١٩ -الملحمة-

5 1 0
                                    

تنهد همّام لأن الأمور على ما يرام ولم يُكشف شيء بعد أما صالِح كان يحس أن هناك أمر ما لا يعلمه ولا يتسطيع الجزم أن الرئيس لا علم له بما يحصل.
صالِح: غيروا الخطة!
رشّاد: ماذا تقصد؟
صالِح: سنغادر الآن!
ثم خرج من الغرفة يهرول مرددا «الآن الآن الآن!» ، لم يسأله أحدهم يعرفون أنه علم شيئا لم يعلموه ، ركضوا للشقق يلقون أوامرهم بالتحرك وفي غضون دقائق مُلئت سبع سيارات سوداء برجال مسلحين.
كان صالِح آخر من صعد السيارة
همّام: هل أنطلق؟
صالِح عاقد الحاجبين: أسرع !
ومن ثم داس همّام على المقود لتتبعهم السيارات الستّ من خلفهم متجهين إلى بقعة سوداء حفظتها ملاحة السيارة و عقول الكل
صالِح وهو ينظر عبر المرآة و يربط حزامه: رائف!
رائف من خلف: ن..نعم!
صالِح: ستذهب مع رشّاد بعد أن تسمع الإشارة ، وزع القنابل مثلما اتفقنا ، الشركة ثم الفندق.
رشّاد: تم!
أخرج صالِح الهاتف الاسلكي وهو يقول: سالي ردد
سالي من خلال الاسلكي: أجل
صالِح: ستنزلين للفندق كما خُطط له ، ارجعي بالهدف ولا تهتمي لغيرها حتى لو كنتي الناجية الوحيده! أثق بك.
تنهدت سالي لكنها قالت بقلة حيله: عُلم يا سنجاب
ضاق صدره من الكنية هل ستُرافقه كلما زار لندن؟! ثم راح الضيق عندما تذكر أنه في الطريق ليطمس الكنية من مستقبله على الأقل حتى و إن لم يقدر على مسحها من ماضيه..
رغم سرعة إطارات السيارات إلا أن رؤية صالِح لتفاصيل الطريق واضحة ، حملت بين الرصيف و الشارع ذكريات لا يعلم أين يصنفها ، أللسعادة أم الحزن؟ لكن في النهاية يجد نفسه يركنها في الندم..
وللباقي أيضا كذلك ، تدق أفئدتهم حماساً لما هم ذاهبون له ، هناك مَن اشتاق لهذا النوع من الرحلات فتراه مبتسما وهو يملئ سلاحه يستذكر نفس الذكريات لكن هو ركنها في رف السعادة الذي لن يُملئ بشيء مثل هذه الرحلة بعدها ، يتناسى مآسي السالف و يتغاضى عنها ،، وهناك من هو متأهب بوجه بادرٍ يريد الراحة وأن ينسى هذا الطريق و يتمنى أن تكون هذه آخر مرة تطئه قدمه فيضع الذكريات في محرقةٍ لا تُخلّف سوى الرماد..
.
توقفت السيارات أمام المكان المنشود ، الشاشة الكبيرة في وسط ناطحة السحاب تلك المزخرف عليها كالعادة
«happy  farm                             .
                                                    For happy life!»
.
«المزرعة السعيدة
                      لحياةٍ سعيدة»
.
-لتوضيح الخريطة فالفندق في نفس شارع الشركة،،الفندق غرب الشارع و الشركة شرق الشارع-
.
بدأ حراس المزرعة يهمسون بينهم وهم ينظرون للسيارات الستة فإحدى السيارات نزلت أمام الفندق
نزل همّام أولهم عندما اقترب أحد الحراس و الباقي ينتظرون الإشارة للنزول بترقُب
همس صالِح في الاسلكي يزيد من تطلعهم: كونوا في استعداد..
وقف همّام أمام الحارس الذي قال: من أنتم؟
همّام: جئنا لغرض
تقدم من الحراس اثنان آخران ، كشكلهم المعتاد..السمنة و الصلعة وطبعا النظرات الشمسية حتى لو كان الثلج و المطر ينهال على رؤوسهم القاحلة من الشعر
الحارس وهو يتفحص السيارات بعينيه: وما غرضكم؟
أرجع همّام رأسه للخلف ليصطدم برأس الأملط ويقول: أرواحكم!
صرخ صالِح في الاسلكي: الآن!
و تزامنا مع خروج الرجال بعد الإشارة بدأ همّام بضرب الحراس ليتشابك أحد الرجال مع الحراس و آخرون انتشروا في الشركة يدبون على بلاط الشركة الامع دباً ، يُشعلون شعلة غليلهم و يتملكهم الإنتقام دون تجريد من انسياتهم كما فعلت هذه الشركة
و صالِح في السيارة ينظر من خلال مرآتها السيارة التي في نهاية الشارع أمام الفندق الذي احتوى قلبه.. وحين رأى ولوج سالي و البقية نزل هو الآخر من السيارة تاركا رشاد و رائف فمهمتهم شيء آخر
..
في تلك الأحيان
..
الرئيس وهو يدخل غرفته : المساهمون في الحدث ينتظرون..
أسكت كلامه صوت الضجة في الأدوار السفلية وعقد حاجبه ينظر لرازيّ مستغرباً
رازيّ وهو يمثل القلق: سيدي ، لندخل للغرفة
الرئيس: ما سبب هذه الضجة؟
فتح رازيّ الباب للرئيس: كن بأمان سألقي نظرة سيدي
دخل الرئيس للغرفة وقد عض شفته ليجلس على الكرسي تزامنا مع اغلاق رازيّ الباب ، شغل الشاشات أمامه ينظر للملحمة من خلال الكاميرات ، عقد أصابعه و ثبت مرفقاه على المكتب ليبتسم بسخرية وهو يرى الهجوم
همس: استَعجَلوا...
اتكأ على ظهر كرسيه و أخرج سيجارة يضعها بين شفتاه ضامنا ظفر كفّته
أما في الأسفل فقد انتشر رجال الشركة يهمون في شجار مع الباقي بالأيادي
دخل صالِح بينهم وقد هجم عليه أحد بسكين ليمسك يده و يطويها على هواه ثم قال بصوته الجوهري: ان لم تهاجموا سلمتم!
ثم دفع الرجل أرضا و أخد سكينه ليغرسها في قلبه
أغلق أحد رجال صالِح بوابة الشركة لكي لا تتوسع دائرة الشجار ثم صرخ: حان موتكم يا أوغاد!
كان صالِح عينه على المصعد فشق طريقه له وهو ينظر لأصحابه يقاتلون ، أوقفه أحد تقدم له وقال: رجعت يا سنجاب؟
لم يهتم له صالِح بل لكمه ليكمل طريقه للمصعد لكن المزارع المزعج رجع لصالِح وقال: ألم تكن منا؟
وجه صالِح لكمة أخرى ليسقط وقال: كُنت.
و تركه على الأرض ليخطوا أخرى لولا أنه أمسك قدمه وقال: هل تظن أنك تستطيع الوصول للرئيس؟ اجثوا على جثثنا أولا!
داهمته يد على كتفه حين كان ينظر لمن أمسك قدمه فالتفت ليرى رازيّ: هو في مكتبه
رفع صالِح قدمه وهو لازال ينظر لرازيّ وأنزلها على رأس من في الأرض مهزا رأسه بالإيجاب ليذهب للمصعد وهو يلتفت حوله .
همّام كان يتفنن في الضرب و رازيّ بدأ انقلابه تحت نظرات المزارعين المصدومين
ظهرت تجاعيد عينيه وقد صرخ مبتسما: هل ظننتم أنني منكم؟ ألم تلاحظوا وجهي أقرب للملائكة يا حمقى!
همس صالِح مبتسما وقد استغفر يضغط على زر المصعد وهو يركل أحدهم حاول الدخول معه
همّام لرازيّ وهو يطيح بأحد المزارعين: وجهك لا يساعد!
تقدم أحد المزارعين لرازيّ حين كان منشغلا ، بيده سكين .
فتح صالِح عينيه وهو يرى المنظر لكن لسوء حظه أن المصعد أُغلق بابه فلم يرى ما حصل و أيضا لتسابق أفراد المزرعة عليه حجبوا الرؤية
ولسوء حظ آخر فقد غُرس السكين في جنب رازيّ..
وضع يده على السكين و قد سقط صاحبه اثر رصاصة من همّام الذي جاء يركض
همّام: هل أنت بخير؟!
أغلق رشّاد عنيه بألم وهو يسحب السكين ، ومن هنا بدأت الكفة تنزل حين سُمعت طلقة اتجهت لكتف همّام..
أُخرجت الأسلحة و زاد الموضوع حدة و زادت الضوضاء و الصخب
بلع رازيّ ريقه وقد أخرج السكين ليقول: كتفك!
كان اتزان همّام يأتي و يذهب لكنه سرعان ما سيطر على استقامته وهو يهز رأسه إيجابا في ثبات
رازيّ وهو يأخذ خطوات وقد أخرج مسدسه يرمي بطلقاته: تباً لا أريد الموت..
جاء مُنذر يقف حذاه وهو يقنص أفراد الشركة: هل أساندك؟
لم يرد رازيّ حين اقتحم جسده طلقة رصاصة أخرى ، سقط أرضاً تنهمر الدماء من جروحه
انحنى له مُنذر وهو يلتفت ليضع يده على كتفه يساعده بالنهوض
ثقل جسد رازيّ على قدماه و مُنذر يساعده ليجره إلى مكتب الاستقبال يضعه أرضا
حاول رازيّ النهوض وهو يقول: ماذا تفعل؟ يجب عليّ أن أساعد !
ثم نهض وهو يستند على المكتب فاجرحت كتفه رصاصة أخرى
أنزله منذر لتحت المكتب وهو يقول: رازيّ ما بالك! اصمد قليلا!!!
ثم قال وهو يخرج برأسه يضرب بمسدسه و الطلقات من الطرفان قد تصدرت صوت الشركة: ظننك يا رازيّ أقوى!
ابتسم تحت ألمه وقال: خسئت! بل أقوى منك يا طفل
ضحك مُنذر وهو يبتعد عنه يلتفت ومع كل ناحية يطلق على أحدهم: إذا اصمد هنا!
أسدل رازيّ جفناه بتعب...يلتقط الراحة أبدية أم مؤقتة؟
أما قتلى وجرحى أفراد الشركة فكانوا يتزايدون...
هناك طريح و هنا مصاب يزحف..
التفت مُنذر لصرخة تداوت على سمعه ، إنه همّام! الذي يبدوا أن افراد الشركة يركزون على من كانوا من الشركة وانقلبوا..ولسوء حظهم فالمزارعون تضعف عددهم..
..
عند صالِح
..
من الأشياء التي عثرت طريق صالِح للرئيس اثنان من مزارعي الشركة قدروا الدخول للمصعد معه
أحدهما كان عجوز الوجه نحيل الجسم ، رفع مسدسه و ضرب بجذع السلاح كتف صالِح ليهجم آخر عليه لكنه تنحى وقد سمع صوت عظمته ، ضغط على شفته السفلية و أخرج سلاحه ، أول شي فعله هو أنه أرسل رصاصة لكاميرا المصعد يعلم أن هناك من يشاهده ، بل بالأحرى هناك من ينتظره .
ثم نظر لأعدائه ، عجوز و شاب هزيل؟ ليس من مستواه أن يقتل من هكذا
عقد حاجباه و قد قال هاماً بالهجوم على الشاب: توبوا فأنتم لم يبقى لكم شيء للموت!
أطاح بالشاب أرضاً ليلكمه ثم ينقض على عنقه و يثبت المسدس عليه ، ظهرت غمازتاه وهو يقول: أظنني استوعبت شيئا يا عم..وضعوا لي كنية السنجاب لسرعتي
ثم انحنى لأذن الشب وقال: هل توافق؟
هزت كلماته الثابته كتلامس كهربائي داهم كتفه جعلت غمازاته تختفي و سرعان ما صار وجهه متفاجئا تقاسيمه حينما رفع العجوز المسدس و أسدى برصاصة لرأس الشاب أنهت حياته وقال: هل تحسب أنني سأخاف عليه؟
هنا عقد صالِح حواجبه ، احتد صوته و أظلمت مقلتاه و صارت ملامحه أكثر رعبا ، أرخى الجثة التي تقلث بين يده المصاب كتفها وقد أطلق طلقة لقلب العجوز الذي طاح صريعا ليقول و باب المصعد قد فُتح: قد كان قلبك ميتاً بالفعل..
ثم ارسل نظراته تلك إلى الباب في آخر الممر ، الباب الذي سبق أن رآه أكثر من مرة لمدة أربع سنوات مريرة ، في كل خطوة يخطوها يتذكر كيف كانت مشاعره أول يوم المليئة بالتعجرف و اللئامة حين دخل هذا الباب وكيف خرج و رازيّ يجره خارجا صارخا بقدماه المصابتان و مُكسّر الكبرياء..أرجعه الزمن ليدخل هذا الباب مرة اخرى و يقف على درفته ، دفاعا هذه المرة؟ بل انتقاماً! ليس لسجى فقط..بل للرجال الذين يقاتلون الموت تحت ، رازيّ الذي لديه عائلة ليحميها حياته كل يوم على المحك ، همّام الشاب في مقتبل عمره نسى كيف تكون الحرية و الاستقلالية كباقي الشباب مغسولي الدماغ و المستَعبَدين هنا ، يعلمونهم السواد و الأنانية ، القتال و العدوانية ، أعمال يعاقب عليها الرب قبل القانون! هذه حقاً شركة لصنع مسوخ بشرية...صالِح كان منهم قبل سنوات ، وكم من صالِح و رازيّ و همّام في هذه الشركة؟! كم سيكون منهم مستقبلا؟! جاؤوا هذه المرة لكي لا يكون هناك مستقبل ، جاؤوا لقتل الماضي و بتر القادم! هنا نقطة النهاية! هنا الخطوة الأخيرة و صالِح وقف أمام الباب العملاق ، اللون المعهود ، قشعر بدنه يتذكر كم مرة وقف أمام هذا الباب ليسمع الأوامر بكل استسلام و انصياع لمن هو قابع في الداخل جالس على كرسيه ، هذه المرة لن ينتظر إذنا بالدخول ، لن يحني رأسه ، لن يمتثل و يستمع لكلامه! لن يتلقى الأوامر....هاته المرة سيبطش به!
..
                           في تلك الأحيان عند سَجى
..
استيقظت وهي تحس بألم فظيع بجسمها ، رطوبة الجو و حرارة جسدها المتعرق كأنها عانت من حمى طوال الساعات السابقة ، جفاف في حنجرتها و شعور أن دم رأسها و جسمها سُلب لجزئها السفليّ فصار ثقيلا عليها كمن عُلق مرفوعاً لأسابيع ، دقات قلبها صارت في مخها من كثرة الألم ، ماذا حدث؟ مالذي فعلوه بها؟ حاولت النهوض من السرير لكن كان جسمها أثقل على أن تمشي فانتهت محاولتها بالسقوط أرضا جنب السرير، وجعٌ مدوي عانق قلبها ، أهاكذا الموت؟ هل سربوا لجسدها سما؟ أم استخدموها كفأر تجارب؟ صارت تسعل بحنجرتها اليابسة و أنفاسها تتقطع تحت ألم قلبها الفاجع حتى خرج من فاهها دماء بين كحاتها التي تقلل من نَفسها ، تُحس أنها إن سعلت مرة أخرى ستخرج أشلائلها مِن فمها فالبطبع الدماء شيء بسيط لما تحس أنه قادم ، تقشعر جسدها بعد أن تلاشى السعال و استرجعت وتيرة تنفسها و أخذت تحاول النهوض تعصر يديها وهي متشبثة بالسرير تقاوم العجز الذي أصابها، وهنا هاجم الوجع بطنها كأن جوفها تُلمّ أشلائه و تُعصر! ، لم تلاحظ أن حجابها ليس على رأسها بينما داخل عقلها مجزرة ألم و على عينها غشاية الدموع ، أمسكت بطنها و شعرها نازل على وجهها ، الألم فظيع كأن أحشائها تتقطع و تذوب الآن...هل كانوا حقراء حقا لفعل ما في بالها؟
الجملة التي ترددت في ذهنها تحت صدمتها بما يحصل لها "لا يجب عليّ الموت هنا!" فصار يرددها عقلها المنهك المسكين وهي تزحف أرضاً بنصفها الأسفل الذي شُلّ من الحركة بدون أن تعرف سبب هذه المعاناة كلها تتجه للباب ، تصرخ بوجع ، بصراخ لن يُسمع خارجا من شدة ضعفه
دائما ما تخيلت موتها بعد حياة هادئة و سعيدة على سرير في غرفتها يمسك زوجها يدها و يلتف حولها اولادها و احفادها و تبتسم للموت عطشانة للحاق بمن سبقوها للجنة ، لم تتوقع أن هذا ما سيحدث ، تموت في شركة تورط معها زوجها الذي من المفترض أن يكون أنقى من هذا ، شركة القتل ذات افعال سوداء ، تموت غدراً بألم فظيع ..
منذ أول يوم حين اُختطفت من شوارع مكة لم ترى خيرا لكن كان أهون مما هي عليه الآن...الجروح السابقة أهون من الألم الذي يقطع رحمها و يدمر خلايا عقلها..أوقفت تجرباتها بالزحف فتحُ الباب أخيرا ، الباب الذي كلما فتح خافت لكن الآن ارتاحت ولو قليلا ، رفعت نظرها و شعرها يعيق الرؤية ، شعرٌ أحمر قصير و وجه نحيف بعينين كبيرتان ، سروال ضيق جلديّ و أسلحة حاوطت خصرها ، انحنت لها دون كلمة و حملتها فوق كتفها كأنها لا تزن إلا كالريشة
سالي: اصبري يا أميرة
لم تستطع سجى سوى الأنين...تئن وفي حنجرتها كومة شوكية تكبح صراخها و عينيها تغمضان و تفتحان كأنها مخمورة ، الألم يزيد كأنه يُنزل رحمها للأسفل...
كان الممر فيه رجال مسلحون مما يبدوا أنهم في طرف سجى ، لم يبدوا أنهم سيأذونها ، واقفين بنظر ثابت للأمام متأهبين لحمايتها ، أوقفهم صوت إطلاق نار خلفهم
صاحب الذقن: توقفي!
لم تسمع سالي لكلمته أو تهتم بل أكملت سيرها حين أخذ أحد الرجال مهمة قتله برصاصة واحدة بعد شطفاتٍ أصابته ، رأت سجى المنظر ، السائق صاحب الذقن ذو التصرفات الآلية مات في الحين ، صحيح أنه كان شرير لكن أن ترى أحدا كان قبل ساعات معك حي يتكلم والآن رأت نهايته برصاصة في جبهته ، زاد قلبها المتأزم ارتجافا ، تُخمن أهؤلاء من طرف صالح أم بلطجيون آخرون يريدون الانتقام منه عبر زوجته؟ تفكر بغضب «ألا يجدون سواي لصالِح سبيلا؟!»
توقفت سالي حين رأت رشّاد
سالي: ماذا تفعل هنا؟!
ظهر رائف هو الآخر وقال: لما لما أنتم متأخرون!؟ القنابل القنابل لم يبقى شيء للقنابل!
همست سالي باللعنة ثم صرخت: يجب علينا الخروج بسرعة يا رجال!
و سجى المسكينة لا تعرف شيء..تنظر للجثة في آخر المرر و يزداد فزعها من صراخ سالي
سكت رائف ينظر للمرأة الجثة على كتف سالي..
عرقل خروجهم ظهور رجال من الشركة أمامهم ، الآن في الأمام سيقوم قتال طويل وفي الخلف لا علم لهم بما في انتظارهم و يمكن أن يؤخر من خروجهم رجال آخرون أو عرقلة ما و ينتهي الأمر بموتهم إثر الإنفجار
بدأ رشّاد بضرب المزارعين فــ همّ الرجال معه يضربون و يتقاتلون و التوتر تملك سالي وما زاد التوتر أكثر رائف الذي قال: الوقت الوقت يا سالي!
سالي: اصمت!
صارت تلتفت للوراء وقالت بعد أن أحست بتنمل في كتفها: تبا!
ثم وضعت سجى المرتعدة أرضا و سكتت ترى وجهها الشاحب و ملامحها التي لا تدعوا إلى أنها على ما يرام أبدا أو أنها ستصبر أكثر ، جسدها البارد الشاحب عكس العرق الذي بللها ، وكلام صالِح يراود ذهنها «ارجعي بالهدف ولا تهتمي لغيرها حتى لو كنتي الناجية الوحيده! أثق بك!» و تعيد النظر للرجال و رائف الواقف خلفها بخوف ، عضت شفتها و نهضت و قد عزمت قرارها ، لا يمكن أن تترك البقية ينفجرون ولا يمكن أن تخاطر بحياة سَجى عبثا وتسلك الطريق الآخر و ينتهي الأمر بها أيضا بالموت إثر القنابل
نظرت لرائف و لحقيبته التي خلف ظهره وقالت: هل بها مفيد؟
نزع رائف الحقيبة و جلس بها أرضا و رأسه يتردد بين النظر للقتال الذي أمامهم و للحقيبة و أخرج سلاحا ضخما مقارنة بالمسدسات التي عُلّقت على خصر سالي
لم تجعل له كلمة بل أخذت السلاح مباشرة و صرخت بكل صوتها: تنحوا!
ثم ثبتت مؤخرة السلاح على كتفها و مركزت خدها على جذعه و حولت احدى عينيها النجلاء إلى قناصة السلاح و صارت تنتقي و ترمي بالرؤوس رميا بجنون و الرجال منهم مَن التصقوا بالجدران  ومنهم اضطجع على الأرض ضاحكا و جثث المزارعين تنزل لهم ، وسجى المسكينة أخذت تحاول الزحف بعيدا عن هذه الفوضى
فتقدم لها رائف وقال: لا تخافي إنه سلاح رشاش من نوع CZ Scorpion Evo 3
محاولة رائف بتهدئتها زادها خوفا
رائف وهو ينظر لوجهها المتعب: ص...صالِح في انتظارك ، لا بأس سننقذك
هذه المحاولة نجحت في تهدئتها حيث ذكر اسم صالِح فيها
قال أحد الرجال ضاحكا بعد أن أنهت كل المزارعين: مجنونة!
أغلق رائف حقيبته و أعاد مكانها لتلتصق بظهره وقال بعجالة: القنابل القنابل!!
نظر رشّاد لسالي التي انحنت لسجى و حملتها هذه المرة على ظهرها و الرشاش في يدها
سالي وهي تتخطاه: ليست بخير يجب علينا انقاذها بسرعة!
ثم صار الكل يركض تجاه الباب الذي كتب عليه exit (خروج)
فتح أحد الرجال الباب لسالي لكن رشاد دخل أولا وهو يقول: لا نعلم إن كان بقي أحد هنا ..
ثم تبعته سالي و رائف جنبها ينظر للساعة ويقول بتوتر مكررا: الوقت الوقت! القنابل القنابل!
أنزلت سَجى بعض الدموع تفريغا لألمها و عجزها بصمت ، تحس أن الألم يزيد عمقا ليذوّب أحشائها كلها ، صار نفسها يزيد ضيقا أكثر فأكثر ببطء يوترها..
..
                         بعيدا عن تلك القارة برمتها
..
بين تجهيزات طاولة الغداء وضعت أم عبد العزيز يدها على صدرها وقد راودها ضيق غريب في صدرها و شعور قابض على قلبها..
أسماء وهي تضع الصحون على الطاولة: ما بالكِ يا خالة؟
جلست أم عبد العزيز منكمشة الملامح وقالت: أحس بضيق غريب
توجهت أسماء للمطبخ مع دخول عبد العزيز و أطفاله للمنزل لينادوا: جدتي! أمي عدنا!!
أغلق عبد العزيز الباب وهو يرى أمه على طاولة الطعام على حالها ، تقدم لها وهو يسأل: أمي؟ هل أنتِ بخير؟
نظرت له وقد رسمت بتعني ابتسامة زائفة و سألت: هل تحدثت مع سجى اليوم؟
جائت أسماء من المطبخ بكوب من الماء وقالت: ألم يخبركم صالِح أن هاتف سجى انسرق؟ فـ...
قاطع كلامها أحد أولادها القادم بسرعة لها وهو يقول: أمي! انظري ماذا اشتريت مع أبي 
وما من الطفل الذي يركض وهو ينظر للورود في يده إلا الاصطدام بأمه ليسقط الكأس من يدها أرضا
شهقت أم عبد العزيز و حملت أسماء ولدها ذو اربعة سنوات الذي أخذ بالبكاء وهي تحذر باقي أطفالها عدم الاقتراب
ابتسم عبدالعزيز وقال ناظرا لأمه مازحا: هل مشاعر الأم تتحسس سقوط الكؤوس ؟
ابتسمت أم عبدالعزيز و نهضت وهي تقول لأسماء التي تجمع الزجاج بيدها: ستجرحين يدكِ يا ابنتي !
ثم راحت تبعد أحد الأطفال و تطمئن الباكي
تقدم عبدالعزيز لزوجته و انحنى لها ليأخذ الزجاج من يدها باسما ويقول: انتبهي أن تنجرح كفوفكِ الرقيقة..
توردت وجنتا أسماء خجلا وقالت: لن أرد عليك..
زادت قهقهات عبدالعزيز وقد نهضت من الأرض ولحقت أم زوجها كي تأخذ المكنسة الكهربائية منها و تشرع في تنظيف الأرض بعد ذهاب عبدالعزيز للمطبخ لرمي قطع الزجاج...
..
                               في الشركة
..
حان وقت للقيا أعدائي في سبيل لقياكِ.
..
ازدرد لعابه ليس توتراً بل شوقاً لما سيحصل ، مدّ يده التي حُقنت دماء عروقها بالانتقام للباب ، تدور في ذهنه سيناريوهات بأن يلقي رصاصاً لجبهته و ينهيه بسرعة و يذهب ليأخذ أميرته و يعود أدراجه كالتمساح منقضا على فريسته ينزل لبحيرته ببطء ، توقفت يده عندما سمع صوت البندقية خارج الشركة ، هذه هي الإشارة لا بد أن رشّاد و رائف ترجلا من السيارة في حزمتهم الحقائب لينشروا القنابل ، دفع الباب و دلف للغرفة ، كعادته بالنسبة للرئيس ، الرأس المرفوع و النظرات الواثقة ، يتسائل الرئيس في نفسه أي تكبر ترعرع في ذات هذا الشاب ليكون بهذه الثقة..؟
ابتسم ذو الملامح العربية على مكتبه بهدوء ثم قال بصوتٍ متزن: نستطيع قول عوده ميمونه؟
ثم اردف بحروف متقطعة قاصدا مضايقة صالِح: يا س-ن-ج-ا-ب
لم يكن من ود صالح ان يتجاذب اطراف الحديث معه لكنه أجابه: لم تتغير أبدا
صار ذو الفك يحرك الكرسي يمينا و شمالا في لهوٍ هادئ مبتسما: في ماذا؟
صالِح: في خططك المبتذلة
واردف بعد ابتسامة ساخرة: الخطف؟! رتّقها!
