لم تكن تعلم أن ذلك الشاب المشهور ذو السمعة السيئة سيكون يوماً ما زوجاً حنوناً لها يصب الحب عليها صباً ..!
ليست من عالمه ولا هو من عالمها ولكن تقاطعت طرقهما والتقيا ،ثم أصبح طريقهما واحداً..!
وأصبح ذلك الغريب..عائلتها..♥️
مهما كان الأمس مليئاً بأشياء موجعة ، ومهما كانالغد مليئاً بأشياء مخيفة.. الحياة لابد أن تستمر..
في اليوم التالي كانت أمينة مشغولة التفكير قلقة جدا ؛ ذلك لأن نتيجة الثانوية العامة ستظهر في أية لحظة على موقع نتائج الثانوية العامة..، لم تأكل شيئاً طوال يومها، لا تستقر في مكان واحد ولا تتمكن من إخفاء قلقها، لاحظ مراد توترها فقال وهو يراها تروح وترجع في ارجاء المكان : _ أيمكنك ان تجلسي قليلا.. لقد أقلقتيني معك! قالت واضعة يدها على رأسها تدس أصابعها في خصلات شعرها بتوتر واضعة هاتفها على أذنها : _ انا لست قلقة.. سيكون كل شيء على ما يرام .. صرخت بغيظ عندما لم ترد عليها ملك ، وقالت : _ لو فقط يُجبن على اتصالاتي.! ضحك ناظرا إلى " اللاب توب " خاصته ثم قال ممازحا : _ لا تقلقي إذا رسبت.. سأمنحك فرصة لإعادة السنة مرة أخرى.. نظرت اليه قائلة بغضب : _ ما الذي تقوله انت؟! .. لقد أزدت قلقي.. لم يستطع إخفاء ضحكته وقال ليتلاعب بأعصابها : _ يعني تعلمين أن الثانوية العامة حظوظ.. من يدري ما هو حظك.. صرخت بخوف وقلق ، ثم قالت : _ هذا يكفي.. أرجوك اصمت.. ضحك في نفس اللحظة التي هاتفتها فيها ملك عبر خاصية الفيديو، ففتحت المكالمة ورأت ملك ورباب وهنا يهتفن بفرحة عارمة : _ نجحنا..! وقال مراد فجأة ناظرا الي درجاتها أمامه على اللاب توب : _ أمينة..! نظرت اليه فقال على الفور وهو يضبط شاشة اللاب توب لترى ما يراه : _ سبعة وتسعون بالمائة..!.. مبارك لك يا فتاة صرخت أمينة بفرحة كبيرة فقالت رباب : _ لقد افسدت مفاجأتنا يا مراد! ضحك مراد ثم ضرب كفة يده بكفة يد أمينة التي كانت على وشك البكاء من فرحتها، قالت ملك : _ يمكنك الآن أن تلتحقي بحلم حياتك.. ونحن أيضا.. انا سألتحق بالصيدلة.. إن كان التنسيق كالعام الماضي.. قالت هنا بفرحة : _ وانا سألتحق بكلية الاعلام.. قالت رباب : _ وأنا بالهندسة.. ابتسم مراد وهو لايزال جالسا مكانه، بينما قالت أمينة : _ لقد تعبنا كثيرا يا فتيات لأجل هذه اللحظة.. ولكن بالنهاية كل منا حقق حلمه.. ضحكت بفرحة ،ثم تبددت ضحكتها وقالت : _ سن.. سنفترق.. نظر إليها ورآها تنظر إليهن بدموع وكأنها طفلة صغيرة، نظرن إليها بحزن وخوف، ثم قالت رباب : _ لا سنبقى دائما معاً.. أليس كذلك..؟! قالت ملك : _ أجل ما بيننا أكبر واعمق بكثير.. وسنبقي دائماً معاً.. قالت هنا : _ أجل لن تفرقنا الجامعة.. صداقتنا أقوى من اي مكان وأي زمان.. قالت أمينة بابتسامة : _ أجل سنبقى معا دائماً.. قالت ملك : _ هذا وعد علينا.. قلن جميعا : _ وعد..! تبدلت ملامح وجه مراد وقد تذكر مشهد كهذا يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة ، بينه وبين حسن وأدهم.. أدهم حافظ على وعده،اما حسن.. نسي كل شيء في لحظة.. وبمناسبة الثانوية العامة تذكر مراد موقف آخر لذا انسحب من المكان بهدوء، دخل مراد غرفته عليه مغلقا بابها ، ثم جلس على طرف سريره يتذكر كيف كانت فرحته عندما عاد إلى منزله وقد حصل على مجموع يؤهله للالتحاق بكلية الهندسة، وجد والده في وجهه : _ ما لي أراك سعيدا بهذا الشكل؟!.. هل رأيت والدتك؟ ابتسم مراد من سؤاله، ثم قال بنظرة فهمها الآخر : _ لا ولكنني سأذهب لرؤيتها غدا..وصحيح ألا تعرف سبب سعادتي؟!.. كان عليك أن تعرف سبب فرحتي الآن.. يا أبي!!! _ ليس لدي وقت لسخافتك يا مراد.. فأنا لدي ما يكفي من المشاغل.. صمت مراد قليلاً وقد انطفئت ضحكته : _ مشاغل؟!.. وما هو أهم مني ليشغلك عني؟! _ لا تطل الحديث.. ضحك مراد، ثم قال : _ لا يوجد بيني وبينك حديث ليطول أو ليقصر.. _ ألن تكف عن هذه الوقاحة..؟ _ معك حق انا وقح.. ولكن هذا ليس ذنبي.. فأنا لم أجد أحداً ليربيني ويعلمني الصح والخطأ.. هَّم والده ليقول شيئاً، فقاطعه مراد : _ على اي حال.. لا أريد أن اعطلك عن أعمالك العظيمة.. لقد ظهرت نتيجة الثانوية العامة.. صمت والده وشعر الإحراج، ثم تسائل : _ وكيف كانت النتيجة..؟ ًكان سيجيبه ولكن هاتف والده الذي أشار إليه بيده لينتظر فاتحاً المكالمة، وبعد قليل انفجرت اسارير جلال عامر فرحا، وقال : _ حقاً.. لا أصدق اننا حصلنا على تلك الصفقة.. بالتأكيد سترفع وضع الشركة.. تركه والده واقفاً وخرج من المنزل ؛ منشغلا بتلك الصفقة التي ربحها، بينما ظل مراد واقفاً مكانه لعدة دقائق، وقد شعر بخيبة أمل كالمعتاد، فقال بسخرية مشوبة بألم : _ كعادتك يا جلال بيك..! وبعدها لم يسأله والده عن النتيجة أو الجامعة التي رغب أن يلتحق بها ، حتى أنه لم يعرف انه التحق بكلية الهندسة إلا اول يوم في الدراسة..، الهندسة، تلك الجامعة التي التحق بها ليضمن لنفسه ما أراده من البداية.. وبقي مراد هكذا طوال حياته..لا يعرف شيئاً عن الحنان الابوي ومحروماً الحنان الأمومي ، فتيتم ووالديه لايزالا على قيد الحياة، والسبب في كل هذا.. جلال عامر وحده.. انحني إلى الأمام ثم مسح وجهه بيديه بتوتر وألم، مدركاً أنه لم يكن عليه تذكر هذا الأمر أو التفكير فيه ،ووجد عقله معلقاً عند ذلك اليوم الذي أصبحت فيه والدته عاجزة عن الحركة، فأصاب جسده الارتجاف وازدادت ضربات قلبه، حتى اليوم لا يستطيع نسيان ما حدث ولن يستطيع.. & & & عند الظهيرة مَّرَ مراد بجانبها وهو يتحدث مع أحدهم عبر الهاتف بمرح قائلا " لقد فعلناها يا رجل! "، نظرت اليه باستغراب..فعل ماذا ؟!، وما دخلي انا..!؟، هكذا اقنعت نفسها ألاَّ تتدخل فيما لا يعنيها، ولكنها نظرت اليه مرة أخرى تتذكر كيف كانت حالته عندما رأته صباحا... كانت الخامسة صباحا عندما نهضت من سريرها لتتنفس هواء الصباح ، وقفت في شرفة الغرفة وأخذت نفسا عميقا، ثم دققت نظرها لتراه مسترخياً على إحدى الكراسي الطويلة واضعاً قدماً على الاريكة والقدم الأخرى مستقرة على الأرض،وواضعاً يده اليمني خلف رأسه، ويده اليسرى كانت موضوعة بجانبه، مازال بثياب الليلة الماضية وكان قميصه مفتوحا الي منتصفه وعيناه تنظران الي السماء بشرود وإرهاق ، بقيت تنظر إليه لفترة وهي ترى شعره الطويل المتدلي على جبينه ووجهه الحليق.. كان واضحا الحزن على وجهه ولكن كيف يتحول بهذه السرعة.. ؟ ام أن مرحه هو الستارة التي يُخبئ رائها أشياء لا تعرفها..؟! تذكرت حديثه معها حينما قال.. " أنت لا تعرفين عني شيئاً..ولا احد يعرف عني شيئاً " ًأيقظها من أفكارها صوته يقول : _ يجب أن تتجهزي.. حسن ابن عمي قادم بعد قليل إلينا.. نفضت عنها أفكارها وتساؤلاتها ثم نهضت لتتجهز... & & & بعد ما يقارب النصف ساعة فتح مراد الباب ووجد حسن في وجهه مبتسماً فاستقبله مراد وادخله ، ثم وقبل ان إغلاقه الباب فأوقفه قائلا: _ انتظر.. لدي ضيف آخر جاء لتهنئتك يا عريس.. نظر اليه مراد باستفهام، خرج حسن لعدة ثوانٍ ثم عاد ممسكا يد رؤي التي نظرت إلى مراد بابتسامة وغرور، اعتلت الصدمة وجه مراد الذي نظر إليها ثم إلى حسن.. لا يفهم كيف تجرأ على أن يحضرها إلى منزله؟!.. بل الأحري ما الذي جمع بين حسن ورؤى؟! ، تمتم متسائلاً وكأنه لا يصدق عينيه : _ رؤي؟! ًابتسم حسن بغموض ناظراً الي وجه مراد المندهش : _ أجل رؤي.. ثم أمسك يدها يقبلها واستطرد قائلا : _ خطيبتي.. ازدادت صدمة مراد وتنقلت نظراته عليهما، ثم تسائل في توجس : _ خطيبتك..؟! ضحكا حسن ورؤى، ثم قالت بانتصار : _ فاجئناك.. أليس كذلك..؟ ًظل مراد لعدة لحظات يحاول أن يستوعب ما يراه أمامه لاعنا حظه.. قد ظن انه تخلص نهائياً منها، ولكن ها هي الآن في نصف بيته! ، ومع من ؟! مع حسن؟!، الأمر المحير ان حسن يكره الفتيات أمثال رؤي فكيف.... ؟ لحظتها تسائل مراد عن الأمر الذي خططا إليه هما الاثنان، فهو يعلم جيداً مدى غضب حسن منه منذ أعوام والذي ربما تحول لحقد!، تدارك نفسه ثم ضحك ناظراً إليها بطريقة أثارت سخطها : _ في الواقع أجل.. هنيئاً لكما لِمَ لمْ ْتخبراني بالأمر؟ .. كنت جهزت لكما احتفالا كبيرا شعرت بالغيظ قليلاً ولكنها اخفت ذلك، ثم قالت : _ كل شيء جاء بسرعة.. ولم نتوقع ان نتفق بهذه السرعة.. قال بابتسامة قاصداً أشياء أخرى : _ بالتأكيد.. فأنتما تليقان ببعضكما كثيراً.. والآن تفضلا.. ًقالت رؤي وهي تجلس بدلال كالطاووس : _ بيتك جميل.. كقصور ألف ليلة وليلة.. يا شهريار ! رأى أمينة نازلة الدرج فاستنهز الفرصة وقال متقدما نحوها : _ وها قد جائت شهرزاد.. سيدة القصر.. ُتفاجئت أمينة وشعرت بالإرتباك وهو يمسك يدها اليمني يقبلها أمام ضيوفه بينما مراد شعر ولأول مرة بهذا الدفئ الغريب و.. الرائع!!؟ أردف قائلا وهو ينظر إليهما : _ زوجتي.. وحبيبتي.. نظرت اليه أمينة باستغراب وارتباك فنظر إليها ليجد تلك النظرة البريئة التي تأسره فأشار لها بعينيه إليهما، فهمت ما أراد قوله إليها بعينيه؛ فحاولت ان تبدو طبيعية وهي ترحب بهما، نظرت إليها رؤي من رأسها حتى أسفل قدميها بغرور لترى.. فتاة محجبة ترتدي ثياباً رغم اناقتها فضفاضة، اشاحت بوجهها عنها ولم تعيرها اهتماما وهي تبعد خصلات شعرها الي الوراء بينما بادلها حسن تحيتها وكان رد فعل أمينة مناسباً لما فعلته رؤي حيث جلست بهدوء على الاريكة المواجهة لهما، أعجب رد فعلها المهذب مراد ولكنه لن يهدأ له بال قبل أن يجعل تلك المغرورة تغلى من الغيظ.. خطا عدة خطوات ليجلس بجوار أمينة مقترباً منها ولم يكن باستطاعتها الاعتراض حتى يرحل ابن عمه و... صحيح من تكون هذه؟! هكذا كانت تفكر أمينة حينما قالت رؤي : _ مبارك لك يا عروسنا.. انا متأكدة انك قد حلمت بالزواج من رجل كمراد عامر.. والآن تحققت أحلامك.. فهمت أمينة معنى ما قالته وشعرت بالإهانة لذا قالت ببرود : _ في الواقع.. عندما حلمت بالزواج.. كنت احلم ان اتزوج من شخص يحبني وأحبه.. بغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو شكله.. لأن قلبي لا ُيشتري بالمال ابدا.. قالت رؤي وكأنها تدفع عن نفسها تهمة معينة : _ انا لم أكن اقصد ذلك ! .. وانت بالطبع تعرفين.. قال مراد وقد أحاط بذراعه اليسرى كتف أمينة التي حاولت أن تبدو طبيعية : _ أمينة شخصية مذهلة وأنا محظوظ بزواجي منها.. وكوني تمكنت من جعلها تقع في حبي.. نظر إليها برومانسية قائلا : _ أليس كذلك حبيبتي..؟ ودّت أمينة أن تصفعه كف على وجهه ولكنها اخفت غيظها وابتسمت إليه، سأل مراد بلا مبالاة حسن الذي كان هادئا وعلى عكس رؤي أعجبه ما فعله مراد وزوجته ؛ لأن ذلك سيثير غضب رؤي ضدهما اكثر : _ ومتى ستكون حفلة خطبتكما؟ _ لم نقرر بعد.. ونريد مفاجئتكما نحن أيضا.. جائت الخالة سعاد بكؤوس العصير ووضعت الصينية أمامهم ورحلت، وقف مراد من باب الضيافة يعطي حسن كأساً ثم مد يده بكأساً آخر لرؤى، فنظرت اليه نظرة مغرية وهي تضع يدها فوق يده الممسكة بالكأس قبل أن تأخذه منه .. نظر إليها بغضب وقد رأت أمينة ذلك وازداد شعورها بالإهانة، ابعد مراد يده بسرعة واستياء عنها ثم جلس مكانه مرة أخرى وهو لا يزال ينظر إليها بنفس الغضب ، عرفت رؤي من الأساس ان أمينة ستراها وقد فعلت ذلك قاصدة.. نظرت إلى حسن الذي تعامل وكأنه ينظر إلى هاتفه ولم يرها، فابتسم إليها حسن ثم شرب القليل من العصير.. شعرت أمينة بالضيق والغثيان مما رأته وتصاعد غضبها ليظهر بوضوح على وجهها ؛ لذا أدرك مراد انها رأت ما حدث فازداد غضبه، قال حسن لأمينة محاولا ابداء عكس ما بداخله تجاه مراد : _ مراد شاب رائع ومخلص جدا.. هنيئاً لك بزواجك منه.. نحن لسنا ًفقط أبناء عم.. نظر إلى مراد نظرة فهمها جيداً، ثم قال : _ بل أصدقاء.. قالت رؤي ناظرة إلى مراد بابتسامة باردة وبتلك النظرة المغرية : _ وأنا أيضا.. انا ومراد أصدقاء منذ زمن.. ازداد غضب أمينة من مراد حتى انها اشفقت على حسن الذي يتحدث عن مراد بالخير..!، وبعد قليل من الوقت ودعهما مراد وعاد إلى أمينة التي سارعت لتصعد الي غرفتها فأسرع ليلحقها قائلا : _ أمينة.. اسمعينى لحظة ! توقفت وهي تكاد تنفجر من الغضب والتفتت إليه قائلة : _ وما الذي تريدني أن اسمعه؟!.. لقد رأيت ما حدث بعيني ..! _ ولكنني لم أفعل شيء ! _مراد.. اعرف جيداً مدى علاقتك بالفتيات.. ليكن لك ما شئت من المغامرات ولكن لا تهينني بهذا الشكل.. لأنني اكون أمام الناس زوجتك ولا اتحمل ان تذلني أمامهم بهذا الشكل.. انه ابن عمك وصديقك.. لا يفترض ان تفعل به ذلك.. ليس مع خطيبته! _ اقسم لك أنني لم أفعل شيئاً.. أجل كان بيني وبينها علاقة قبل زواجنا.. ولكنني أنهيت كل شيء معها مسبقاً.. ولا تثقين بابن عمي ًهكذا فهو ليس كما تعتقدين.. بالإضافة انه كان على علم بعلاقتنا.. _ ارجوك ،هذا يكفي!.. هي الآن خطيبته.. أياً كانت العلاقة التي ًكانت بينكما من قبل لا تفعل هذا به.. لقد وثق بك.. لا تخونه.. وأعلم ان زواجنا ليس حقيقياً.. ولكننا أمام الناس زوجين فأرجوك..لا تضعني في مهانة أمامهم.. شعر مراد بالغضب؛ كونها لا تفهمه فأمسك ذراعيها قائلا : _ يكفي.. هذا يكفي..!، لقد تحدثتي كثيراً والآن اسمعي.. انت لا تعرفين شيئاً عن من تسمينه ابن عمي ولا عن خطيبته.. وما حدث ًاليوم ليس لي يد فيه وهذه هي الحقيقة..صدقي أو لا تصدقي لا يهمني..وهما الاثنان مؤكد أنهما يخططان لشيء ما.. لذا لا تنخدعي بتلك السهولة فيه.. قالت بذهول: _ انا لا أصدق.. كيف لك أن تتحدث هكذا عن ابن عمك..؟ قاطعها بعصبية : _ لأنني اعرفه اكثر منكِ.. صمت قليلا ثم اكمل قائلا : _ أتعلمين.. ليس علي أن اضيع وقتي في الحديث معكِ سأترككِ تدركين الحقيقة بنفسك ولكن أؤكد لك انك ستندمين فيما بعد.. ترك ذراعيها وتولى عنها خارجاً من المنزل.. & & & توقف بسيارته في إحدى المناطق المقطوعة والغضب يكاد يلهبه، لازالت كلماتها تصرخ في أذنيه ونظراتها تحرقه.. شعر بالاختناق، كيف تركها تتحدث اليه هكذا؟.. وكيف لها أن تدخل على نفسه الغضب والإستياء؟!، طوال حياته لم يهتم كيف ينظر إليه الآخرون..فلماذا يهتم الآن؟! ولماذا شعر بالحزن عندما ظنته بهذا السوء؟!... لماذا هي بالذات؟! نزل من السيارة مغلقاً بابها بغضب، .. تلك الصغيرة الغبية كيف لها أن تتحدث مع مراد عامر بهذا الشكل؟!، لم يحدث يوماً أن عاملتني فتاة بهذه الطريقة.. من تظن نفسها؟! & & & ضحكت رؤي بشماته وضحك معها حسن وهما في منزله، ثم قالت: _ أراهن أنهما الآن يتشاجران.. رد عليها ضاحكاً : _ لم ترين وجهها عندما رأتك تمسكين يده.. لقد تحول لونه لألوان الطيف.. وظننت لوهله أنها ستهجم عليكِ.. _ وانت لم تر وجهه حينها.. لقد كان جالساً وخائفاً من زوجته.. قال بجدية : _ ولكن كانت فكرة جيدة ان تظهري في حياتهما كخطيبتي.. قالت بحقد : _ نحن لازلنا في البداية ، وهو لم ير وجهي الآخر بعد.. رؤي التي عرفها مسبقاً غير تلك التي سيراها في الأيام المقبلة.. & & & مرت الساعات حتى تخطت الواحدة والنصف صباحا ولايزال بالخارج، تساءلت أمينة التي كانت لاتزال تتابع إحدى افلام الكرتون المفضلة لديها.. ما الذي أخره لهذا الوقت؟!.. أغلقت التلفاز بعد انتهاء الفيلم وصعدت الي غرفتها ثم استوت على سريرها؛ لتنام، وبعد عدة لحظات فتحت عيناها بخوف حينما استمعت إلى صوت صراخ بالأسفل فانتفضت نازلة الدرج بسرعة ، و توقفت أسفل الدرج لعدة لحظات تتفحص مراد الجالس أمامها بجوار الحائط ممسكاً قدمه اليسرى بألم ورأسه تترنح.. يقول أشياء غير مفهومة.. يضحك حيناً ويتألم حيناً ، تقدمت اليه مسرعة وهي تقول : _ لماذا تجلس هنا في هذا الوقت..؟! رفع رأسه ثم حاول فتح عيناه وسط الدوار الذي يتملك رأسه فرأي صورة مشوشة منها، دقق النظر إليها، ثم قال ضاحكاً بصوت متقطع : _ مَنْ.. آنسة غبية؟!.. اقصد.. مدام غبية..؟! ظل يضحك فانحنت إليه قائلة : _ ما بك؟!.. هل انت ثمل؟! رد قائلا : _ ما الذي تهذين به انت؟!.. انا واعٍ اكثر منك.. يا غبية.. ضحك مرة أخرى فذمت حاجبيها بغيظ قائلة : _ كف عن هذه الشتائم.. وانهض معي.. لوي شفتيه، ثم قال كطفل صغير : _ لا.. أريد النوم هنا.. وقدمي تؤلمني.. قالت وهي تضع ذراعه حول كتفيها لتساعده على النهوض : _ لايمكنك النوم هنا..هيا انهض معي.. لكنه ابتعد ناظرا إليها باستغراب ضاحكاً، ثم قال : _ اتعلمين؟.. انت فتاة غريبة جداً..عندما اقترب منك تفرين كالفئران.. والآن انت التي تقتربين مني..! ًضحك مرة أخرى وهو يضع ذراعيه على كتفها مرة أخرى مقترباً منها لدرجة انها شعرت بأنفاسه الدافئة على بشرتها فتسللت رجفة خفيفة في كيانها ناظرة الي عينيه البيتين، ثم قال : _ يوم زواجنا.. كنت تقولين.. انك لست زوجتي.. والآن تقولين انك زوجتي !!.. انت حقاً فتاة غريبة.. تستحقين زوجاً كجلال عامر .. يملئ حياتك بالسعادة والحب لدرجة انك.. زفر بألم واضح : _ وها أنا ذا.." واااااو"!!!.. انا اسعد رجل في العالم كله! نظرت اليه قليلاً ،ثم قالت : _ لا داعي للحديث الآن.. هيا انهض معي.. قال بسخط والدوار يتملكه : _ أخبريني لِمَ الفتيات دائماً بهذا العناد؟!.. آآه.. قدمي تؤلمني.. أخيراً نجحت ان تقنعه على النهوض معها فاستند عليها وما إن لمست قدمه الأرض حتى صرخ بألم، فقالت له : _تحمل قليلا.. دخلت به غرفة قريبه منهما؛ نظرا لسوء وضعه وارتما الاثنان على السرير فوجدت نفسها فوق صدره ، وقال مغمض العينين متألما : _ لقد تحملت الكثير والكثير.. ولم أعد قادرا على تحمل المزيد.. فتح عيناه و وجدها تنظر اليه فمد يده ليزيح خصلات شعرها التي تغطي وجهها ويضعها خلف اذنها برقه، نظر إليها طويلا وهو يغرق في تلك البراءة الطفولية الساحرة التي يراها في عينيها متأملاً ارتباكها الواضح على وجهها، حاولت الإبتعاد عنه ولكنه كان ممسكا بيديها ثم نظر إلى المرآة بجانبها، ضحك قائلا : _ انظري إلى هذا.. نحن نبدو كزوجين حقيقيين.. وكأننا خلقنا لبعضنا البعض.. ظلت صامته تنظر إليه بارتباك ، تشعر بشيء غريب قربه لا تفهمه ، حاولت الإبتعاد عنه مرة أخرى ولكنه أمسك بها بقوة قائلا : _ طبعكن غريب يا فتيات.. عندما نقترب منكن تبتعدن عنا.. وعندما نبتعد عنكن تقتربن منا..وعندما نستطيع فهمكن تفاجئن عقولنا بأمور لم نتوقعها.. وكأنكن تعشقن لعبة الغميضة والاختباء..! ضحك مرة أخرى ثم قالت : _ امي لم تكن مثلكن.. ولكن جلال عامر لم يقدر ذلك.. وانا..كنت جباناً .. وأنت.. غبية!! ضحك مرة أخرى فأبعدت يده عنها، نهضت واقفة تنظر إلى حالته المزرية ثم حاولت أن تسوي جسده وآخر الأمر رفعت قدميه لتضعهم على السرير فصرخ مرة أخرى من الألم ، ولأول مرة تشعر بمثل هذا الشعور الأمومي عندما سمعته يتألم بهذه الطريقة ولكنها بالتأكيد لم تصارح نفسها بهذا الأمر.. ، سمعته يهذي بأشياء لم تفهمها ولكنها فهمت من نبرة صوته الموجوعة مدى ألمه ، خلعت حذاءه الذي كان ينتعله بقدميه ثم جواربه ووضعت عليها معجون لآلام العظام أحضرته من خزانة الحمام وأخذت تدلكه بنعومة وخفة على قدمه وهي تسمعه مستمراً في الهذيان والتألم مغمضاً عينيه ، بحذر رفعت قدمها لتضعها على السرير فوجدته قد غط في النوم وذراعه اليمني منزلقة قليلاً فوضعتها بجانبه ثم غطته بغطاء خفيف ، نظرت حولها في الغرفة ورأت ركنا في الغرفة معلق عليها صور كثيرة لامرأة جميلة تبدو الأمومة واضحة في ملامحها وهي تنظر إلى طفلاً صغيراً ضاحكاً وشعره الطويل متدلي على على جبينه ووجهه.. تذكرت ليلة زفافها حينما أقبلت عليها والدته وانحنت إليها فطبعت المرأة قبلة على خدها بحنان واخبرتها انها حماتها، لم تتغير كثيراً.. لاتزال جميلة ولكنها الآن لا تستطيع المشي دون كرسي متحرك ، وذلك الطفل هو نفسه مراد.. كان لطيفاً جداً، نظرت اليه مرة أخرى وظلت لعدة دقائق تنظر اليه متذكرة ما قاله، تأتي افكار وتروح افكار ويبقى صوته يقول في أذنيها.. " انت لا تعرفين عني شيئاً .. ولا أحد يعرف عني شيئاً "، " لقد تحملت الكثير والكثير.. ولم اعد قادرا على تحمل المزيد ".. ويبقى سؤال واحد لا يفارق ذهنها: _ من انت؟!.. من انت يا بن الاكابر..؟! & & & يتملك الدوار رأس مراد الذي تراجع للوراء مستنداً على الوسائد بألم فقالت أمينة التي دخلت عليه ومعها كوبا من الليمون الدافئ : _ لا داعي للحركة.. قدمك بحالة سيئة.. قال متألمامن قدمه والصداع الصادر من رأسه : _ ما الذي حدث؟ .. قدمي تؤلمني.. _ هذا الأمر طبيعي نظرا لانزلاقك عليها ليلة أمس.. أكملت وهي تعطيه كوب الليمون : _ كنت في حالة لا يرثي لها.. ولم أكن اعرف انك تحتسي الشراب.. قال، وهو يأخذ الكوب منها : _ انا لا احتسيه بالفعل.. ولا اشربه إلا نادرا.. _ عليك ألاَّ تشربه.. الشراب قد يقتل صاحبه.. _ يا ليته يفعل..! _ وتموت عاصيا؟َ!..وماذا ستخبر رب العالمين إذا سألك يوم القيامة عن ذلك؟.. ستخبره انك كنت ضعيفاً.. _ انا لست ضعيفا.. ! _ بل أنت كذلك.. من يسوقه شيطانه الي المحرمات ومن يتمنى الموت.. أراه ضعيفاً _ ولماذا يا فيلسوفة عصرك..!؟ _ لأنه لم يدرك يوماً ان ﷲ - سبحانه وتعالى - يعطي لنا الهموم قدر تحملنا.. " لا يكلف ﷲ نفسا إلا وسعها".. ولكنه يعظم همه ويكبره، وبدلا من السعي لحل مشاكله أو تخفيف أعباءه يتمنى الموت !!.. وينسى قوله - جل جلاله - " ان مع العسر يسرا".. أليس هذا ضعف برأيك.. ؟! _ الحديث جميل!!.. منطقي.. ولكنك لست مكانهم لتحكمي عليهم..! _ معك حق ولكنها دنيا وليست جنة!.. الحياة يوجد بها مصاعب كثيرة واحزان كثيرة.. ولكن دوام الحال من المحال أليس كذلك.. كالقطار.. يمر بجميع المحطات ولا يثبت في محطة واحدة، وكذلك الحياة لا تثبت على حال واحد.. ولا يعني الوصول إلى نهاية حزينة ان الحياة لن تستمر.. النهايات قد تتغير في لحظة وكما خلق ﷲ الليل خلق النهار.. وكلما تزداد ظلمة الليل يكون الفجر قد اقترب.. قال شاردا: _ تفرق الحياة بمن يحطون بنا.. ومن يدعمنا.. _وإذا لم يجد الإنسان احد بجانبه.. لم لا يدعم نفسه؟!.. الضغوط النفسية أو التجارب الصعبة.. تعلم الإنسان ؛ ليستفد منها في حياته.. لا يدرك المرء قوة نفسه إلا إذا اختبرها الآخرون وضغطوا عليها.. الحياة ابسط من ذلك التعقيد يا مراد.. والهموم مهما تعقدت سيأتي عليها يوم وتكون ماضى.. لا انكر أنني لم تمر علي لحظات صعبة ولكنني استمد قوتي من ﷲ جل جلاله.. ولهذا لازلت صامدة.. شردت لعدة لحظات بينما نظر إليها مراد وكأنه يستكشف أشياء لم يتوقعها يوما فيها.. من انت؟!.. من الفتاة التي يراها الآن؟!.. القوية والضعيفه في آن واحد.. مزيجاً من الخشونة والنعومه، الثورة والهدوء، الصغر والحكمة.. كل هذا فيها؟!.. اية شخصية هذه وأية فتاة صاحبتها؟! لم يمنعه تأثير الكحول من تذكر ما حدث ليلة أمس، تذكر كل شيء بكل تفاصيله، أشارت اليه بكوب الليمون؛ ليتناوله حاول ولكنه أعطي لها الكوب متعللاً أنه سيتقيأ لو تناوله، أخذته من يده فقال واضعاً يده على رأسه بألم : _ ألا تلاحظين شيئاً فى تصرفاتك اليوم؟!.. منذ متى وأنت تهتمين بي هكذا؟! ضحكت، ثم قالت : _ لا تتأمل كثيراً.. ما أفعله مجرد حالة انسانية وليس اكثر..! ً_ ولكن هذا لم يكن رأيك في بالأمس..! تنهدت، ثم قالت بهدوء : _ فكرت بالأمر جيداً.. أنا وأنت لسنا أعداء.. الظروف جبرتنا على وضع معين.. لذا يجب أن نكون واضحين مع بعضنا البعض و.. الوضع الذي نحن فيه هناك أمور لا يجب أن نتخطاها.. وتلك ال.. حافظت على لسانها، ثم قالت : _ إذا كانت هي التي تحاول التقرب منك.. رجاء تجنبها، حفاظا كرامتك وكرامتي أمام الناس.. وعلى شرف ابن عمك.. حسناً ؟ قال، وقد وضع يده فوق رأسه : _ آآآه.. أكان ينقصني أنا..؟! تركته راقداً في فراشه وبعد قليل عادت إليه ومعها صينية طعام وضعها على السرير بجانبه ، أخذت من على الصينية كوباً من الحليب، ثم اردفت قائلة : _ بما أنك رفضت الليمون.. اظن أن الحليب سيفيدك اكثر منه.. انتفض من رقدته جالساً، ثم قال باستياء: _ حليب؟!.. مستحيل..! ،لا تطلبي مني ذلك.. ولا تتوقعي مني أن أفعل..! استغربت من ردة فعله وكبحت ضحكتها؛ فلم يخطر ببالها يوماً ان مراد عامر صاحب الجاذبية والقوة الجسدية يتحول إلى طفل صغير عندما يواجهه احد بكوب حليب!!، تصنعت الجدية ثم قالت : _ كف عن هذه الحركات الطفولية!..كانت أمي تخبرني أن الكالسيوم الذي بالحليب مفيد جداً للعظام.. _ آه وتظنينني طفل صغير عمره ثلاثة أعوام فقط وعظامه تحتاج إلى الكالسيوم؟!.. لقد كبرت وأصبحت رجلاً ولم أعد بحاجة إليه! .. كما أن حالتي تحسنت ولم اعد أشعر بالوجع.. وليثبت كلامه نهض من علي السرير ليقف عليها ولكن سرعان ما جلس مرة أخرى متأوها بصمت، فقالت أمينة وفي عينيها نظرة رضا : _ آه.. هذا واضح!.. كم عمرك انت؟! قال باستغراب قاطباً حاجبيه : _ ثلاثة وعشرون عاما..! _ جيد اعتقد انك كبرت على هذه التصرفات.. هيا اشربه.. _ قلت لك لن أشربه..! أعطته الكوب قائلة بإصرار وعناد : _ بل ستفعل.. امسك هذا.. اتحب أن تظل رقيداً في الفراش؟! وبعد جدال طويل شعر مراد بأنها لن تتركه وشأنه إلا إذا فعل ما تريده فقال بنفاذ صبر : _ يا إلهي!.. من أين جائتني هذه الفتاة؟! اخذ الكوب منها وحاول أن يشرب منه القليل ثم أجبر نفسه وشرب الكوب وأخيراً، لمعت عيناها ضحكاً عندما رأته يضع الكوب على الصينية باستياء من طعمه، قائلا بقرف : _ أرجو أن تكوني قد ارتحتي الآن..؟! _ أجل.. ارتحت.. _ أنتِ عنيدة.. تدفعيني للجنون..! _ وأنت عنيد أيضا.. ولك نفس التأثير علي.. قال بسخرية من هدوئها : _ أتدرين؟.. مكانك ليس هنا.. بل يجب أن تكوني وسط ضباط الشرطة ستجعلين المتهمين يعترفون بسهولة.. _ هذا شيء يجعلني راضية عن نفسي.. ثم ابتسمت وهي تنظر الي صورة له كانت مع والدته وسط الصور المعلقة على الحائط، ثم قالت : _ من الرائع انك لازلت محتفظاً بهذه الصور.. أكانت هذه الغرفة لكوأنت صغير؟ _ لم تكن كذلك.. ولكن جلال عامر أصر على خادمة المنزل بوقتها ان تعطي أغراض امي وصورها إلى الصبي الذي يجمع القمامة، وبطريقة ما تمكنت من استرجاعها منه.. اخفيتهم هنا لسنوات.. حتى كبرت وأصبح لدي الحق في الاحتفاظ بأغراضها.. ولو انه لم يهتم بذلك.. تنهدت أمينة ثم نظرت مرة أخرى الي وجه والدته الحالم وقالت : _ والدتك جميلة جداً.. ابتسم ثم قال بحنان ملحوظ : _ من أجمل أمهات الدنيا.. قالت شاردة بحنين : _ احس فيها حنان أمي.. ولكن بصراحة والدك اخاف منه.. قال ناظرا إليها : _ لستِ وحدك من تشعرين بذلك.. حدقت فيه باستغراب فقال : _ أمي الوحيدة التي أحبته ولم تخف منه.. اقتربت منه قائلة؛ _ ولماذا انفصلا إذا؟! شرد قائلا : _ أدركت أمي انها أخطأت حينما أحبته.. ساد الصمت قليلا فنقلت أمينة نظرها من وجه المرأة المبتسم الي وجهه الغامض، ثم تسائلت : _ وكيف أصبح وضعها هكذا؟ فهم قصدها وتحولت معالم وجهه، رأت تقطيبة وجهه الذي تعرق فأدركت أن ذاكرته اتجهت بالتأكيد إلى ذكرى معينة ثم سمعت تنهيدته العميقة قبل أن يقول دون النظر إليها : _ سقطت.. من علي ال ُسلم.. _ ومتى حدث ذلك.. ؟ _ منذ زمن.. كان عمري ثمانية أعوام وقتها.. _ اظنها بالتأكيد تأثرت من ذلك.. ازداد اضطرابه وارتباكه فقال وقد وضح أنه لم يعد قادرا على التنفس : _ كفى!.. أغلقي هذا الموضوع ارجوكِ.. لا أريد أن أتحدث فيه مرة أخرى.. عقدت ذراعيها وهي تنظر اليه بتساؤل واستغراب من ردة فعله، ولكنها لاحظت تجاهله لنظراتها وتظاهره بعدم الانتباه إليها فتركته آخذة معها صينيه الطعام ، بعد خروجها أرخي مراد رأسه على الوسائد خلفه مغمضاً عينيه بإرهاق، اخذ يفرك جبينه بيده وقال : _ لم يكن على أن افكر في هذا الأمر.. & & & في المساء كان مراد قد استطاع التحرك على قدمه ونظرا لجلوسه طوال نهاره شعر بالملل، ولأنه لم يرها بعد الغداء؛ قرر الخروج ليراها وفعلا رآها من بعيد نائمة على الكرسي فتقدم إليها ببطىء.. ،كانت نائمة بعمق كالطفلة الصغيرة واضعة رواية بين ذراعيها وقد كان شعرها منسدل على كتفيها بنعومة وقد غطي جبينها، جلس بهدوء على الكرسي المواجه لها وظل ينظر إليها لوق طويل متذكراً الليلة الماضية حينما شعر انها أقرب إليه من أي أحد آخر وتلك النظرة التي رآها في عينيها بالأمس لايزال يذكرها ويذكر شعوره وقتها، تسائل ناظرا إليها..ما المميز فيها؟.. ما هو الأمر المختلف فيها والذي يجعله لا يستطيع إبعاد عينيه عنها؟! لاحظ مراد جسدها الذي ارتجف من البرد، خلع جاكيته ثم اقترب منها وهو يغطيها به واضعاً الرواية التي كانت تقرأها على الطاولة المجاورة.. فأمسكت يده وهي تتململ علي المقعد غير واعية بما تفعله، نظر إليها طويلا لا يدري ما يحدث معه، لم يشعر بمثل هذه المشاعر المضطربة ولم يخفق قلبه من قبل كما يحدث معه الآن، ظل للحظات تائهاً بين أفكاره وشعوره فسحب يده من يدها ببطىء و.. بحركة لا ايرادية أزاح خصلات شعرها إلى الوراء مستمراً في التحديق فيها، ولكنه بعد قليل هز رأسه بعدم تصديق لِما يفعله ثم وهو لا يجد أي سبب منطقي أو مبرر لما يحدث بداخله،وبخطوات حازمة ومتعمدة عاد إلى الداخل وكأنه بذلك يغلق باب قلبه؛ فهو لا يعرف مدى خطورة ما يحدث معه... وكأنه يلعب مع الحب لعبة القط والفأر.. حينما كان بحاجته هرب منه.. والآن يهرب منه بينما الحب بدأ بملاحقته..!! & & & بعدها بدقائق طويلة فاقت أمينة ناظرة حولها باستغراب ولزمها الأمر لعدة لحظات ثم استوعبته، لقد نامت بالتأكيد وهي تقرأ الرواية ثم أمسكت جاكيت مراد الذي كان موضوعاً عليها باستغراب وتفاجؤ ثم نظرت يمينا ويسارا ولم تجد أحدا،.. كل ما يحيط بها هو الهواء والهدوء.. ظلت لعدة دقائق ممسكة بالجاكيت ناظرة إليه بهدوء وحيرة ، أفكارها مشوشة ولا تجد تفسيرا معينا لذلك الشعور الغريب الذي ولأول مرة تشعر به في حياتها..! & & & في الصباح خرجت أمينة من المطبخ ممسكة بيدها أوراق النعناع لتضعها في كوب الشاي قبل تناوله وفتحت العلبة لتتفحصها، وهي تسير في تلك اللحظة كان مراد نازلا الدرج فاصتدما الاثنان وسقطا على الأرض وتعالى صوت صراخهما وقال مراد : _ آه!.. ألا يمكنك أن تنظري أمامك..؟! قالت متألمة بتذمر : _ و لِمَ لَمْ تنظر أمامك انت؟! .. آه ظهري يؤلمني.. _ هذا بالفعل ما كان ينقصني..! نظرت اليه وهي ترفع خصلات شعرها الي الوراء فرأت أوراق كثيرة من النعناع تطايرت من العلبة أثناء اصتدامهما قد تشابكت في خصلات شعره الطويلة بمظهر مضحك.. وتخيلت لو رآه أحداِ بهذا المظهر فانفجرت ضاحكة ولم تستطع ان تمنع نفسها، نظر إليها متسائلاً : _ علام تضحكين..؟!.. لا أظن أن وضعنا مضحك! لم ترد عليه في البداية وظلت تضحك فبدت جميلة جداً في عينيه.. لماذا لم يخبره احد من قبل ان ابتسامتها ساحرة بهذا الشكل؟!..، كان صوت ضحكها كالكروان يهزه من الداخل ولكنه لم يظهر ذلك وقالت له : _ انظر إلى نفسك.. نظر إلى نفسه بتعجب، ثم قال : _ وماذا بي انا؟!! قالت بصوت متقطع من كثرة الضحك : _ تبدو كالزرعة! اكملت ضحكها وقد احمر وجهها ودمعت عينيها من شدة الضحك، وقف متجهاً نحو المرآة ونظر إلى نفسه ثم شهق محدقاً إلى مظهر ًشعره الذي تحول لونه إلى الأخضر ، ضحك هو الآخر عائداً إليها ينظر كل منهما الي الآخر، ثم أخذ يزيل أوراق النعناع من شعره ومد يده إليها لتنهض، مدت يدها لتضع كفها على كفه ورفعها الي الأعلى بسرعة فاختل توازنها، فأمسكت بكتفه قبل أن تسقط ونظرت الي عينيه اللتان لمعتا بشئ غريب كلياً عليها، وشعر فجأة بشيء في أعماقه وودَّ لو تبقى بقربه إلى آخر العمر ولكنها ابتعدت عنه بإحراج قائلة : " الفطور جاهز.." قال ممازحاً : _ بدون حليب.. أليس كذلك؟! ابتسمت، ثم قالت وقد ضاقت عينيها : _ هذا إذا لم تزعجني اليوم.. ضحكت وتركته عائدة الي المطبخ مرة أخرى بينما هو بقى مكانه لعدة لحظات وبدأ يخاف مما يشعر به معها..! & & & في مكان ما بعيد تماماً عن مصر بالتحديد في إيطاليا استيقظت تلك النائمة على سريرها بصعوبة وكان رأسها ثقيلا أثر نومها متأخرة ليلة امس، فركت عينيها ناهضة من فراشها متجهة إلى الحمام الملحق بغرفتها؛ لتأخذ حماماً.. وبعد وقت خرجت لترتدي بنطالاً غامق اللون ضيقاً يبرز قوام جسدها الممشوق بشكل مغري ًعليه كنزة بيضاء قصيرة بالكاد تغطي جسدها فأبرزت منحنيات جسدها بشكل جذاب، ولفت حول رقبتها شال مزخرف أعطى لها طلة مبهرة وقد ساعدتها قامتها الطويلة على إبراز جمالها بشكل فتان..، وقفت أمام المرآة وقامت بتجفيف شعرها البني بالجهاز ثم عقصته إلى الأعلى في شكل ذيل حصان، ليتدلي شعرها الطويل إلى آخر ظهرها بتموج رائع بالإضافة إلى المكياج الناعم الذي وضعته ليبرز تفاصيل وجهها بنعومة وخاصة لون عينيه الأزرق وأيضاً شفاهها الممتلئة قليلاً وانفها الدقيق، آخر الشيء ارتدت اكسسوارتها اللامعة وحذاء ابيض أنيق.. خرجت من غرفتها في شقتها الرائعة والمنسقة بأثاثها الأنيق، كانت الخادمة تنظف في المطبخ فألقت عليها " سما " بعض الأوامر ثم خرجت وأخذت سيارتها الفارهة وانطلقت بها، أمسكت هاتفها وضغطت بعض الأرقام وبعد قليل جائها صوت فقالت : _ حسن.. ما اخبارك ؟!.. لقد اشتقت إليك أخي.. نعم فهي تكون " سما عامر " اخت " حسن عامر "..وابنة عم "مراد" عمرها واحد وعشرون عاماً اكملت تعليمها في إيطاليا بناءً على طلب والدتها وإلحاحها، وبالرغم من أنها معروفة منذ صغرها "بالفتاة الحديدية"..؛ وذلك يرجع لشخصيتها القوية وذكائها الحاد إلا أن والدتها تُعد نقطة ضعفها ولا تستطيع أن ترفض لها طلبا..رغم أنها دفعت ثمن ذلك السفر غاليا.. ساعدتها والدتها قليلا في البداية؛ لتستطيع أن تشارك في شؤون الشركة معها.. وقد كان هذا الشيء الذي لم يفعله شقيقها حسن حتى الآن..! جاء إليها صوته بلهفة : _ سما؟!..لقد اشتقت إليكِ كثيراً.. متى ستعودين يا فتاة ؟!.. الحياة بدونك مملة جدا.. ضحكت ثم أجابته : _ قريبا.. قريبا جدا _ حقاً.. سأنتظر بفارغ الصبر..! _ لا تقلق.. لن اجعلك تنتظر كثيرا.. تقاسمت معه المرح قليلا ثم أغلقت معه الخط بسعادة ، وهي تفكر في حب عمرها.. وأخيرا ستراه بعد كل هذه الغيبة... & & & فكر حسن بعدما أغلق معها كيف ستكون ردة فعلها عندما تعلم انه تمت خطبته على رؤي دون علمها ودون موافقة والدته أيضا..؟، يعلم انه يرتكب خطأ كبيراً ولكنه قد يفعل أي شيء ؛ ليرد إلى مراد الصاع صاعين..وليجعله يشعر بما يشعر به عندما يتذكر ذلك اليوم الذي اكتشف فيه انه عدوه وليس صديقه المقرب..! & & & بعد العصر صعد مراد الي غرفته ليأخذ بعض الأشياء التي يريدها ودخلها بعدما دق بابها اكثر من مره؛ ظناً منه أنها ليست في الغرفة ، ولكنه توقف لعدة لحظات متفاجئاً عندما رآها تصلي.. ظل لعدة لحظات ينظر إليها بهدوء وبعد انتهائها من الصلاة رأته يلتفت؛ ليخرج فتسائلت : _ مراد؟!.. توقف مكانه ثم التفت ناظرا إليها بتوتر ، فقالت له : _ أتريد شيئاً..؟! ًحاول إخفاء اضطراب، وهو يقول : _ أردت بعض الأشياء من خزانتي.. _ حسناً لم تقف عندك؟!.. اقترب وخذ ما تريده..! نهضت من علي السجادة وأخذت تطبقها..... _...كيف تشعرين..؟ تفاجئت بسؤاله فنظرت إليه لعدة لحظات، وقالت : _ عن أي شيء تتحدث..؟! سكت لعدة لحظات، ولم يستطع ان يخفى اضطرابه وهو يقول : _ الصلاة.. اقصد.. كيف يكون شعورك عندما تؤدين الصلاة..؟! صمتت للحظات ثم قالت محاولة زرع شيء جيد بداخله : _ حسنا لقد فهمت.. انه من أجمل الشعور الذي يشعر به المرء في حياته.. تشعر وكأن روحك تسمو فوق الدنيا إلى عالم آخر.. تشعر بارتياح رائع عندما تناجي ربك وتعلم أنه يسمعك.. وتكون واثقا سيكرمك.. هو محيط بك ويتقبلك.. ولو بلغت ذنوب الإنسان عنان السماء والأرض وتاب من قلبه.. لغفر له وبدل سيئاته حسنات فالتائب عن الذنب كمن لا ذنب له.. لا يجب أن يكون الإنسان وحيداً ومعه رب العالمين.. تدعو إليه وتشكو ثم تشعر براحة كبيرة وسلام داخلي. صمت قليلاً ، ثم قال متأثراً مما سمعه : _ من علَّمك كل هذا؟! _والداي.. رحمهما اللَّه..وعلماني ان من ملء قلبه بحب ربه ورسوله ارتاح قلبه وعقله.. تأمل وجهها الملائكي ثم قال بنبرة خافتة : _ وماذا أيضا..؟ _ وان نثق بالحكيم وإن لم نفهم الحكمة.. ونثق في المدبر وإن لم يأتينا العطاء.. تقدم منها مرة أخرى فتراجعت لعدة خطوات مرتبكة فتوقف قائلا : _ وماذا أيضا..؟ _ وأنه لا يوجد أحد سيء وأحد جيد.. إنما يوجد شخص تعلم من حياته وشخص آخر لم يتعلم اي شيء.. تقدم منها فتراجعت بدورها : _ اكملي.. _ وان ما نملكه اليوم إذا اهملناه بالغد سيكون ملك لغيرنا.. وان نتحمل حتي يتحملنا الغير.. _ أهذا كل شيء..؟ _ هنالك الكثير.. ثم ابتلعت ريقها بتوتر، وقالت : _ وان الانتظار يضعف الأمل.. والوقت يقتل الجروح.. تقدم بخطواته وظلت تتراجع حتى حف الجدار في ظهرها فقال : _ اكملي.. _ وان لكل منا جمال خاص.. عميق في الداخل.. توقف أمامها ونظرته تكتسح الجدار الذي بنته حول روحها منذ سنوات وهو يتأملها، ولم تستطع أن تخفي ارتباكها الواضح على وجهها وفي نظرتها.. وضع يديه على الجدار خلفها على كلا جانبيها فنظرت إلى يديه بارتباك ودهشة ولم يستطع مراد ان يخفى شغفه وهو يقول : _ ... مَنْ أنتِ..؟! ازدردت ريقها بصعوبة ناظرة إلى عينيه وبعد عدة لحظات طويلة من الصمت قالت : _ فتاة بسيطة في الثامنة عشرة من عمرها.. تدعي أمينة.. صمت قليلا ، ثم قال : _ وماذا علماكِ أيضا..؟ _ الكثير.. علماني ان أتمسك بالإيمان.. والايمان هنا لا يعني أن انتظر.. بل يعني أن أتقدم.. ساد الصمت عليهما بينما وجهت نظراتها إلى الاسفل بأدب وحياء ، ثم قالت مبتعدة عنه : _ صحيح.. سيعود والدك غدا.. تنهد قائلا : _ لا يفرق معي.. _ عفواً..؟! تنهد مجدداً ثم قال : _ لا شيء.. سيكون علي النوم هنا مرة أخرى.. _ كما كان الأمر جاريا.. تركته خارجة من الغرفة بينما جلس على طرف سريره يفكر.. كيف لفتاة مثلها ان تفهم مثل هذه الأمور في فترة قصيرة..؟! & & & كان مراد يفكر في خطبة حسن من تلك الحية وادرك منذ البداية أن وراء تلك الخطبة سرا وخشي ان يكون له علاقة بالأمر..، سمع صوت خطواتها نازلة الدرج فالتفت إليها ليراها ممسكة ألوانها واضعة فرشاة الرسم وسط خصلات شعرها؛ كي لا ينسدل، ابتسم من طريقتها الغريبة في استخدام الأشياء وقال : _ جهزي نفسك لحضور حفلة خطبة حسن ابن عمي غدا معي.. _ ولكنني لا يمكنني حضورها.. مما يسمعه ثم قال : تقدم إليها مندهشا _ لماذا؟ تنهدت ثم قالت : _ لا أريد.. _ أود أن أعرف السبب _ لست مرتاحة.. انا لست من عالمكم.. _ لحظة!.. ما الذي تقولينه أنتِ ؟! _ كما سمعت..لا أحد سيهتم بالفتاة الفقيرة التي فُرضت على مستواهم الاجتماعي.. _ لا تقولي هذا.. هم من لديهم الشرف ليتعرفوا عليكِ.. انت الآن زوجتي.. كما أن مصممة الأزياء المستقبلية مكانها بين النجوم.. _ خطأ.. انا مكاني بين الذين أحبهم ويحبونني.. نظر إليها قليلا، ثم قال : _ حتى ولو كانوا لا يستحقون ذلك.. دققت فيه لعدة لحظات، ثم قالت : _ حتى ولو كانوا كذلك.. أدركت في أعماقها أنها ألزمت نفسها بوعد ما أمامه؛ فابتسم قائلاً : _ ستحضرين معي.. انها المناسبة الأولى التي سأحضرها بعد الزواج.. سيكون من غير الطبيعي عدم وجودك معي.. نظرت اليه حائرة فقال بحزم : _ سوف تأتين معي.. حسناً ..؟ هزت رأسها موافقة، ثم تركته صاعدة الي غرفتها تبحث وسط ثيابها عن فستان مناسب ولكنها لم تجد.. كلها أشياء رخيصة وبسيطة فقررت ألا تذهب.. & & & في اليوم التالي قُبيل المغرب كانت أمينة خارجة من الحمام حينما لفت انتباهها فستان طويل كفساتين الأميرات ذو أكمام طويلة نصفه الأعلى لونه " انديجو " براق مطرز بأحجار فضية لامعة ونصفه الآخر من الستان الأسود، كان موضوع على سريرها بجانبه حذاء فضي اللون وحجاب ، حدقت فيهم بإعجاب وسعادة.. رأت ورقة موضوعة فوقه فتحتها لتقرأ ما فيها.. " عندما رأيته تخيلتك فيه فبدا أجمل.. لا أعرف ان كان مقاسه مناسباً تماماً ولا اعرف ان كنت استطعت تنسيق الألوان أم لا.. فأنا لا أفهم في أذواق النساء.. ملاحظة صغيرة : ان أعجبك ارتديه اليوم. " أغلقت الورقة مرة أخرى بسعادة وهي تنظر الي الفستان وتضحك كطفلة صغيرة، فتحت خزانتها ورأت الكثير والكثير من الفساتين والملابس الرائعة ذات الأناقة العالية والذوق الرفيع.. والآن فهمت أين اختفى طوال اليوم..، ولكن هل قضى طوال يومه يشتري لها مخصوص كل هذه الثياب..؟! خفق قلبها فجأة وابتسمت بخجل ولكنها سرعان ما نفضت أفكارها خارج رأسها.. & & & ًبعد ساعتين كان قد انتهى من ارتداء ملابسه، نزل الدرج ضابطاً ساعته ثم وقف أمام المرآة بجوار السلم وأخذ يضبط خصلات شعره إلى الوراء ، سمع صوت حذاءها نازلة الدرج فخطف منها نظرة عابرة بلا مبالاة، ثم التفت ليكمل ضبط شعره ولكنه توقف وانخطفت أنفاسه وكأنه لا يصدق عينيه.. ما الذي رأيته تواً ؟!. ًنظر إليها مرة أخرى وهي ممسكة بيدها حقيبتها تضع فيها أغراضها غير منتبهة إلى ذلك الذي ينظر إليها وكأنه مسحور لا يعي أي شيء سواها، بينما قالت : _ أنا جاهزة.. ماذا عنك..؟ لم يجبها فقد كان في عالم آخر تائهاً فيه فنظرت إلى نظراته العميقة تلك وقالت : _ مراد.. ألا تسمعني ؟! تنهد لعدة لحظات، ثم قال : _ بلى.. اسمعك.. قالت بعفوية ومرح مبتسمة : _ ناسبني الفستان.. أليس كذلك..؟ تأملها مرة أخرى ثم قال : _ أجل.. _ ما رأيك اذا.. ؟ صمت لعدة لحظات ثم قال : _ في الواقع.. لا أجد وصفاً لما أراه الآن.. توترت وقالت : _ يبدو أن الفستان لا يتلائم معي.. سأبدل...... قبل أن تكمل حديثها وضع سبابة يده اليمنى على فمها قائلاً : _ ششششش..! نظرت اليه بتعجب وارتباك فقد عاودها نفس الشعور الذي تشعر به كلما اقترب منها، ثم ابعد سبابته عن فمها قائلا : _ لو استمريت في قول الجمل التي أصف بها جمالك..لن انتِه أبدا.. ازدادت خفقات قلبها وذابت مع كلماته ولكن صوت ما صادراً من عقلها ظل ينبهها ويخرجها من آمال قلبها.. يخبرها ان الشخص الواقف أمامها يكون مراد عامر " ابن الاكابر صياد الفتيات ".. لا تتركيه يتلاعب بك أيضا ، ابتعدت عنه وقالت بصوت أقل مرحاً : _ هل أنت جاهز..؟ ظل ناظرا إليها وقد أدرك سبب ابتعادها.. نفس السبب الذي يجعله يبتعد عنها أيضا.. ،معتقدان أنهما بهذا الشكل سيمنعان قلبيهما من الوقوع في ما ُيسمي الحب.. قال مظهراً المرح مخبئاً حيرته : _ أجل انا جاهز.. & & & خرجت رؤي متألقة بفستانها الوردي الانثوي فاستقبلها حسن وسط تصفيق كل من في الحديقة الواسعة والمليئة بالأشجار والورود والاضواء الساطعة وأصوات الاغاني تعلو في الأجواء، وقف الاثنان وسط الضيوف حتى وقفا بعيدا عن الموجودين فقالت مبتسمة إليه؛ لتبدو وكأنها عروس سعيدة بحبيبها : _ ألم يصل مراد بعد.. ؟ _ لم يصل بعد.. _ اتمنى ان يحضر عروسه الحمقاء معه.. قالت ذلك وهي تشير إلى إحدى ضيفاتها كترحيب مبتسمة، قال وهو يشرب كأساً من العصير ناظرا إلى ضيوفه : _ هذا ضروري.. ولكن اخبريني.. علام تنوين اليوم..؟ ارتشفت القليل من كأسها،وقالت ناظرة الي الموجودين بابتسامة : _ سألقن تلك الغبية درساً..لا يعني كونها زوجة مراد عامر ابن رجل الأعمال جلال عامر ووريثه الوحيد.. أن تنسى أصلها وحقيقة كونها غير لائقة بمستوانا الاجتماعي.. _ ولكن لا يمكنك الظهور في الصورة.. تعرفين قد لا تعجبك ردة فعل مراد.. _ لاتقلق.. صديقاتي سيقمن بذلك بدلا مني.. نظرت اليه بابتسامة، ثم خبطت كأسها بكأسه قبل أن ترتشف منه المزيد.. & & & نظرت إلى المكان بارتباك فمثل هذه الأماكن الواسعةوالمفتوحة لا تشعرها بالراحة أبداً، تقدم تجاهها ومد يده قائلا : _ لا تقلقي.. سأكون قريبا منك طوال الوقت.. ولا تنسى أننا بالنسبةإليهم زوجان.. نظرت اليه لعدة لحظات ثم ببطئ مدت يدها ليمسك بها وتنفست بعمق ثم دخلا الاثنان.. ، وبمجرد دخولهما انتبهت إليهما الأعين.. منهم من ينظر إليهما بحسد وحقد ، ومنهم من ينظر بإعجاب.. شعرت أمينة بالتوتر والارتباك فوضع مراد يده الأخرى فوق يدها الممسكة بذراعه؛ ليخفف من توترها وكان ذلك مجدياً، أشارت رؤي إلى صديقاتها بعينيها عليهما ففهمن ما أرادته، مضى من الوقت مايقارب عشر دقائق حتى استأذن منها مراد ليحدث أصدقائه قليلا ويعود إليها، هزت أمينة رأسها موافقة وبعد ابتعاد اقتربن عدة فتيات من المنطقة التي تجلس فيها صاحبتنا ؛ لكي تسمعهن، فقالت إحداهن بصوت مسموع : _ انظرن إليها.. أهذه زوجة تليق بمراد عامر..؟! انتبهت إلى أحاديثهن ولكنها تظاهرت بعدم الانتباه والتجاهل بالرغم من ضيقها مما سمعته ، قالت الأخرى : _ لم أكن اظن ان مراد ستكون نهايته مع تلك الفتاة.. اجابتها الثالثة : _ كم جميل هذا الفستان! .. بالتأكيد مراد هو من اشتراه لها.. لو ظلت طوال عمرها تعمل هنا وهناك.. ما كانت جمعت حقه.. ردت الرابعة : _ معك حق.. ما ترتديه أغلى منها بكثير.. ازدردت ريقها وحاولت ان تتجاهلهن وتتجاهل اهانتهن إليها وهي تفرك يدها بعصبية.. ،كان مراد واقفاً وسط رفاقه ولكن عيناه كانت ًعليها ولاحظ تجمع أولائك الفتيات حولها وضيقها.. قالت إحداهن : _ مراد حقا مظلوم.. ما الذي جعله يتزوج فتاة كهذه.. ؟! ردت الأخرى : _ اغني اغنياء القاهرة.. يتزوج من فقيرة ؟ .. لقد عاقبه ﷲ بها على ما فعله طوال حياته.. ضحكن بصوت عالٍ فازداد شعورها بالإهانة ونظرت حولها شعرت بأن جميع الأعين تنظر إليها بنفس النظرة ويقولون عنها نفس الأشياء، ترقرقت الدموع في عينيها وشعرت بأنها لم تعد قادرة على البقاء اكثر فأخذت حقيبتها وتسللت بين الموجودين، ورآها مراد تخرج فخرج وراءها بسرعة ليلحقها، نظرن الفتيات إلى رؤي فأشارت اليهن برأسها مبتسمة، ابتسم حسن وهو بداخله يلعنهن! ثم قال : _ لقد أحببت هذا.. أحسنت.. قالت ببراءة والمكر في عينيها : _ انا؟.. انا لم أفعل شيئاً !.. فضحك ناظرا إليها، ثم قال : _ صحيح.. وما دخلك أنتِ ؟! & & & أمسك مراد يدها قائلا : _ إلى أين تذهبين؟!.. نظرت إليه قائلة بضيق : _ سأعود إلى المنزل.. نظر إليها بضيق قاطباً حاجبيه : _ ما تلك الدموع التي بعينيكِ.. ؟! اشاحت بوجهها، ثم قالت باختناق : _لا شيء.. انا بخير.. _ أمينة انظري إلي.. ما الذي حدث؟ نظرت إليه وقد تساقطت دموعها بهدوء، ثم قالت بضيق واختناق : _ اخبرتك انه لا يمكنني المجئ.. تملكه الغيظ وقد أدرك ان رؤي هي من دبرت ذلك الموقف بواسطة صديقاتها، بينما اكملت : _ اخبرتك أنني لست من عالمكم.. انا لست مثلهن.. _ لا تقولي هذا..وصحيح أنك لستِ مثلهن لأنك افضل منهن بكثير.. نظرت إليه بطفولية فمسح دموعها بيده اليمني قائلا : _ دموعك غاليه.. لا تبكي على من لا يستحق.. قالت وهي تبتعد عنه : _ سأذهب.. جاء اليه صوت مقدم الحفل " كل ثناٍء جميل يمكنه أن يشارك في تلك الرقصة "؛ فقال ليوقفها : _ سنذهب.. ولكن بعدما نريهن انك لا تهتمين.. والآن اعطني يدك.. نظرت إلى يده الممدودة بتعجب ثم قالت : _ لماذا.. ؟! قال بطريقة كلاسيكية : _ أتسمحين لي برقصة..؟ فقالت مندهشة : _ ماذا؟!.. ولكنني لا أريد الرقص.. قال متحمساً : _ ليس مهما.. اتركي الأمر لي.. قالت على الفور : _ لا.. انا لست على استعداد لذلك.. _ لا تضيعي الفرصة.. اتركي نفسك إلي اليوم..! وبسرعة أمسك يدها داخلا معها إلى الحفلة مرة أخرى.. & & & رفعت أمينة رأسها وسوت كتفيها وهي داخلة معه يدها في يده ،قادها مراد إلي ساحة الرقص قائلاً: والآن دعينا نخبر الجميع بما يريدون معرفتهم وما سيجعل اولئك الفتيات السخيفات يتضايقن منه.. لنجعل ليلتهن تعيسه وضع يده اليسرى على خصرها مقتربا منها ممسكاً يدها اليمنى ، نظرت إليه ثم وضعت يدها اليسرى على كتفه ثم راح يتميلان معا ويتراقصان وقد انسجما مع بعضهما البعض حتى زاب كل منهما في الآخر ، بينما نظرت إليهما رؤي بغيظ كل ما أرادته مضايقتهما ولكن كيف حدث هذا وانقلبت الطاوله ، قال لها حسن بابتسامة كي يبدو الوضع لائقاً أمام الضيوف: _ لا تلفتِ الانتباه إليكِ الآن.. أهم شيء لأنك قد نفذتِ ما أردتِ فعله.. نظرت اليه ، قائلة بابتسامة غيظ : _ معك حق.. فليرقصان ويفرحان الآن .. لأنهما بالغد.. لن يطيقا النظر إلى وجه بعضهما البعض مرة أخرى.. في الجانب الآخر من ساحة الرقص كانت أمينة تنظر إلى وجوه الموجودين وخاصه الفتيات ، بدون في مثل عمرها أو أكبر منها بعدة أعوام وليس أكثر ، كل منهن يلبسن أحدث الأزياء وأغلاها ثمناً وكأنها في عرض أزياء !.. ،كان مراد ينظر إليها وإلى قلقها وحيرتها وهي ترى أعينهن تراقبنها معه بسخرية وغيرة .. غضب وفضول.. حسد وحقد ، ينظرن إليهما بوقاحة وخاصة هي يأكلونها بأعينهم ونظراتهن الحارقة ؛ فأبعدت نظراتها عنهن وسرت رجفة في جسدها وتنهدت فشعر مراد بأنفاسها الدافئة تلامس وجهه وشعر بارتجافها فقال : _ ليس عليكِ أن تضعينهن في اعتبارك ..! نظرت إليه وهي ترى في عينيه نظرة جميلة.. ولكن أهي حقاً صادقة ؟!، أكمل قائلا : _ انظري إلى كل الوجوه التي حولك .. كلها زائفة تغطيها أقنعة.. يبرقون ويلمعون.. ترينهم في أبهى صورة - لكن كما يقال - ليس كل ما يبرق ذهباً .. قالت وهي تمعن النظر في عينيه: _ أرى أعين الفتيات متوهجة .. أكاد أسمع إحداهن تقول لصديقتها أنك لن تبقى معي لفتره طويلة.. ولن تكون أميناً علي.. والأخرى تقول لنفسها.. صحيح أنني زوجتك ولكنك حبيبها وتريدني أن أعرف ذلك.. كما يقلن بعضهن نفس الأشياء .. تنهد، ثم قال: _ لا يهمني ما يُقال.. المهم ألا تصدقينه ..لقد أخبرتكِ مسبقاً .. كل فتاة كانت تعرف من البداية أنني لن أتزوجها .. ولكنهن أحببن التحدي .. لتفعل إحداهن ما لم يستطعن الباقيات فعله.. قالت بابتسامة : _ تخيل ما سيقلنه عنا .. بعد إنتهاء الأربعة أشهر ! شعر بالانقباض فجأه ، فقد ذكرته بموعد افتراقها فتنهد قائلاً : _ دعكِ من هذا .. نحن بالنسبة إليهم الآن .. أسعد زوجين في العالم كله.. انظري أرى وجوههن تتلون.. الأحمر والأزرق والأصفر .. وكأنهن أصبحن إشارات مرور..! ضحكت : _ وأعصابهن تكاد تنفلت وينفجرن بنا.. قال ضاحكا نظراً إليها : _ أكاد أرى أعينهن تخرج من مكانها بغيظ وعدم تصديق .. كما كان يحدث في( توم وجيري ) .. ضحكت أكثر مستمرة في النظر إليه : _ لن يعجبهن ضحكنا.. فقال بمرح وعفوية : _ حقاً؟!.. إذاً علينا أن نضحك أكثر.. دفعها مرحه ومزاحه إلى الضحك مرة أخرى وقد نسيت ما تعرضت له قبل دقائق وبدأت تزهو وتتفتح قائلة : _ أنت غير معقول..! أومئ برأسه معترفاً : _أعلم.. وهذا ما يجعلني جذاباً.. ضاقت عيناها قائلة : _ هذه إذاً خلطتك السرية.. ؟! _ بالطبع.. ولكن إذا كنت أنا غير معقولاً.. فما رأيك في فتاة رفعت السكين على زوجها ليلة زفافهما.. ؟! ضحكت أمينة كالاطفال الصغار تلك الضحكة التي تبهجه وهي تتذكر ما حدث، ثم قالت : _ ألازلت متذكراً تلك الليلة.. ؟! ضحك ثم قال ممازحاً : _ وهل هذه ليلة تُنسى؟!.. لقد اخفتيني وقتها.. _ أكان شكلي وحشياً ؟ ضحك كطفل صغير وهو يقول : _ ليس وحشياً..ولكنني خفت أن أنام يومها..! أخذت تضحك وقد تملكتها بهجة غير عادية تشعر بها دائماً بمجرد قربها منه، شعرت بالموسيقى الدافئة تسرى بداخلها فأخذت تتمايل معه، ولكنها تذكرت بأن كل ما هي فيه ليس سوى مجرد حلم وستستيقظ منه مهما طال الحلم؛ فاختفت بسمتها وهي تنظر إليه وتشعر بنفسها غارقة في صدى الأحلام الوردية التي لطالما حلمت بها منذ أن كانت صغيرة، لم تكن تعرف ان تلك الأحلام ستعود مرة أخرى ولكن في الوقت الخطأ، كان مراد ينظر إليها بعينيه الداكنتين والرقيقتين.. يحاول اخبارها بأنه لأول مرة يشعر بما يشعر به معها الآن.. كيف أصبح هكذا وتبدلت أحواله بمجرد ظهورها في حياته؟! انتهت الأغنية وعلا صوت التصفيق، فابتعدا عن بعضهما البعض وقد عاد كل منهما الي الواقع، تمنى كل منهما لو يطول الوقت اكثر؛ ليبقيا هكذا ربما لآخر العمر..! اتجه مراد إلى حسن ورؤى قائلاً : _ مبارك لكما.. والآن اسمحا لنا بالذهاب.. ثم ابتسم نظرا إلى وجهيهما واضعاً يده على كتف أمينة، وقال : _ فنحن لانزال في شهر العسل.. استمتعا بوقتكما.. أمسك يد أمينة دون انتظار لجوابهما مما أزاد سخط رؤى عليه والغضب منه، سار مراد خارجا من الحفلة أمام الحضور يده في يدها وارتفعت معنوياتها وهي خارجة معه بالإضافة إلى شعور غريب منحها القوة والصلابة.. & & &
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.