فَرشت لي فرشة واستلقيت تحت ظل شجرة، نئت قليلاً عنهم كي لا أستيقظ من الإزعاج، واخبرت ابنة عمي بأن توقظني إن هموا بالرحيل. استيقظت بعدها وقد عم الليل قليلاً، وضبت المفرش وحملته عائدة لسيارة أبي ولكنها لم تكن هناك. لم يكن هناك أي شيء، أي شيء على الإطلاق. لا سيارة والدي، ولا سيارة عمي ولا إزعاج يسرى، لا أحد. وقفت في ذهول "كلا لايمكن أن يتركوني هنا" أخبرت مريم بأن توقظني عند الرحيل، أين هي؟. لابد أنها مزحة بالطبع هم بالجوار فصرخت "أمي"، لم تجب.
"أمي"
"أمي"
"أبي"
"أين أنتم؟؟؟؟"
"مريم"
لم أسمع إجابة على الإطلاق. لا أرى ضوء سيارة أبي، ولا حتى أي سيارة عابرة. بالطبع لن أرى أحد فنحن أستوقفنا في منتصف الصحراء.
"يا الله انقذني"
مالذي يحدث؟ هل هذه مزحة؟
بالطبع هم مختبئون في مكان ما، وربما يسجلونني الآن بكاميراتهم. هه! أطلقت زفرة. كلا لن تفوزوا، لن أُخدع. انتظرت خروجهم، انتظرت. لم يخرج أحد.
تراكمت حول نفسي في بكاء حارق، إن غادروا فعلاً فسيعودون لأجلي بالطبع سيعودون، سأبقى هنا بإنتظارهم.
الليل كان دامساً حتى الهلال أختفى لم يكن هناك. هدوء الصحراء مزعج جداً فهو يتركني هنا وحيدة مع أفكاري.ماذا لو لم يعودوا؟
ولكن كيف يمكن أن لا يفقدوا وجودي؟
ولكن كيف نسوني بالمقام الأول؟؟
مريم لمَ لم تخبريهم بأني استلقيت بضع دقائق تحت الشجرة؟
أرجوكم عودوا!
مر الوقت بطيئاً جداً لا أعلم كم من الوقت مضى حتى أشرقت الشمس، ربما قرن؟ حاولت في الساعات المنصرمة ألا أفقد عقلي قرأت كل الأجزاء الثلاثة التي حفظتها من القرآن، كررت جدول الضرب خمس مرات، لا لاشيء بل لأجل أن لا أبدأ بالهلوسة وسط سكون الصحراء وصراخ عقلي.
إنه حلم بالطبع حلم.. هذه ليست الحياة الحقيقة. اه عرفت عرفت! أنا أحلم وسوف أستيقظ الآن.
"استيقظي" صفعت ناصيتي مراراً
ولكن.. الحالم لا يتذكر بداية الحلم، وأنا أتذكر كل شيء. كل ذكرى وكل تفصيل في حياتي الذي اقتنعت أني نسيته أو تناسيته بان لي هناك وكأنه حدث بالأمس. بكاء أمي عند وفاة جدي. فرحة أبي عند تفوقي. بما سينفعني هذا كله الآن؟ لن أستطيع رفع درع التفوق في وجه الصحراء لتنشق إلى سريري أو في وجه الخوف ليصبح وجه أمي. كلا لا أستطيع. أنا هنا وحدي بدون الدرع حتى.
-
"إذا توفيت أمي مالذي ستفعليه بمكتبتي وبكل الكتب تلك؟ أعلم أنك لن تقرأيها أنتِ ووالدي!"
"أخبريني أنتِ، ماذا تريدين أن أفعل بها؟"
"لا أعلم"
-
الآن عرفت الجواب أمي، أحرقيها كلها، لعلها تبعث لي ببعض دفئها. لكن.. لكني لم أمت.. كلا.. مازلت على قيد الحياة، أليس كذلك يالله؟. بالطبع أنا على قيد الحياة، أنا أتنفس وأفكر، الموتى لايفعلون ذلك. أليس كذلك يالله؟.
منى.. منى.. أنتِ فقط تائهة أو منسية كلتا الحالتان صحيحة. سيعودون من أجلك غداً.. سيعودون.
لاتفقدي عقلك.. سيعودون.
واحد ضرب اثنان.. اثنان
أربع وستون تقسيم ثمانية.. ثمانية
لاتفقدي عقلك منى.. ليس الآن أو أبداً.
*** في سيارة أبو منى، حالياً الساعة ٢ فجراً.
"أعد تشغيل الشريط، محمد؟"
"ولكن منى لاتحب هذا الشريط، ستبدأ بالصراخ في غضون خمس ثوان تلك المجنونة"
"إنها تغط في نوم عميق مع مريم في المرتبة الأخيرة.. لاتقلق"