استيقظت قبيل الفجر وبالكاد أحمل ذكرى لما حدث بالأمس، فمن الغضب استلقيت في منتصف الطريق بلا مبالاة وجعلت من الحقيبة وسادتي.
كانت السماء مليئة بالنجوم كما لم أرها من قبل وهلالٌ منير. لوحة فنية، سبحان الخالق!
استلقيت على ظهري ومددت ذراعاي وساقاي للخارج، استنشقت جمال ما حولي واغمضت عيناي.
الآن سأتخذ القرار.
سأجعل من الصحراء صديق أم ندٌ لي.
سأختار أي اتجاه وسأتوكل على الله وسأذهب.
نظرت عن يميني وشمالي ولا أكاد أرى أي شيء، رمالٌ رمال على مد البصر.
نظرت للخلف رأيت أضواء خيام أمنية بعيدة ولكني مازلت أراها. ابتسمت لها رغماً عني، ابتسمت رغم الليلة البشعة هناك، ابتسمت لأن أمنية تقطن هناك.
اخرجت قنينة من الماء وشربت القليل فقط ثم أخذت قضمة من رغيف خبز، لأتخلص من رائحة الفم المزعجة.
أنظروا الرفاهية مجدداً! وكأني سأقابل أحداً في الطريق. كأني وإن قابلت أحدهم في الطريق سيهتم برائحة فمي.
لممت حاجياتي ونهضت على قدماي التفت إلى اليمين بضع دقائق، ثم إلى الشمال وكأني حينها رأيت ضوءاً بعيد ومض ثم اختفى؟
هل هي سيارة في الطريق السريع؟
أم مخيم كمخيم أمنية؟
نبضات قلبي أخذت بالتسارع أكثر فأكثر. لا بد أنها سيارة، بالطبع ستكون كذلك!!
ولكن إن حدث وأصبح ضوء مخيم فهذا يعني انك توغلتي في الصحراء أكثر. اااه!
القرار الآن منى!
اغلقت عيناي، أبعدت كل تلك الأسئلة من عقلي.
توكلت عليك يالله فارشدني للطريق الصحيح.
فتحت عيناي واتجهت شمالاً.
-
"مريم، هل تعتقدين أن أحداً سيكتشف أني سأقابل فهد؟"
"اهدأي منى، كل من في المنزل يعلم بأن سهى وريان يتقابلون بالخفاء حتى جدتي ولا أحد يفعل شيئاً. ثم ياغبية فكري عندما نعود للرياض وللدراسة سيكون لديك الكثير من القصص التي سترويها لصديقاتك عن مغامراتك هذه!"
جمعت منى كفيها بحماس "ااه لا أستطيع الانتظار" ثم أضافت "لو أحضرت مقياس ريختر ليقيس مايحدث بنبضات قلبي الآن لأنفجر"
انفجرت مريم من الضحك "منى حتى مزحك يتعلق بالدراسة. غير معقول"
"هلا أعدتي لي السيناريو من جديد لاتأكد بأننا لم ننسى شيء"
"اليوم سيكون هناك وليمة عند منزل جارنا أبو محمد، سنحتج أنا وأنتي بأي شيء لنضل بالمنزل. أما فهد فسيذهب معهم ولكنه سيتسلل عائداً للمنزل وحينها سيكون لقائكم في باحة المنزل وأنا سأراقب لكم الباب"
"كل شيء في الخطة سليم، إلا أنتي" قالت منى بابتسامة عريضة
"أنا؟ هيهات هيهات أنا الرأس المدبر أتمنى أن لا تنسي ذلك"
"حسناً حسناً انتِ لست المشكلة ولكن كيف تتوقعين أن نتحدث بوجودك.. أعني.. أخجل"
اتسعت عينا مريم "ايتها الخائنة! الآن ستخجلين؟ هل نسيتِ المعلقات التي كنتِ ترسلينها لفهد من كان يكتب نصفها؟" ثم أضافت "أصلاً جزء من الخطة ألا أدعكما لوحدكما، فالشيطان لم يمت"
احمرت وجنتي منى "حسناً يمكنك البقاء"
-
اه مريم اشتقت لكِ!
مالذي يجعلني أتذكر كل هذا الآن؟ بالطبع ليس رغيف الخبز ذاك.
هرمونات الدورة الشهرية في كل مكان. ممتاز هذا ماكان ينقصني..
بدأت بالضحك لا شعورياً، مشاعر المراهقة!اشرقت الشمس وارتفعت قليلاً. كنت قد قطعت مسافة لا بأس فيها.
أول شيء سأقوم به عند العودة للمنزل -بعد النوم لمدة ثلاث أيام على سريري بالطبع- هو دراسة الآثار وتقدير الأمتار.
أشعر أن مزاجي لليوم جيد بطريقة ما، وكأني على يقين من عودتي. كنت ابتسم تقريباً طوال الوقت من دون ذكر إني بدأت التحدث بصوت عالي لنفسي.
شعرت حينها بأن الصحراء وهذه الرحلة جعلتني أنضج بعشرة قرون.
بإمكاني عند العودة أن أألف كتاب عن ماحدث في الصحراء وتفاصيلها وسأكسب الكثير من المال انذاك. آن فرانك ومليكة اوفقير (*) لسن بأفضل مني!
ماذا سيكون عنوان الكتاب؟
كيف نجوت في الصحراء برغيف خبز وقاروة ماء.
لا لا!
كيف تنجو من الصحراء ببنطال مغطى ببقع دماء؟
سأدخل مجموعة غينيس لأطول عنوان كتاب.
امم
أنا والصحراء؟
كلا.
حينما ذهب الجميع وبقيت أنا؟
ليس جيد.
اه وجدتها.
مسيرة حياة!
نعم نعم. مسيرة حياة!(*) آن فرانك، نشرت مذكراتها أيام الحرب العالمية الثانية ومازالت حتى اليوم تباع في المكتبات.
مليكة اوفقير، صاحبة كتاب السجينة؛ حيث تحكي عن معاناتها في السجن عشرين عاماً.