على حد علمى ان القمر مكانه فى السماء.. لم أكن أعلم أنه سيقع يوماً بين يدي ! ، مع ذلك أنا ممتن جداً للوكالات الفضائية وقناة ناشونال جيوغرافيك أنها أخفت قمرى عن الأعين وأبقته لي وحدي قمراً ساطعاً لم يعرفه غيرى.. !
رغم عدم اكتمال قرص البدر فى الخارج رآه مكتملاً في عينيها ، تتلألأن كضوء القمر يتوسطهما شعلتان بنيتان ! ، يحدهما كحل أسود كليل فحيم ، ولأن الشمس عكس القمر أشعلت عيناه وجنتيها خجلاً واستسلمت لهالتهما الذهبية التى تتخلل قهوتيهما وتمنحهما لمعة دافئة ، وقد اخترقت أنفاسها رائحة عطرة الرجولية الممزوجة برائحة التبغ..
_ تبدين ساحرة يا صغيرة.. !
أفرجت شفتاه عن هذه الكلمات بهمس فبقيت تحدق فيه لثوانٍ معدودة بتيه ، ثم أدركت وضعهما واتسعت حدقتيها بخجل، وابتعدت عنه بسرعة كمن مسته الكهرباء ، تلومه :
_ ألم تقل أنك ستعود عند الحادية عشرة مساءً؟!.. ما الذي أتى بك الآن.. ؟!!
رغم عيناه الهائمتان عليها، تتأملان كل إنش بها ، أجاب بصوت أثملته خمرة التفاف فستانها الحريري حول منحنيات جسدها :
_ أعتقد أن هذا بيتي ويمكن أن أعود إليه في اي وقت..!!
_ كان عليك أن تخبرني..!
تنهد بعمق متأملا نظراتها الخجلة :
_ حسناً.. لا تتهربي !.. منذ متى تضعين مساحيق التجميل؟
شعرت باضطراب ؛ فوضعت خصلة من شعرها خلف اذنها بتوتر :
_ ليس لك دخل بهذا..!
ضحك اكثر ؛ فأضاف بمشاكسة :
_ لا داعى لكل هذا الخجل .. أنا زوجك على سنة الله ورسوله، وليس محرماً أن أراكِ بشعرك.. أو أراكِ واضعة مساحيق التجميل!!
قالت بحيرة طفولية :
_ لكنني لم أكن أريدك أن تراني بهذا الشكل..!
_ لا أنكر أن بعض الثوابت قد تغيرت بداخلى.. مع ذلك أضمن لك أننى لن استعملها ضدك يا صغيرة..!
_ ولكنك رجل؟!!
قال متعجباً :
_ المشكلة إذا في كوني رجلاً !!.. عفواً هذا ثابت لا يمكن تغييره ..!
اضطربت أكثر من ضحكه :
_ وأنا لماذا اتحدث معك حتى الآن؟!!.. لم يكن علي أن استمع إليهن..
هربت من أمامه ، ولكنه استوقفها :
_ تولين !!
اهتز قلبها ، كانت المرة الأولى على الإطلاق التى يناديها باسمها ، وكم طربت أذناها سماع نغمته على لسانه ، تنحنحت تحاول إخفاء توترها ، والتفتت إليه ببطء :
_ أنت حقاً جميلة بطبيعتك.. إذا تجملتِ أم لا.. سيغار القمر منك فى جميع الاحوال.. !
رمقته متفاجئة من غزله ! ، أفزعها تحرك الفراشات فى بطنها إثر كلماته ، أرادت أن تتحدث لتمنحه رداً غير مبالياً ، ولكنها تسمرت مكانها فى نقطة واحدة ، قبل أن تدرك أن الحفلة قد ابتدأت.. وقد استيقظ صياد الفتايات بداخله.. ليكن !.. فالتحترق الرمال وتدق الطبول على شرفه ، لن تمنحه رقصة ولو منحها رجاءً !..
ولكنه فى النهاية منح نظرتها المتعجبة ابتسامة جذابة ، وتحرك باتجاه غرفته..
،أما صديقاتها كنَّ يسترقن السمع إلي ما يحدث في الخارج ولم يجرءن على الخروج، فى حين أسرَت هنا ضحكة بينها وبين نفسها ، ناظرة إلى صورتهما التى التقطتها بسرعة وكأنها إنجاز كبير ، معتقدة أنها لابد أن تؤخذ ، وذلك عندما أمسك مراد بتولين قبل أن تسقط أرضا دون ملاحظة رباب أو ملك.. ،متأكدة أن لعبتهما يوماً ما ستصبح حقيقة .. ووقتها ستكون تلك الصورة هديته لهما.. !
&&&
بعد عدة أيام كانت قلقة جدا تقرض أظافرها بتوتر ، تروح جيئة وذهابا فى ردهة القصر ؛ ذلك لأن نتيجة الثانوية العامة ستظهر في أية لحظة على موقع نتائج الثانوية العامة..، لم تأكل شيئاً طوال يومها، لا تستقر في مكان واحد ، ثبت نظراته عليها يراقب حركاتها بعجب :
_ أيمكنك الجلوس قليلاً.. إنها مجرد نتيجة ليس وكأنها حدث ما قبل انتهاء العالم.. !
غلغلت تولين أصابع يدها بين خصلات شعرها البنية ببتوتر ، وبحركة غير محسوبة أصابته بتوتر من نوع آخر متأملاً تموجاته ، حسنا !.. ان كانت هي قد اعتادت على الظهور أمامه دون حجاب ببعض الاريحية فهو.. ليس بعد ! ، وتموجاته الغجرية لا تسبب له أية راحة !! ، نبست واضعة هاتفها على أذنها :
_ انا لست قلقة.. سيكون كل شيء على ما يرام ..
صرخت بغيظ عندما لم ترد عليها ملك ، وقالت :
_ لو فقط تجيب إحداهن على اتصالاتي.!
ضحك ناظرا إلى " اللاب توب " خاصته، ثم قال متلاعباً بأعصابها :
_ لا تقلقي إذا رسبت.. سأمنحك فرصة لإعادة السنة مرة أخرى..
لا تفهم هل يختار الكلمات بعناية فقط لإثارة قلقها ؟!.. وربما سخطها ! :
_ طريقتك في المواساة حقاً رائعة.. ليتك تحتفظ بها لنفسك !..
لم يستطع إخفاء ضحكاته أكثر وقال :
_ تعلمين أن الثانوية العامة حظوظ.. من يدري ما هو حظك..
ولأن حظها العثر لا يشفع لها دائماً ؛ صرخت بتوتر ، ثم صاحت بحنق :
_ هذا يكفي.. توقف !
ضحك باستمتاع في نفس اللحظة التي هاتفتها فيها ملك عبر خاصية الفيديو، ففتحت المكالمة ورأت صديقاتها الثلاث مجتمعات ، يهتفن بفرحة عارمة :
_ نجحنا..!
وصاح مراد فجأة ناظرا الي درجاتها أمامه على اللاب توب :
_ تولين..!
طالعته بلهفة وحذر ! ؛ فأضاف على الفور وهو يضبط شاشة حاسوبه المتنقل ؛ لترى ما يراه :
_ سبعة وتسعون بالمائة..!.. لستِ هينة يا صغيرة !
صرخت تتقافز بفرحة وكأنها فراشة لا تسعها الكون ، وقد نالت جهد الليالي بفضل الله عليها ، تأمل فرحتها و قفزاتها المتتالية أصابته بالعدوى ؛ فضحك فرحاً لها دون وعي ، قالت رباب :
_ لقد أفسدت مفاجأتنا يا مراد!
ضحك مجدداً ، ثم ضرب كفة يده بكفة يد تولين ، فاجئته بتجاوبها معه ربما لو كانت فى حالتها المتعقلة لنظرت له بسخرية مولية ظهرها له ! ، كانت على وشك البكاء من فرحتها، حينما صاحت ملك :
_ يمكنكِ الآن أن تلتحقي بحلم حياتك.. ونحن أيضا.. انا سألتحق بالصيدلة.. إن كان التنسيق كالعام الماضي..
قالت هنا بفرحة :
_ وأنا سألتحق بالاعلام..
قالت رباب :
_ وأنا بالهندسة..
لم يكن يستمع إليهن مراد وهو لايزال جالسا مكانه غارقاً للمعنى الحرفي بتلك النغمات التى تصدرها قيثارة ضحكتها !.. لاعناً ذلك الطبيب الذى وصف له المهدئات من أجل نوبات الهلع ونسي أن يذكر ضحكتها ! ، أخرج سيجارة وأشعلها متلذذاً بنسبة النيكوتين التى ترتفع إيجابا بداخله ؛ حتى لاحظها تبتعد عن جهته متأذية من الدخان وهي لا تزال تثرثر بفوضاوية مع صديقاتها، نقل بصره من ابتسامتها إلى سيجارته وكأنه يفاضل بداخله بينهما ، أي نوع من النيكوتين يختار ؟!، لم يلزمه الأمر سوى لحظات حتى أطفأ سيجارته؛ معلنا إعراضه عن أي شيء قد يسبب ازعاجها ، لا تسألونى عن السبب ولا تسألوه أيضاً ، هو فقط لاحظ مصدر آخر لتعديل المزاج بخلاف السجائر ، تنهد برضا من نفسه عندما رآها تقترب منه مجدداً وتجلس على مقربة منه؛ قائلة بابتسامة صافية :
_ لقد تعبنا كثيرا يا فتيات لأجل هذه اللحظة.. ولكن بالنهاية كل منا حقق حلمه..
،ثم تبددت ضحكتها وقالت وكأنها قد لاحظت للتو ! :
_ سن.. سنفترق..
طرف إليها ورآها تنظر إليهن بدموع وكأنها طفلة صغيرة، نظرت إليها كل واحدة منهن بحزن وخوف، ثم أعلنتها رباب :
_ لا سنبقى دائما معاً.. أليس كذلك..؟!
وافقتها ملك :
_ أجل ما بيننا أكبر واعمق بكثير.. وسنبقي دائماً معاً..
قالت هنا :
_ أجل لن تفرقنا الجامعة.. صداقتنا أقوى من اي مكان وأي زمان..
صاحت تولين بابتسامة :
_ أجل سنبقى معا دائماً..
قالت ملك :
_ هذا وعد علينا..
قلن جميعا :
_ وعد..!
تبدلت ملامح وجه مراد وقد تذكر مشهد كهذا يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة ، بينه وبين حسن وأدهم.. أدهم حافظ على وعده،اما حسن.. نسي كل شيء في لحظة..
وبمناسبة الثانوية العامة طاف فى ذاكرته موقف آخر ؛ تنهد بعمق وقبل أن تلاحظه انسحب من المكان بهدوء، دخل غرفته مغلقا بابها عليه ، ثم جلس على طرف سريره يتذكر كيف كانت فرحته عندما عاد إلى منزله وقد حصل على مجموع يؤهله للالتحاق بكلية الهندسة، وجد والده في وجهه :
_ ما لي أراك سعيدا بهذا الشكل؟!.. هل رأيت والدتك؟
ابتسم باستفزاز من سؤاله، ثم قال بنظرة فهمها الآخر :
_ لا ولكنني سأذهب لرؤيتها غدا..وصحيح ألا تعرف سبب سعادتي؟!.. كان عليك أن تعرف سبب فرحتي الآن.. يا أبي!!!
_ ليس لدي وقت لسخافتك يا مراد.. لدي ما يكفي من المشاغل..
سكتت كلماته قليلاً وقد انطفئت ضحكته :
_ مشاغل؟!.. وما هو أهم مني ليشغلك عني؟!
_ لا تطل الحديث..
ضحك بعجب ، مضيفاً بوقاحة متعمدة :
_ لا يوجد بيني وبينك حديث ليطول أو ليقصر..
_ ألن تكف عن هذه الوقاحة..؟
_ ليس ذنبي يا جلال بيك !.. لم تكن أمي موجودة و لم تكن تربيتك لى صالحة !
هَّم والده ليردف شيئاً، فقاطعه الآخر :
_ على اي حال.. لا أريد أن اعطلك عن أعمالك العظيمة.. لقد ظهرت نتيجة الثانوية العامة..
صمت جلال عامر وشعر الإحراج، ثم تسائل :
_ وكيف كانت النتيجة..؟
ًكان سيجبه ولكن هاتف والده الذي أشار إليه بيده ؛ لينتظر فاتحاً المكالمة، وبعد قبل ان تفرج أساريره فرحا :
_ حقاً.. لا أصدق اننا حصلنا على تلك المناقصة.. !
تركه والده - متسمراً مكانه دون عجب وكأنها حركة متوقعة منه ! - وخرج من المنزل ؛ منشغلا بتلك الصفقة التي ربحها، أما هو رغم اعتياده على الأمر انكسرت فرحته وتبدلت بخيبة أمل منه ، أردف بسخرية مشوبة بألم :
_ كعادتك يا جلال بيك..!
وبعدها لم يسأله والده عن النتيجة أو الجامعة التي رغب أن يلتحق بها ، حتى أنه لم يعرف انه التحق بكلية الهندسة إلا اول يوم في الدراسة..، الهندسة، تلك الجامعة التي التحق بها ليضمن لنفسه ما أراده من البداية..
وبقي مراد هكذا طوال حياته..لا يعرف شيئاً عن الحنان الابوي ومحروماً من الحنان الأمومي ، فتيتم ووالديه لايزالا على قيد الحياة، والسبب في كل هذا.. جلال عامر وحده..
انحني إلى الأمام ثم مسح على وجهه بيديه بتوتر وألم، مدركاً أنه لم يكن عليه تذكر هذا الأمر أو التفكير فيه ،ووجد عقله معلقاً عند يوم بعينه ، فأصاب جسده الارتجاف وازدادت ضربات قلبه معلنة عن احتمالية اصابته بنوبة جديدة ان لم يتوقف عن التفكير ، ما حدث في الماضي أمر تعجز ذاكرته عن نسيانه.. !
عند الظهيرة مَّرَ بجانبها ، يتحدث مع أحدهم عبر الهاتف ووجهه يشتعل حماسة " لقد فعلناها يا رجل ! " ، نظرت إليه باستغراب..فعل ماذا ؟!، ثم عادت لتضبط فضولها ، وما دخلي انا..!؟، هكذا اقنعت نفسها ألاَّ تتدخل فيما لا يعنيها، ولكنها طرفت إليه مرة أخرى تتذكر كيف كانت حالته صباحاً.. !
كانت الخامسة فجراً عندما أشاحت الغطاء عنها ناهضة من سريرها؛ لتتنفس هواء الصباح ، وقفت في شرفة الغرفة ،أخذت نفسا عميقاً وأخرجته ببطء ، ثم دققت نظرها لتراه مسترخياً على إحدى مقاعد حمام السباحة واضعاً قدماً عليها والقدم الأخرى مستقرة على الأرض، يده اليمني خلف رأسه، واليسرى على بطنه ، مازال بثياب الليلة الماضية ، قميصه مفتوحاً إلى منتصفه وعيناه تنظران الي السماء بشرود وإرهاق ، بقيت تراقبه لفترة وهي ترى شعره الطويل المتدلي على جبينه ووجهه الحليق..
تعابير وجهه المرهقة كانت كافية لتخبرها بأي حال هو.. ولكن كيف يتحول بهذه السرعة.. ؟
أم أنه تعلم كيف يخبء مشاعره خلف قناع كما أصبحت تفعل ! ، هل يخفي بداخله كما قال أشياء لا تعرفها..؟!
عادت كلماته تتردد بتلقائية في ذهنها ، حينما قال.. "أنت لا تعرفين عني شيئاً..ولا احد يعرف عني شيئاً"
ًأيقظها من أفكارها صوته يقول :
_ يجب أن تتجهزي.. حسن ابن عمي قادم ..
طالعته لعدة لحظات ، ثم نفضت عنها أفكارها وتساؤلاتها ؛ لتتجهز...
& & &
بعد العصر فتح مراد الباب ووجد حسن في وجهه مبتسماً بغرابة أثارت عجب صاحبنا وهو يستقبله ويدعوه للدخول ، ثم وقبل إغلاقه الباب أوقفه حسن بابتسامة واسعة ونظرة شيطانية ، مردفاً :
_ انتظر.. لدي ضيف آخر جاء لتهنئتك يا عريس..
رمقه الآخر باستفهام و أجهزة الاستشعار التى بداخله تنذره بقدوم ضيف غير مرغوب فيه من قبله ! ، يتمنى أن يكذب حدسه، ولكنه كالعادة كان صادقاً ، فقد خرج حسن لعدة ثوانٍ ، ثم عاد ممسكاً يد رؤي التي نظرت إلى مراد بابتسامة وغرور، اعتلت الصدمة وجه مراد الذي نظر إليها ثم إلى حسن.. لا يفهم كيف تجرأ على أن يحضرها إلى منزله؟!.. بل الأحري ما الذي جمع بينهما ؟!
، تمتم متسائلاً وكأنه لا يصدق عينيه :
_ رؤي؟!
ًابتسم حسن بغموض ناظراً الي وجهه المندهش :
_ أجل رؤي..
، ثم أمسك يدها يقبلها واستطرد قائلا :
_ خطيبتي..
توالت الصدمات عليه وتنقلت نظراته عليهما، ثم تسائل في توجس :
_ خطيبتك..؟!
ضحكا حسن ورؤى، ثم قالت بانتصار :
_ فاجئناك.. أليس كذلك..؟
ًظل لعدة لحظات يحاول أن يستوعب ما يراه أمامه لاعنا حظه.. قد ظن أنه تخلص نهائياً منها، ولكن ها هي الآن في نصف بيته! ، ومع من ؟! مع حسن؟!، الأمر المحير ان حسن يكره الفتيات أمثال رؤي فكيف.... ؟
لحظتها تسائل مراد عن الأمر الذي خططا إليه هما الاثنان، مدركاً جيداً مدى غضب حسن منه منذ أعوام والذي ربما تحول لحقد!،
تدارك نفسه ثم ضحك ناظراً إليها بطريقة أثارت سخطها :
_ في الواقع أجل.. هنيئاً لكما لِمَ لمْ تخبراني بالأمر؟ .. كنت جهزت لكما احتفالا كبيرا..
شعرت بالغيظ قليلاً ولكنها اخفت ذلك، ثم قالت :
_ الحفلة ستقام يا عزيزي .. ولكننا حتى الآن لا نعرف على شرف من .. كل شيء جاء بسرعة.. ولم نتوقع أن نتفق معاً..
قال بابتسامة قاصداً أشياء أخرى :
_ بالتأكيد.. أنتما تليقان ببعضكما كثيراً.. والآن تفضلا..
ًقالت رؤي وهي تجلس بدلال كالطاووس :
_ بيتك جميل.. كقصور ألف ليلة وليلة.. يا شهريار !
رأى تولين نازلة الدرج فاستنهز الفرصة ، وأردف متقدما نحوها :
_ وها قد جائت شهرزاد.. سيدة القصر..
ُتفاجئت تولين وتعمق بداخلها شعور بالإرتباك لم تعاهده من قبل وهو يمسك يدها اليمني يقبلها أمام ضيوفه ، أما هو بقي للحظات يتلذذ ولأول مرة بهذا الدفئ الغريب و.. الرائع!!؟
قابلت نظرتها المتعجبة نظرته العميقة ، قبل أن يضيف بنبرة ناعمة مفتخرة ، وكأنه يقول لرؤى انظرى إليها شتان بينكِ وبينها ! :
_ زوجتي.. وحبيبتي..
جذبها فجأة لتدنو منه محيطاً كتفها بذراعه بدلالة على أحقيته بذلك ناظراً إليها ليجد تلك النظرة
المرتبكة والخجلة التي تأسره ، كما لاحظ تدافع الدماء إلى وجنتيها ، سرت قشعريرة باردة على طول ظهرها قبل ان يشير بعينيه إليهما، وتدرك أن المسرحية قد ابتدأت وفتحت الستائر والجماهير بانتظار العرض ؛ حمحمت مبتلعة توترها ، حاولت ان تبدو طبيعية وهي ترحب بهما، رحب بها حسن بتهذيب وعلى النقيض نظرت إليها ذات العيون العسلية من رأسها حتى أسفل قدميها بغرور ؛ تحاول معرفة الشيء الذي يميزها عنها وعن غيرها وجعل مراد يتزوجها .. غير أنها مطت شفتيها بعجرفة كتقييم سلبي لتلك الفتاة المحجبة التى ترتدي ثياباً رغم أناقتها فضفاضة، أشاحت بوجهها عنها ولم تعيرها اهتماما وهي تبعد خصلات شعرها الي الوراء بدلال مقصود ، وكان رد فعل تولين مناسباً لما فعلته حيث جلست بهدوء وثقة على الأريكة المواجهة لهما، أعجب رد فعلها المهذب مراد ولكنه لن يهدأ له بال قبل أن يجعل تلك المغرورة تغلى غيظاً..
خطا عدة خطوات ، جلس بجوار تولين مقترباً منها سمحت له على مضض ، ولم يكن باستطاعتها الاعتراض حتى يرحل ابن عمه و... صحيح من تكون هذه؟!
قاطع تساؤل تولين نبرة رؤى الناعسة بإغراء أثار عجبها ! :
_ مبارك يا عروسنا.. انا متأكدة انك قد حلمت بالزواج من رجل كمراد عامر.. والآن تحققت أحلامك..
رغم شعورها بالإهانة بعدما فهمت ما ترمى إليه ونظرتها إلى مراد كانت واضحة لا تحتاج إلى شرح !، قالت ببرود تحسد عليه ترد لها الصاع صاعين.. !
_ ومن لا تحلم بالزواج من مراد عامر عزيزتى .. ولكننى غيركن أنا من حلم مراد عامر بها قبل أن يرانى حتى..
قضم شفته السفلى باستمتاع كابحاً ضحكته من تلك الصغيرة التى لا تعرف ما مدي تأثير جملتها البسيطة علي تلك المغرورة.. وعليه ! ، مع ذلك أحاطها مجدداً بذراعه لتستقر فى حضنه قبل أن يؤكد على كلامها ناظرا إلى أعماق عينيها ، ورغم أنه حاذر ألا ينجرف مع لمعة القمر فى عينيها إلا أنه لا يوجد بيده حيلة ! :
_ وحتى الآن أخشى أن أكون لازلت غارقاً فى الحلم.. لأن صباحاً دون رؤية ملاكي هو كابوس محقق !..
دقة.. اثنين.. ثلاث .. العد يتصاعد بسرعة.. لا تفهم لما اختلج قلبها بداخلها فجأة !.. حتى أنها تنهدت بعمق تلوذ بالفرار من نظراته التى تجتاحها ، واشتعلت رؤي فنبست وكأنها تدفع عن نفسها تهمة معينة :
_ التقليل منك ليس هدفى عزيزتى.. أنا لم أكن اقصد ذلك ! .. وانت بالطبع تعرفين..
رمقها مراد بسخرية ، ثم ألقى كلماته عن قصد فى وجهها :
_ تولين شخصية مذهلة وأنا محظوظ بزواجي منها.. وكوني تمكنت من جعلها تقع في حبي..
ثم عاد إلى صاحبتنا يطالعها بهيام :
_ أليس كذلك حبيبتي..؟
ودّت تولين أن تصفعه كف على وجهه من فرط التوتر الذى جعلها تشعر به فى عدة دقائق ، ولكنها أخفت غيظها وارتدت قناع الهدوء مرسوماً عليه أكبر ابتسامة باردة ، سأل مراد بلا مبالاة حسن الذي كان هادئا ، وعلى عكس رؤي أعجبه ما فعله هو وزوجته ؛ لأن ذلك سيثير غضب رؤي ضدهما أكثر :
_ ومتى ستكون حفلة خطبتكما؟
_ لم نقرر بعد.. ونريد مفاجئتكما نحن أيضا..
جائت الخالة سعاد بكؤوس العصير ووضعت الصينية أمامهم ورحلت، وقف مراد من باب الضيافة يعطي حسن كأساً ثم مد يده بكأساً آخر لرؤى، فنظرت اليه نظرة مغرية وهي تضع يدها فوق يده الممسكة بالكأس قبل أن تأخذه منه .. طالعها بنظرات ملتهبة ، ثم نفض يده عنها باحتقان بسرعة واستياء كمن لدغته أفعى ! ، ولا إرادياً التفت ينظر إليها ، أدرك من نظرتها الغاضبة واهتزاز قدميها وهو يعود مكانه أنها قد رأت ما فعلته تلك الصفراء .. مشكلة جديدة ! نظر مجدداً إلى ابتسامة رؤى المستفزة بنظرة متوعدة ، فاتسعت ابتسامتها.. عرفت من الأساس أن تولين ستراها وقد فعلت ذلك قاصدة.. نظرت إلى حسن كان يتصنع الجهل بما تفعل وكأنه ينظر إلى هاتفه، فابتسم إليها بنظرة ذات معنى ثم ارتشف القليل من كأسه ..
شعرت تولين بالضيق والغثيان مما رأته وغضبها يتصاعد ليظهر بوضوح على وجهها ، قبل أن يضيف حسن إلى جرحها ملحاً :
_ مراد لديه شخصية رائعة و هو مخلص جداً.. وأنا لا أثني عليه فقط لقرابتنا .. هذه الحقيقة ونحن لسنا فقط أبناء عم..
نظر إلى مراد نظرة فهمها جيداً، مضيفاً :
_ بل أصدقاء..
قالت رؤي ناظرة إلى صاحبنا بابتسامة واسعة وبتلك النظرة المغرية :
_ وأنا أيضا.. نحن أصدقاء منذ زمن..
ابتسمت له تولين وهي تضمر له الشفقة بداخلها، يتحدث عن ابن عمه بالخير فى نفس اللحظة التى تقوم فيها خطيبته بإغواءه !، صحيح أنها رأت نفوره منها ولكن نظرتها وحديثها المبطن يوحى بوجود علاقة قديمة بينهما ، ومن يدرى ؟.. ربما لا تزال قائمة ، عند هذا الاحتمال نظرت إلى مراد بغضب وشك ، ورغم نظرتها الحادة قابلها بنظرة غير مبالية وعاد يتبادل مع ابن عمه نظرات لم تفهمها ، بعد قليل من الوقت ودعهما مراد وعاد إليها ، رآها عاقدة ذراعيها تنظر إليه بتحقيق تنتظر منه تفسيراً لما حدث ، فارتسمت على وجهه ابتسامة جانبية مستفزة وهو يعود إلى جلسته على الأريكة ، طالت نظرتها له فنبس بملل :
_ إلى متى ستبقين واقفة هكذا تطالعيني بنظرات متأججة ؟!
ابتسمت له بغيظ :
_ اوه !.. فقط لو تمنحنى تفسيراً لما حدث قبل قليل..!
قال بلامبالاة مستفزة :
_ ما رأيتيه لا يحتاج إلى تفسير.. !
_ لقد كانت تغويك بكل بجاحة.. وكأننى وخطيبها هواء ! ..
_ عظيم.. حرى بكِ أن تسألينها ؟!
استفزها بروده فسألت بوجوم :
_ وهل كانت تجرؤ على فعلتها لولا تشجيعك ؟!.. أتظننى ليس لدي علم بعلاقتكما.. ؟!..
قال بملل وهو يلعن بداخله تلك الصفراء :
_ كانت صداقة عابرة.. ولا توجد لدي نية لإعادتها.. !
تنهدت بضيق من كتلة الثلج الماثلة أمامها ، فصاحت بغضب :
_ علاقاتك جميعها عابرة !.. لن أتفاجىء إذا دقت بابك كل يوم فتاة جديدة..
قال بنظرة صارمة ولهجة باردة :
_ أخفضى صوتك !
ضحكت باستياء :
_ لن تملي علي ما أفعله يا زوجي العزيز.. !
نهض متخلياً عن برودته أخيراً :
_ لا تجبرينى أن أفعل.. !
تشابكت نظراته المظلمة بنظراتها المشتعلة :
_ خيالك واسع.. اجحمه يا ابن الأكابر.. أنا لست كمن عرفتهن.. ولا أطمح أن أكون احداهن بالنسبة إليك !
_ لا توجد لدي نية لذلك أيضاً.. !
_ ولكننا لدينا اتفاق.. لا يمكنك أن تهينني كما لا يمكنني أن أفعل.. !
ابتسم مجدداً بسخرية :
_ لا أذكر ان تضمن اتفاقنا بند كهذا.. !
_ المعنى ؟!..
_ يجب أن تكونى ذكية.. ان كانت توجد لدي نية لإهانتك.. كنت سأفعل ليلة زفافنا.. لم أكن لأعبء باتفاقك اللعين..!
سخريته منحتها شعور بالضعف فقالت بكبرياء واعتداد :
_ لم تكن لتستطيع فى جميع الأحوال!.. انظر يا هذا..!
قاطعها بغضب :
_ لدي اسم !
لم تهتم بملاحظته :
_ أعرف جيداً مدى علاقتك بالفتيات.. ليكن لك ما شئت من المغامرات ولكن لا تهينني بهذا الشكل.. لأنني - للأسف - أمام الناس زوجتك ولا اتحمل ان تذلني أمامهم .. كما أنه ابن عمك وصديقك.. لا يفترض أن تفعل به ذلك.. ليس مع خطيبته !..
تغضبه هذه الفتاة.. وبلحظات قليلة تهدم حصونه الباردة والتى ظنها لن تُهدم أمام عناد أي كان ! ،
_ هذا شيء لا يعنيك يا زوجتى العزيزة !.. كما أن ابن عمي المبجل كان على علم بعلاقتنا منذ البداية.. لا يوجد لدي شيء لأخفيه..
_ ولكنها الآن خطيبته.. أياً كانت العلاقة التي كانت بينكما من قبل لا تفعل هذا به.. لقد وثق بك لا تخونه.. وصحيح ان زواجنا ليس حقيقياً.. مع ذلك أنا لا أسمح لك أن تضعني في مهانة أمام أحد..
أرادت الصعود إلى غرفتها غير أنه أوقفها بغضب ممسكاً إحدى ذراعيها ، قائلا بلهجة حادة رغم برودة نظرته ! :
_ لا تتمادي يا صغيرة ! .. لا أعلم إلى أي مدى بلغ سوء الصورة التى تملكينها عنى.. ولكن من بين جميع الصفاء السيئة التى لدي لا توجد صفة الخيانة.. ولن تكون يوماً ان كنت تصدقين هذا أم لا !.. غير ذلك أنتِ ليس لديك فكرة عمن تسمينه ابن عمي ولا عن خطيبته.. لذا سيكون من الجيد لو احتفظتِ برأيك الساذج فيه لنفسك..
قالت بذهول:
_ أنا لا أصدق.. كيف لك أن تتحدث هكذا عن ابن عمك..؟
قاطعها بنفاذ صبر :
_ لأنني أعرفه أكثر منكِ.. ولن أضيع وقتى معك وقد جمعت أفكارك العظيمة حول ما لا تعرفينه!.. احتفظى بهذه الأفكار جيداً يا صغيرة إلى أن تواجهك الحقائق .. لأننى سأستمتع فيما بعد بنظرة الندم على وجهك الجميل !..
ترك ذراعها وتولى عنها خارجاً من المنزل، ونظراتها الحائرة تنظر إلى أثره.. لا تفهم معنى كلماته المبهمة..!
& & &
توقف بسيارته في إحدى المناطق المقطوعة والغضب يكاد يلهبه، لازالت كلماتها تصرخ في أذنيه ونظراتها تحرقه.. شعر بالاختناق، كيف تركها تتحدث اليه هكذا؟.. وكيف لها أن تدخل على نفسه الغضب والإستياء؟!، طوال حياته لم يهتم كيف ينظر إليه الآخرون..فلماذا يهتم الآن؟! ولماذا شعر بالحزن عندما ظنته بهذا السوء؟!... لماذا هي بالذات؟!
نزل من السيارة مغلقاً بابها بغضب، .. تلك الصغيرة الغبية كيف لها أن تتحدث مع مراد عامر بهذا الشكل؟!، لم يحدث يوماً أن عاملتني فتاة بهذه الطريقة.. من تظن نفسها؟!
& & &
ضحكت رؤي بشماته وضحك معها حسن وهما في منزله، ثم قالت:
_ أراهن أنهما الآن يتشاجران..
رد عليها ضاحكاً :
_ لم ترين وجهها عندما رأتك تمسكين يده.. لقد تحول لونه لألوان
الطيف.. وظننت لوهله أنها ستهجم عليكِ..
_ وانت لم تر وجهه حينها.. لقد كان جالساً وخائفاً من زوجته..
قال بجدية :
_ ولكن كانت فكرة جيدة ان تظهري في حياتهما كخطيبتي..
قالت بحقد :
_ نحن لازلنا في البداية ، وهو لم ير وجهي الآخر بعد.. رؤي التي عرفها مسبقاً غير تلك التي سيراها في الأيام المقبلة..
& & &
مرت الساعات حتى تخطت الواحدة والنصف صباحا ولايزال
بالخارج، تساءلت أمينة التي كانت لاتزال تتابع إحدى افلام الكرتون المفضلة لديها.. ما الذي أخره لهذا الوقت؟!..
أغلقت التلفاز بعد انتهاء الفيلم وصعدت الي غرفتها ثم استوت على سريرها؛ لتنام، وبعد عدة لحظات فتحت عيناها بخوف حينما استمعت إلى صوت صراخ بالأسفل فانتفضت نازلة الدرج بسرعة ، و توقفت أسفل الدرج لعدة لحظات تتفحص مراد الجالس أمامها بجوار الحائط ممسكاً قدمه اليسرى بألم ورأسه تترنح.. يقول أشياء غير مفهومة.. يضحك حيناً ويتألم حيناً ، تقدمت اليه مسرعة وهي
تقول :
_ لماذا تجلس هنا في هذا الوقت..؟!
رفع رأسه ثم حاول فتح عيناه وسط الدوار الذي يتملك رأسه فرأي صورة مشوشة منها، دقق النظر إليها، ثم قال ضاحكاً بصوت
متقطع :
_ مَنْ.. آنسة غبية؟!.. اقصد.. مدام غبية..؟!
ظل يضحك فانحنت إليه قائلة :
_ ما بك؟!.. هل انت ثمل؟!
رد قائلا :
_ ما الذي تهذين به انت؟!.. انا واعٍ اكثر منك.. يا غبية..
ضحك مرة أخرى فذمت حاجبيها بغيظ قائلة :
_ كف عن هذه الشتائم.. وانهض معي..
لوي شفتيه، ثم قال كطفل صغير :
_ لا.. أريد النوم هنا.. وقدمي تؤلمني..
قالت وهي تضع ذراعه حول كتفيها لتساعده على النهوض :
_ لايمكنك النوم هنا..هيا انهض معي..
لكنه ابتعد ناظرا إليها باستغراب ضاحكاً، ثم قال :
_ اتعلمين؟.. انت فتاة غريبة جداً..عندما اقترب منك تفرين كالفئران.. والآن انت التي تقتربين مني..!
ًضحك مرة أخرى وهو يضع ذراعيه على كتفها مرة أخرى مقترباً منها لدرجة انها شعرت بأنفاسه الدافئة على بشرتها فتسللت رجفة خفيفة في كيانها ناظرة الي عينيه البيتين، ثم قال :
_ يوم زواجنا.. كنت تقولين.. انك لست زوجتي.. والآن تقولين انك زوجتي !!.. انت حقاً فتاة غريبة.. تستحقين زوجاً كجلال عامر ..
يملئ حياتك بالسعادة والحب لدرجة انك..
زفر بألم واضح :
_ وها أنا ذا.." واااااو"!!!.. انا اسعد رجل في العالم كله!
نظرت اليه قليلاً ،ثم قالت :
_ لا داعي للحديث الآن.. هيا انهض معي..
قال بسخط والدوار يتملكه :
_ أخبريني لِمَ الفتيات دائماً بهذا العناد؟!.. آآه.. قدمي تؤلمني..
أخيراً نجحت ان تقنعه على النهوض معها فاستند عليها وما إن
لمست قدمه الأرض حتى صرخ بألم، فقالت له :
_تحمل قليلا..
دخلت به غرفة قريبه منهما؛ نظرا لسوء وضعه وارتما الاثنان على
السرير فوجدت نفسها فوق صدره ، وقال مغمض العينين متألما :
_ لقد تحملت الكثير والكثير.. ولم أعد قادرا على تحمل المزيد..
فتح عيناه و وجدها تنظر اليه فمد يده ليزيح خصلات شعرها التي تغطي وجهها ويضعها خلف اذنها برقه، نظر إليها طويلا وهو يغرق في تلك البراءة الطفولية الساحرة التي يراها في عينيها متأملاً ارتباكها الواضح على وجهها، حاولت الإبتعاد عنه ولكنه كان ممسكا بيديها ثم نظر إلى المرآة بجانبها، ضحك قائلا :
_ انظري إلى هذا.. نحن نبدو كزوجين حقيقيين.. وكأننا خلقنا لبعضنا البعض..
ظلت صامته تنظر إليه بارتباك ، تشعر بشيء غريب قربه لا تفهمه ، حاولت الإبتعاد عنه مرة أخرى ولكنه أمسك بها بقوة قائلا :
_ طبعكن غريب يا فتيات.. عندما نقترب منكن تبتعدن عنا.. وعندما نبتعد عنكن تقتربن منا..وعندما نستطيع فهمكن تفاجئن عقولنا بأمور لم نتوقعها.. وكأنكن تعشقن لعبة الغميضة والاختباء..!
ضحك مرة أخرى ثم قالت :
_ امي لم تكن مثلكن.. ولكن جلال عامر لم يقدر ذلك.. وانا..كنت جباناً .. وأنت.. غبية!!
ضحك مرة أخرى فأبعدت يده عنها، نهضت واقفة تنظر إلى حالته المزرية ثم حاولت أن تسوي جسده وآخر الأمر رفعت قدميه لتضعهم على السرير فصرخ مرة أخرى من الألم ، ولأول مرة تشعر بمثل هذا الشعور الأمومي عندما سمعته يتألم بهذه الطريقة ولكنها بالتأكيد لم تصارح نفسها بهذا الأمر.. ، سمعته يهذي بأشياء لم تفهمها ولكنها فهمت من نبرة صوته الموجوعة مدى ألمه ، خلعت حذاءه الذي كان ينتعله بقدميه ثم جواربه ووضعت عليها معجون لآلام العظام أحضرته من خزانة الحمام وأخذت تدلكه بنعومة وخفة على قدمه وهي تسمعه مستمراً في الهذيان والتألم مغمضاً عينيه ، بحذر رفعت قدمها لتضعها على السرير فوجدته قد غط في النوم وذراعه اليمني منزلقة قليلاً فوضعتها بجانبه ثم غطته بغطاء خفيف ، نظرت حولها في الغرفة ورأت ركنا في الغرفة معلق عليها صور كثيرة لامرأة جميلة تبدو الأمومة واضحة في ملامحها وهي تنظر إلى طفلاً صغيراً ضاحكاً وشعره الطويل متدلي على على جبينه ووجهه.. تذكرت ليلة زفافها حينما أقبلت عليها والدته وانحنت إليها فطبعت المرأة قبلة على خدها بحنان واخبرتها انها حماتها، لم تتغير كثيراً.. لاتزال جميلة ولكنها الآن لا تستطيع المشي دون كرسي متحرك ، وذلك الطفل هو نفسه مراد.. كان لطيفاً جداً،
نظرت اليه مرة أخرى وظلت لعدة دقائق تنظر اليه متذكرة ما قاله، تأتي افكار وتروح افكار ويبقى صوته يقول في أذنيها.. " انت لا تعرفين عني شيئاً .. ولا أحد يعرف عني شيئاً "، " لقد تحملت الكثير والكثير.. ولم اعد قادرا على تحمل المزيد "..
ويبقى سؤال واحد لا يفارق ذهنها:
_ من انت؟!.. من انت يا بن الاكابر..؟!
& & &

أنت تقرأ
هي وابن الأكابر ( قيد الكتابة والتعديل )
عاطفيةلم تكن تعلم أن ذلك الشاب المشهور ذو السمعة السيئة سيكون يوماً ما زوجاً حنوناً لها يصب الحب عليها صباً ..! ليست من عالمه ولا هو من عالمها ولكن تقاطعت طرقهما والتقيا ،ثم أصبح طريقهما واحداً..! وأصبح ذلك الغريب..عائلتها..♥️