١٢

18 2 0
                                    

صالِح
..
مرّ يومان ، لم نتحدث عن تلك الليلة ، اما انا فأريد اعتذار فحينها فقدت اعصابي! ، حاولت ان اظهر انني مستاء بكوني بارد دائما لكن لا فائدة انها تستغبي وانا متيقن انها تدري مالذي يجول في خاطري اكثر مني...
الآن هو اليوم الثالث
كنا في كافتيريا الفندق نتناول العشاء ، كانت تتكلم وانا كنت مشغول بملئ بطني..
تنهدت مما جعلني انظر لها
سَجَى بكل صراحة: هل تتعمد هذا؟
نظرت لها انتظر تتمة كلامها
سَجَى وهي ترجع ظهرها للخلف وتعقد يديها: ان تحدثتُ لا تستمع وان استمعتَ لا تجيب ولا أرى سوى عباسةً و ملامحاً عليها غبره! وان ابتسمتَ حاولت اخفائها !! مالذي تحاول فعله؟؟
انزلت عيني للصحن وانا احاول الا ابتسم من لطافتها وهي غاضبه
اقتربت مني وقالت : دعني اخبرك شيئا عني..
رفعت لها نظري مجددا فوضعت احدى يديها على الطاوله وقالت بنبرة جاده: انا صريحة جدا! صريحة أحب الصراحة ، اكره عدم تصفية الحسابات! ان كان لديك شيء يا أخ صالِح قله على هذه الطاوله
ثم طبطبت بيدها على الطاولة بوضعية محققٍ مجدّ في عمله
حاولت اخفاء ابتسامتي لكن هذه المره لم يفلح الموضوع فقد كانت لطيفة لحدٍ قاتل
فقلت وانا هزمتني البسمة: الا تعلمين ؟
سكتت واخذت زفيرا ثم قالت: الم اقل لك ما حدث؟ الم تفكر فيني و تتخيلي اقلبك يمينا و يسارا وانا ابكي و اناديك باسمك؟ الم ترى ندمي من عيني؟ الا يكفي هذا؟؟
ابتسمت مرة أخرى وقلت: اعتذري
عقدت يديها واردفت: لا!
اكملت اكلي بصمت وهي تنظر لي بنظرات حارقة حتى انها لم تتم عشاها و عندما رجعنا للغرفه حاولت تجاهلي كثيرا وانا لم أصبر عن غضبها حتى لو كانت هي المخطئة فعندما كانت تسرح شعرها تقدمت وقلت: مالذي يرضيكِ؟
نظرت لي بطرف عين ولم ترد
تقدمت ونظرت لها من المرآة و ساويت وجهي عند وجهها وهي اكملت تظفر ذلك الشعر الأسود الحريري عاقدة الحواجب
اظن الذي يرضي الفتيات كلهن هي الأشياء المفاجئة لذلك قبلت خدها و ذهبت لأخلد للنوم وهي بقت متصنمة لوقت طويل ...
لازلت أعاني من الصداع في أوقات مختلفة لكنني لم اخبر سَجَى ولن أخبرها ... الكوابيس لقد انتهت من أول ليلة لنا في مكة ، أظنها فقط سكينة الحرم و الكعبة..أما سَجَى فلقد لاحظت أنها سريعة التعب من ناحية القدمين وعندما سألتها ان كانت تعاني من مشكلة صحية قالت "لقد بدأت أعاني منها في سنٍ صغير لكن لم أفحص ولا أجده مهما لأنه لا يؤثر كثيرا"
أما في الصباح فقد أشارت علي بعد صلاة الفجر أنها تريد الذهاب لمكانٍ ما لكنني أردت هذا اليوم الاعتكاف فاستجابت لي و جلسنا ذلك اليوم من الفجر خارج الفندق ، مما لاحظت انها اجتماعية و سهلة الانخراط ولها قَبول ملحوظ فعندما تلتقي احداهن أرى انها قد اخبرت سَجَى عن حياتها و لا أمزح بشأن هذا لكنها كونت صداقات في ثلاث أيام فقط! انها مثالية وانا محظوظ لحصولي لزوجة كهذه.
في الليل كانت تدلك قدميها وهي منزعجة من الألم ، تعابير وجهها تكفي لتجعلني ابتسم ، جلستُ أمامها و بدأت أدلّك قدماها وانا اقول: هل تؤلمكِ جدا؟
