الحَجَرُ السَّاكِنْ

10 3 2
                                    

《يا من قضيت الليالي تلتحف الأسى صبرا حنينا عن ما فقدته...لما حزنك هذا طال؟...》
التفت الرجل خاملا نحو مصدر الصوت بأعين محمرة، وقلب ساكن بارد، زاد سكونا عن سكونه حين تلألأت صورة الواقف أمامه بمحاجر مقلتيه...
حمل ذراعه الراعشة الضعيفة نحو محيا المتكلم بثمل، و مسح بكفه على ما هيأ له أنه خده ثم نطق أخيرا:
-أ أساي هذا، من يعيد الراحلين؟
-دخلت الكرة شباكها!
-ما عاد قلبي في هوا ملذات دروس الحياة طاقة...
-مالك!..أضائع..؟
-...ضائع بيني و بين جزء مني يريد شيئا...و الآخر يحاربه!!
-ما دام فوق العرش رب قادر عالم، فحزنك لن يطول...
-ألا تعتقد أن هذا الحجر الساكن القابع بصدري، قد طَلاه الزمن كِسوة الشيخوخة و هو ينتظر اليوم الذي تزعمون أنه آتن و لن يطول انتظاره؟
-ألن تحاول التكتم على جثتي و نسياني؟
-كيف ذلك و بيني و بين النسيان خمس...، فراق، اشتياق...حزن...غيرة و الخامسة منك فكيف أتوب؟
-من التي مني؟
-الهَجر...
-حين يأتيك عوض الله ستنسى ما فقدت...
-أتظن أني قد أميل لغيركما شغفا و حبا؟
-لم تمل له يا والدي فقط...بل نمت بأحضانه كرضيع حرب...
وقف الرجل مسعوقا مترنحا مما سمعه، و ضائعا بين حروف و طيات تلك الكلمات...
نطق محدثه أخيرا:
-إقرأ بين السطور يا والدي...
-لكن...!!
كسر كلامه بابتسامة دافئة:
-عوضك كان معك طيلة الخمسة عشر عاما!!...لو أشحت تلك الغشاوة لرأيته بثغره أمامك يبتسم...
-وصي عابر...؟!
-أستسمح لذلك بأن يحدث حقا؟!
جلس الرجل شارد بين أفكاره، لكنه سرعان ما استجمع شتات أفكاره...
حمل رأسه أخيرا، و صوب محجريه نحو مخاطبه...لكن حلكة الليل المتسلط حولهم جعله يضل طريق نظره...
ليعلم أخيرا أنه اختفى...
فقط... 

الترنيمة : لَعْنَةُ يَنَارْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن