حل مغيب الشمس قبل دقائق، قررت أن أتوقف عن المشي بغية ألا انحرف عن الطريق خطئاً في الظلام.
تنحيت عن الطريق قليلاً لأتخذ لي مضجعاً جديداً هذه الليلة. ليس لأنه ستمر أي سيارة أثناء نومي وتدهسني، فمنذ أن بدأت بالمشي على الطريق لم أر أي دلالة لوجود كائن سواي. بل لنفس السبب الذي جعلني أبتعد عن مكان لقائي بأمنية عندما أردت تغيير ملابسي، لا أعلم، وكأني أستشعر وجود آخرين في الطريق مروا من هذا المكان أو سيمرون مما يجعله غير قابل لأن يكون -مثل أي بقعة أخرى في الصحراء- سريراً.
أوليس هذا أساس من أساسيات حضارة الإنسان؟
فيلسوفة الآن يامنى، مدهش!
أخرجت قارورة ماء الصباح لأكملها وأنهيت الرغيف كذلك ثم استلقيت على ظهري متوسدةً حقيبتي مستقبلة السماء بنجومها.
اغلقت عيناي ثم أطلقت زفيراً وحينها هربت دمعة وحيدة من عيني اليمنى. كانت مختلفة ودافئة.
ادركت لحظتها إني لم أعد أبكِ كما كنت في بداية رحلتي. كما لو أن الصحراء بدأت تغيرني بطريقة لا أدركها.
جميل !الآن بدأت أصف ضياعي في الصحراء بـ"رحلتي" كما لو أني ذات الرداء الحمراء متجولة في الحدائق.
مسحت الدمعة المتسللة بظاهر كفي.
-
"عندما تري فهد أخبريني" قالت منى وهي تمسح كفيها على تنورتها للتخلص من العرق الذي بدأ بالتجمع.
قالت مريم وهي تطل من فتحة صغيرة في الباب "حسناً"
لم تلبث عدة دقائق حتى صرخت مريم "فهد.. قادم.. فهد.."
وقفت منى بسرعة ثم جلست بسرعة ودقات قلبها ربما يسمعها كل من في وليمة جارهم.
قبل أن يطرق فهد الباب فتحت له مريم الباب وعندما رأها تفاجأ قليلا وقال "امم.. لم أعلم انك ستكونين هنا"
صرخت مريم "رائع! كلاكما تريدان التخلص مني"
التفت فهد على منى وابتسم وهو يعبث بشعره، ثم نظر للأسفل وقال "ليس كذلك.. اعني لم احضر لكِ شيئاً، فقط لي ولمنى"
عقدت مريم يديها وقالت "هه! لا أريد هدايا رومانسية اعفيني ارجوك!" ثم وكزت فهد بمرفقها واضافت "هيا، بسرعة فربما يفاجأنا أحد بعودته"
وبسرعة اتجه فهد إلى منى التي كانت تجلس على درج مقدمة المنزل وعيناها ملصقتان بالأرض، وجلس بجانبها.
لم يقل شيئاً في البداية بل ترك الضجيج لنبضات قلبيهما، ثم تجرأ وقال أخيراً بعدما أخرج مافي جيبه وبسط يديه لمنى.
رفعت منى عينيها أولاً إلى عيني فهد ثم تدريجياً لما في يديه، لترى رغيفي خبز.
تنحنح فهد وقال "فكرت أنه سيكون عيباً لو قدمت ويداي فارغة فلم أجد سوى رغيفين سرقتهما من هناك أحدهما بالجبن والآخر بالمربى. اختاري!"
ابتسمت منى وقالت "رغيف خبز بالجبن"
فاعاد لها فهد الابتسامة.
-
خلعت حذائي ووضعته بجانبي، ثم نظرت للجوارب، ياللقرف! لم أخلعها منذ أربعة أيام.
خلعتها ووضعتها بوسط حذائي ثم غرست قدماي بالرمال الباردة واستلقيت مجدداً.
مضحك.
مضحك.
اشمئزني منظر الجوارب ونسيت أني لم أستحم أو أنظف أسناني منذ اربعة أيام، من دون ذكر الدورة الشهرية.
بدأت بالضحك كثيراً حينها، حتى دمعت عيناي.
لو كنت بالمنزل لأقامت أمي الدنيا وأقعدتها.
"لو كنت بالمنزل"بدأ الرمل بالدخول بين أصابع أقدامي بشكل مزعج، فأخرجت قدماي ونفضتها. استلقيت على جانبي الأيمن لعل النوم يجد طريقه إليّ هذه المرة.
مجدداً بدأ يعبث الرمل بأصابعي. هذا مزعج، مزعج جداً.
اخذت جواربي لألبسها مجدداً وعندما كنت على وشك فعل ذلك، انتبهت لخنفساء سوداء صغيرة تحاول تسلق قدمي.
صرخت بأعلى صوتي وانتفضت واقفة على قدماي احركها يمنةً ويسرة للتخلص من الخنفساء.
لا
لا
لا
لا
ليس الحشرات. لا لا لا!
بدون مصباح كهربائي معتمدة على ضوء الهلال الذي يكاد أن لايكون شيئاً، بدأت أنظر حولي متقينة بعودة تلك الخنفساء وقبيلتها كذلك.
التفت في كل الاتجاهات تحسباً لقدومها البشعة السوداء.بالإضافة لاقشعرار جلدي لمجرد تخيلي انها كانت هناعلى قدمي. ااه!
أعني كنت قد تصالحت مع الصحراء قبل عدة ساعات، والآن حشرات!
وهكذا قضيت ليلتي الرابعة من دون أدنى قسط من الراحة.