مع شروق شمس اليوم الثاني، آمالي ارتفعت كثيراً عن الليلة الماضية. بإمكاني الرؤية الآن على الأقل، رغم أنه لا يوجد الكثير لرؤيته.
كثبان رملية على مد البصر والقليل من النباتات. لا ماء لا طعام. لكن هذا لن يهم ليقيني بعودتهم. بالتأكيد سيعودون أبي وأمي لأرتمي بأحضانهم.سيعودون....
سيعودون...
حالما أستطعت التوقف عن البكاء قليلاً، قررت الوقوف على قدماي. حتى يتمكن أي أحد من رؤيتي، أي شخص، أي كائن. لوحت قليلاً للسماء وللأفق، صرخت كثيراً. لم يكن هناك صوت سوى صوتي.
ارتطمت بالأرض عند سقوطي من كثرة البكاء والنحيب. يالله لاأستطيع. بكيت حتى خشيت أنه لم يعد هناك أي دموع أذرفها فرحاً عند عودة والداي. سجدت لله، لا أعلم إن سجدت باتجاه القبلة الصحيحة، لا أعلم ولكني دعوت الله كثيراً. لم أدعوا الله أن أكون من المقبولين في بعثة هذه السنة، لم أدعوا الله أن أكون ابنة جيدة أو يرزقني ذرية صالحة مستقبلاً، لم أسأله أيّ من توافه الدنيا. سألته مسألة واحدة فقط: إن كتب لي الله الموت هنا، أن أموت وأنا ألفظ الشهادة. لكني لا أريد أن أموت. كلا ليس الآن. ضممت يداي وساقاي أقرب إلى قلبي وجبيني ما زال ملاصق للأرض، حتى بدأت بالإحساس بارتفاع درجة حرارة الرمال.
رفعت وجهي ونظرت للسماء، إذ بالشمس في كبدها، ساطعة وحارقة. تذكرت دروس الفقه في المرحلة الإبتدائية عن مواقيت الصلاة وكأني أسمع صوت معلمتي في أذني ولكنه ضبابيّ غير واضح. متى أصلي يالله؟
أردت الانفجار بالضحك حينها من فرط سخريتي بعقلي، أنا من استطعت النجاة من ١٢ عام دراسي بأعلى المعدلات، لا أستطيع أن أتذكر متى أصلي دون ساعة. مضحك. مضحك. على الأقل أمكنني تذكر كيفية التيمم بالتراب والانتباه لدخول وقت الفجر. وقفت على قدماي ثم عدت للجلوس على ركبتاي، مسحت على التراب ثم على وجهي ثم مسحت كفاي. نظرت للشمس في السماء. لاأستطيع أن أتذكر من أي جهة طلعت، لا أستطيع تحديد القبلة.
ولاأستطيع العودة للمنزل.
صليت ركعتا الفجر، هممت بصلاة الظهر ولكني أردت الانتظار أكثر حتى أتأكد من دخول وقت الصلاة.
-
"صلاة الفجر من دخول الفجر الثاني حتى شروق الشمس، وتبدأ صلاة الظهر عند زوال الشمس حتى يكون ظل كل شيء مثله، أما صلاة العصر فتكون من خروج وقت الظهر حتى يكون ظل كل شيء مثله مرتين، وصلاة المغرب يا أحبة فمن غروب الشمس حتى غياب الشفق الأحمر، والعشاء من مغيب الشفق الأحمر حتى منتصف الليل"
-
عاد لي صوت معلمتي، أنا أتذكر. ربما هذا سبباً مبتذل للسرور ولكنه مفرح جداً، لأنه يشعرني بأن هناك أمل.صار ظل كل شيء مثله، صليت الظهر ثم العصر. ولم يأتي أحد. بردت الأرض قليلاً فاستطعت أن أستلقي على ظهري وأنا أنظر للسماء.
سيعم الليل قريباً
أين هم؟
ما.. هذا.. هل أتخيل أم أني فعلاً أسمع صوتاً؟ صوت مألوف جداً. صوت حضارة. صوت محرك سيارة. انتفضت واقفة على قدماي التفت بكل جهة لأعثر على المصدر.
كان على يميني على بعد مسافة بعيدة سيارة بيضاء تشق طريقها مبتعدة عني. لم أفكر، لم أتردد ثانية، ركضت بأقصى ما عندي إتجاهها.
الشمس على وشك الغروب، ركضت بما أستطعت به من قوة. حتى ولم يكن مقصد صاحب السيارة البحث عني، رؤية ابن آدم أخر يعني النجاة.
*** "أستعيذي بالله أم منى، بإذن الله ستعود لكِ معافاة سليمة"
"يالله، أعد لي وحيدتي" كلمات بالكاد أستطاعت نطقها
في ركن الغرفة كانت مريم تجلس في يأس وندم، لعنت بداخلها نفسها عدة مرات
"أكان يجب أن أخذ تلك الغفوة؟؟"