قالت وهي تتمدد براحة: فقط استمر وسيذهب الألم ..
ابتسمتُ اكثر ثم تذكرت رغبتها اليوم فسألتها: اين المكان الذي تريدين الذهاب له؟
قالت وهي تتذكر: اممم ...اوه ذاك، لا أعرف اين بالضبط لكنه مقهى قطط لا مشكلة يمكننا البحث عنه في الخرائط
أجبتُ: هل تريدين الحصول على قطة؟
نهضت جالسة وقالت بحماس: اجل اجلللل!!!!!
ضحكتُ وخيبتُ أمالها قائلا: أملك حساسية -كذبة-
عقدت حاجبيها وهي تقول: اذا لِما قلتها ..
(لدي الآن فكرة أخرى لهدية لها عند رجوعنا..)
استأنفت وهي تبعد قدماها: لا بأس لقد تلاشى الألم
ثم اضطجعت وقالت بابتسامة: الست متعب؟
فهمت قصدها فأطفأت النور و ذهبت جنبها لكي تحضنني لتتمكن من النوم بسرعة فقد علمت مؤخرا انها صعبة التعود و يصعب عليها النوم بسرعة في مكان غير مكانها لذلك تعاني من التعب صباحا لقلة ساعات النوم ولازلت أتذكر ابتسماتها و وجنتيها الحمراء وهي تقول "لكنني تعودت عليك ، عانقني كي انام بسرعة!.." ، هذه المرأة تجعلني أدرك أن لازال في السماء غيوم بيضاء لا تحمل عواصف ، تُعلمني أن الدنيا لازلت بخير..أن المشاكل لازلت باستطاعتها أن تُحل بعناق و بطبطبة...أن الدموع يُمكن أن تمسح و لا مشكلة إن جُرحت فإنها ستلتئم في النهاية و الألم نهايته التلاشي ، بأن بعد صيفٍ طويلٍ نسماتٌ باردة و بعد العواصف سكون جو ، سَجَى نظرة منها تطمئنني أن كل شيء بخير ، تجعلني أنسى صوت الرصاص و رائحة التبغ ، المعاملات السئية وكل المخاطرات التي فعلتها كي أبني لي منبراً في المجاري ، ابتسامتها تُمحي ذكرياتي السوداء و تُبعد عني أفكار السوء ، لقد سمعت أن أصحاب الشرك يملكون شيئا يُصنع يدويا يُقال له "صائدة الأحلام" و يتخيلون انها تطرد الكوابيس و تسر من امتلكها و تُحوّل حزنك إلى سعادة وشغف ، ان كان هناك شيء يعمل هذا العمل المزعوم لصائدة الأحلام فيجب أن يكون صوت سَجَى ، فلا أمزح أو أُبالغ أنه يُذهب الصداع و يُعطي الراحة و يبث السكينه ، لقد دعوت الله منذُ فترة "ربّ إني لجأت اليك الان و استغفرتك و تضرعت لك و تذللت و لم آتك إلا وأنا أدري أنك الغفور الرحيم ، ربّ إن قبلت توبتي و رجوعي لك فأرسل لي ما يلطف جراحي و ينسني الماضي فإنك الرؤوف الودود" أتمنى أن تكون سَجى هي الذي أعطاها لي ربي و المقصودة في دعائي.
و الآن أدعوا رب مرة أخرى كالمرة السّالفة ، ربّ أدمها لي ولا تخيب نظري فيها..ربّ لا تُؤذني فيها ولا تجعلني أحزن لضر يصيبها...ربّ أنتَ أعلم أنها كالمطر بعد موسم جفاف صابني و أنها ما تمنيّت و أردت فاسترني أمامها...ربّ أرجوك إلهي إحفظني فيها فأنت الحافظ العليم.
لقد دعوت حينها مثل هذا الدعاء في الحرم فاستمررت بالبكاء طويلا وهي تنظر لي ولا تعلم كم أنا خائف! كم يحمل قلبي المتسخ نقاوة لها ، لا تعلم ارتجاف أطرافي عندما أُفكر أن يصيبها مكروه أو تكرهني ، لا تعلم كم أنا مهووس بها ونحن ليس لنا بالكثير.....هذه المرأة إنها معجزة أن تكون في نصيب حثالة مثلي..
..

لَعلَّ اللَّهَ يُحدِثُ بَعدَ ذلِكَ أَمْرًا..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن