الفصل العاشر

301 29 16
                                    

أخاف أن أكبر.
وكذلك أخاف أن أموت في عمرٍ صغير.
هل ترين مشكلتي؟
سحبت قدماي عبر الرمال وانا في شبه حالة إغماء، اشرقت الشمس وانا لم يغف لي جفن.
حاولت أن أقنعني أنها ذهبت بلا عودة وان بيني وبينها الآن عدة أميال، ولكن لا أمل، القشعريرة مستمرة كما لو أني أشعر بها فوق جلدي.
فوبيا حشرات أو ليسمونه ما يسمونه، لن تغمض لي عين في الصحراء الآن.
اوه منى. هل نسيتي؟ انتِ عالقة هنا!!!
تتحدثين وكأن الطائرة المروحية بانتظارك في أي لحظة لتأخذي قرار العودة وتعود بك.
ياللسخف منى. انضجي!
ولكن لا أريد أن أكبر، هل نسيتي؟
حسناً منى، هل حقاً ستدعين حشرة تفقدك صوابك؟ عودي إلى رشدك أرجوك..
تنهدت بعمق.

جلست على الأرض ومددت قدماي.
لأفكر بمنطق، لدي الآن خيارين. كتبت بإصبعي رقم واحد على الرمال؛ إما أن أنام وأكمل مسيري بالليل، ثم كتبت رقم اثنين بجانبه؛ أو أن أكمل مشي حتى تغيب الشمس.
إيجابيات خيار رقم واحد: أصحى بطاقة أكبر مما أنا فيه حالياً، فكتبت علامة صح بجانب رقم واحد.
سلبيات خيار واحد: الليل مظلم ومخيف وربما أخرج عن طريقي، فكتبت علامة خطأ تحت الصح.
إيجابيات رقم اثنين: المسير في الصباح أوضح، فنقشت أيضاً صح عند الرقم اثنين.
سلبيات رقم اثنين: سأكمل أكثر من أربع وعشرين ساعة بلا نوم، رائع! هل يمكنني أن أدخل مجموعة غينيس الآن؟
بالإضافة إلى الحشرات في الليل التي ممكن ان تداهمني أثناء نومي.. وهنا نقشت علامتي خطأ.
حسم الأمر: الخيار الأول.
من الرائع حقاً أن أفكر بمنطقية بعد كل اللامنطق في الصحراء، أشعر بأني مازلت أحتفظ بهويتي كإنسان.

أخرجت رغيف خبز وقارورة ماء، هذه المرة حشوت رغيفي بالجبن.
مازلت جائعة، فالرغيف لن يسد حتى ثمن جوعي الحالي. نظرت إلى الحقيبة، ماذا لو مت هل سينفعني هذا الإقتصاد بالأكل؟ لم أشعر أبداً بالشبع منذ أن كنت هنا، لماذا؟؟
لأني اعتقدت ذكاء مني، أو غباء لا أعلم حقيقةً، أنه كلما اقتصدت بالطعام سأعيش أيام أكثر في الصحراء وتبعاً لذلك ستزداد فرصة نجاتي.
ولكن ماذا لو مت الآن لأي سبب كان؟
سأموت وحيدة
حزينة
وفوق ذلك بمعدة خاوية.
وبما أنه ليس بيدي تغيير أول اثنان، سأغير من الثالث.
فأخرجت رغيفا خبز آخرين، والتهمتهما.
شعرت بالرضا، ليس لكوني امتلأت من الطعام، بالطبع لا! لن يشبعني الآن سوى طبقتين من البرجر والكثير من البطاطا المقلية، لكن لشعوري بأنني أمسك زمام أمري وأنني أستطيع تغيير أحداث قصتي بنفسي.
اوه منى! رغيفا خبز فقط لم تقومي بتحرير فلسطين..
أعلم أعلم.. أنا بهذا الحال السيء الذي يجعل من رغيفا خبز أعظم مافعلته من أيام.
ثم وضعت حقيبتي تحت رأسي ونمت مهلكةً، بالكاد أتذكر أني أغمضت عيناي.

صوت حاد قاطع نومي وانتفضت واقفة على قدماي رعباً، الرؤية كانت غائمة قليلاً نظراً للضوء العالي وحقيقة أني استيقظت للتو..
وضعت يداي على عيني ومحاولة أن استعيد رؤيتي كاملة.. ولم يمض الكثير حتى استوعبت ما أرى.
سيارة عائلية، والسائق لم يتوقف عن ضغط جرس السيارة حتى صرخت باتجاهه "توقف" فتوقف.
نبضات قلبي في تزايد، كائن بشري يالله!ارتجل السائق من السيارة، واغلق الباب خلفه واسرع باتجاهي بينما من بجانبه يطل من شباكه.
"هل اصبتكِ بشيء؟"
نظرت للأسفل "لا"
"هل انتِ ضائعة؟"
رفعت عيناي بسرعة، فقد تفاجأت بأنه هو من بادر بالسؤال ولست أنا. من المفترض انا من يصرخ أرجوك أعدني لعائلتي ولكني هادئة بشكل مفاجئ وقلت "نعم، انا هنا من خمس أيام"
"لاحول ولا قوة إلا بالله" هز رأسه يمنة ويسرة في ضيقة "هل تعرفين رقم أحد من أفراد عائلتك؟"
وجهه بدأ مألوفًا بطريقة غريبة، أومأت برأسي نعم.
اخرج هاتفه من جيبه وسلمه لي.
اخذت الجوال في تردد، أهذا يحدث فعلاً؟
يديّ كانت ترتجفان. ركزي منى!
كتبت رقم والدتي وضغطت زر الإتصال. وضعت الهاتف على أذني، أنتظر.
"منى" وصلني صوت أمي
فشهقت بكاءًا أيقظني من النوم. نظرت حولي وكان الليل قد خيّم.
حلم، بالطبع حلم. هه!
تكورت حول نفسي وبدأت بالبكاء، ألي فرصة بالنجاة يا الله؟
لم تكن لي رغبة بالمشي أبداً، فقضيت ليلتي الخامسة مستلقية في الطريق.
ثم اشرقت الشمس ونهضت على قدماي.
يجب أن أختار أن أعيش، أن أنجو. إن أردت فعلاً النجاة فلا يجب أن أتوقف عن المشي حتى أصل لأي طرف من الصحراء. حتى لو كنت اخترت الاتجاه الخطأ وكان من المفترض ان اسلك اتجاه اليمين. فالصحراء لابد أن تنتهي من أي اتجاه، حتى لو سلكت الطريق الأطول.
هذه الصحراء لابد أن تنتهي، وستنتهي بإذن الله.
مقتطفات من الحلم تعود لي، بين الحين والآخر لتؤلمني وتشعلني شوقاً وتذهب.
وأمشي.
مالذي يفعلونه الآن؟ أمي وأبي ومريم وبقية العائلة؟
أمازالوا يبحثون عني؟ يشتاقون إلي؟
أيشعرون بما أمر به الآن؟
وأستمر بالمشي.

مسيرة حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن