الندم

71 3 0
                                    

مشتت الخطى فاقد الهوية، مبعثر الهيئة بلا نية مرضت بسقم الحب و عناقها بشفاء كل الوصفات الطبيه... أكمل... 

________الفصل السادس عشر_____'_____
ذاك الطرد الذي وصل أثير و كان ذو زينة أنيقة مميزه، فتحته تطالع ما به بذهول،و كان يحتوى على سكين!، سكين لأ يمكن أن تنساه، سبق و أن طعنت به نفسها، فتعرف شكله و مذاقه.
أمسكت به و هناك رجفة بيديها، وجدت تحته رسالة، فرمت السكين أرضاً ،و أمسكت بالرسالة قراءتها و هي ترتجف خوفاً، كانت كل كلمة بالرسالة بمثابة سكين يغرس بقلبها و يخرج و تأتي الكلمه التي تليها تفعل أكثر مما فعلت التي سبقتها،لكن هناك كلمة واحده بقت، أو إسم واحد بتوقيعه هو عندما كتب( حبيبك...حليم).
ذاك الاسم مرتبط بذكريات بشعة تؤلمها كلما تذكرتها...

_لو عايزه تشوفي قصره ممكن اوديكى تشوفيه؟.

كان هذا حديث حليم الذي سبق و أن أخبرها أن والدها يمتلك مركز تجاري كبير و الآن يخبرها أن لديه قصر! هي لأ تعرف لوالدها أملاك أكثر من شقتهم متوسطة الحجم،لكن فاخرة و أنيقة التصميم، في النهاية تظل شقة، لأ مركز تجاري و لا قصر!.
قالت تجيبه بضيق: حليم أنا زهقت من الهزار ده.
قال حليم بنبرة حملت الصدق و اللهفة و هذا ما استغربته: مش بهزر و غلاوتك عندي...طيب تعالي أوريكي.
صمتت و هي تفكر في حديثه بجدية،ثم قالت بعد تفكير: بس هجيب مازن معايا.
قال حليم بضيق من عنادها: صدقيني مازن مش لازم يعرف حاجه دلوقتي...
ثم أكمل بابتسامة خبيثه و هو يطالع شرودها: إلا بقي لو كنتى عايزه تدمريه.
رفعت عينيها له و قالت بشك: ايه اللي ممكن يدمره؟.
قال و هو يحدق بعينيها الغزاليه: مش لازم يعرف حاجه دلوقتي، شوفي أنتِ الاول و أنا هسبلك الحكم يا أثير.
تنهدت تحاول أن تخرج ذاك القلق الذي تلبسها، ثم قالت له بحده: بس لو طلعت بتكذب عليا يا حليم؟.
قال حليم بابتسامة هادئه يخفي خلفها الكثير من الخبث: ابقي اعملي فيا اللي أنتِ عايزاه، و لو هتقتليني أنا مش هقاوم.
تنفست بقوة، ثم أخرجت النفس بتمهل، و هو طالع قلقها هذا باشفاق، لأ ينكر أنه احبها، لكنها اوامر والده.
أخذها حيث المكان و كانت طول الطريق صامته لأ تتحدث، شاردة الفكر، مهزوزة القلب...هبطت من السيارة و طالعت القصر المخيف من الخارج بقلق كبير، وقفت أمام البوابة التي كان يحرسها رجل كبير و ما إن رآه حليم حتي فتح له بترحاب،فسأله: عبد الكريم باشا موجود؟.
هز الرجل رأسه بنعم و قال: ايوه مع الست صفوه جوه يا حليم باشا.
انكمشت ملامح أثير باستغراب، بينما حليم قال لها يحثها على السير: امشي و هفهمك.
سارت معه غارقة في التفكير أكثر، إلا أن قال لها بمنتهى الهدوء و البساطه: صفوه اللي جوه دي تبقي مرات عبد الكريم باشا.
طالعته بصدمة و نطقت ب: هربت منك اوي يا حليم، ايه الجنان اللي بتقوله ده!؟.
قال حليم يرخي أعصابها قليلاً، و لا أدري أين الهدوء في هذا الموقف بأكمله: اهدي يا أثير و أنتِ بنفسك هتشوفي كل حاجه، تعالي.
بدأ قلبها ينبض بقوة و بعد أن مات القلق حل محله الخوف، تولد بكل إنش بها و هي تخطوا خطوات لأ تدري إلى أي طريق تأخذها هي فقط سارت خلف حليم الذي ضغط الجرس في انتظار من يفتح له، وقتها فتح له فتي جميل الملامح هادئ التفاصيل، به ملامح من أبيها مع اختلافات طفيفة كلون العين، يبتسم لحليم بترحاب و هو يقول:حليم.
صافح حليم، و حليم ابتسم له بمجامله و هو يقول: أخبارك ايه يا شاهد!؟.
قال شاهد و قد لاحظ الفتاة التي تحدق به خلفه: الحمد لله، اتفضلوا.
سأله حليم قبل أن يدخل: الباشا جوه؟.
هز رأسه بنعم، ليدخل حليم و خلفه أثير، التي بدأت تطالع كل جزء بالقصر و بقلبها الكثير من الغضب، دخل شاهد أمامهما لينادي لوالده،سمعته أثير و هو يقول له أبي في نداءه فبدأت الدماء تفور بعروقها و هي تضغط على يديها بقوة حتى غرزت أظافرها الطويلة الحاده بيديها و جرحتها دون أن تشعر، لديه إبن و كبير أيضاً!.
جاء عبد الكريم ليرحب بحليم فوجد أخر من توقع، ابنته! صمت و لم يدري ما يقول هو بورطة كبيره ابنته و إبنه هنا و لأول مره أمام بعضهما، من المفترض في هكذا مواقف ماذا يفعل و قبل أن ينطق بحرف يعلم أنه سيخرج متلعثماً، تبدلت ملامح ابنته من غاضبه و بها لمحة جمود إلى ابتسامة كبيره و هي تقول: معلش لو جينا من غير معاد، بس احنا كنا معدين بالصدفة فقولت لحليم نشوفك و بما إن حضرتك مش بتسأل فقولت اسأل أنا، و ماشين علطول.
قالت و هي تطالع حليم: يلا يا حليم.
هز حليم رأسه لكن قبل أن يتحركا، قال شاهد: انتوا لحقتو، دي حتى أول مره ليكي يا أنسة في قصرنا.
ضحكت أثير من وقع كلمة (قصرنا) تلك على نفسها، ثم قالت بابتسامة ساخره و هي تطالع والدها الذي لم ينطق بحرف حتي الآن: تتعوض يا أستاذ شاهد،ابقى بلغنا بس المواعيد اللي مامتك بتبقي موجوده فيها هنا علشان منجيش فيها، مع إن عمو اللي برا قال إنها هنا، و لا يكون عبد الكريم باشا مخبيها من الحسد و لا حاجه!؟.
و قبل أن ينطق أحد بكلمة يجيبها أو يفسر والدها ما لا يفسر و لن يستطيع الكذب به،قالت هي: يلا تتعوض، سلام عليكم.
خرجت أمام حليم الذي كان يطالعه عبد الكريم بنظرات نارية، و كان شاهد فقط شارد في قدوم تلك الفتاة و أن والده صمت بحضورها، لم يصدق كلمة مما قالت، حتي نظراتها لم تصدق عليها.
بالسيارة لاحظ حليم يديها و أنها ملوثة بالدماء فقال لها: أثير، إيدك بتنزف.
قالت له و هي ترفع يديها أمامها و هناك مئات من المشاعر بقلبها: مش مهم، مجتش عليها.
ثم أكملت و هي تطالعه بغموض: أنت تعرف كل حاجه عن بابا كده ازاي؟.
ما إن انهت سؤالها حتي وجدت ملامحه تبدلت، و بدأ يتنهد تنهيدات متتابعه قبل أن يقول: من الشغل...
قالت هي تقاطعه بسخرية و قد بدأت تفتح آفاق عقلها عن أشياء كثيره: أنا اللي أعرفه إن بابا بيشتغل مدرس أحياء، أما أنت و أبوك في التجاره، ايش جاب لجاب؟.
علمت أن حليم سيتلعثم،و هو لم يحضر اجابته فهو ظن عندما تعلم أن والدها متزوج على والدتها ستبكي و تصمت لفترة مؤقته و لن تسأله عن شيء في هذه الاثناء كما أخبره والده، لكن ما لأ يعرفه أن أكثر ردة فعل مؤلمه هي تمثيل عدم الاكتراث، أما التدمير الشامل فهو الصمت.
أحياناً تمثيل عدم الاكتراث أو الفرحه على ما لأ يفرح هي لحظات ما قبل الانفجار، الذي يتم أيضاً بمنتهى الهدوء، و نتيجة لهذا الهدوء الذي لأ مكان له في هذه الحالات، تحدث كوارث.
سألته سؤال أخر عندما وجدته توتر من الاول: هو شاهد ده عنده كام سنه!؟.
قال لها و هو يزفر بشيء من الراحه: يعني أظن أكبر منك بسنتين.
طالعته بصدمة، معنى هذا أن والدتها الزوجة الثانيه!، خرجت من صدمتها على إحساس يدغدغ ضحكتها لتخرج و هي تضحك بصخب، تحت أعين حليم المستغربه منها، و بعد أن انتهت صمتت و كان خلف صمتها هذا عاصفة كبيره توسطت بسكينة و قتل غدر.
استفاقت من شرودها عند تلك الشرارة التي بدأت منها مآسي حياتها.
اخفت تلك السكينة في دولابها، ثم خرجت من الغرفة بعد أن رتبت حجابها.
______________
العودة إلى أنقاض كرامتها غير مرغوبة، مؤلمة، مبنيه على أكذوبة، أنها ربما تعود، لكن تعود مغلوبة... هي تعلم أن التواجد هنا مجدداً يجعل أعصابها تفلت من أقل نظرة و دائماً عليها الحفاظ على هدوءها حتي لأ تفتعل المشكلات و تؤدي بها أفكار رأسها إلى أعمق من تلك الهاوية التي سبق و أن تواجدت بها.
انتهت خلوتها بنفسها عندما فتحت نور الباب بعد أن طرقت و الاخري لم تسمعها، و دخلت بابتسامة لطيفه و قالت: أنتِ قاعده كده ليه؟.
قالت نوران بملل: مفيش حاجه هنا تتعمل، ملانه.
جلست نور على مكتبها و أخرجت كتبها لتذاكر قليلاً، لكن نوران قالت توقفها عن ما تفعل و هي تطالع الغرفة بتقييم:  أنتِ معملتيش أي تعديلات على المقبرة دي من زمان!؟.
قالت نور باستغراب و هي تستدير لها: مالها يعني ما هي جميلة اهي!؟.
قالت نوران و هي تطالع اللون الاخضر الذي ملأ الجدران من حولها بنظرات غير مرتاحه: ده أنا حاسه إني قاعده في خسايه يا شيخه.
قالت نور بحيرة: طب أنتِ عايزه تعملي ايه يعني؟.
اجابتها نوران و هي بكامل حماستها: ممكن نجيب دهان بلون حلو و رسومات كتير و نحدد،ممكن ندهنه Baby Blue بلون البحر و السماء،أو أزرق  حاجه في الphase دي .
قالت نور بعد تفكير: مش معايا فلوس الصنايعي و لا الدهان و لا الرسومات... ده غير إني مش فاضية عشان الامتحانات قربت...
ثم أكملت باستغراب:و بعدين ماله اللون الاخضر ،ده لون مريح للأعصاب، خضرة و شجر.
قالت نوران بسخرية: و الدنيا ربيع و الجو بديع،
ثم أكملت بضيق بعد أن احبطت من شقيقتها: أنا كنت هخلي كل حاجه  عليا و مكناش هنحتاج صنايعي أصلاً احنا اللي كنا هنعمل كل حاجه، بس أنتِ عيلة نكد و قفلتيني، روحى و قولي لبابا عايزه فلوس أعمل شوية تجديدات في الاوضه اللي متغيرتش من عهد محمد علي دي!.
قالت نور بخفوت: أنتِ عارفه، أنا بتكسف.
تأففت نوران بضيق، و بعد دقائق صرخت بحماس: لاقيتها...
أكملت بابتسامة متلهفة كأنما وجدت كنز: هتجبيلي مقص و ورق أبيض و اسكتش و كراسة رسم و صمغ و أقلام و ألوان و كتبك القديمه، و الورق اللي بيلمع ده نسيت اسمه و...
قبل أن تكمل قاطعتها نور و قالت باستغراب: هنعمل ايه بكل ده!؟.
قالت نوران ببساطة و ابتسامة متحمسة: هنعمل للاوضه makeup .
______________
في اليوم التالي صباحاً أو مساءاً لن تشكل فارقاً...
كان شريف قد خرج من الحمام و بدأ في تنشيف شعراته المبللة، إرتدى قميصه العلوي و لم يهتم بقفل كامل أزراره كما لم يهتم بأن هناك قطرات من المياة لازالت تتساقط من شعره و نالت من القميص الابيض الناصع، سار حتي غرفة والديه بالاسفل، طرق الباب ففتحت له والدته، ابتسم لها ثم قال: أدخل؟.
قالت له بتعجب من براءته و تهذيبه الغير معتاد و هي تبتعد عن الباب ليدخل: يا سلام و أنت من امتي بتستأذن!؟.
رد عليها بضحكة مشاغبه و هو يجلس: و أنا داخل اوضتك بس.
هزت رأسها في يأس منه و ذهبت لتجلس في مقابلته، أمسكت شعراته متوسطة الجفاف و قالت  بضيق: مش قولت قبل كده تنشف شعرك كويس قبل ما تلبس هدوم خروج... بص اتنيلت ازاي يا واد!؟.
ابتسم و هو يخرج يديها من شعره يقبلها: قلب الواد أنتِ يا ست الكل.
قالت له و قد ملئ الشك قلبها: الله، أنت اتعديت من سليم و لا ايه!؟.
قال لها و هو يبتسم بشئ من الحزن و الندم على ما اوصلها لتلك الجملة: هو سليم بس اللي المفروض يبقي حنين معاكي و لا ايه!؟ مش كلنا عيالك برضو!؟.
ابتسمت له في حنان و قالت: هات مشط من اللي قدامك دول.
أحضر لها ما طلبت لتكمل هي بنفس ابتسامتها الحنونه: تعالى قرب...
اقترب منها، لتستكمل و هي تعدل له خصلاته المبعثرة: عارف يا شريف، يوم ما أنت اخترت تقعد لوحدك و تبعد عننا كلنا بعد اللي حصل، أنا كنت عارفه إنك هتنهار و هتدخل في مرحلة مش هتحب حد يشوفك فيها، مش عايز تزود هم حد من الموجودين، كنت مفكر إن ببعدك ده هتحل مشكلة، خصوصاً لما فكرت إنك قصرت اوي مع جنا و محمتهاش بالشكل الكافي و مقدرتش تمنع اللي حصل لمامت أمير ، و نسيت إن دي أقدار يا حبيبي...
بدأت الدموع تسقط من عين سلوى على تلك الذكرى... و قال شريف الذي جاهد في أن لأ يبكي هو الاخر لكن نبرته المقهوره فضحته: أنا مجتش متأخر، أنا حضرت كل حاجه، بس مقدرتش أعمل أي حاجه...
أكمل و قد بدأ يبكي: أنا خذلتهم ل...لما معملتش أي حاجه، كانت جنا بتصوت و تقولي الحقني يا ابيه شريف، و أنا كنت بعيط على عياطها بس...كانوا ربطني بسلاسل حديد...مقدرتش أعمل حاجه...
كان يريد أن يكمل بكل ما أخفاه عله يريح قلبه، لكنه خاف على والدته إن علمت ما حدث لصديقتها و لابنتها قبل موتهم، فلم يسبق له و أن أخبرها هي تحديداً ما حدث... ترك العنان لدموعه، و ترك نفسه لأحضان والدته الدافئه، تلك السيدة الوحيده التي لم يمانع في البكاء أمامها، بينما هي حاولت أن تتمالك نفسها و أن تهون الامور قليلاً، لتقول و هي تملس على ظهره بحنان: حبيبي انسي اللي حصل و متحملش نفسك ذنب ملكش ذنب في، و الحمدلله إنك بخير و خرجت منها سليم، شريف أنا فرحانه اوي برجوعك البيت تاني، متمشيش و خليك في حضني يا حبيبي، كفايه كل ده، و صالح سليم لانه أكتر واحد تعب في غيابك و كان محتاجلك مع إنه مبينش ليك حاجه بس هو زعلان، و اعرف إن وجودكم سوي تاني انتوا التلاته الدواء اللي هيشفى كل وجع الذكريات دي، و اترحموا على جنا كتير و مامتكم التانيه أكتر...
ثم أكملت و هي تخرجه من بين أحضانها و تقول بشئ من المشاكسه: و اخلص اخطب البنت بقى خلينا نفرح، بدل ما احنا مش عارفين نفرح بأخوك بسبب الاستاذ إلياس.
بدأ شريف يمسح دموعه و هو يبتسم و يقول: مظنش إن بابا هيرضا بالبت من أساسه...
قالت له والدته باستغراب: ليه يا حبيبي؟ مالها علشان ميرضاش!؟.
قال شريف و هو يبتسم بسخرية: معاها جنسية أجنبية...
قالت له و هي تتنهد بحيره: أكيد في حل للموضوع ده.
فقال و هو يزفر بضيق: مفيش، و حتي لو في مشكله تانيه...
سألته باستغراب: ايه تاني!؟.
قال فارس بحده و هو يقتحم الغرفه: و أهلها مجرمين.
قال شريف و هو يطالع والدته ببراءة بعد أن صدم  من تواجد والده: بس كده يا ستي، فيها ايه دي!؟.
___________________
كان يتدرب مع صديقه و هو بكامل تركيزه، فمن معه ليس بالخصم السهل و لا يجب التهاون معه، إلى أن جاء هو بحركة أرقدت الثاني أرضاً فجثم فوق صدره و الاخر يقاوم و هو يقول باستمتاع: حبيب قلبي... أنت نسيت بتلعب مع مين يا غالي!؟ ده أنا المقنع يا سولي.
عض سليم على شفتيه بغيظ، ثم تذكر أحد الحركات ذات التقنيات القديمه فابتسم بتحدي و نفذ ما يرنو إليه و قلب الاوضاع، ثم قال بابتسامة بارده و هو يقيد حركة الاخر: ألف سلامه يا غالي.
ابتعد عنه سليم و هو يلتقط أنفاسه بعد ذاك المجهود، لكن أمير لم يكن قد قرر أن ينهي ذاك النزال بعد، و بدأت المعركة مرة اخري و كان الفائز بها هذه المره هو أمير.
اقترب من سليم الجالس بتعب و أفرغ عليه المياة الباردة التي بحوزته بعد أن سكب على نفسه البعض منها، و جلس بجوار سليم و هو يلتقط أنفاسه، ثم قال لسليم أثناء ماهو يفرك شعره: حاسس إني مخنوق و مضايق...
شعر به سليم منذ بداية القتال لكنه لم يرغب في أن يسأله، إلا أن يبدأ هو فهذه عادته، و ظل صامت حتي يكمل الاخر: مش عارف أعمل ايه مع بابا، عايزه يعمل العملية، بس مش عارف أقوله ازاي، عمري ما اتعملت معه على أساس الصحوبيه، و لا الاب و ابنه حتي... كانت أمي الله يرحمها هي الواسطه...
لم يرد أن يكمل بموضوع والدته فأكمل بحديث اخر: و مش هقدر أفرض عليه حاجه... ممكن رامي يقوله، بس رامي ميعرفش و مش حابب أعرفه، أنا رجعت البيت علشان اخليه يتعالج و افرحه، بس... كأني مرجعتش، حاسس إني فاشل في جو العيلة ده، تايه و مش فاهم و لا عارف اختار مكاني في البيت، الاول كان رامي هو المسؤول عني و هو اللي كان بيتسأل بيا، دلوقتى كل واحد مسؤول عن نفسه، و كله فيه اللي مكفيه،و على قد ما طفولتي مكنتش أحسن حاجه على قد ما أنا كنت مبسوط فيها بوجود لمة و حنيه مصدرها أمي و رامي،
أكمل و هو ينظر لصديقة الذي كان يطالعه بحزن: مش معترض بس أنا مفتقد حاجات كتير اوي، و حاسس إن رجوعي زود من الحاجات دي مقللش، و بقيت شايل هموم قرب أقرب الناس ليا، حتي لو مقدمتش حاجه، بس شلت الهم من مجرد الاحساس، و مش عارف هرتاح امتي يا سليم!؟.
اجابه سليم بشئ بسيط ربما لن يقدم و لن يؤخر لكنه يعلم أن ذاك هو الحل: لما تعيط...
طالعه أمير بسخرية، بينما سليم أكمل غير أبه بنظرات صديقه: و تبطل تحس بالذنب، و تبطل تراجع نفسك و ذكرياتك كتير و تقول يا ريت اللي جرا ما كان، و لا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا و كذا، و لكن قل قدر الله و ماشاء فعل... متجلدش نفسك كتير... كده كده كانت جايه جايه... و لو كنا عارفين إن ده اللي هيحصل مفيش حاجه كانت اتغيرت برضو... ترتيبات و أسباب حاجه بتودي هنا و حاجه بتودي هناك... بس في كل الحالات كان لازم تروح... و بعدين يعني يا أمير أنت من امتي بتحس، لم أعهدك يوماً بالرقة دي يا ميرو.
قال له أمير و هو يطالع ابتسامة الاخر المرحه بغيظ: عارف ياض أنا اللي عيل إني قاعد مع خنزير زايك.
ضحك سليم بصخب و هو يلعب في خصلات صديقه القصيره، ليبعده الاخر بابتسامة خافته، اختفت عندما وجد ذاك الصوت المشاغب يصدح من خلفهم بحديث ساخر يعرف صاحبة جيداً: هو أنا جيت في وقت غير مناسب و لا ايه يا حبايب!؟.
اقترب منهم شريف و هو يسمع لحديث شقيقه البارد: ادي القاعده باظت.
ركله شريف بقدمه في جانبه ببرود، ليتأوه الاخر بخفوت ثم سبه بضيق تحت عدم اكتراث الاخر و هو يجلس، زفر براحه ثم قال: ايه قاعدة المطلقات دي يا رجاله!؟
قال سليم بضيق: ما تروح تقعد معاها و تسيب المطلقات في حالهم.
طالعه شريف بابتسامة و هو يغمزه بمشاكسه: أنت غيران منها و لا ايه!؟ عامة يا سيدي أنا معنديش مانع اتجوزك أنت كمان، أصل حد يسيب الغمازات دي برضو!؟.
ضحك شريف على ملامح سليم المشمئزه و هو يقول بسخرية:على أساس أنك اتجوزتها هي الأول.
لكنه لم يهتم و قال بابتسامة حنونه:  يبختها و الله يا سليم، هتاخد أعقل و احن واحد فينا.
صمت سليم و لانت ملامحه، هذه طريقة شقيقه بالاعتذار، لذا ابتسم بخفوت و لم ينطق بكلمة، ليقول شريف مشاكساً: لأ بقولك ايه أنا مش جاي اتقدملك.
ضحك أمير باستمتاع من ذاك الحديث الودي الدائر هنا، خاصة و سليم يقول بغيظ: أنت يبني كنت بترضع ايه و أنت صغير... تلج !؟
هز شريف رأسه بلا و قال بابتسامة بارده: لأ، سوبيا...

قيد النسيانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن