الباب الاول 6

1.6K 38 4
                                    

كان المنزل صغيرا من الداخل ويشير بحالة فقر سكانه....
سار ميثم بخطواته العرجاء مستندا على عكازته الخشبية حتى وصل إلى غرفة ما وفتح بابها بهدوء، ثم همس قائلا وهو يشير بأصبعه الضخم كما حبة يالكوسا لداخل الغرفة:
- انظري هناك
ألقت جومانا نظرة للداخل فشاهدت صبية صغيرة نائمة فوق فرشة أرضية
- هذه ابنتي اسمها ريحانة
ثم اردفت شارحًا:
- فتاة الكهف تلك ذكرتني بها،وقت تخيلت الحزن الذي سوف يصيب والدها عندما يكتشف أن هناك من خطف ابنته وعبث بها ؛فقررت الدفاع عنها....
- كنت أعتقد أن....
كانت ستقول شيئا ولكنها صمتت ؛ كي لا تكسر خاطره
- كنت تعتقدين أن اللصوص لا يمتلكون مثل هذه المشاعر؟
هزت راسها ، فقال:
- انا لصُّ لطيف
ابتسمت جومانا من خلف اللثمة
قال ميثم:
- احيانا تُرغمتا الحياة على أن نكون الشخص الذي لم نحلم به يوما، وهذا ما حدث لي... لقد أجبرتني الحياة على أن لصا ولكنني حيت بدأت هذا العمل عادهت نفسي على ثلاث اشياء .
وقال بعددها على أصابع يده:
- الا أسرق من الفقراء، وان اعطي المحتاجين مما اغنمه ، ولا اعتدي على أعراض الآخرين.
- انت لصُّ محترم .
- شكرا لقد اخجلتني .
مكث الاثنان صامتين لبعض الوقت ثم انفجر ضاحكّا.
تسببت تلك الأصوات بإيقاظ الصبية - ريحانة - والتي دفعها الفضول لتنهض من فراشها وترى الشخص الذي كان يضحك معه....
كانت ريحانة ذات الثلاثة عشر عاما تمتلك ملامح متناسقة تُبشر بجمال قادم ،بشرتها سؤداء داكنة كالليل وتمتلك شعرا غجريّا كثيفا تبقيه على هيئة ضفائر وتشظه للخلف.
احتواها ميثم في حضنه لما رآها وقال لها الجملة التي يقولها لها في كل الصباح:
صباح الخير، ايتها القملة الصغيرة المزعجة .
لم تبتسم ريحانة كعادتها،وهنست في اذن والدها قائلة:
- من هذه يا ابي؟
- أنها صديقتنا الجديدة ، اذهبي ، سلمي عليها
اتسعت عينا ريحانة لفرط الفرحة لقد كان الجميع في القرية يرفضون مصادقتهم بسبب سمعة والدها السيئة، فذهبت تركض نحو الصديقة الجديدة وتعانقها .
بدت الجنية متوترة من ذلك العناق؛ فقد فعلت اليوم الكثير من الأشياء التي لم يسبق لها أن فعلتها من قبل: " مصافحة يد رجل من الإنس،والتحدث معه بشكل مباشر،والان هذا العناق"احس ميثم بتوترها فقال يخاطب ابنته:
- ريحانة، اتركي ضيفتنا واذهبي لإحضار الماء من البئر
رفعت ريحانة رأسها ونظرت إليها:هل ستكونين هنا حين اعود؟!
- آآ.. في الحقيقة أنا كنت
قاطعتها ريحانة بنبرة صوت طفولية متوسطة:
- ارجوكِ،ارجوكِ، ارجوكِ - واكملت تقول:
- سيكون كل من سامري وقمرية سعيدين بالتعرف عليك..
تدخل ميثم:
- لا تزعجي صديقتنا ،فتقرر أن تغادر ولا تعود...
فاضت عيناها بالدموع حزينة؛وذلك عندما احست أنها قد تخسر الصديق الجديد الذي حصلوا عليه بعد كل هذه السنوات؛ نزلت جومانا على ركبتيها أرضا لكي تصبح في مستوى طولها ... مسحت عن عينيها الدموع وقالت:
- حسنا سانتظرك هنا - واضافت على سبيل المرح: وعندما تعودين اريدك أن تعرفيني على آآ.. ماذا قلت إن اسمهما؟!
- سامري وقُمرية...
- نعم صحيح سامري وقُمرية، لا بد أنهما جميلتان مثلك ِ.
التفتت الصبية نحو والدها ، تبادل النظرات قليلا ثم ضحكا...
- هل قلت ما يدعم للضحك؟!
رد ميثم موضحا:
سامري وقمرية حماران
اعتلت حُمرة الخجل خديها:
- اسفة يا ريحانة ، لم أكن اعرف
- لا تعتذري يسعدني أن أكون جميلة مثلهما
قالت الصبية ذلك ثم غادرت لجلب الماء من البئر....
                              ****
بعد رحيلها ستالن جومانا:
- أنها المرة الأولى التي تشاهد فيها بشريا يشعر بالسعادة لأن أحدهم شبهه بالحمار
-ريحانا مختلفة قليلا.. أنها تنظر للأشياء بطريقة.. أنها تعتقد مثلا أن الاموات لا ينتهون بل ينتقلون لأرض علوية تسمى ارض الارواح وقد ضبطتها ذات مرة تحاول قتل نفسها...
- لماذا؟!
قالت انها كانت تريد الذهاب لوالدتها ،كي لا تتركها هناك وحدها.
واخيرا ميثم أمرا اخر:
- الم تلاحظي أن الاصبع الكبير لقدمها مبتور؟
- بلى، لاحظت عندما جاءت وعانقتني
- لقد قامت ببتره بنفسها.
- لماذا؟!
- لأنها تعتقد لو وضعته تحت التراب وقامت بسقايته كل يوم فإن اصبعها مع الايام سوف يكبر ويصبح قدما كاملة.. فتقدمها لي حتى اقوم بوضعها مكان قدمي المبتورة.
ابتسمت جومانا لذلك الخيال الواسع وسالت:
- وماذا بشأن الحمارين ؟!
- تعدهما اعز الاصدقاء،انها تعتقد أنهما يستطيعان فهم كلامها فتحاظثهما طوال الوقت؛لذلك فأنها شعرت بالإطراء عندما قمت بتشبيهها بهما- ابتسم وهو يكمل:
- وان لم يخب ظني فأعتقد انكِ اليوم سوف تكونين الموضوع الشيق الذي ستتحدث فيه معهما أثناء الطريق الى البئر، وأثناء العودة...
                                ****
في ذلك النهار لم تغادر جومانا منزله،وبقيت فيه حتى عادت ريحانة من البئر،وقضى الثلاثة يوما جميلا برفقة بعضهما بعضا..وقد تكرر ذلك الأمر في اليوم التالي والذي يليه...
ومع الايام توثقت علاقتهما بتلك العائلة أكثر وأصبح صديقة مقربة لهما.
ويدافع تلك الصداقة حاولت ذات مرة أن تنصحه بالتوقف عن السرقة وقدمت له عرضا يضمن له حياة كريمة؛
- استطيع إعطاءك مالا من خزينة عائلتنا تُدبر بها شؤون عائلتك.
- لا أحب أن أكون عالة على احد،انا اكسب المال بعرق جبيني.
- عرق جبينك؟...انت لص يا ميثم.
- لص شريف.
- ليش هناك لص شريف،واخى سيء أنهما الشيء ذاته.
قال منفعلا:
- ولكن عندما يهدد الجوع عائلتك بالموت، وتضطرين ليتر قدمك من أجل إطعامهم إياها ستعرفين حينها أن اللصوص عمل شريف .
قالت والفزع في عينيها:
- ابترت قدمك بنفسك، لتقدمها طعاما لعائلتك؟
صمت وكأنه ندم على إفشائه ذلك السر ، ولكن لأن الكلمة التي تُخرج من فم صاحبها لا يمكن استعادتها فقد وجد نفسه مضطرا لشرح السبب الذي جعله يقوم بذلك الفعل:
- من وقت لآخر تمر قرية الجساسة بسنوات قحط شديدة،تتوقف فيها السماء عن المطر فتهلك المواشي والثمار ويموت الناس جوعا وعطشا...

جوماناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن