٢٠

5 2 0
                                    

في الرواق كان صالِح يجر أقدامه وهو ممسك بكفه طعنة الرئيس ، كما خرج مذلولا أول مرة...خرج هذه المرة مذهولا ، كان الاسلكي الخاص به لا يصمت من أصوت مختلفة «أيها السنجاب ردد» وصوت رائف أيضاً «تبقى لمؤقت الانفجار دقيقة!» «ردد يا سنجاب!» ، عقله مشوش و جسمه متأذي ، يستذكر حين طعنه الرئيس فمال المسدس و أخطأ قلبه ، لكنه أطلق الرصاصة و رآه يسقط...خطته لم تنجح؟ هل سيخرج من هنا بخيبة أمل؟ هل يجب عليه الرجوع للداخل؟ ، لكن صوت رائف نفى هذه الفكرة وهو يقول «يا سنجاب أسرع!»
قميصه أُغرق بدمه ، كتفه تُرسل صعقات كهربائية مع كل حركة لها ، تكرر نفسه توهماً له بما تشتهيه «هنا النهاية! لقد نجحت يا صالح!» لكن يلتفت مع خطواته للباب خلفه ، أقتلتهُ حقا؟
فتح المصعد و إتكأ على الجدار و بيده الملطخة التي لازالت تحمل المسدس الذي ضغط به على زر طابق «١»... أغمض عينه يتنفس بثقل و يزدرد لعابه و الطعن العميق ما تغطيه إلا يده..همس وهو خجل من كلماته «يالله!» هو يدرك أنه أفسد توبته و رجع لسابقه ، حتما إنها فترة لكن ضميره يقلته تأنيبا فالدين ليس على ما ترميك الدنيا ، إن احتجت أن تفسق فسقت..و إن سهّلت لك الصلاح أصلحت..الدين التزام يا صالِح ، لكن تراوده نفسه «إنه غفور رحيم»
فتح باب المصعد و وقف على ردفته يشاهد الخراب الذي أمامه ، البلاط ناصع البياض صار مُلوثا بالأحمر..الزجاج على الأرض و الفوضى في كل مكان ، أعينه جازعة وهو يتخطى الجثث يبحث إن كان أحد أفراده منهم ، الحراس ضخمي الجثمان افترشوا الأرض كأنهم ثلج ذائب بعد العاصفة يُخيل لك أنهم لم يعيشوا ما كانوا عليه من طغيان ، هنا وجه شرير كان يعرفه الآن أيضاً يراه ساكنا دون حركة أو صوت ، يهمس فؤاده بحسرة «ياليتهم أصابهم من الهدى شيء و رجعوا لوعيهم» ، صوت بوق السيارة خارجاً متزامناً مع الاسلكي الذي يقول من خلاله رائف «بدأ العد التنازلي! عشرة..» غطى على الصوت ازعاج كعب و صوتٌ خلفه ، بنفس نبرة الإتزان ، الهدوء و الرزانة..و اللباس المهندم حتى ولو أن قميصه الأبيض إختلف لونه فكان أحمرا اليوم..
الرئيس من خلفه مبتسماً بشفته التي غطى أطرافها الدماء : لم أُولد لأُقتل على يد أحد..
التفت له صالِح و رفع المسدس جازعاً متجاهلا صعقة أخرى في كتفه ، لم يمت إذا؟ لما لم يهرب؟ هل سيقتله؟
الاسلكي و البوق لازالا بين الأصوات في الخلفية لكن كل خلايا صالِح مركزة فيما سيخرج من فم الرئيس: أتظن حقا أن ذلك كان هدفي ، جلبك فإذلالك؟! إرجاعك يا صالِح و إعادة تجنيدك؟! صدقني أنني سكنت دماغك و عرفت مخططاتك قبلك
ثم بنبرة متثاقلة لكي تُحفر الجملة في عقل صالِح: أنا أَقتل يا صالِح...لا أُقتل
رائف في الاسلكي صارخاً وهو يزيد تشويشه قائلا: أيها الوغد!! ستة!!، اخرج يا مجنون!! خمسة!! ، يا معتل!!!
