شَظَايَا ثَمِينَة

15 4 0
                                    

وقف الرجلان مشدوهيِّ الملامح بعد أن عم المكان همهمات مزعجة شبه صارخة من جديد بعد أن خمد صوت صدى الرصاص...
نال (عيان) الشرف الأول لتكسير الصمت الذي جلا بينهم حين قال:
-لازلت مصرا على فكرة أن ابنتك بالحقل و ليست داخل تلك الجلبة!
-ارحمنا يا (عيان) من أفكارك الآن
-أظن أنني الوحيد الذي يشغل عقله هنا
-...؟!
-ما الذي يجعلك مصرا على أنها هناك؟
أجابه (سلاف) و هو يتجه مهرولا لمقصده:
-لأنني أنا من ربيتها...
بينما (سلاف) و (عيان) يقطعان معا المسافة التي فصلتهما عن المكان...
وقفت (روسلين) بذهن مشوش أمام و جسد مرتعش أمام الرجل الذي حمل مسدسا فارغ الطلقات نحوها...
إلا من تلك الرصاصة التي صوبها نحو الفتاة و صدها جدار سيف أحدهم...
استجمعت (روسلين) رباطة جأشها و صرير أفكارها حين سمعت الجندي الملقى على الأرض يصرخ في صاحبه شاتما:
-اللعنة عليك...لم أخبرك بأن تتمادى لهاذ الحد!!
أجابه صاحبه و هو يلقي بسلاحه أرضا ،بأعين زائغة كمجرم تلبس بجرمه أمام الجميع:
-أقسم أنني لم أقصد استعمالها...!!
صمتت الهمهمات و نواح الجنديين حين نطق صوت حاد بارد:
-إخرسا!!
حينها أدركت (روسلين) أن صوتا جديدا أضيف للمشاركين بهذا الصراع ، لكنه لم يكن صوتا عاديا بل كان صوتا تجلله الهيبة و الخنوع...
شعرت الفتاة بالرهبة حين سُمِعت أنفاسها العالية لرأيتها للرصاصة القابعة بالقرب من موطئ قدمها و قد صدت من قبل سيف صاحب الصوت المهيب...
لاحظت (روسلين) أن أنظار الجميع تكركزت بينها و بين الظل الشامخ بجانبها ، فحبذت مشاركتهم رغم أن روحها أرادت مغادرة جسدها لأن مخزون الحظ و الشجاعة بجوفها قد خلص بسبب تلك الرصاصة...
رمقت (روسلين) صاحب الظل بنظرة جانبية لتكتشف أنه هو الآخر بادلها النظرات لكنه سرعان ما كسرها حين خفض نصل سيفه عن مستوى صدرها و تقدم بخطوات خفيفة نحو الحنديين اللذين راقباه بجزع ظاهر...
نطق صاحب الصوت مخاطبا شابا تحت خدمته ،أدركت حينها (روسلين) بوجوده أيضا:
-أخبر الآخرين بتقييد هاذين و إبقائهما تحت المراقبة إلى أن يتم إعدامهما بساحة المدينة!
-أمرك (فيصل)
لم تمر ثوان إلا و قد استجيب أمر (فيصل) و قُيّدَ الاثنان...
صرخ أحد الرجلين باكيا راجيا:
-من فضلك...أترجا رحمتك و عفوك علينا!!
أجابه (فيصل) خالي المشاعر و التعابير من محياه:
-لا!
حاول الرجل الانتفاض من قبضة الجنود ليسقط على قفاه زاحفا ليقبل حذاء (فيصل) :
-أرجوك يا سيدي...لقد خدمت أتالا منذ عنفوان شبابي...لا أريد أن تكون نهايتي على هذه الشاكلة...أترجاك يا سيدي...أترجاك...
(فيصل) و هو يحاول فك عناق الرجل و تقبيله من قدمه قائلا:
-أبعده عن ناظري!!
نطق أحد الجنود بصرامة و هو يجر الرجل:
-أمرك سيادة القائد!!
-من المشين معرفة أن أمثالكما يخدمان قطاعنا العسكري 
انهار صاحب الرجل باكيا و صارخا و هو يراقب (فيصل) يمسح بشارة عسكريته الملقى بقربه حذائه الذي قبله رفيقه ، ليصرخ في (روسلين) قائلا:
-كل هذا سببه تلك البطن الفاسدة التي سلطت علينا اليوم...
تحسست (روسلين) من كلام الرجل لكن صرير كلامه قوطع حين رفس (فيصل) بحذائه وجهه ليهشم ملامحه و يخرس حلقه للأبد...
ثم قال بصوت هادئ سمعه فقط من الأقرب حوله:
《اللعنة لقد أفقدني صوابي》
ليضيف مخاطبا الجنود المسؤولين عن الإمساك بالاثنين:
-لن يأجل الأمر...إعدامهم بساحة المدينة سيكون غذا صباحا...أكلامي مفهوم!!
استجاب الجنود لكلام قائدهم برفت يدهم لمستوى جبينهم احتراما لسيدهم ثم غادرو حاملين الرجلين الذي لم يفتأ من لازال سليم الملامح منهما عن البكاء و النواح و طلب الرجاء من (فيصل) لكن من دون جدوى إلى أن اختفوا جميعا بالأفق بعيدا عن أنظار الملئ.
توقف (فيصل) متنفسا الصعداء ليسأله أحد الجنود:
-ماذا عن الفتاة؟!
التفت الاثنان نحوها ليقول فيصل بأعين باردة رامقا بإياها (روسلين):
-لا يهمني أمرها!
لكنه و قبل مغادرته أعاد النظر لعينيها الداكنتين بزقتهنا قائلا:
-أتعلمين ما أقدمت على فعله؟!
-نعم
تعجب (فيصل) من جرأتها لكنه لم يبد اهتماما بملامحه:
-لو لم يكن السلاح الذي استخدمه غير مرخص لكان مصيرك مصيرهم لحسن حظك
-لست مهتمة.
-...؟!
-إن كان الأمر متعلقا بحماية أفراد شعبي من وقاحة جنود قطاعكم العسكري فسأقدم روحي هبة لذلك ، و سأعيد نفس الفعلة كل مرة!!
-حقا؟
-نعم...و إن كنت خائفا من أنني سأفتعل مشاكل بين صفوف جيشك فأحبذ فكرة أن تقتلني الآن.
حملت (روسلين) سيفها ووجهته لوجه (فيصل) مهددة:
-لكنني لن أقف مكتوفتي الأيدي بينما تحاول قتلي..
تقدم الشاب الذي رافق القائد لإيقاف الفتاة عند حدها ، لكن (فيصل) أوقفه بحركة من يده ثم حول نظره لرأس نصل (روسلين) أمامه، ليضع سبابته فوقه و ينزله أرضا موجها كلامه لها:
-لا أملك سببا لقتلك الآن...لكنني لا أضمن ما سيحدث مستقبلا.
ابتسمت (روسلين) و هي تعيد سيفها لغمده المعلق على خصرها:
-و سأكون لك بالمرصاد.
لم يعلق (فيصل) على كلامها و غادر هو و الشاب المكان...
راقبت (روسلين) كيانهما يختفي بالأفق بين الحشد الذي تشتت مجمعه مع مغادرت من كانوا بسببه يراقبون...
تنفست الفتاة الصعداء ثم قالت متذمرة من الإجهاد الذي طال عليها:
《أظن أن والدي سيقتلني حقا هذه المرة!!》
أجابها صوت مألوف من الخلف:
《نعم أعطِه سببا وجيها لكي لا يقدم على ذلك!!》  
....

الترنيمة : لَعْنَةُ يَنَارْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن