الفصل الثامن

3 0 0
                                    

يحتاج الحب إلى قلب قوي.. ليس فقط ليتحمل عذابه بل وسعادته أيضاً..!
.......
في إحدى الشركات كان أدهم جالساً أمام محمود بيك في انتظار رؤية شريكه في الصفقة، أخذا يتبادلان معاً بضعة كلمات قبل أن يُطرق الباب وتدخل السكرتيرة؛ لتخبرهما الآنسة التي ينتظرها قد وصلت، استغرب صاحبنا؛ فقال لمحمود بعدما أمر الاخير بدخولها فوراً :
_ لم تخبرني أن شريكي في الصفقة من النوع الانثوي.. ؟
ضحك محمود قائلا :
_ هي صحيح أنثى.. بكل ما في الكلمة من معنى.. ولكنها أيضاً بألف رجل.. ممتازة في عملها بطريقة غير معهودة.. يمكنك أن تقول أنها جينات وراثية ورثتها من والدتها..
_ ومن هي؟!
فُتح الباب؛ ليكشف عن شخصيتها، كانت هي بعينيها الزرقاوتين وابتسامتها المشرقة، فتح فمه واتسعت حدقت عينيه باندهاش.. آخر ما توقعه أن تكون هذه هي شريكته، فقال محمود ناهضاً لها بترحيب :
_ آنسه سما.. أهلا بك في مكتبي..
تقدمت ناحيته سما، ثم صافحته وردت له التحية، بينما نهض الآخر ناظراً لها مطولا بطريقة غامضة، لم تعرف منها إن كان فرح برؤيتها أم لا، رغم أنها كانت سعيدة جداً أنه هو شريكها في هذه الصفقة وستستطيع أن تمضى معه بعض الوقت، ولكنها كانت كالعادة جامدة من الخارج لا تُظهر أي تعبير، فقط ابتسمت بلطف منتظرة منه أن يتحدث، تنهد أدهم وتذكر تجاهلها له؛ فابتسم برسمية وقال :
_ مرحباً آنسة سما.. سأتشرف بالعمل معك..
رغم أن إجابته خيبت ظنها إلا أنها تماسكت وقالت بنفس الابتسامة والثقة :
_ وأنا أيضاً
جلسوا بعد ذلك لأكثر من ساعة يتحدثون حول العمل، ثم بعد انتهاء الاجتماع انسحبت سما بسرعة وخرجت من الشركة، ثم قادت سيارتها بعيداً عن المكان قبل أن تتشاجر معه على تلك الطريقة الجافة التى يعاملها بها منذ أن عادت.. ألا يفهم هذا الغبي أنها قد عادت لأجله؟!.. وكيف سيعرف وهي لم تلمح له يوماً على ما بداخلها؟!! ،ولكن ان كان لا يحبها؟!..
يبدو أنه قد نساها تماماً.. وكأنه يتذكرها بصعوبة!.. وإن كان قد نساها فهي لن تجبره على حبها.. ستنساه..أجل يجب أن تنساه..
ولكن كيف وقد أصبح شريكاً لها في العمل وحتى أنها قد تسافر معه إلى فينيسيا؟!
بقي هذا السؤال معلقاً في ذهنها ولم تجد له إجابة..
                                       & & &
كانت رباب تنظف المطبخ تستمع إلى الأغاني وترقص على المياه الواقعة فوق رخام الأرضية وكأنها تتزحلق على الجليد، وأثناء عرضها العظيم ذلك انزلقت قدمها ووجدت نفسها ملقاة على ظهرها؛ فتأوهت عالياً، وحينما فتحت عينيها وجدت والدتها تنظر إليها بضحك قائلة :
_ عجبك الآن؟!.. منذ ساعة وأنا أقول لك.. أن تثبتي ولا تكوني كالمهرج..
نهضت واقفة وهي تتحسس ظهرها بألم قائلة :
_ هذا فن يا أمي.. إبداع..