رفع الرئيس المسدس بثبات رغم أن جسده مثقوب ، يوحي إليك هدوئه و إتزانه أنه رجل آليّ بعد كل ما أصابه ، استقامة ظهره استقامة أحدٍ لا تسكن جوارحه رصاص ، ارتعب صالِح ظنا أنه ينوي به قتله لكن تفاجئ و الرئيس يُحول السلاح من نحو صالِح إلى نحره و قد ابتسم ، لقد كان يعيي الخطة كاملة ، كان يعلم ان الضغط على صالِح بخطف زوجه سيُنهي الأمر هكذا ، لقد تحكم بصالح كتحكمه طوال الأربع الماضية و جلبه له و جعله يفعل الخراب الذي كان الرئيس يريد فعله ، كان يعرف بخيانة الباقين و يعرف منذ رحيل صالِح أن الأمور ستتحول هكذا وهو يريد هذا التحوّل فجعل صالِح يحوّلها و يضع النقطة بنفسه ، لقد تركهم يعيشون و يفعلون ما افتعلوه ، اما هو كان يريد الحلقة الأخيرة من مسلسل حياته منذ أول الحلقات وها قد حان موعد عرضها ، حياته لم تكن كلها مرفّهة وحتى بعد الانتقالية و تحول معاقله البلاستيكية ذهبا إلا أنه لم يذق السعادة التي ذاقها رازيّ بأول مولوده أو بسعادة همّام في حياته البسيطة أو بفرحة صالح في زواجه و سعادته بحياته النظيفة ، هو تحكم بصالِح وكأنه لم يخرج عن تجنيده و ساعده بإنهاء كل شيء..
تنكمش جزء من عيناه النجلاء المبطنة و تظهر تجاعيد بسمته عند أطراف شفته التي تشربت دماءا و التي لا تعرف ما ورائها كالعادة
الاسلكي: ثلاثة!
ركض صالِح للبوابة وهو يلتفت للرئيس الذي لا زال كما كان و رائف عبر الاسلكي: اثنان!
ثم قفز بعد أن إجتاز البوابة وقد سمع صوت الزناد تزامنا مع قول رائف: واحد!!
..
              في تلك الأحيان عند سَجى
..
على السلالم الحديدية ينزل رشّاد أولاً ثم سالي وعلى ظهرها سَجى و رائف بخطواته الصغيره جنبها و في الأخير الرجال و صرامة خطواتهم تُحدث ضجة..
تُحس سالي ببرودة يديّ سَجى الممتدة على عنقها و بنفس الوقت العرق يزيد على معصميها الصفراوين..
عضت شفاهها بقلق وهي تسمع نفس سَجى المثقل.
نزلوا السلالم و توقفوا حين رأوا مجموعة أخرى من أصحاب الملابس الرسمية
تنهد رشّاد مستعدا و قال وهو يعني في كلامه سالي: اخرجي انتِ و رائف
سالي بقلق: و أنتم؟
رائف بهمس و أصحاب ربطات العنق يجرون مضارب البيسبول على البلاط الناصع و يلعبون بأسلحتهم بلهو وهم يتقدمون لهم: القنابل يا سالي! سيموتون!
سالي: اهربوا!
رشّاد وقد انكمشت عيناه الزرقاوتان بصرامة: اخرجا!!
سالي: لن أهرب و أترككم! لنهرب كلّنا!
صوت مألوف جيدا خرج من إحدى البوابات وهو يقول: اخرجوا كلكم..
نظروا له بصدمه
أحد المزارعين: سيدي..
ألّت أنيابه وقد ابتسم
سعد: يمكنكم الذهاب
ثم مدّ شفته: ألا تثقون بي لهذه الدرجة؟
نظر له رشّاد بقلق وأمسك معصم سالي يعطي لسعد آخر نقطة ثقة لأن الوقت ضيق ، تخطوه قاصدين الخروج ليتبعهم الرجال وهم حاملوا الأسلحة مستعدين لأيّ شيء يشيرون بها يمينا و شمالاً و أيديهم على الزناد
وهم يمرون من أمامه بنظرات مترقبة نظر سعد لمن هي محمولة فوق الظهر ، متعبة المحيا مُصفرّة الجوارح كأن روحها تتمسك بجسدها بصعوبة ، ظهر على تقاسيم وجهه قلق ، ماذا فعله الرئيس بها؟
تقدم أحد المزارعين وقال: لن نتركهم يذهبوا يا سعد..
أرسل سعد نظراته الحادة له عكس ما كانت ملامحه عليه قبل قليل وقال بهدوء: بلا..
صرخ أحد المزارعين: خائن!
سعد بنفس الهدوء وهو ينظر لسالي ومن معها يتخطون الباب: أجل
انصدم الباقون منه و ركضوا وهم يزمجرون بالمسبات يهجموا عليه..هناك مَن لحق رشّاد و البقية لكن الرجال أطاحوا بهم..
رائف وهو ينظر لسَجى لثانية و ينزل عينه ثم يعيدها مرة أخرى بقلق وهم يسيرون للسيارة: الس...السيدة.
سالي: رائف التحق بسيارة صالِح ، لا يمكننا أن نتأخر ستموت
رائف بتشتت: لكن لكن
سالي وقد فتح لها الباب رشّاد: صالِح و الآخرون يحتاجونك ، معي رشّاد و البقية..
نظر رائف للسيارات في آخر الشارع و هي تُملئ بالمصابين ثم نظر لساعته بتردد وقال: ح،،حسنا
دخلت سالي للسيارة و سَجى في حظنها
أحد الرجال (محمد): سأذهب معه
رشّاد وهو يطبطب على كتفه: شكراً
ركب الرجال الباقون السيارة و رافق محمد رائف
نظر رشّاد آخر مرة للفندق وهو يغلق باب مقعد سالي..هذه البناية الحديثة ستتحول لرماد بعد دقائق..
اتجه لباب السائق و صعد السيارة وهو يقول ناظرا لسالي التي تبعد شعر سجى عن وجهها الملتصق بسبب العرق و هو يضع حزام أمانه: السيدة جولييت؟
سالي وهي تهز رأسها بالإيجاب: بسرعة!!!
..
                                 صالح
..
طنين في الأذن ، يديه تُبعدان الغبار من عينيه ، رائف وقد انحنى له يساعده في النهوض: هل أنت على ما يرام؟
بين غبار الركام كان يحاول أن ينظر لما داخله لكن من المستحيل ذلك..
رائف وهو ينظر لحاله وقد استقام من الأرض: أنتَ مُصاب ، صالِح مُصاب أيضا!
بلع ريقه ونظر للسيارات خلفه و قد اندلع الحريق أمامه ، سيارات لحمل الجثث لا أرواح..
صالِح وهو يعرج للسيارات بذعر: ماذا حدث لهم ؟!
محمد وهو يفتح باب أحد السيارات بعجالة: يجب علينا الذهاب..
صوت سيارات الاسعاف قادمة من بعيد
ركب صالِح السيارة يتنفس بألم ، ركب أمامه محمد ليأخذ مهمة السواقة
نظر له وقال: محمد...
همهم محمد وهو يحرك السيارة
صالِح وهو يغمض عينيه و يزدرد لعابه: محمد
محمد وهو مركز على الطريق: أجل يا صالِح
صالِح: محمد أجبني! ماذا يحصل.
رائف من الخلف: المصابين كثر...
وضع صالِح يده على أخذنه فوجد دماءا فأغمض عينيه يتنفس وقال: تباً...
نظر له محمد و أرجع نظره للطريق بتوتر
محمد: سنذهب للسيدة جولييت؟
لم يجاوب صالِح كأنه لا يسمع شيئ لذا جاوبه رائف: أجل أجل ..
همّام من جانب رائف: ماذا عن الهدف ؟
سكت رائف يدير عينيه متجنبا الإجابة فحال سَجى سيء ولا يجب أن يعرفه صالِح فأعاد همّام السؤال: رائف!..ماذا عن الهدف؟؟
فقترب لأذنه وقال: أنت مصاب...أليس كذلك؟ ، هاه؟ ، لتأخذ غفوة.. هاه؟
همّام وهو يتألم: وغد
..
بعدها
..
فتحت عينا سجى ببطئ ، موصل السائل في يدها ، اختفى الألم لكن شعور الغثيان أصابها ، السقف رسمت عليه ورود بألوان هادئة ، نظرت حولها بثقل وهي تستفيق ، صالِح! و أخيراً صالِح!! دقّ قلبها وهي تتفحص شكله ، عاري الصدر من الملابس لكنه مغطى بالشاش ، مربوط الكتف على جنب بطنه شاش تسلله بعض الدماء ، تغير منذ آخر مرة رأته ، أين لحيته التي لطالما شدتها و بشرته الصافية مالها صارت كدمات و جروح ، مغمض العينين التي ظهرت عليها التعب متكئ برأسه على الجدار ، حاولت النهوض وهي تتفحص بقية الغرفة ، غرفة صغيرة في أحد زاوياتها مكتب أبيض كالجدران ، حُملت عليه الأدوية و الكثير من مواد العلاج.
انتبه صالِح لها فور حركتها و فتح عينيه بذعر فقد اعتاد القلق عليها لكن الآن هي معه هذه المرة ، يعلم أين هي و حالها -حتى لو ليس أفضل حال- ، فزّ لها و على ركبتيه انحنى أمام السرير ، هي دواء روحه و سقم جسده ، هي ما يريد وهي ما يفعل لأجلها كلّ شيء ، لم يتردد للحظة واحدة لأجل إنقاذها ولو بيده لفداها بنفسه!
ابتسم وأمسك يدها ثم قال: ارتاحي يا روحي ، انتِ بأمان..
تنظر له بنظرات مستغربة ، أتسعد أم تتعس من لقياه ، هو النقمة التي جرتها إلى كل الأحداث السابقة وهو النعمة التي أنقذها من أيدٍ شريرة ، أتعانق أم تصفع؟ أتعاتب أم تزغرد؟ صالِح الذي كانت تنظر له قبل هذه الحادثة هو ليس الفاسد الذي عرفته الآن حتى لو لم تتغير الوجوه فقد انكشف ستار داخله وعلمت عنه مالم يخطر على بالها أنه منه ، من زوجها الصالِح
لفتّ وجهها عن حبيبها العطشان و عيناها مُلئت دموع ، تعاتب في فؤادها ، أيقول لها روحي؟ أي روح تُهمل؟ هل كنت لتخاطر بروحك كما خاطرت بي؟ أيعرف ما حصل لي كل تلك الفترة؟
انصدم من صدها له فقال بصوتٍ ظهر منه الكسر: سَجى...
لم ترد عليه وهي لو بوسعها لتمنت أن كل هذا كابوس حتى زواجها منه تريد الاستيقاظ منه ، داهمها الغثيان و أصابها الشعور بالقيء فوضعت يدها على فاهها تمنعه ، نهض من الأرض بذعر و خرج مِن الغرفة ينادي بلغة العجم "سيدة جولييت!"..
كان البيت الذي هم فيه وزع عليه رجال يتعالجون واحداً تلو الآخر من قبل امرأة عجوز و زوجها أيضاً قد شارفا على العقد السابع ، السيدة جولييت امرأة مسيحية كان يعرفها رازيّ وفي السنوات التي كان فيها صالِح مع المزرعة تعرف عليها بواسطته ، طبيبة استقالت من مشفاها و انطلقت هي و زوجها الممرض للعيش في إحدى القرى تبحث عن الحياة البسيطة تساعد أهلها مجاناً و تحلب الأبقار كغيرها و ساقها القدر لتطبطب جراح أجساد عديمة أرواح ، كل ما أصاب فردا علّة جائها هاربا من المشافي كي لا يُسأل لما و كيف و ينتهي الأمر بالسجن...تعاونت معهم و رممت أجسادهم بصمت دون سؤال أو خوف ، ومن شدة ثقتهم بها ففي حدث حادٍ كهذا لجؤوا لها.
داهم صالِح إحدى الغرف حيث كانت الطبيبة واضعة يدها في جيبها تقول لأحد الرجال بعد يوم طويل من التطبيب: لا تكثر الحركة حتى صباح الغد! ألا تفهم!
قاطعها صالِح وقال: أيمكنكِ القدوم لدقيقة..
توجهت معه لغرفة سَجى بخطوات حثة ، عرهت الطبيبة تأخد أحد الأكياس البلاستيكية و تضعها على فاه سَجى فأخرجت ما في جوفها داخله و جولييت تمسح على ظهرها و تُبعد شعرها من على وجهها.
نظر صالِح آخر النظرات ثم خرج من الغرفة و أغلق الباب خلفه و الحزن يشدّ على قلبه ، صدّت عند لقياه و امتنعت عن الكلام ، يجب عليه تركها على الأقل بينما تسترد عافيتها و ترتب أفكارها..
تقدمت له خطوات صغيرة قالت: هل هي بخير؟
التفتت صالِح لرائف و هزّ رأسه إيجابا وقال: ان شاء الله
رائف وهو يشير بسبابته لصالِح: وهل هي خير مع صالِح؟
وضع صالِح يده على كتفه وقال: لنرى البقية
توجها إلى غرفة المعيشة الواسعة التي مُلئت رجالا
صالِح: الكل بخير يا شباب؟
رازيّ : لم يمت أحد و غير ذلك فنحن على ما يرام
ابتسم صالِح وقال: ماذا قال لكَ الطبيب يا هذا
رازيّ: أخرجوا الرصاص و خيطوا ما فُتح
ثم أشار لكتف صالِح وقال: و كسرك؟
صالِح: قالت يجب زيارة مختص لكن اعطتني حلاً مؤقت
محمد: هل تسمع الآن جيدا؟
صالِح: يعني ليس سيئا..لأنني كنت قريبا من الإنفجار تأذى سمعي و أخبرتني أنه سيتحسن مع الوقت
أحد الرجال: نحن لا نموت بهذه السرعة !
جلس صالِح على احدى الكراسي بعد هدوء الضحكات وقال: شكراً لكم
همّام: على ماذا؟
محمد: نحن فعلنا ما فعلناه لنفسنا و لتسديد الديون علينا ليس لحسن وجهك
ضحك مَن في الغرفة ثم قال همّام وقد تذكر شيئا: ماذا عن الرئيس؟!
سكت صالِح يذكر آخر ما رآه ، لقد سمع بوضوع صوت الزناد ، ثم قال: مات كالبقية
حامِد (أحد الرجال الذين كانو مع سالي): بالمناسبة لقد أنقذنا سعد في الوقت السابق
رازيّ باهتمام: كيف؟
حامِد وهو يستذكر: كنا محاصرين من الوقت و المزارعين فخرج هو و ألهاهم و أمرنا الخروج بسلام
رائف وهو يكمل كلام حامِد: وخرجنا!
رشّاد وقد دخل للغرفة وسمع كلامهم فقال وهو يجلس بجانب صالِح ويضع يده على ركبته: سعد لا ينسى الخير..
سكت صالِح يستمع لهم دون كلمة.
أحد الرجال: إنني أعتبره منكِرًا في النهاية..
رازيّ: إنه لا حول له ولا قوة إن تمرّد على المزرعة
رشّاد: أجل
همّام وهو يرفع همم البقية : يا هذا مالذي يهمنا في سعد! المهم أننا دمرنا المزرعة! الشركة صارت رمادا و الرئيس جثته تحت الأنقاض!
أشرف (أحدهم): ألا تشتاقون قليلاً إلى تلك الأيام..
رازيّ وهو مبتسم: بلى...هل تتذكرون حين كنا نجتمع بعد كلّ مهمة..
أحد الرجال: كان رشّاد دائما يطبخ لنا
رشّاد وقد ابتسم هو الآخر: الطبخ متعة لا تملّ
همّام: كان سعد يضحكنا دائما
حامِد: هل تتذكرون جورج ذلك الذي كان يأتي مخمورا!
انفجرت الغرفة ضحكاً وأردف أحدهم: كان يغني يتمايل و تراوده مشاعر جياشة وهو في أيامه العادية منكمش الملامح!
مُنذر: و اليوم الذي ذهبنا لنقاتل صالِح بين القش و روث الأبقار..
رازيّ وقد سكنت قهقهاته: لن أنسى تلك الجلسة
همّام: لكن في النهاية كان يجب علينا فعل ما فعلناه اليوم
وافقه الكل في كلامه
..
                        لنرجع لسنوات للوراء
..
بعد مهمة كانوا جالسين على الأرض و السماء مظلمة يتخلل درك ظلامها ضوء البدر و شعلة من النار يطبخ عليها رشّاد
صالِح: منذ متى اشتريت هذه المزرعة يا عمر؟
عمر وهو مضطجع على العشب مغمض العينين: منذ شهر على ما أتذكر
سعد الذي اقترب لهم وفي يده كيس خضروات يتقدم لرشّاد: إن أردت شيئا اجلبه لنفسك ذهبت للخضار المسكين ليلا و صرت أترجاه أن يبيعني وهو يحسبني سارق
عمر: هل ذلك العجوز الذي مزرعته جنبنا؟
سعد وهو يجلس جنب صالِح: أجل
عمر: وكيف أقنعته؟
سعد: أخبرته أن زوجتي الحامل تتوحم
انفجر الكل ضاحكاً ، صالِح وهو مبتسم: ليس هناك امرأة ستتحملك أصلا كان يجب أن يعرف الرجل كذبتك من وجهك
سعد وقد بانت أنيابه ليقول بثقة: أتقصد أن كل نساء العااالم!! لا تستطعن تحمل وسامتي!! لا تبالغ في مدحي يا صالِح انني أخجل!
ابتسم صالِح وهو يدفعه ممزاحا: مقرف
جاء منذر وفي يده شيء وهو يقول بسعادة: انظروا وجدنا عشائنا!!
محمد وهو يصغر عينه ليرى ان مافي يده أرنب: عمر أهذا يخصك؟
رفع رأسه عمر وقال وهو ينهر منذر: يا ولد! هذا أرنبي!
ضحك رشّاد وهو يكب الزيت على المقلاة وقال: انظر إلى من كان صباح اليوم يقطع الرؤوس و الآن يقول أرنبي
عمر بغضب: من أذن لك لتلهوا في أرضي كما تشاء!
منذر بملامح مستاءة وهو يرمي الأرنب: كأنك تملك سهول بريطانيا كل ما لديك هذه القطعة الصغيرة!
عمر وهو يراقب عدو الأرنب بعيدا: احترم نفسك كونك ضيفاً في هذه القطعة على الأقل
صرخ أيمن وهو كان يحاول النوم: اصمتوا تباً لكم و للأرنب!
رشّاد: انهض و نم في بيتك الطعام ينضج
محمد وهو يشير بيده: مَن هذا القادم؟
التفت الكل لما يشير له سعد ليرو رجلا كأنه أعرج آتي لهم
صالِح: هل دعوت أفرادا غير أفراد مهمتنا اليوم؟
عمر: لا!
