الفصل السابع

305 32 9
                                    

مئتان متر؟ هل كانت تمزح معي أمنية؟
كيف لي أن أعلم أني قطعت مئتي متر؟ اهدأي منى، اهدأي.
ستعلمين انك قطعتي مئتا متر عندما تصلين للطريق الترابي.
ولكن ماذا لو لم يكن هناك أي شيء؟ ماذا لو أن ذاكرة أمنية الخارقة في حفظ الارقام خانتها هذه المرة وهذه المرة فقط؟
ااه.. الكثير من ال"ماذا لو" ستفقدك عقلك في النهاية منى. لاتدعيها تفعل ذلك!
لنفكر بإيجابية منى فلديك الآن فرص للنجاة، أليس كذلك؟ بحوزتي ١١ رغيف من الخبز، و ٥ قوارير ونصف من الماء، و قطعتا جبن ونصف. 
حسنًا.. إذا أكلت رغيفين يومياً، رغيف في النهار وآخر في المساء ونصف قارورة من الماء كل يوم فيمكنني أن أصمد في الصحراء ست أيام بلا جوع أو عطش بإذن الله على الناحية الجسدية، أما نفسيًا فأنا على شفا جرف سينهار في أية لحظة.
-
مريم تهمس بإذن منى "وصلت رسالة"
التفت منى بسرعة لترى مريم بابتسامتها العريضة وحاجبيها المرتفعين، وهذا يعني فعلاً أن الرسالة وصلت.
استأذنت منى أولاً من سفرة الغداء للذهاب لدورة المياه، لحقتها مريم بعذر شرب الماء.
"أين الرسالة؟؟" سألت منى بحماس وخدين محمرّين.
"اهدأي.. اهدأي! سنعود لنكمل الغداء ثم الرسالة" اجابت مريم
"ماذا؟؟ كلا الآن!"
"قلت بعد الغداء، لأني ان سلمتك اياها الآن فلن تأكلي إلا بعد ثلاث أيام" قالت مريم مازحة "فكل ماستقومين به هو قرائتها مجدداً ومجدداً ومجدداً ومجدداً ومجدداً.."
وضعت منى يدها فوق شفاه مريم لتمنعها من الحديث "حسناً فهمت"
وعادت لتكمل أكلها.
-
لِم أتذكر هذا الآن؟
هه بالطبع رغيف الخبز هو السبب..

مشيت عدة أمتار أسابق مغيب الشمس حتى أصل للطريق قبل هطول الليل، ولكن يبدوا أن الليل سيسبقني.
عاد حذائي لاصدار صوت الاحتكاك المزعج في كل مرة أصطدم بأحجار صغيرة بين الرمال، لقد توقف منذ مدة هذا الصوت ولكنه قد عاد الآن.
مزعج
مزعج
لحظة!!
التفت إلى الخلف للطريق الذي توقف صوت الاحتكاك فيه واتسعت عيناي
ااه... ياللغباء منى!
وتفحصت الطريق بعناية، نعم نعم!
إنه ما أظنه. آثار السيارات التي مهدت الطريق. الحمدلله يارب!
حسناً حسناً، ماهي الخطوة التالية؟
الذهاب لليمين أو إلى اليسار؟ فكيف أعلم من أي اتجاه أتت هذه السيارات وأيهم اتجاه العودة؟؟
أي اتجاه سيعيدني لحضن والدتي؟ أي اتجاه سيغرقني في الصحراء؟؟
جلست بغضب واستسلام على الأرض في منتصف الطريق الترابي وكانت الشمس قد خلدت للنوم والنجوم بدأت بالتسلق للسماء.
ماذا الآن؟
أشعر بالغضب يمزقني ولكن لا أعلم غاضبة ممن؟
من أمنية لأنها لم تكن واضحة في وصفها؟
أم من تلك القيلولة البغضية؟
أم من مريم التي نسيت ايقاظي؟
أم من عائلتي التي لم تعد؟
أم من الصحراء التي أكاد أسمع صوت ضحكتها الخبيثة في الأرجاء؟
أم ممن؟؟؟

انزلت الحقيبة عن كتفي، وجلست اعبث بمحتوياتها. اخرجت قارورة الماء النصف ممتلئة وشربتها كلها، ثم أخرجت رغيف خبز وقررت أن أكله بدون جبن هذه المره.
مضحك شعور الرفاهية بأن يكون لي الخيار بأن اختار رغيف بجبن أو بدون بعد أن كنت أدعي على نفسي بالموت قبيل عدة ساعات.
-
انهت منى طبقها وحمدت الله وتركت سفرة الغداء، غسلت يداها بسرعة ووقفت عند الباب تنتظر مريم تنتهي.
وحين انتهت مريم عقدت منى ذراعها بذراع مريم وسحبتها لباحة المنزل ثم إلى المستودع -حيث كان المخبأ السري لهما- "هيا، الرسالة الآن" وفتحت كفها بانتظار الرسالة.
صرخت مريم "اهدأي يا غبية ستفسدين كل شيء!"
"ماذا؟"
"أولاً، الرسالة ليست ورقة. ثانياً، لو كنت صبورة قليلاً.."
قاطعتها منى "ماذا تقصدين؟ مريم بلا مقدمات اسرعي"
"امم، فهد لم يرسل رسالة ورقية هذه المرة لأنه قال لي يريد مقابلتك" قالتها مريم ووضعت يدها على فمها محاولة كتم ضحكتها..
دارت الدنيا بمنى وارتفعت درجة الحرارة وهربت حروف الابجدية عندما ارادت ان ترد على مريم.. وفي النهاية عثرت على خمسة منهم "لكن كيف؟"
"قالت مريم اذاً انتِ موافقة؟"
ردت منى بسرعة "لا.. أعني نعم.. اه مريم لا أدري مالذي علي فعله؟"
تحدثت مريم كخبيرة في العلاقات "منى انتي ابنة خالي واعز صديقاتي وفهد أخي وإذا لم يكن هذا في مصلحة أي منكم فلن أسمح له بالحدوث"
غطت منى وجهها بكفيها في حياء وبدأت بالضحك الهستيري
-
منى ذات الأربعة عشر ربيعاً تظن انها وجدت الحب الحقيقي، ومنى ذات الثمانية عشر ربيعاً تظن أنها قد وجدت أمل للنجاة من الصحراء.
مضحك.. وكلاهما قد اضاعا ماظنا انهما وجدتاه.
ماذا الآن منى؟

مسيرة حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن