فتحت (روسلين) مقلتيها لتجد نفسها وسط حقل زهور الليلك و تحديدا بالمكان الذي عهدت هي دوما التسكع فيه ،لتشهق قائلة:
-يا إلهي هذا مذهل!!
ابتسم الرجل معلقا:
-ما المذهل بالأمر؟
-أتمزح؟؟!!...كيف قطعت بنا تلك المسافة برمشة عين...أمر مذهل
-ليس بالأمر المذهل حقا
-لازلت أصر على فكرة أنك ساحر
-و لازلت أنا مصرا على فكرة أنني أفضل منهم...
ثم أردف كلامه بوجه جاد:
-لا تملكين الوقت يا ابنة ليلاس لمحادثة كهذه...
-ل..
قاطعها بصرامة:
-(سلاف) لن يكون سعيدا!!
لتشارع (روسلين) دون مناقشة في البحث عن مذكراتها بالمكان الذي تركته فيه قبل مغادرتها مع والدها ، لكن أفكارها تشتت حين سمعت الرجل يقول بصوت خافت ناعم و هو يراقب عبير إحدى زهور الليلك يتناثر بالهواء حين هزها بلطف:
《لطالما أحبت (ليلاس) زهور الليلك》
علقت (روسلين) بحنية:
-أكانت شخصا...
-لقد أحبها الجميع...لو كان الكرم العشق الحب الحنان التواضع شخصا فستكون (ليلاس) دون منازع...
-ما الذي حلّ بها؟
-قُتلت...
-يا إلهي!!!
ران عليهما الصمت برهة من الزمن لتقول (روسلين) :
-من قتلها؟
-شخص أتمنى أن يموت للمرة الثانية...(سيف)
-...؟
-ألا تعلمين من هو (سيف) أيضا؟!
-لا
-ما الفائدة من الحديث إذا!!
-لما تقول أمرا كهذا...أليس من العدل أن تخبرني بكل شيء حول (ليلاس) هذه...مناداتك لي بابنتها طول الوقت حجة كفيلة.
-لست المكلف بإخبارك هذا...!
-و من بنظرك؟
أجاب الرجل بنبرة عالية لأن صبره ضاق:
-وصيك يا (روسلين)...(سلاف)!!!
صمتت (روسلين) لتفاجئها بنبرته شبه الصاخبة ،لتلتفت دون نطق حرف للبحث عن مذكراتها تحت نظراته المراقبة...
ثم أمسكت بدفترها غير معيرة الاهتمام لفكرة أن موضعه اختلف عن آخر مرة تركته هي فيه ،ليقول الرجل بلطف غريب:
-أأعيدك لمنزلك؟
-لا...لا أحتاج شفقة أحدهم
-ليست بشفقة بل مساعدة
-ولا ذاك...شكرا على ما قدمته لي من قبل يمكنك إتمام مسيرك كما كنت قبل أن نصطدم ببعض
-ظنَنتُنا صرنا أصدقاء؟!
-أتمزح...لا أعلم إسمك حتى،أما أنت فأظن أن المعلومة الوحيدة التي تغفلها عني هي موعد نومي.
-أظنها الساعة الحادية عشر
حضنت (روسلين) رأسها بين كفيها بتأفف:
-يا إلهي!
-كان تخمينا فقط
-...؟!
رد الرجل تأففها ابتساما ،لتقول:
-على الأقل أخبرني باسمك إن وددت أن نصير أصدقاء...!
-لدي العديد من الألقاب...لكن...
ثم أضاف بنبرة متهكمة و كيانه يتناثر مع تناثر حبيبات عبير الليلك المحيط بهم:
-ظِلٌ فَانٍ أفضلها...
اختفى الرجل و ظلت (روسلين) وحيدة بالمكان ، و لأول مرة كانت رياح الليل الباردة التي داعبت شعرها كفيلة وحدها بدب الرعب بقلبها و انتصاب شعيرات بدنها.
أحست الفتاة بوحشت المكان فقلبت بأناملها النتوئات المرتسمة على غلاف مذكراتها قارئة إياها...
《قلم خانه حبره..》
ما إن أتمت نطقها بنبرة خفيضة مررت صفحات الدفتر على سطور و كلمات متقطعة حفظتها عن ظهر قلب تمثلت كالتالي...
《وسط صفحات الماضي المدفونة بين طيات سطور التاريخ الموافق ليوم اللعنة التي أطلقها البعض باسم ينار...》
...
《حاشا لسطور اللغة العربية الفصيحة بصياغة جمال و أُنست "والدي" بين كلماتها و حروفها التي لم تتعدا 26 حرفا...
لو اضطررت مجددا لصياغت شعري بوالدي فسيلزمني لثغره ألف حرف آخر...》
...
《إياك و الاقتراب مني لأنني سأجعلك شعرا مخلدا بأوراقٍ لن تقرأها أبدا...》
...
《ترعرعت بأسرة ناقصة لحس الأمومة...لكن شفتاي لم تعلق أبدا حول الموضوع بمجالس والدي...لأنه بنظري أمر لا يستحق النقاش أو السؤال...فقد حاول بأقصى طاقته لعب الدورين بافتنان منذ نعومة أظافري...و ردا لجميله الذي لن ترده ثروات الأرض جميعها...و شكرا لصنيعه الذي لن يكفيه شكره فقط...عهدت نفسي على أن لا أكسر الوعد الذي قطعته و هو أن أسئله عن الأم التي لم يكن لها دور بحياتي...لأن النضج يعني فهم أن الأسرة لم تكن أبدا مبنية على وجود شخصين متكاملين. فقد تكون شخصا واحدا لعب دورهما باتقان فقط...
أشكرك يا والدي..》
حينها علقت (روسلين) على ما كتبته بحزن:
-أعتذر يا فتاة لكنني سأكسر العهد...فقصة (ليلاس) هذه تطن برأسي...
ضجرت الفتاة و تذكرت أن عليها العودة لكنها و قبل إغلاقها لمذكراتها لمحت خطا مضافا لما كتبته بالأسفل...
《ماذا عن الذي امتلك الاثنين لاكنه لا يشعر بوجود كيانهما معه أبدا...أشعر بالغيرة منك لامتلاكك والدا مثله...و أشعر بالغيرة منه لامتلاكه شخصا يكتب عنه شعرا بكل مرة سمحت فيها له الكلمات فرصة للتعبير...》
أنت تقرأ
الترنيمة : لَعْنَةُ يَنَارْ
Fantasyفي حِقْبَة مِن الزَّمَان...قرر القدر بمحضِ الصدفة قلب الموازين بطريقة غامضة، واستخدمت ذرِيعة خفية مَحاها الزمن لتغيير مجرى التاريخ. عندما أَبَاد الطَاغية أرغد الأسرة الملكية بأكملِها، الأسرَة الوحيدة القَادرَة بدِمائها على تسيير الأرض، بدا أن الأمَل...