توقفت حركة الكرسي و تعكر مزاج الرئيس ، لقد سعى على أن يخفي غمازة صالح دائما و روضها على أن لا تتجسد في وجه صالِح إلا عند رؤية ما يرضيه ، و رضاه ينحصر في دائرة البشاعة ، أما الآن فهو يرى كل سنوات محاولة تهذيب غمازة صالِح على رضاه قد خلت هباءاً ، يبتسم استهزاءا بدل أن يتخلل صوته اهتزاز؟ بدل أن يرجع طالبا للمغفرة يرجوا أن يغفر له ويعيد له زوجه متذللا؟ لا ينال هذا رضاه..
أخذ لسانه يجوب في جدار فمه وقال: لكن خطتي المبتذلة جلبتك لي على أيّ حال
احتدت أعين صالِح و أجابه: كانت نهايتك مسؤولية على يدي أجلتها  ليس إلاّ و وقوفي هنا كان مسألة وقت أنت عجلتها بتحريك أحد عقارب ساعتها
الرئيس وقد نظر له من بنانه حتى ارتفع نظره لرأسه: أأنتَ عازم على ما تنويه؟ لا أرى فيك مقومات أن تُخَطّ نهايتي على يدك
صالِح: بلى ، سأحفر قبرك ، وصدقني بعد عذابي هناك عذاب أشد ، لن تلقى الراحة حتى بعد الموت!
الرئيس وهو ينهض: أخطأت الضمير ، اليوم يوم حصادي
صالِح وهو يتأهب: أخطأت التقدير ، لن تحضر لهذا الموسم.
الرئيس: طال لسانك يا سنجاب ، استذكر حين كنت تناديني بمفردات التسييد و التقدير
صالِح: كانت من أخطائي وحان وقت تصحيحها
نفذ صبر صاحب الفك و رفع يده التي حملت مسدساً وقال: هذا الذي اطلقت به على فخذك أول مرة ، صديق قديم لك! لابد أن تتذكره..
صالِح وقد تأهب في وضعيته وابتسم: أحببته لهذه الدرجة؟! لا بأس سأحرص على أن تموت به
كان ينتظر من صالح الضعف حتى وهو عالم أن ليس من سماته على أي حال لا يرى أيا منه على تقاسيم وجهه
الرئيس: سأحرص على أن تدخل رصاصته قلبك
ثم أطلق رصاصة تفاداها صالح رغم أنها جرحت ساعده فنزل على ركبتيه و ألم كتفه تعيقه..
رصّ صاحب الفك أسنانه ، هو الرئيس هنا ، و صالِح يجب أن يكون له خادماً مُلبياً لطلباته ، كيف له أن يتجرأ لهذه الدرجة..
فقد أعصابه و جن جنونه ، ضغط كفه على المسدس و ركض لصالح ، رمى المسدس جانبا يريد أن يستلذذ بموته ببطء فأطبق على عنقه ، تتحول ملامحه لأكثر وحشية و تسود عيناه وهو يرى صالِح بين يديه..
أحكم قبضته و أسدى لوجنتيّ الرئيس لكمة ثم بدأ النزال...
ابتعد عنه عربيّ الملامح و أخذ بإبهامه يمسح الدماء عن فاهه
قال مبتسما بخبث: سَجى لق...
لم يكمل كلامه فقد ضغط على الجرح ، أسقطه صالِح أرضا و أطبق كفيّه على نحره ، وبين أسنانه المرصوصة غضبا خرج صوته قائلًا : اسمها أطهر من أن يُذكر على لسانك!
كان ذو الفك يضحك ، يقهقه بما بقيّ له من نفس فيهدره ضاحكا و أطراف شفاهه مبللة بالدماء ، عيناه حتى بانكماشها اثر تبسمه إلا ولازلت واسعة ، يمد يده لخلفه يتحسس المكتب الذي ورائه ، أمسك كوباً ثقيل الزجاج و أنزله على رأس صالِح المنهمك بإنهاء هواء رأته..
.
الزجاج انتثر على الأرض ، تنحى صالِح من فوقه مائلاً للسقوط ، أوقف نفسه بكوعه فصار بجانبه ورأسه يدور ، ألا يكفي الصداع الذي لاحقه طوال السنين ، و الألم الذي ترك أثره ، يتحول طيف زوجه على عينه التي تحاول الصمود ، صورتها فُرشت على مقلتاه ، كلماتها و ضحكها احتلت مسمعه ، يتساءل أيجب عليه الاستسلام هنا؟ توسوس له نفسه المتعبة ، ستنقذها سالي ولن تريدك بعدها...يكفي من الوجع لنأخذ قسطا من الراحة ، لا عيب بالموت هنا..
-
بينما رأسه يترنح و عقله غادر الحاضر رافق الأحلام ، اكتفى الرئيس من استعادة الهواء و وقف بطوله رغم قلّة الاتزان يضحك بعرض فمه وهو ينظر لصالج مفترش الأرض المستند على كوعه ، يزيد ضحكه وقد تقاسم ثقل جسده مع سطح مكتبه ، اغمض عينيه مبتسما و رأسه للسقف كي تتزن أنفاسه فتتخلل ضحكاته سعال ثم قال: ذلك الوشم....الرقم ، لا أظنه إلتأم...لازلت بنفس الوحشية ، لا تنكر هذا يا سنجاب
أخذ صالح ينهض على أطرافه الأربعة بثقل يحاول أن يثبت وعيه و أن لا يغادره حين أردف الرئيس: لا تُقنع نفسك أن أسنانك للبندق ، أسنانك للحم يا سنجاب.
مدّ صالِح يده للمسدس الملقى ثم أخذه و ألقى بقوته عليه وهو متعمدٌ بالأرض فستقام ظهره أخيرا ، يتقدم بخطوات كمدمن للخمار ، يموج جسده الضخم مع كل ميل ليخطوا فيثبت بصعوبة و الدماء تتسلل من شعره ، جفنه مصابة أيضا ولا شيء يقارن بألم رأسه ، طنين ونصف استوعاب ، رؤية ليست صافية تأتي و تذهب
أردف الرئيس مستهزءا وهو يسمع خطوات صالِح المثقلة: ادرك مكانك يا سنجاب! انتَ هنا لأنني استدعيتك ، ولا تقدر لا أنت ولا أصحابك بأن تحدثوا ثقبا في شركتي!
خرجت من صالِح ضحكة خفيفة مما جعل الرئيس يفتح عينيه و يثبت رأسه للأمام ، رغم الشكل المتعب إلا أن ذلك التمايل تبخر ، رغم القامة غير الثابتة أو مستقيمة إلا أنه جرى بسرعة مذهلة ، لم يكن من الرئيس بحكم المسافة القصيرة سوى فتح عينه على مصرعيها و إخراج سكينٍ من حزامه خلف ظهره حتى وقف عنده ، ثبت ساعده على عنق الرئيس و أنزل وزنه عليها مما أدى إلى إنحناء صاحب الفك على المكتب يقاوم بما عنده جثة صالِح عليه
.
علمتهُ الرماية فلما اشتدّ ساعـدهُ رمـٰاني
.
شعر صالِح متدلي على عينيه السوداء و حاجبه و جبهته سُقت دماءا ، غمازاته محفورة على وجنتيه و القوة اجتمعت في يديه نية القضاء على هذا الوحش ، وحش بمعنى الكلمة حانت نهايته ، حان وقت موته و رسم نقطةٍ عند سطره ، بشاعة ما ارتكب في حياته لن تُدفن معه فأعماله عبارة عن مشارع متحركة لن تموت فقط بموته..رفع يده التي حملت المسدس و ثبتها على قلبه ، عينا الرئيس الكحيلة ستخرج مقلتاها ، لم يحسب أن كفته ستخسر يوما ما...أبدا! لم يظن أن نهايته على أحد مشاريعه استثمر كل ما عنده عليه ، كان صالح فردا مهما في المزرعة بسبب تلك الروح التي فيه ، ظن أنه سيروضها ولن تنقلب عليه أبدا ، ما باله الآن فوقه؟ و المسدس الذي كان يهدده به على قلبه؟ كانت من بين أفكاره استسلام للواقع ، رضا بهذه النهاية ، كان من المفروض في النهاية أن يموت بسوء عمله وهو أعلم بهذا ، آجلا أم عاجلا ستصيبه سيئات أعماله ، عندما خطط لخطة استدراجه لهنا كان يعرف أنه يسدرج منيته ، هو فقط لم يرضا بأن تكون النهاية جارحة هكذا ، على ألم جسده كان ألم قلبه هو الأقوى ، لا يدري صالِح  مالذي دفعه لتحوله لرجل كهذا ، لكن الماضي لا يُبرئ الحاضر ، يرى موته أقرب كلما اقترب وجه صالِح ، دائما ما يُقال حين يحين الأجل "مرّ عليه شريط حياته" لكن ذو الفك لا يريد أن يستذكر حياته ، لو بيده لأحرق شريطه بنفسه ، اجتمعت مياه عينيه على حائط مقلتاه وهو ينظر لعينيّ صالح العازمة على قتله ، هنا نهايته؟ ذلك الخنجر الذي في يده حوله على جنب صالِح المنكشف من سترة حماية الرصاص تزامنا مع ضغط زناد المسدس...

لَعلَّ اللَّهَ يُحدِثُ بَعدَ ذلِكَ أَمْرًا..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن