الفصل السادس عشر 🦋

475 18 0
                                    


اضطربت نفسها وتسرب الهلع إلى فؤادها واصفرّ وجهها من ذاك الحلمُ التى رأته فى منامها، فأطبقت عيناها لتسترد أنفاسها وحمدت ربها أنه مجرد كابوس ولم يكن واقع أليم، أخذت تسمح قطرات العرق من على جبينها، ثم مدت يدها لتطفئ ضوء المصباح التى تركته ليلاً، فقد أشرقت شمس يوم جديد، لتنهض من مكانها وهى تفكر فيما ستفعله اليوم، بعد عدت ساعات وقفت امام منزلها القديم بحالة كئيبة منكسرة، فقد خرجت منه منذ سبع سنوات والآن ترجع إليه بكامل أرادتها بعدما فكرت جيداً فى حديث جدها لتعمل بنصيحته فى عدم قطع صلة الرحم بين أبويها، لذا هى الآن متواجدة هنا، ولجت من الحديقة الخلفية لتسير من البهو المؤدي إلى مكتبة أبيها الخاصة، فهي على علم ودراية بأن والدها فى تلك الساعة يكن متواجداً فى مكتبته يعمل على قراءة الكتب، فقد عزمت على أن تلتقى به أولاً ثم ستقابل باقى العائلة، فلما وقعت عيناها عليه رأته جالساً على كرسياً يطالع أوراق الشجر المتأرجحة فى الخارج بعينين حزينتين تحكى قسوة السنون التى قضاها مُنذ غياب ابنته، فأصبحت خطوات التجاعيد تملأ وجهه، وشعره بدأ يميل للون الرمادي، فرفع يده ليمسح أثر لغباراً قد دخل فى عينيه، بينما "رحيل" فطفرت دمعه من مُقلتها عندما وجدته فى تلك الحالة السيئة، وعلى حين غرة جلست تحت قدميه وهى تناديه بصوت ضعيف:
-بابا.
حول بصره باتجاه صوتها ليراها جالسة تحت رجليه تبكى بندم، فبالرغم من تواجدها الذى صدمه إلا أنه عانقها بحزن بليغ وهو يجهش بالبكاء كالطفل الصغير الذى فقد أمه، فقال بنبرة متأثرة:
-أنا مش مصدق نفسي أنك هنا بين ايديا، كنت فاكر أني مش هقدر احضنك تانى ولا أشوفك، أنا أسف يابنتي أسف على كل خذلان ووجع سببته ليكى.

ربتت على ظهره بشفقه فسمعته يبكى قائلاً:
-أنتى سامحتيني صح يارحيل.

- لو ما كنتش سامحتك كان زماني مش موجودة هنا.

-يعنى بجد سامحتيني.

-وجودي معاك دلوقتى أكبر دليل على أني سامحتك يابابا، أصل الدنيا مش مستهلة أننا نقضيها فى خصام ومقاطعة بعض.

ابتعد عنها قليلاً ليمسد على خصلاتها برفق وهو يقول بحزن:
-أنا عرفت كل اللى حصلك من مراد وأنك عندك أطفال منه، وطبعا لما عرفت أنه أذاكى طردته من البيت نهائياً لأن مش طايق وجوده معانا بعد القرف اللى عمله وكان لازم يتعاقب بحرمانه من شغله وبيته وكل حاجه كان يملكها، أنا بجد اتخدعت فيه ومكنتش أعرف أنه بالقذارة دي.

قامت  "رحيل" بطرح سؤالها فقالت:
-طب حضرتك متعرفش هو فين.

اجابها بضيقٍ فقال:
-لا معرفش ومش حابب اعرف إن شاء الله يكون فى جهنم الحمرا، أنما أنتى بتسألى ليه!.

جمعت شعرها بلين على جانب واحد وهى تقول بحرج:
- عادى مجرد سؤال.

كان يحدقها بها بشوق ثم قال بلطف:
-أنتى متعرفيش قد ايه كنتى وحشانى، دى صفا هتفرح أوى لما تعرف أنك هنا.

هجران رحيل "مكتملة"🦋حيث تعيش القصص. اكتشف الآن