الجزء الثالث ( ألم أقل لك أنها ابنتي ؟)

223 17 4
                                    

دخل ( حسين ) و وراءه ( معتز ) إلى المنزل و حالة من الصمت تسيطر عليهما .. جلس أبوه على اقرب كرسي و قال و هو يخلع حذاءه : عارف يا ( معتز ) .. مش انت ابني .. بس انا بقولهالك اهو انت بني ادم مستفز ..
نظر ( معتز ) له فى سخط ، فأكمل الآخر : ايه .. زعلت ؟! طب كويس و الله كنت مفكر انك معندكش دم .. هو أنا مش قولتهالك قبل كده ( بتول ) دي بنتي ؟! و قولتلك يوم كتب كتابك عليها انك لو زعلتها أنا أول حد هقف قدامك ، كنت مفكر اني بقول كلام فى الهوا كده بس صح ؟
قال آخر كلماته بحدة جعلت ( معتز ) يطالعه بدهشة ، لم يتعامل معه بحدة او قسوة ابدا منذ أن كان صغيرا و الآن يرى والده فى أوج غضبه ، حاول امتصاص غضبه بقوله بعد تنهيدة متعبة : يا بابا..
قاطعه ( حسين ) فى عصبية : بلا بابا .. بلا زفت بقى ..
زفر بضيق شديد بينما اكمل أبوه فى غضب : انت امتى هتكبر يا ( معتز ) ؟ امتى هتعرف تبقى كويس و تشيل مسئولية نفسك و تعرف اللى ليك و اللى عليك ؟ أنا تعبت من كتر ما بلف وراك و بصلح اخطاءك من و انت لسه صغير ..
تنفس بعمق ، ثم قال : امك الله يرحمها لما ماتت مكنتش عارف اعمل ايه ، امك اللى سابتك و انت لسه يا دوب ٧ سنين .. كان قلبي متقطع عليك و انت واقف تبص على الأمهات اللى بتوصل زمايلك فى المدرسة ، قلت لنفسي ما أنا ممكن اتجوز تاني ايه المشكلة .. أنا كنت وقتها شاب و كنت اقدر افتح البيت من تاني ، بس رجعت اقول هجيب للواد مرات اب ؟! و ينسى أمه الحقيقية .. و يا عالم الست اللى هجيبها دي هتعمل فيه ايه ، لا أنا هربيك لوحدي و انا و انت سوا و خلاص .. أنا هبقى دورين .. هبقى اب و ام لحد ما يكبر و يعتني بيا لحد ما اموت ، يعني هي عيشة و لا اكتر .. و هحتاج ست ليه و انا اصلا من جوايا كنت متأكد أن مفيش حد فى جمال ( فاطمة ) الله يرحمها .. و لا حد هيعوض مكانها اصلا ، حتى بعد اما ماتت لسه شايفها .. لسه شايفها فيك يا ( معتز ) .. نظراتك و ضحكتك و ملامحك .. كلك على بعضك شبه امك بالظبط ، أنا عشت مع امك عمر قليل صحيح .. بس و الله العظيم و غلاوتك عندي هيفضلوا احلى سبع سنين عيشتهم فى حياتي ..

اليوم يدعس والده قلبه بلا رحمة بتلك الذكرى المؤلمة ، شعر ببوادر نوبة بكاء تجتاحه فقال بسرعة محاولا عدم البكاء أمام والده : انت ليه بتقول الكلام ده يا بابا ؟
تجاهل والده سؤاله ، و أردف و هو ينهض متجها لغرفته : تصبح على خير ..
و دخل دون كلمة أخرى ..
_______________________________________

لم تستطع النوم ابدا .. و كان الغيظ و الحزن هما المسيطران على حالتها ، دخلت ( ريحانة ) الى غرفتها التى لم تفارقها لحظة منذ أن رحل الجميع و قالت لها : ما هو انتي مش هتفضلي تهري و تنكتي فى نفسك كده كتير ..
قالت و الغيظ يقطعها اربا فى داخلها : كان قلبي حاسس .. كان قلبي حاسس يا ( ريحانة ) ، ( عاليا ) دي حرباية ، أقوله في حاجة بينك و بين زفتة .. يقولي
قلدت نبرته و هو يقول فى إنكار شديد : بطلي هبل يا بتول .. ( عاليا ) دي مجرد زميلة فى الشغل مش اكتر ..
ثم صاحت بإنفعال : طالما هى مجرد زفتة فى الشغل ، مقاليش ليه انها بنت خالته ؟ و ليه مقالش أنه عنده خالة اصلا ..
و أقوله نمت معاها كم مرة يا ( معتز ) يقولي حاسبي و دي سمعة إنسانة .. و بعدين انتي ملكيش حكم عليا يعنى حتى لو نمت معاها ملكيش فيه ..
كان الألم قد اعتصر قلبها ، فإنفجرت فى بكاء مرير .. و هي تقول فى حسرة : كنت عارفة ..
راقبتها ( ريحانة ) و هي تشعر بالحزن عليها ، احتضنتها فإشتد بكاؤها أكثر حتى غفت بين أحضانها ، أراحت رأسها على الوسادة بهدوء و وضعت الغطاء حتى وصل إلى رقبتها ، و أغلقت المصباح و أغلقت الباب من ورائها .. متحركة بسرعة كبيرة نحو الخارج و دون أن تلتفت ارتطمت بعمرو الذى خرج من غرفته للتو .. نهضت سريعا و قالت بحرج شديد : أنا آسفة حقيقي مكنتش اقصد ..
و ازداد حرجها حينما رأته عاري الجذع ، فقال هو الآخر بحرج و هو يعود للغرفة مسرعا : لا و لا يهمك .. أنا اللى آسف ..
اغلق الباب وراءه و هو يتنفس بصعوبة ، كان سبب خروجه من غرفته هو إيجاد قميص له ، أما عنها فشعرت بأن الدم انسحب من جسدها و تركز فى وجنتيها من فرط الاحراج ..
انسحبت الى شقتها فى هدوء .. بينما هو خرج بعد دقائق ليجد أبناءه الثلاثة يتابعون التلفاز كالعادة ..و لا وجود لها ابدا ، ضرب على جبهته بخفة و هو يشعر بسخافة الموقف الذي جمعهما ، نادى على ( خديچة ) ، اقتربت منه و هي تحتضنه سألها : طنط لسه هِنا ؟
قالت : لا روحت بيتها ،. كانت قاعدة مع ( بيتو ) لأنها كانت بتعيط و قالتلنا نروح نتفرج على TV
هز رأسه برضا بينما أكملت هى ببراءة : بابا هو ليه عمو ( معتز ) كان متضايق و خلى ( بيتو ) تعيط ؟
ابتسم قائلا لها : عادي .. هما الإتنين متخانقين مع بعض خناقة عادية ..
اقترب ( ياسين ) منهما و قال ( لعمرو ) : هي مين ( عاليا ) دي يا بابا ؟
كاد أن يرد لولا رد ابنته المباغت الذي جعله يقهقه : سمعت ( بيتو ) و هي بتقول دي حرباية .. معقول يكونوا اتخانقوا علشان عمو ( معتز ) اخد الحرباية دي و مرضاش يديها لبيتو فقعدت تعيط .. طب ما عمو ( معتز ) يآخدها شوية و هى تآخدها شوية ..
قال ( ياسين ) و هو يتشبت بأبيه : طب يا بابا ينفع نجيب واحدة ليها و هما الإتنين يتصالحوا و خلاص ؟
قال ( عمرو ) و هو يضحك : حاضر .. هبقى اجيب لها واحدة ..
تركهم و دخل إلى غرفة ( بتول ) ، كانت فى سبات عميق .. جلس جوارها و أزاح خصلاتها من على وجهها و طبع قبلة على جبهتها .. يشعر بالشفقة نحوها ، بعيناها الذابلتان و جسدها الهزيل أعرب عن كل شئ .. ضعفها أكثر ما يتعبه فى هذه الحياة ، دائما كان يسأل نفسه منذ صغره .. متى ؟ متى سيأتي اليوم الذي لن تحتاج اليه ؟ طفولتها كانت سيئة للغاية .. و لكنها لم تقل يوما ، كانت دائما راضية تماما بكل شئ و إن كان يؤذيها ، رحيله خلال تلك الفترة و بعده عنها سيشكلان فارقا هائلا .. لا يعلم للأحسن أم للأسوء ، و لكنه سيحدث على كل حال ..

حَتى اَتَاهَا اليَقِينْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن