دخل ( حسين ) و وراءه ( معتز ) إلى المنزل و حالة من الصمت تسيطر عليهما .. جلس أبوه على اقرب كرسي و قال و هو يخلع حذاءه : عارف يا ( معتز ) .. مش انت ابني .. بس انا بقولهالك اهو انت بني ادم مستفز ..
نظر ( معتز ) له فى سخط ، فأكمل الآخر : ايه .. زعلت ؟! طب كويس و الله كنت مفكر انك معندكش دم .. هو أنا مش قولتهالك قبل كده ( بتول ) دي بنتي ؟! و قولتلك يوم كتب كتابك عليها انك لو زعلتها أنا أول حد هقف قدامك ، كنت مفكر اني بقول كلام فى الهوا كده بس صح ؟
قال آخر كلماته بحدة جعلت ( معتز ) يطالعه بدهشة ، لم يتعامل معه بحدة او قسوة ابدا منذ أن كان صغيرا و الآن يرى والده فى أوج غضبه ، حاول امتصاص غضبه بقوله بعد تنهيدة متعبة : يا بابا..
قاطعه ( حسين ) فى عصبية : بلا بابا .. بلا زفت بقى ..
زفر بضيق شديد بينما اكمل أبوه فى غضب : انت امتى هتكبر يا ( معتز ) ؟ امتى هتعرف تبقى كويس و تشيل مسئولية نفسك و تعرف اللى ليك و اللى عليك ؟ أنا تعبت من كتر ما بلف وراك و بصلح اخطاءك من و انت لسه صغير ..
تنفس بعمق ، ثم قال : امك الله يرحمها لما ماتت مكنتش عارف اعمل ايه ، امك اللى سابتك و انت لسه يا دوب ٧ سنين .. كان قلبي متقطع عليك و انت واقف تبص على الأمهات اللى بتوصل زمايلك فى المدرسة ، قلت لنفسي ما أنا ممكن اتجوز تاني ايه المشكلة .. أنا كنت وقتها شاب و كنت اقدر افتح البيت من تاني ، بس رجعت اقول هجيب للواد مرات اب ؟! و ينسى أمه الحقيقية .. و يا عالم الست اللى هجيبها دي هتعمل فيه ايه ، لا أنا هربيك لوحدي و انا و انت سوا و خلاص .. أنا هبقى دورين .. هبقى اب و ام لحد ما يكبر و يعتني بيا لحد ما اموت ، يعني هي عيشة و لا اكتر .. و هحتاج ست ليه و انا اصلا من جوايا كنت متأكد أن مفيش حد فى جمال ( فاطمة ) الله يرحمها .. و لا حد هيعوض مكانها اصلا ، حتى بعد اما ماتت لسه شايفها .. لسه شايفها فيك يا ( معتز ) .. نظراتك و ضحكتك و ملامحك .. كلك على بعضك شبه امك بالظبط ، أنا عشت مع امك عمر قليل صحيح .. بس و الله العظيم و غلاوتك عندي هيفضلوا احلى سبع سنين عيشتهم فى حياتي ..اليوم يدعس والده قلبه بلا رحمة بتلك الذكرى المؤلمة ، شعر ببوادر نوبة بكاء تجتاحه فقال بسرعة محاولا عدم البكاء أمام والده : انت ليه بتقول الكلام ده يا بابا ؟
تجاهل والده سؤاله ، و أردف و هو ينهض متجها لغرفته : تصبح على خير ..
و دخل دون كلمة أخرى ..
_______________________________________لم تستطع النوم ابدا .. و كان الغيظ و الحزن هما المسيطران على حالتها ، دخلت ( ريحانة ) الى غرفتها التى لم تفارقها لحظة منذ أن رحل الجميع و قالت لها : ما هو انتي مش هتفضلي تهري و تنكتي فى نفسك كده كتير ..
قالت و الغيظ يقطعها اربا فى داخلها : كان قلبي حاسس .. كان قلبي حاسس يا ( ريحانة ) ، ( عاليا ) دي حرباية ، أقوله في حاجة بينك و بين زفتة .. يقولي
قلدت نبرته و هو يقول فى إنكار شديد : بطلي هبل يا بتول .. ( عاليا ) دي مجرد زميلة فى الشغل مش اكتر ..
ثم صاحت بإنفعال : طالما هى مجرد زفتة فى الشغل ، مقاليش ليه انها بنت خالته ؟ و ليه مقالش أنه عنده خالة اصلا ..
و أقوله نمت معاها كم مرة يا ( معتز ) يقولي حاسبي و دي سمعة إنسانة .. و بعدين انتي ملكيش حكم عليا يعنى حتى لو نمت معاها ملكيش فيه ..
كان الألم قد اعتصر قلبها ، فإنفجرت فى بكاء مرير .. و هي تقول فى حسرة : كنت عارفة ..
راقبتها ( ريحانة ) و هي تشعر بالحزن عليها ، احتضنتها فإشتد بكاؤها أكثر حتى غفت بين أحضانها ، أراحت رأسها على الوسادة بهدوء و وضعت الغطاء حتى وصل إلى رقبتها ، و أغلقت المصباح و أغلقت الباب من ورائها .. متحركة بسرعة كبيرة نحو الخارج و دون أن تلتفت ارتطمت بعمرو الذى خرج من غرفته للتو .. نهضت سريعا و قالت بحرج شديد : أنا آسفة حقيقي مكنتش اقصد ..
و ازداد حرجها حينما رأته عاري الجذع ، فقال هو الآخر بحرج و هو يعود للغرفة مسرعا : لا و لا يهمك .. أنا اللى آسف ..
اغلق الباب وراءه و هو يتنفس بصعوبة ، كان سبب خروجه من غرفته هو إيجاد قميص له ، أما عنها فشعرت بأن الدم انسحب من جسدها و تركز فى وجنتيها من فرط الاحراج ..
انسحبت الى شقتها فى هدوء .. بينما هو خرج بعد دقائق ليجد أبناءه الثلاثة يتابعون التلفاز كالعادة ..و لا وجود لها ابدا ، ضرب على جبهته بخفة و هو يشعر بسخافة الموقف الذي جمعهما ، نادى على ( خديچة ) ، اقتربت منه و هي تحتضنه سألها : طنط لسه هِنا ؟
قالت : لا روحت بيتها ،. كانت قاعدة مع ( بيتو ) لأنها كانت بتعيط و قالتلنا نروح نتفرج على TV
هز رأسه برضا بينما أكملت هى ببراءة : بابا هو ليه عمو ( معتز ) كان متضايق و خلى ( بيتو ) تعيط ؟
ابتسم قائلا لها : عادي .. هما الإتنين متخانقين مع بعض خناقة عادية ..
اقترب ( ياسين ) منهما و قال ( لعمرو ) : هي مين ( عاليا ) دي يا بابا ؟
كاد أن يرد لولا رد ابنته المباغت الذي جعله يقهقه : سمعت ( بيتو ) و هي بتقول دي حرباية .. معقول يكونوا اتخانقوا علشان عمو ( معتز ) اخد الحرباية دي و مرضاش يديها لبيتو فقعدت تعيط .. طب ما عمو ( معتز ) يآخدها شوية و هى تآخدها شوية ..
قال ( ياسين ) و هو يتشبت بأبيه : طب يا بابا ينفع نجيب واحدة ليها و هما الإتنين يتصالحوا و خلاص ؟
قال ( عمرو ) و هو يضحك : حاضر .. هبقى اجيب لها واحدة ..
تركهم و دخل إلى غرفة ( بتول ) ، كانت فى سبات عميق .. جلس جوارها و أزاح خصلاتها من على وجهها و طبع قبلة على جبهتها .. يشعر بالشفقة نحوها ، بعيناها الذابلتان و جسدها الهزيل أعرب عن كل شئ .. ضعفها أكثر ما يتعبه فى هذه الحياة ، دائما كان يسأل نفسه منذ صغره .. متى ؟ متى سيأتي اليوم الذي لن تحتاج اليه ؟ طفولتها كانت سيئة للغاية .. و لكنها لم تقل يوما ، كانت دائما راضية تماما بكل شئ و إن كان يؤذيها ، رحيله خلال تلك الفترة و بعده عنها سيشكلان فارقا هائلا .. لا يعلم للأحسن أم للأسوء ، و لكنه سيحدث على كل حال ..
![](https://img.wattpad.com/cover/343926205-288-k782663.jpg)
أنت تقرأ
حَتى اَتَاهَا اليَقِينْ
Romansaلعل كل الأقدار كانت سبب فى تأخر امنيتها .. هذه الدنيا لا تعطى كل شئ .. ربما تخطط لحياتك ثم يأتى كل شئ فى لحظة قاطعة يخبرك بأنه لا ينفع .. كمثل الموج الذى يأتي على غفلة فيقلب سفينتك رأسا على عقب ، حتى سألت نفسها ذات مرة متى سترسو سفينتها على الجزيرة...