منذر وهو يضحك: انظروا لصلعته إنه جورج!! نور البدر ينعكس عليها!
وكزه أيمن المسلتقي أرضا وقال: كفّ عن التنمر
صالِح وقد نهض متخصرا: هذا المسيحي سيموت من الخمر يوماً ما
رشّاد وهو منهمك في طبخه ينظر قليلا ثم يرجع لطعامه: أهو سكران مرة أخرى!
سعد: انظر لمشيته كأنه أعرج أو يحصر بوله!
ضحك رازيّ وقال وهو ينهض فور قدوم جورج: أكره رائحة الخمر
ابتعد الجميع عن جورج الذي وقف وهو يقول مخمورا: مابكم؟ هيا غنوا معي
ثم رفع كفيه كمغني أوبرا يلوح بها في الهواء و قال: يا طيبا * يا طيبا
صالِح مبستم و سعد جنبه يموت ضحكا: اترك انشودتنا و غن شيئا من دينكم لا تلوثونا
تهجمت ملامح جورج وأنزل يده بغضب ليرفع كفيه و يربطها بكفه الأخرى قائلا: الإسلام و المسيحية اخوان!
عمر وهو مضطجع يلعب بالعشب: خسئت
سقط جورج أرضا وقال فجأة: أصحااابي
سعد: لسنا أصحابك ، ابتعد رائحتك نتنة!
جورج وهو يزحف للبعيد: أريد النوم
رشّاد: نم بعيدا!
محمد: كل مرة أرى حالته وهو سكران أحمد الله لأنه حرم علينا الخمر!
نهض جورج وهو يتمايل ثم نزل بجسمه الضخم على قدم عمر المضطجع الذي كان مغمض عينيه: أريد النوم معك
فزع عمر منه وصار يحاول ابعاده عن قدمه لكن كان جورج متشبثاً به بقوة
عمر وهو يصرخ و الكل يضحك عليه: ابعد لحيتك عن قدمي يا بغل!!!
سعد وهو يضحك: مبارك يا جورج وجدت أمك!
صرخ عمر بغضب: تبا لكم ساعدونيي!!
ضحك جورج وقال: أمي؟!
زاد صراخ عمر وصار يرفسه حتى ابتعد عنه
سعد وهو يضرب كتف صالِح ضاحكاً: قال أمي!!!
نهض عمر و صار يلاحق سعد وعلى فمه كل كلمات المسبة
ضحك رازيّ وقال وهو يرى ملاحقة عمر لسعد: أطفال
ثم راح لجورج و سحبه من كتفه يجره لبعيد منهم
رفع جورج رأسه له وقال: ابي؟
ضحك صالِح وقال محمد: المحظوظ وجد أبويه!
أنزله رازيّ وقال: تباً لك!
أيمن: طار النوم بسببكم
صالِح وهو يجلس ناظرا لجورج مبتسما: لاحقه اذا
تأفف أيمن و افترش الأرض مرة أخرى
رشّاد: الطعام جاااهز
توقف عمر عن اللحاق بسعد وقال مهددا له بسبابته: بعد الوجبة سأريك!
سعد وقد جلس بجانب صالِح: تباً أرهقني
صالِح بهمس لسعد: هل تريد أن نحضى بسيجارة أمام البحرية بعد المغادرة؟
سعد وهو يوقف لهثه و يتنهد ثم يقول بهمس: أجل أحتاجها ، الصداع يأكل مخي لم أدخن اليوم
صالِح مظهرا غمازتيه: هل ندعوا رازيّ؟ أم أنت خائف أن يوبخك كالمرة السابقة
سعد مبتسم أيضا بهمس: عجوز لكن لا بأس
قهقه صالِح و وضع يده على ركبة سعد
التفت الكل اثر ضحك صالِح و قال أيمن:مالذي يدور بينكم؟
رشّاد وهو يكب الطعام على صحن كبير: رز بالخضروات و الدجاج!
بلل رازيّ شفتيه وقال: يبدوا شهيا!
منذر: طالما أن رشّاد هو الذي طبخه فـ بطبع سيكون لذيذا!
رشّاد وقد وضع القدر و جلس: استمتعوا
..
عُدنا
..
أشرف وقد تنهد: هذه نهاية الطريق؟
همهم البعض ببتسامة مُلئت بالرضا وهم رجعوا من ذكرياتهم ، رغم حلاوة ما مضى إلا أنهم سعيدون بهذه النهاية
أردف أشرف: كأن كل شيء كان فقط البارحة ، حين انتشلني صالِح من أحياء المخدرات التي كانت من أعمال المزرعة و أعطاني سكنا و عملا ثم حين اعتمدت على نفسي و انخرطت في مجتمع أنقى ، تزوجت و الآن سأرزق بطفل كل هذا..
قاطعه شهقات بصدمة
بدر: أيها الخائن!!! هذا الخبر تقوله الآن!!!
أشرف وهو يحك مؤخرة رأسه: كنت أريد قولها في مناسبة سعيدة
صاروا يضربونه ممازحين بتأنيب و التشجيعات تلقى في الهواء كصدى الضحك
.
وقف على ردفة الباب أحدهم
رائف بسعادة يجذب البقية ليروا من جاء: هيه!
بابِر وقد ظهرت غمازاته تحت فاهه: أرى أن الكل على قيد الحياة!
ثم تخصر قائلاً: ظننت سيُطاح بكم بسهولك
أحدهم مبتسما: خسئت!
بابِر: طبعا أخسأ فأسلحتي لا منازع لها! ستفوزون إن قاتلتم بها
رائف وهو يستذكر شيئاً: بابِر بابِر لم نحتج الكواتم ابدا!
بابِر وهو يجلس: يبدوا أنها كانت مجزرة حقيقية فاتني الكثير
هزّ رأسه رائف و أردف: لكن الكل بخير الآن
بابِر: حمداً لله ، تم كل شيء؟
رشّاد بينما همهم الكل بالإيجاب: أجل
جاء السيد أرثر زوج جولييت و قال وهو ينظر لورقة في يده بعربية متكسرة: همّام و صالِح ، تغيير الشاش
رازيّ و أشرف ، تغيير السائل
محمد و عماد و آسر ، تناول الدواء
عمر و عبود و حامد و أيضا بدر و سامي ، تعقيم الجروح
نزار و أيمن و أيوب مراجعة الإصابات و جرع الإبر
نزار: سيد أرثر لقد أُصبنا كثيرا في سنوات عديدة ولم يُضخم احد الأمر هكذا
الممرض أرثر وهو يتجه لمكتب المواد وهو يخلط بين كلماته العربية مغلوطة النطق بعض الكلمات العجمية: أوامر جولييت أما بالنسبة لي فضحكاتكم التي ملئت الغرفة دالة على سلامتكم
عجّت الغرفة بالحديث و الضحك و أرثر يقوم من تطبيب ما قاله قبل قليل
..
عند سَجى في تلك الأحيان
..
جولييت بلغة العجم وهي تحكم اغلاق الكيس:
Are you feeling better now?
(هل تشعرين بتحسن الآن؟)
سَجى وهي تتمد بتعب مجاملة لغة الطبيبة:
‏Where am I? What
(اين انا؟! ، ماذا)
قاطعتها الطبيبة وهي تتجه للمكتب و سَجى تتأمل في تجاعيدها و شعرها القليل البرتقالي المرفوع:
‏You are now at my house! I am Dr. Juliet, I used to know your husband... you were poisoned and the poison was killing slowly, but at the last moment we were saved you , you are fine now but you may feel some negative effects...but you will regain your health in the end
(انتِ الآن في منزلي! انا الطبيبة جولييت كنت اعرف زوجك ، لقد تعرضت لتسمم و كان السم يقتل ببطء لكن في آخر لحظة قدرنا على انقاذك ، انتِ بخير الآن لكن يمكن ان تشعرين ببعض الاثار السلبية لكن ستستعدين صحتك في النهاية)
ثم نظرت لها وقد ابتسمت لتظهر تجاعيد أخرى على سحنتها واردفت:
‏Everyone here don't be afraid.. today I have treated a lot of men and my little secrets man told me, without details, that all those eloquent injuries were for you!
(الجميع هنا لا تخافي ، لقد عالجت اليوم الكثير من الرجال وأخبرني رجل اسراري ، دون تفاصيل ، أن كل تلك الإصابات البليغة كانت من أجلك!)
سَجى بقلق: your secrets man?!
(رجل أسرارك؟!)
ضحكت الطبيبة وهي تتقدم بإبرة لتقول بعربية عديمة لهجة او طلاقة صدمت سَجى: هل ظننته زوجكِ؟ إنه رائف
سَجى بصدمة: عربية؟!
جولييت وهي تأخذ يد سَجى: لا! أيس واضحا من نطقي؟! في الحقيقة انني بريطانية أبا عن جد لكن أتحدث لغاة كثيرة منها العربية!
صدّت سجى بوجهها وهي مغمضة الأعين لتغرس الطبيبة الإبرة وهي تقول: هذه الإبرة ستساعد جسمك و مناعتك على التقوية
تذكرت سَجى الشعور ذاته قبل أيام ، حين غُرست الإبرة في نحرها قاصدين مغادرتها الوعي وكانوا دائما ينجحون ، نائمة تُحمل ولا تعرف الوجهة ، وحتى وهي واعية لا تعرف المغزى ، كانت كشاةٍ تُجر للذبح في مناسبة ما وهي المسكينة لا تعرف ما حولها ، ذلك الشعور جعلها تدرك أن عليها السؤال على الأقل ، أن تعرف وجهة نظر زوجها و القصة من طرفه ، حتى وهي لن تتقبل عذرا أو تستسيغ اعتذارا إلا انها تريد جوابا لأسئلتها ، لقد صارت غصبا عنها جزءا من القصة و من حقها الآن أن تعرف تفاصيلها.
قطعت حبل أفكارها الطبيبة وهي تقول راجعة لمنطوق الغرب:
‏Are you scared?
(هل انتِ خائفة؟)
سَجى وقد تنهدت: لا لكن لست مولعة بالإبر كثيرا
جولييت وهي ترجع ادراجها للمكتب: هناك رجال القرية هنا اضعاف طولي أراهم يحرثون و يزرعون و يقطعون الأشجار و يفعلون من المهام الشاقة التي تُخيل للناظر انهم رجال لا يُرعبهم سلة سيف ولا رمية رمح ، وحين يقدمون لي و يكون حلي الإبر يرتعدون راميين كل الرجولة خارج العتبة كالاطفال!
لم يكن بوسع سَجى ان تضحك لكن حاولت التعني بإبتسامة واضحة زيفها..
نظرت لها الطبيبة وهي تعلم أنها تحتاج الراحة فقالت: ان احتجت او شعرتي بشيء فسألي عني ، انني بالقرب دائما ، نالي قسطا من الراحة الآن
سَجى وهي تراقب خطواتها و ابتسامتها المتهالكة اثر تقدم العمر وقد تذكرت المرأة العجوز في الفندق آخر مرة ، لا يمكن للشك أن يفارقها بعد كل تلك الرحلة
اغمضت عينيها وهي الأمان يحاوطها كونها رأت صالِح ، رغم سكون جسدها إلا ان عقلها لم يسكت..ترجع الأحداث السابقة للوراء و تتذكر التفاصيل كأن الآن كل شيء قد غدا ذكرى انتهت احداثها
..
قد أرخى الليل سدله و انتصف البدر ينير من خلال النوافذ رغم الظلام ، فتحت الباب جولييت بعد دقات خفيفة ، كانت سَجى واقفة امام النافذة تنظر لصالِح الجالس على العشب خارجا بصمت
جولييت: everything ok?
(كل شيء على ما يرام)
سَجى: أريد نزع المصل
تقدمت جولييت وقالت وهي توقف المصل و سَجى تنزعه من كفها: It's already over
(لقد انتهى اصلا)
سَجى بصوت هادئ: هل يمكنكِ منحي وشاحاً؟
...
خطواتها على العشب على مسمع صالِح وهي لفت نفسها بالوشاح الصوفيّ
بلل شفتيه وقال: رائف أريد البقاء وحيدا لبعض الوقت
سَجى وهي قد وقفت خلفه بلهجة رسمية: أنا أريد الجلوس معك لبعض الوقت
فور سماع صوتها التف بكل خلية فيه ، تأكد أنها هي ، عاملت الوشاح على أنه حجاب لكن لازالت بعض الخصلات الحريرية تخرج منه ، لقد أعطتها الطبيبة لباساً دافئا عن برد ليل القرية لكن رغم ذلك فقد احمرّ أنفها و وجنتاها ، تدفق الدم لوجهه وكأنه أُستبشر بنصرٍ ما ، لم تجعل له جواب فقد جلست جنبه تنظر للأرض بصمت ، هو يتأملها وهي تنتظر منه تبريرا أو اعتذارا أو حتى على الأقل سؤالا ، كل تلك الحوارات التي ظنت انه سيقولها وهو مجلجل باللهجة العاطفية قد نفاها صالِح حين أدخلها حضنه دون سابق انذار.
.
.
.
.
.
لا إله الا الله الله محمد رسول الله
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم
.
ما رأيكم بالأحداث الحالية؟ وما توقعاتكم للقادم؟
استمتعوا بلحظات الأصحاب فقد اقترب الفراق😢 لقد أستمتعت كثيرا عند كتابتي للحظاتهم السابقة و اجتماعهم لكن لكل بداية نهاية☹️
اشعروني بوجودكم من خلال النجوم⭐️!

لَعلَّ اللَّهَ يُحدِثُ بَعدَ ذلِكَ أَمْرًا..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن