الخامس عشر🦋

514 14 1
                                    

كان واقفاً على منحدر عالٍ فوق الجبل، فقد تغيرت حالته كثيراً منذ رؤيتها فى تلك الليلة، قد بات عليه أمارت الألم، شعر وكأنه تخطى الخمسين من عمره فى هذة الأيام الثقيلة، فهو لم يعد كما كان ذاك الشاب القوى المتفائل، لقد ملأ اليأس فؤاده وتمكن الحزن من ذاته، وأصبحت جميع الأشياء باردة بالنسبه له منذ غياب معشوقته، ظهر التعب والأرق عليه وكان هذا ظاهراً تحت عيناه الذى يسكنها سواد الليل المستوطن تحتهما، تحسر على ماوصلت إليه حالته، بعد ما كان لا يقهره شئ، ولكن الآن بات رجلاً ضعيفاً فقد أغلى ما لديه، انسكبت الدموع على خديه من شدة الهم الذى يحمله على عاتقه، فبدأ بكائه يعلو رويداً رويداً وكأنه فى ميتم، فرفع يديه إلى السماء ليقول بألم يعصف كيانه:
- يارب أنا عبدك وأنت ربي فرفقاً بحالي، ارحم ضعفي وقلة حيلتي ياصاحب الرحمة،،
فلما وضع يده على قلبهِ أردف بنبرة حزينة متحشرجة من أثر البكاء:
-يارب هذا قلبي وأنت مالكه فأرح نبضاته التى تؤلمني، فما ذنبي أن أحببت أحداً ليس من نصيبي، فما ذنبي؟.

قاطعه وقوف رجلُ بجانبه فكان عجوزاً يتكأ على عصا سوداء، فقال:
- يابني لا تحزن عسى غداً يحقق الله مرادك، ليُقر عيناك وفؤادك بالجبر بعد طول الانتظار والصبر.

حدق به "مراد" متعجباً، ليكمل العجوز صاحب الشعر الأبيض قائلاً:
-يابني لا تحزن وتذكر عظمة ربك فهو عليك هين، وما أدراك لعلى ما تريده وتحتاجه هو نفسه ما يريده الله لك، يابني أيا كان الذى تمر به سينتهي يوماً وكأنه لم يكن.

تحدث "مراد" متسائلاً:
-أنت مين؟.

أجابه العجوز ذو الوجه البشوش وعلى لسانهِ قولٌ جميلٌ:
-أنا الغريب فى أرض الحبيب، أنا عبد الله الذى لا أرجو سواه، أنا الفقير بين يدى الحبيب الذى إذا سأله أجاب، أنا الذليل الذى يقرع باب عظيم السلطان والجاه، أنا عبد الرزاق الذى يُعطى بسؤال وبغير سؤال، أنا يابني رجلٌ عجوزٌ شيب الشعر ضعيف البدن فقل ليّ:
من ذا الذى يأوي العجوز غير سواه، فإنه أكرم الأكرمين الذى بيده الأمر والتصريف، فهو الله أعرف المعارف لا يحتاج إلى تعريف،
وعسى ربك يبدل الحال لحال يرضيك فهو الحامل للأقدار، فذهب إليه وسأل سؤالك حتى يُنجيك.

ثم سار بخفة وهو يدب العصا بالأرض و يكرر قوله:
- الملك لك ياصاحب الملك، الملك لك ياصاحب الملك، الملك لك ياصاحب الملك.
ظلّ يردد حتى ابتلعه ظلام الليل الدامس، بينما "مراد" ذهب خلفه ليبحث عنه لكنه لم يجد له أثراً، فوقف مذهولاً من هذا الغريب الذى ظهر له من العدم، طقطق شعر رأسهُ عندما عمّ السكون وهدأت حركة الهواء، ليبدأ صوت عويل الذئاب فبدأ يعلو تدريجياً وعلى حين غرة هبت رياح قوية محملة بالأتربة كادت تطيح به فى الهواء.

فى صبحية اليوم التالى.
كانت "ندى" تجر "مازن" خلفها لتقف مقابل البيت التى تسكن به شقيقته، فهتف الأخر منزعجاً:
- ياندى أنتى جرانى ع فين كدا.

هجران رحيل "مكتملة"🦋حيث تعيش القصص. اكتشف الآن