سنة الله و رسوله بتقول إن انت تعرف مراتك الأول انك هتتجوز ، تآخد رأيها الأول .. مش تخبي عليها انك متجوز بقالك سنتين و في الآخر تقولها اصل انا متجوز على سنة الله و رسوله ..
تحول ( معتز ) نظره إلى ( بتول ) ، لا تتابع حديثهم من الأساس ، يريد أن تصرخ به .. أن تبكي كي يشعر بأنه ذو قيمة عندها ، و لكن صمتها و سرحانها الطويل جعله على حافة الجنون ، فقرر استعمال آخر بطاقته و هو يجلس مرة أخرى يسأل أباه في تحدي : عايز تعرف أنا متجوز عليها ليه ؟
تحفز الجميع للإجابة ما عدا صاحبة الشأن ، بالفعل الجميع يعرف الإجابة و لكنهم منتظرين إجابة أخرى تكون أقل حدة منها ، و لكنه هتف بتبجح : أنا اتجوزت عليها عشان ارض بور ، دايما خايفة و مش عارفة تعملي اي حاجة بحبها .. طول الوقت باردة و اقولها يمين يمين شمال شمال ، معندهاش شخصية .. لاغية شخصيتها معايا تماما ، مش عارفة تبسطني .. حتى العيال مكنتش عارفة تجيبهم .. أنا استحملت قرف محدش استحمله ، استحملت التعب و العيادات و الحقن اللي هي عمالة بتآخدها .. و فلوسي اللي بتضيع على أدوية مش بتجيب نتيجة مع حضرتها ، لحد ما انا زهقت و قرفت ، و تبني في احلام وردية و تعيش فيها ..
تلك الإجابة القاسية يقولها بسلاسة ، بينما هو رجع بظهره إلى الوراء في انفعال جلي و ربتت ( عاليا ) على كتفه تطالع ( بتول ) بإستياء ، بينما نظر ( امجد ) بإشمئزاز اليه يردف بحدة : ده بدل ما تبوس رآسها على اللي هي بتعمله ده ! ، معلش يعني هي مكنتش مجبرة تآخد كل الأدوية دي ، فاكر انت الأعراض الجانبية للأدوية دي و لا افكرك أنا ؟ ..
شدت ( ريحانة ) على احتضانها ، بينما اكمل ( امجد ) : فاكر لما رجعت مرة من السفر ، و لما جيتلك البيت .. فاكر شكلها كان عامل ازاي ؟ ، لما كانت حتى مش قادرة تفتح عينها من التعب و الحمى اللي مكنتش بتروح من عندها ، الاغماء المتكرر .. عارف لما قلتلها تبطل علاج قالتلي ايه ؟
نزلت دموعها و أغمضت عينها ، بينما دمعت عينا ( امجد ) و أردف بتأثر : قالتلي عشان ( معتز ) ..
تتذكر ذلك اليوم ، كانت نائمة في سريرها في حالة اعياء شديدة عندما هبط لمستواها و أردف بحزن : ليه ؟
فتحت عيناها بصعوبة ، تستفسر عن سؤاله ، فأكمل سؤاله : ليه بتعملي كده ؟
ابتسمت و هي ترد على سؤاله بسؤال آخر بصوت ضعيف : انت زعلان عليا يا ( امجد ) ؟
نظر إلى الأرض ، ثم حاول الابتسام و هو يرد : هتصدقي لو قلت اني بحبك زي اختي بالظبط ؟ احنا عشرة عُمر من ايام ابتدائي فاكرة ؟
أغمضت عينها و هي تردف : أيوة فاكرة .. انت كنت ارخم عيل عرفته في حياتي ..
دمعت عيناه و ضحكت هي بوهن ، امتدت يدها المرتعشة إلى كوب الماء .. و لكنها لم تفلح فقالت برجاء : معلش نادي على ( معتز ) ..
نادى عليه بالفعل ، اتى و رفع رأسها لترتشف من الماء ، ثم قالت ممازحة : ( امجد ) بيسألني سؤال حلو يا ( معتز ) .. بيقولي ليه بعمل كده ؟
خفض رأسها إلى الوسادة مرة أخرى ، و ينتظر منها الإجابة ، فقالت : عشان ( معتز ) يستحق ، يستحق اني اتعب عشانه .. اكتر حاجة هتفرحه في الدنيا اني اديله طفل و أقوله ده ابنك ..
أفاقت على تلك الذكرى ، نهضت و دخلت إلى الغرفة دون أن تنبس ببنت شفة .. فتحت الخزانة و لملمت ملابسها سريعا ، و كذلك فعلت مع أبناء أخيها ، كانت تلم الأشياء و بسرعة و عصبية ، حتى انعكست على أبناء أخيها دون أن تشعر ، و لكن الأجواء تخنقها .. تريد أن تتنفس ، أن تنسى كل ما سمعته في الخارج ، فعلت ( ريحانة ) التي أتت وراءها مثلما فعلت ، انسحاب مفاجئ و لا ترد على اي من الأسئلة الموجهة لها ، شعرت ( ريحانة ) بأن البراكين التي بداخلها قد انفجرت .. الغضب يكسو ملامحها البريئة و العصبية المفرطة و نظرة الانكسار الرهيبة التي في عيناها البندقية الواسعة و كأنها خُذلت مو العالم أجمع ، عندما سألها ( حسين ) و لم ترد قال بتوسل : أنا تعبان يا ( بتول ) .. ريحي قلبي .. مش هتبقي أنتِ و هو عليا ..
قالها بعينين نديتين ، و كأنه قد أصابها بمقتل ، فأردفت بجملة مقتضبة : بيت بابا اولى بيا يا عمو .. عن اذنك ..
مصطلح ( عمو ) هذا تقوله اوقات الحزن أو الغضب ، حاول أن يردعها و لكن لا فائدة ، همس لرفيقتها : بلاش تخليها تنام و هي زعلانة كده ، اخاف يجرالها حاجة ..
طمأنته ( ريحانة ) بأنها ستبقى جوارها ، عندما نزلت وجدت سيارة ( كريم ) ، كان قبلها بدقائق يردف ( امير ) بسؤال و كأنه من اسرار الكون : الدنيا دي فيها كم بلياتشو ؟
عدل ( كريم ) من هيئة النظارة و هو يرد بتركيز مضيقا عينيه : على حسب الأغنية .. كلهم اتحرقوا بجاز ..
- احسن برضو .. خليهم يقللوا الكثافة السكانية ..
وافقه في الرأي ، ثم أردف : صحيح يا ( امير ) ، انت عملت ايه مع الواد ( هاني ) ؟ ..
تأفف بضجر و هو يردف بضيق : بلاش تفكرني ، ده عيل مستفز ..
ضحك ( كريم ) و هو يقول : بس علمنا عليه جامد ..
ضحك ( امير ) أيضا و هو يقول : و الله يا ( كريم ) انت دماغك حلوة في الإستثمار .. ليه متفتحتش مكتب عقارات ؟
رفع كفيه يقول بحنق : لا لا يا عم .. ده مجال غدار ، الصبح تبقى مليونير و بليل تبقى بتشحت ، خلينا في المدرسة و المرسم احسن ..
- براحتك ..
عم صمت طويل بينهما ، ثم قال ( كريم ) : صحيح يا ( امير ) هو انت ليه متشتغلش بشهادتك ؟
- ابقى دكتور تحاليل ؟ لا يا عم مش سكتي ، أنا ليا في التجارة و البيع .. و بعدين أن لو عايز من بكرة ابويا يفتحلي معمل .. أنا كده مرتاح اوي و بعدين الدخل حلو برضو ..
- عندك حق ..
قالها شاردا ، أحاط بهم الصمت الذي لا يخلو من نغمات الأغنية المفضلة لدى ( كريم ) المتصاعدة من سماعات السيارة و الضوضاء المكتومة للسيارات ، غارق في التفكير حتي أذنيه ، يفكر بعمق حتى ظن أنه غفى طويلا ، غاص في مقعده و شعر بأنه قد نام لثواني معدودة ، و افاق على طرقات خفيفة على زجاج نافذته ، فتح الزجاج ليكتشف أنها ( بتول ) ، تسأل بشك : هو انت لسه واقف ليه ؟
لم يجد أي مبرر يجعله واقفا أمام منزلها لساعة كاملة أو ربما أكثر ، فإبتسم يداري ارتباكه : لا ابدا .. اصل ..
ثم قال سريعا : جالي تيلفون فأنا مش بعرف اتكلم و انا سايق ..
كاد أن يتحدث لولا أنه رأى ملامحها المتجهمة ، و عيناها الدامعتان ، سألها بقلق : هو أنتِ كويسة ؟
كأن سؤاله كان إذن لها بإطلاق العنان لدموعها ، فأومأت و الدموع تتساقط من عيناها مرة أخرى .. أغمضت عيناها و ابتعدت قليلا عنه ، فقال و هو يفتح باب سيارته بقلق : لا ده الموضوع كبير بقى ..
ثم وقف أمامها ، و أردف : طب تعالي نتكلم في العربية ..
- لا مفيش حاجة أنا كويسة يا ( كريم ) .. أنا بس حاسة اني تعبانة ..
يرمقها بقلق و عقب على جملتها : طب نروح للمستشفى ؟ أنا مش ورايا حاجة ..
ابتسمت بحزن و هي تخبره : لو كان اللي انا فيه بيتحل كده مكنش هيبقى ده حالي ..
نزلت ( ريحانة ) و ورائها الصغار ، و جميعهم يحملون الحقائب ، انتقل نظره لهم ثم سألها بهمس : عايزين تروحوا مكان معين ؟
اومأت برأسها فأردف برفق : طيب .. أنا هوصلكوا ، بس انت عايز اقعد معاكي شوية نتكلم على انفراد .. اخلي ( امير ) يوصلهم و تعالي انتِ معايا ..
همست بتعب : أنا مش هقدر اتكلم انهارده يا ( كريم ) سامحني ..
رد برفق : طيب خلاص بلاش تتكلمي ، تعالي نقعد في اي حتة حتى لو مش هنتكلم ..
نظرت له بضعف ، فأكمل بحزن : أنا مش هقدر اسيبك كده و معملش حاجة .. تعالي
ذهبت إلى ( ريحانة ) تخبرها ، بينما ذهب ( كريم ) إلى ( امير ) الذي غط في نوم عميق مردفا : ( امير ) .. يا ( امير ) ..
فتح عينه بصعوبة ، يتطلع إلى ملامحه ، يقول بصعوبة : ايه ؟
- قوم .. وصل صاحبتها و عيال اخوها ..
- و هي ذات نفسها هتروح فين ؟
زفر بضيق : هآخدها نتكلم شوية و بعدين ارجعها ..
تأفف بضجر و هو ينهض ، نظر ل( بتول ) التي تقف أمام السيارة ، و صاح بغضب و هو يشير إلى سيارة ( كريم ) : اتفضلي ..
رمقته بإستغراب و نظرت إلى ( كريم ) الذي قال ضاحكا : معلش لسه صاحي ..
![](https://img.wattpad.com/cover/343926205-288-k782663.jpg)
أنت تقرأ
حَتى اَتَاهَا اليَقِينْ
Romanceلعل كل الأقدار كانت سبب فى تأخر امنيتها .. هذه الدنيا لا تعطى كل شئ .. ربما تخطط لحياتك ثم يأتى كل شئ فى لحظة قاطعة يخبرك بأنه لا ينفع .. كمثل الموج الذى يأتي على غفلة فيقلب سفينتك رأسا على عقب ، حتى سألت نفسها ذات مرة متى سترسو سفينتها على الجزيرة...