وسط صخب رياح الليل المتناغم مع ضجيج النيران...
و زخات المطر و هدير الرعد المتراقص فوقهم...
سار بخطوات مهيبة صاخبة لباحة القصر ، خارسا بهيبتها الجو العاصف المحيط بهم. و لكل وطئة سمعت آلافها صدىً ، و كأنها بذلك تحذر القابع أمامها أن هلاكه قد حان موعده.
صدح من جوف المكان:
《وصولك هنا دليل على أن جيشي هلك تحت يديك العاريتين》
أجابه صاحب صدى الوطئات ساخرا:
《كانتا تحملان سيفا يا مولاي 》
انتفض الرجل من عرشه القابِع بجوف الباحة بُغيت أن تتضح له معالم الدخيل أمامه، فاتحا يديه للسماء و كأنه بذلك يستضيفه:
《 يحق لك الاعتزاز بما فعلته ، وكرما مني سأحفظ أوداج عنقك لتروي خرافتك لأحفادك ...》
ثم أتبع متحذلقا متحسسا غمد سيفه:
《هذا إن لم يغفل نصلي عن قطعها بالغلط!!》
تقدم المخاطب بخطوات رقيقة سريعة نحو الرجل جارا سيفه المَشحوذ بدماء قتلاه:
-سُررت بلقاء ملكنا المهيب (كاسل)!!
بادله (كاسل) الكلمات تقززا بملامح وجهه ليردف مستنكرا:
-ثقتك في كلامك هذه لا محل لها في حالتك الآن.
أجابه:
-اعتقدت أَنِّيَ أنا المسموح له هنا بقول ذلك!!
تعالت ضحكات كاسل بالمكان ليتبع مصفقا بكفيه:
-ثقة رائعة ... ذكرني باسمك مجددا؟!
رمقه الرجل ببرود قائلا :
-(أرغد).. اسمي (أرغد) .. وقد يكون اخر اسم تسمع...
تنهد الملك ساخرا :
-أ تعلم كم مرة سمعت بها الكلام ذاته!!
ابتسم (أرغد) ملاعبا طرف نصله:
《إذا لما لا نجعل سيوفنا هده تحدد إن كنت صائبا؟》
رفع (أرغد) بشراهة متعطشة لسفك الدماء سيفه لمستوى صدره . ليندفع (كاسل) دون سابق إنذار نحو عدوه الذي ما إن التقى النصلان ببعضهما تراجع كلاهما للخلف من قوة الصدة ، فقد كان الخصمان أشداء رغم كون (كاسل) أكبر بنية نظرا لفارق العمر بينهما لكن ذلك لم يزحزح من شموخ (أرغد) بوصة ، عادت السيوف من جديد للتحاك بينهما في قتال محموم ، و بالرغم من بطش ضربات (أرغد) إلا أن رشاقة (كاسل) و خفته في تحريك نصله مكنته في حين غرة من توجيه ضربة لوجه خصمه فتحت جرحا غائرا ابتدأ من باطن وجنته مارا بعينه اليمنى و منتهيا بجبهته.
تراجع (أرغد) متحسسا الندبة المرتسمة بملامحه شاتما غفلته التي أودت به لحاله.
تراجع (كاسل) هو الآخر متأملا ما صنعه نصله:
-أعجبتك؟!
-نعم!!...نعم ستساعدني على تذكر ملامحك حين أرا انعكاسها.
-أتمزح!!
ثم أردف و صوته يزداد علوا مع كل كلمة يضيفها :
《ألازلت أيها الخرف تعتقد أنك سترى النور بعد أن انتهكت حرمة
مجلسي !،شتت شمل أسرتي ! و قتلت جيشي 》
خرست جميع الأصوات فجأة...
إلا من أنفاس كاسل الساخنة الحاقدة لملامح الكائن البارد أمامه...
استشاط الملك غضبا ثم وجه رأس سيفه لوجه (أرغد) كتحذير ليوقف تفاهته...:
-أتظن أن لعب دور الهادئ البارد يجعلك رائعا!!
-هاه؟!
-اخخخخ أتمزح!؟؟
رمى (أرغد) سيفه أرضا ممرا يده بين خصلات شعره السوداء:
-لم أكن أسمع كلامك أعتذر!! كنت أفكر إن كانت ندبتي هذه ستضيف لمنظري هيبة أم لا.
اندفع (كاسل) بجام غضبه و قوته بسيفه نحو صدر (أرغد):
-اللعنة فل تمت!!!
رمقه الرجل بعدة نظرات احتقار ، و بسرعة خاطفة بسط كفه و ضم قبضته بوجه (كاسل) الذي عجزت فجأة عظامه عن الحراك ، و تشنجت أوداج عروقه و كأنها تنتظر لحظة بسيطة لتنفجر دما.
و في كل مرة شد فيها (أرغد) قبضته بقوة زادت حدة تشنج أوصال الضحية ليسقط سيفه أرضا محاولا البحث عن النفس الذي رفض مداعبة أنفه.
(أرغد) و قد فتح قبضته لتعود الروح ب(كاسل) :
-ظننت أنه لمن العار الاندفاع بهذه الحقارة نحو خصمك و هو مُرخٍ لدفاعه هكذا.
و أضاف بسخرية:
-أتسمي نفسك محاربا؟!!
لم يجبه (كاسل) لكونه في خضام المحاربة من أجل بعض النفس و هو ساقط على ركبه أرضا.
انحنى (أرغد) لمستوى خصمه و مد له يده لمساعدته على النهوض لكن الرجل ردا على صنيعه بسق دما براحة كفه .
لم يعر (أرغد) الأمر اهتماما بل ابتسم و مسح يده بمنديل كان بجيبه ،ثم تراجع لحمل سيفه من جديد تحت ذهول و صدمت (كاسل) من ردت فعله الباردة ، فقال محدثا نفسه ممسكا بمقبض نصله:
《اللعنة من أين له بهذه القوة...لم أصدق الشائعات أبدا...لكن...لكن هذا الرجل وحش و ليس بشرا !!...》
قطع صرير أفكاره حين لمح أن (أرغد) واقف متأهب ينتظر منه الوقوف لاتمام ما كان بينهما من صراع مما زاد من جزعه .
انتفض (كاسل) بسرعة عن قفاه مستدركا قوته ، ليشتبك الاثنان من جديد بسيوفهما ، لكن الكفة كانت راجحة لضربات (أرغد) ، و ما إن أحس أن خصمه قد ضعف و لم يعد بنفس حماسة بدايته ، دفع الرجل الملك بصدة سيفه بضع خطوات للوراء ليصرخ فيه :
-ألازلت تعتقد أنك قوي؟!
لم يرد (كاسل) فقد كان محطما فعلق (أرغد):
-هذا ما عنيت به حين أخبرتك يومها أن أمثالكم من الغافلين المغفلين لا يفهمون حقيقة أن القوة و السيطرة يمكن أن تفلت من أيديهم بأي لحظة ، اكتسابهما بسهولة !! لا يعني سهولة الاحتفاظ بهما.
ثم أضاف قاطعا البوصات المتبقية بينهما صارخا فيه :
-يا لك من ساذج عديم الفائدة!!
-...؟!
-وددت لو أكملت الأمر بيدي !! لكنه رغب في أن يكون له من الأمر حق أيضا!!
التفت (كاسل) بحبط نحو المكان الذي أشار له (أرغد) برأس نصله ، و ما إن إلتقت عيونه بالشخص الواقف أمامه ، اتسعت حدقتا عينه من الصدمة ، مدركا في لحظة أن الوفاء أستل شراعه لجانبه القبيح المسمى بالغدر ، خرست الكلمات بحلق الرجل ، و انتفضت النيران بجوفه المستعر للمنظر أمامه بعد أن كانت خامدة من ماضيه القبيح.
و بعد لحظات من الصمت المخيم بالمكان...
خرجت الكلمات من فم (كاسل) مبعثرة متقطعة مشيرة للخنجر المزخرف بيد الخائن:
《أعطيتك إياه رمزا للوفاء...وعدا للأمان...》
و في حين غرة اخترق الخنجر صدره مخرسا كلامه لثوان...
ليتبع بعد أن تحشرجت الدماء بفمه بحزن باد:
《مالي أراه بأحشائي راقدا !!...》
ثم ناظرا بجوف عيون الخائن:
《كم قلت أنك غير من عاشرتهم...!! 》
ثم و قواه تخور :
《أتيت أنت مسكنا...مسكنا روحي...!!》
___________________________________________________________...
___________________________________________________________
سقط الشهيد على قفاه صريعا
___________________________________________________________
و سقط مع رأسه هيبة رنتال و مجدها
___________________________________________________________
...
أنت تقرأ
الترنيمة : لَعْنَةُ يَنَارْ
Fantasyفي حِقْبَة مِن الزَّمَان...قرر القدر بمحضِ الصدفة قلب الموازين بطريقة غامضة، واستخدمت ذرِيعة خفية مَحاها الزمن لتغيير مجرى التاريخ. عندما أَبَاد الطَاغية أرغد الأسرة الملكية بأكملِها، الأسرَة الوحيدة القَادرَة بدِمائها على تسيير الأرض، بدا أن الأمَل...