حركت والدتها يديها " مولولة " وهي تعوج فمها كأي أم مصرية أصيلة، قائلة :
_ إبداع؟!.. وبمناسبة الإبداع.. هل أنهيت الطعام؟
قالت رباب بسخط وهي تضع يدها في خصرها :
_ يا أملي انا طاهية ممتازة.. لماذا لا تصدقين؟!
_ سنرى.. على العموم مصطفى سيتناول الغداء معنا اليوم.. لأن خالتك عند دعاء.. تعلمين لقد اقترب موعد ولادتها..
فرحت رباب وتضايقت في نفس الوقت، لأنها بالفعل تحب مصطفى ولكنها لا تحبه بالطريقة التي يريدها هو، هو بالنسبة إليها كشقيقها الأكبر.. بل التوأم!.. لقد كبُرا سوياً تشاركا اللعب والمزاح والبكاء والدروس اليومية والمذاكرة وحتى غضب والدتيهما تشاركاه سوياً!.. كانت دائماً تعامله كأخ لها ولكنها تفاجئت الآن أنه لا يعاملها كمجرد أخت له!، كيف تخبره أنها لا تفكر به كما يفعل هو.. ؟! ،لقد باتت تخشي التعامل معه بنفس طريقتها في المزاح والعفوية؛ كي لا يفهمها خطأ، لذا ستحاول قدر الإمكان أن يكون تعاملها معه بحدود.. ولكن كيف وهو مصطفى شقيقها كما كانت تخبر الجميع ؟!!
مضى ما يقارب نصف ساعة وكانت قد انهت عملها وبدلت ثيابها لأخرى نظيفة محتشمة وارتدت حجابها؛ تحسباً لوقت مجيئه، دخل مصطفى المنزل بعدما فتحت له خالته، ثم قال لها :
_ أختك هذه!.. ما الذي يجب أن أفعله انا بها وهي امي وسأحاسب عليها! ؟..
ضحكت أمل قائلة :
_ لماذا؟!.. ما الذى فعلته بك؟!
_ تركت المنزل بدون طعام.. بدون حتى أن تفكر في ابنها الذى قد يعود من عمله جائعاً.. لا والأدهي أنها قد أغلقت الشقة ولم تترك لي المفتاح.. وثيابي وجهاز اللابتوب وشاحن هاتفي ومحفظتي بالداخل.. وساضطر للنوم في غرفة الضيوف في الطابق الأرضي.. أيرضيكي هذا يا مؤمنة؟!
قال بقهر؛ فضحكت أمل بينما رباب بقيت ساكنة مكانها، فقال بغيظ :
_ صحيح.. اشتكي لمن أنا؟! انتِ مثلها تماما.. أيرضيكي أنت يا رباب؟
قالت رباب بهدوء :
_ لا..
تعجب من رد فعلها الهادئ الذي لا يمكن أن يخرج منها أبداً! ؛ فقال :
_ ما بها هذه؟!.. هل انت مريضة يا فتاة.. ؟
_ لا أنا بخير..
_ إذا ما بك؟!.. هل استقويت عليها أنت أيضاً يا خالتي؟
زفرت الأم بسخرية، ثم قالت :
_ استقوي على هذه؟!.. إنها تستقوي على بلدة بأكملها..
_ إذا ما الأمر؟ .. صحيح! نسيت أن أخبرك.. جهزي أجمل فستان لديك..
ذمت رباب حاجبيها، قائلة :
_ لماذا؟
ضحك مصطفى، ثم قال :
_ وأنا قادم إلى هنا.. رأيت هرج ومرج ورجال يخرجون من بيت "هَنَا" صديقتك.. وأصوات الزغاريد المنطلقة من المنزل اخترقت طبقة أذني.. وما فهمته أنها قد قُرأت فاتحتها..
نسيت رباب ما قد عاهدت به نفسها؛ لأنه مصطفى!! ،وقفزت واقفة من جلستها،قائلة بابتسامة واسعة :
_ ماذا؟!.. أعد ما قلته مرة أخرى.. هل قُرأت فاتحتها؟!.. متى؟! وعلى مَنْ؟!.. أخبرني بكل شيء هيا..
_ منذ دقائق.. يقولون أن العريس هو "علي" ابن الجيران..
رنَّ هاتفها فى هذه اللحظة، وكانت المتصلة هي هنا التي قالت لها رباب :
_ أيتها الوغدة!.. هل تمت خطبتك من ورائي؟!
قالت هنا على الطرف الآخر :
_ وهل يمكنني يا حمقاء ؟!.. لقد كانت مجرد جلسة تعارف ولكن آخر الأمر قرأنا الفاتحة..
صاحت رباب بفرحة فضحك الجميع عليها قبل أن تقول :
_ هل أخبرتِ الفتيات؟!..
_ ليس بعد.. سأخبرهن على الفور..
_ انتظري لدي فكرة..
أغلقت رباب المكالمة ثم أجرت مكالمة فيديو لهن فأجابت هنا ثم ملك، أما أمينة..
كان مراد جالساً في الغرفة واضعاً حاسوبه على قدميه، حينما رن هاتفها؛ فانتبه إليها خارجة من الحمام الملحق بالغرفة، كانت مسرعة؛ لتلحق المكالمة قبل انتهائها، وفتحتها وهي تجفف شعرها المنسدل على وجهها بالمنشفة، قالت :
_ آآه يا فتيات.. لقد اشتقت إليكن..!
بدأت تتبادل معهن الكلام المرح المعتاد، بينما مراد كان غارقاً في تفاصيلها متأملاً وجهها المبلل وشعرها المنسدل، ابتسامتها الجميلة وعينيها الصافيتين؛ فانتهز فرصة انشغالها ثم أخرج هاتفه من جيبه ووضعه في بجانب اللابتوب بطريقة مخفية، ثم إلتقط لها عدة صور دون أن تنتبه إليه..
_ أهذا صحيح يا هنا.. ؟!
قالتها أمينة بفرحة؛ فقالت هنا بخجل :
_ كنت أنوي أن أجعلها مفاجئة.. ولكن رباب اقترحت أن نجري مكالمة فيديو جماعية..
قالت رباب بلهجة الخبير.. :
_ كان يبدو منذ خطبة ملك أنه يضع عينه عليكِ.. ألم أقل لك يا ملك؟ .. انا لا يُخفي علي شيء..
أجابتها ملك بضحك :
_ أجل وقد فعلها حقا وجاء إلى بيت البنت ليخطبها..
صرخت أمينة بفرحة، ثم قالت :
_ مبارك لك يا عروسنا .. " يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا "..
أخذن يرددن تلك الأغنية التي تعتبر شعار الخطبة منذ سنوات.. مصطفى يخبط كف على كف وهو يضحك على جنان تلك المجنونة، بينما مراد رفع حاجبيها وهو يضحك على تلك الطفلة التي تتراقص أمامه وتغني ويبدو أنها نسيت تماماً أنه هنا!..
مضى بعض الوقت ثم أغلقت معهن أمينة تلك المكالمة؛ فأغلق مراد هاتفه قبل أن تنتبه إليه، وقالت له بفرحة :
_ مراد لقد قرئت فاتحة هنا.. ستكون الخطبة بعد غد وحفلة حناء ملك آخر الأسبوع..
ابتسم مراد ناظراً إلى حاسوبه كأنه لم يكن منتبهاً لوجودها، ثم قال :
_ مبارك لهن..أنت بالتأكيد سعيدة..
نظر إليها وهو يقول جملته الأخيرة، قالت بعفوية صادقة :
_ بل سعيدة جداً..ستكون ايام حافلة بالمناسبات السعيدة.. ويجب أن أختار فساتين جميلة لأحضر بها..
رفع رأسه قائلا بمشاكسة وهو ينهض :
_ وهل تخبريني أم تطلبين إذني؟
ضاقت عيناها قائلة :
_ ماذا برأيك؟!
ابتسم متقدماً منها :
_ أظن أنه عليكِ أن تطلبي ذلك مني بكل تهذيب..
عقدت ذراعيها قائلة :
_ وإن لم أفعل؟
اقترب منها أكثر حتى لم يعد يفصل بينه وبينها سوى بضعة سنتيمترات صغيرة، كانت مضطربة جداً ولكنها اصتنعت الثبات أمامه، أما هو ودَّ لو يظل بجانبها هكذا إلى الأبد،؛ فقال :
_بل ستفعلي..
_ ولم أنت واثق إلى هذا الحد؟
_ لأن زوجتي مهذبة ولن تذهب إلى أي مكان دون إذني..
قالت بنظرات متحدية :
_ أنا بالفعل مهذبة.. ولكن أعتقد أنني لن احتاج إلى إذنك لأن زواجنا ليس حقيقياً هل نسيت؟!
ضحك قائلا :
_ ولكنك اعترفت الآن أنك زوجتي!
شعرت بالارتباك ؛ فأشاحت وجهها عنه قائلة :
_ لم أفعل..!
قال وهو يقرب وجهه منها بغيظ :
_ أتدرين؟.. أنت فتاة عنيدة جداً ومغرورة أكثر مني بمائة مرة.. و أوقات كثيرة أشعر أنني أتعامل مع طفلة صغيرة.. لذا لا تلوميني عندما أناديكي بصغيرتي مرة أخرى..
كانت أنفاسه تداعب خدها الأيسر وجفنيها المنسدلين ورموشها البنية الطويلة ، و عندما فتحت عينيها مرة أخرى كان هو قد تركها وخرج من الغرفة والابتسامة لا تفارق وجهه، أما هي نظرت في المكان حولها وكأنها كانت تحلم!، ولكن قلبها أكد لها أن تلك اللحظات الأخيرة كانت حقيقية ، تفاجئت حينما وجدت نفسها تبتسم ضاحكة ولم تستطع مقاومة ضحكاتهما..
رغم حيرتها.. رغم ألمها.. رغم ذلك السؤال الذي يدور دائماً في رأسها ، وهو إلى أين ستأخذها مشاعرها وما مصير هذا الزواج؟!
                                        & & &
فى الاسكندرية كان موج البحر ثائراً والرياح محملة ببرودة تنبئ بقدوم فصل شتاء بارد لسكانها، وفي إحدى الشركات المطلة على البحر كانت تسير تلك الأنثى - بكل ما في الكلمة من معنى - بتبختر ودلال مقصود ، ثم ابتسمت لزملائها في العمل وخاصة الرجال.. الأغنياء منهم !! ، ثم جلست على مكتبها قبل أن يأتي إليها صوت يناديها عبر جهاز الإتصال الذى يربط مكتب رئيس مجلس إدارة الشركة بمكتبها، فقالت على الفور :
_ حاضر يا فندم..
بسرعة ضبطت هندامها ونظرت إلى مكياجها في المرآة الصغيرة التي تحملها معها،ثم نهضت وهي تضبط فستانها، وبأنوثة ودلال دقت باب المكتب وفتحته ثم توجهت لتقف أمام مكتب حسن ، كان منشغلاً بالملفات التى أمامه بعدما قضى بعض الوقت مع                " عبدالحكيم " الذى أرسلته معه والدته؛ ليشرح له كل شيء بالعمل، عندما شعر بها قال دون رفع رأسه عن الأوراق التي يقلبها بين يديه :
_ جهزي لي اجتماع مع موظفين الشركة فوراً..
شعرت بالإحباط كونها حتى الآن لم تلفت ولو جزء بسيط من اهتمامه؛ فقالت بغنج :
_ تأمر بشيء آخر يا بيك.. ؟
_ لا شكراً..
قالها باقتضاب وهو لا يزال مركزاً نظره على العمل.. انه يفهمها جيداً منذ اللحظة الأولى التي رآها فيها، ولكنه لم يهتم لأجلها.. ليس لأنه محترم كما فكرتم وليس لأنها ليست من نوعه فقط ، أجل تربيته كانت غربية قليلاً ولكنه أيضاً رجل شرقي.. أعني انه لم يتربى على الحلال والحرام في كل شيء ولكنه لا تعجبه التصرفات السيئة.. بمعنى أصح تربى على الصح والخطأ الذي يطابق الإنسانية عموماً، وليس هذا موضوعنا.. الآن ما يجدر بي أن اذكره لكم انه في مرحلة ليس لديه فيها أي طاقة حتى ليحب بها نفسه وليس الغير فقط !
في هذه الأيام بالتحديد يمكنكم أن تقولون أنه مصاب بالاكتئاب، وخاصة بعد معرفته بخبر مرض والدته ، وقد استلم إدارة الشركة وعاد للعيش معها فقط لأجلها وليس لأجل نفسه.. ويوماً بعد يوم يتملك الحزن منه..
فقالت بإحباط :
_ أمرك يا بيك..
إلتفتت ؛ لتخرج وبعد خطوات استوقفها قائلا :
_ آنسه ميرال..
لمعت عينيها وقد ظنت انه وأخيراً قد إنتبه لها ، فالتفتت قائلة :
_نعم؟
قال بلا مبالاة :
_ أحضرى لي المدير المالي بسرعة.. و.. أريد قهوتي..
عاد بعد ذلك إلى ما كان يفعله بينما هي خاب أملها، فقالت قبل أن تخرج :
_ حاضر..
خرجت وأغلقت الباب ورائها، ثم زفرت بضيق وبدأت تنفذ ما أمرها به..
ميرال شاهين.. كانت دائماً في مراحل عمرها المختلفة من الأوائل في الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحتى في الجامعة.. حتى أنها حصلت على تقدير امتياز في سنة التخرج، وقد مننت نفسها بالعمل في الجامعة.. ولكن بعدما حصلت ابنة العميد على الوظيفة - التي كان من المفترض أن تكون لها - بالواسطة كما تُسمى ، أدركت أن الشهادات وحدها لا تكفى في بلد الوسائط!
وأنه من دون المال والسلطة لن تحصل مكانة فيها، ولأنها لا تمتلك الاثنين بدأت تستغل جمالها ربما تعجب أحد الرجال الاغنياء الذين يعملون معها في نفس الشركة ؛في الماضي كانت الدراسة كل همها في الحياة ولكن الآن أصبح المال هو الأهم..
                                        & & &
تأخر الوقت وقد يكون حمزه استيقظ من نومه ، صحيح أن عزت معه ولكنه لا يعرف كيفيه التعامل مع الأطفال، أسرعت هاجر بخطواتها لتعود الي ذلك الفندق الصغير، حيث زوجها وابنها، فتحت حقيبتها؛ لتضع أموالها.. فتعثرت أصابعها وسقطت حقيبة المشتريات من يدها، انحني ليناولها تلك الحقيبة، وقبل ان تشكره ذمت حاجبيها بتفاجؤ واستغراب :
_ استاذ طارق..؟!
_ مدام هاجر.. كيف حالك ؟
لم تجبه وحاولت المرور من جانبه، لكنه وقف بوجهها مرة أخرى قائلا :
_ لِمَ تتهربين منِي؟!
_ أيمكنك ان تبتعد من طريقي؟
_ يمكن.. ولكنك نسيت أن لدي عندكِ واجب ضيافة؟
زفرت بضيق وهي تعيد محاولتها للمرور ذاهبة إلى وجهتها، لمنه وقف بوجهها للمرة الثالثة :
_ حسناً.. إنسي الأمر.. لنتحدث في المهم.. ألم تفكري حقاً فيما قلته؟
قالت بغضب :
_ أفكر في ماذا؟
قال ببرود :
_ فى أن تتناولي القهوة معي مثلاً؟
_ انظر لقد بدأ صبرى ينفذ.. لذا من الأفضل لك ان اذهب الآن..
_ ولم لا تفكرين في الأمر؟
_ أنت ما الذى تريده مني؟!
_ أريدك أن تستعملي عقلك قليلاً.. انا سأجعلك ملكة..
اجابته بسخرية :
_ كيف؟!
_ تزوجيني..
اتسعتا حدقتي عينيها، ثم ضحكت بذهول :
_ كنت أشك ولكنني الآن تأكدت أنك معتوه!.. أغرب عن وجهي يا هذا..
قال قبل أن تذهب :
_ وما المانع..؟
_ مانع؟!.. انا متزوجة يا هذا هل فقدت عقلك.. ؟
_ متزوجة؟!.. وهل تسمين هذا زواجاً أم سجناً؟!.. انظري إلى حالتك وإلى ثيابك الرثة.. امرأة مثلك بهذا الجمال يجب أن تعيش في القصور وترتدي الحرير والماس.. وكل هذا ستحصلين عليه معي..
قالت، وقد اكتفت فعلياً وغضبها بدأ يتضاعف :
_ هذا يكفي!.. أسمعت؟!.. أنا متزوجة وأحب زوجي وهو أيضا يحبني وانا سعيدة معه.. هذه حياتي وأنا من أقرر.. لذا ضع عقلك برأسك ولا تفكر أن تعترض طريقي مرة أخرى ولو حتى صدفة.. انت لا تعرف عزت.. أكرر انت لاتعرفه.. والآن ابتعد وإلا فلا تلومني على ما قد أفعله..
برزت عروق وجهه وهو يصك على أسنانه من الغيظ، بينما هي مرت من جانبه ؛ لتذهب ولكنه أوقفها ممسكاً يدها وهنا فقدت السيطرة على غضبها وصفعته على وجهه، ثم قالت:
_ أخبرتك ألا تلومني..
ثم ابتعدت عنه إلى الفندق بينما التفت طارق ناظراً إليها وهي تسير أمامه بكل هدوء وقوة، فوضع يده على خده ثم ابتسم قائلا :
_ يا لها من شخصية!..
بعد قليل دخلت هاجر الغرفة فوجدت عزت نائماً بجوار طفلهما الصغير الذي كان نائماً أيضاً، فابتسمت ثم وضعت المشتريات على الطاولة بجوار السرير، ثم جلست بجوارهما تنظر إلى وجه ابنها بحب والى وجه زوجها، كان مستغرقاً في النوم بطريقة مسالمة، ابتسمت مرة أخرى وهي تتأمله بنظرة دافئة ..
أيعقل أن أتركك أو أتخلى عنك؟.. مهما كنت أو مهما كانت طباعك أنا أحبك.. وأعلم انه بداخلك حب مماثل لي، يكفيني أنك زوجي، يكفيني أن أراك دائماً.. منذ المرة الأولى التي رأيتك فيها وانت بطريقة ما سكنت بداخل أعماقي وأصبحت مع الأيام زوجي وحبيبي ووالد ابني..وكل عائلتي..
مالت ناحيته ومررت يدها على شعره ؛ فاهتزت جفونه وفتح عينيه ليراها تبتسم إليه بحنان، نظر إليها باستغراب ثم قال :
_ ماذا هناك ؟!
ضحكت بنعومة قائلة :
_ لا شيء..
_ حقاً
_ يعني.. هل.. ؟
_ هل ماذا؟
قالت بحياء وخجل :
_ هل أخبرتك يوماً.. أنني أحبك ؟
تفاجئ وللحق كانت لتلك الكلمة وقع مختلف في نفسه مضت أعوام طويلة لم يسمع فيها هذه الكلمة، كانت الحياة قاسية معه لدرجة أنسته الحب.. بل وأنسته أنه يستحق الحب، ابتسم لا إرادياً كطفل صغير، ثم قال :
_ لا.. هذه أول مرة أسمعها.. منك..
_ ولن تكون آخر مرة.. أنت حبيبي..
ابتسم لها ابتسامة مضطربة ، ثم اقترب وأخذها بين ذراعيه دون أن يقول شيء، فاكتفت بضمته وكأنها امتلكت الدنيا بما فيها..
أكاد أسمعك تقول هاجر ومن مثلها.. واحد بالمئة في مجتمع لا يتعامل إلا بلغة المال ، ولكن ليس جميع جنس النساء خائنات كما ليس جميع جنس الرجال كذلك.. والفتاة الوفية ذات الدين والخلق والتربية موجودة أنت فقط أسأت الإختيار أو لم تدقق نظرك جيداً لتراها..فقط حافظ على قلبك لتجد تلك التى حافظت على قلبها لأجلك..
                                        & & &
في وسط النهار كانت نسمات الهواء مبهجة للروح فمالت معها أغصان الورود بدلال وكأنها تتراقص في عرض خلَّاب، وانطلقت شقشقة العصافير لتشارك بعزف مقطوعة موسيقية جعلت أجنحة الفراشات الملونة تهتز وكأنها تستعرض جمال ألوانها ، و تساقطت أوراق الأشجار لتضفي لمحة حزن على المشهد ، لوحة فنية سبحان من أبدعها..
هكذا فكرت أمينة وهي تتجول في حديقة المنزل ، رأت مراد وشقيقه الصغير يلعبان الشطرنج، يجلسان القرفصاء على الحشائش الخضراء، نظرت إليه قليلا إلى تلك الضحكة التي أنارت وجهه ؛ فابتسمت ثم استدارت إلى الداخل مرة أخرى..
_ زوجة أخي.. تعالى إلينا دقيقة..
لم تجد بداً من التوجه إليهما، ناظرة إلى مراد الذي كان ينظر إليها ضاحكاً فبدا سحره لا يُقهر، توقفت بجوارهما ، ثم قالت :
_ ماذا هناك؟!
قال الفتى باهتمام :
_ لقد اغلقها مراد أمامي.. ألا تعرفين الحل..
نظرت إلى الطاولة الصغيرة المربعة الشكل ، ثم جلست بجوارهما تحاول أن تفهم وبعد لحظات قالت :
_ اعذرني.. انا لا أفهم شيئاً في الشطرنج..
قال مراد ليستفزها :
_ ليس عليكِ أن ترهقي نفسك.. فالشطرنج لعبة تعتمد على الذكاء..
ذمت شفتيها بسخط طفولي، ثم قالت :
_ عفواً.. أتقصد أنني غبية؟!
قال متصنعاً الاندهاش :
_ أنا؟!.. متى قلت ذلك؟
_ هذا ما قصدته من كلامك.. أليس كذلك أحمد؟
قال أحمد بابتسامة :
_ أجل..!
قال مراد يحاول كبح ابتسامته :
_ أنا لم أقل غبية لذا لِمَ تأخذين كلامي بهذا المعنى.. إلا إذا كنت تظنين نفسك غبية بالفعل!.. أليس كذلك أحمد؟!
قال الصغير مستمراً بالإبتسام :
_ أجل..!
قالت أمينة بغيظ ناظرة إلى مراد :
_ أحمد.. أخبر أخاك أن يتحدث معي باحترام..
إنه يعشق هذا الجانب الطفولي بها لدرجة الجنون؛ لذا قال ناظراً إليها وشبح ابتسامة يرتسم على وجهه :
_ أحمد..أخبر زوجة أخاك.. أنني لم أقل إلا الحقيقة ولم أهينها أبداً..
_ أحمد.. أخبر أخاك أنني لا أهتم بما يقوله أو يفعله..
_ أحمد.. أخبر زوجة أخاك أنني أيضاً لا أهتم بما تفكر به.. ولكنني لم أقصد إهانتها أبداً..
_ إذا لماذا قلت أنني غبية..؟
_ لم أقصد أنك غبية.. بل صغيرة.. صغيرتي..
قال ذلك بنعومة وابتسامة رقيقة مما جعلها تشعر بالارتباك وتفقد غضبها، وغاصت في نظراته للحظات حتى تنحنح أحمد ففاقت من تأثير نظراته عليها، ثم نهضت متجهة إلى داخل المنزل، بينما كان مراد إليها ضاحكاً وفي عينيه لمعة تنير وجهه، ثم نظر إلى شقيقه الذى كان ينظر إليه باستغراب، فحرك حاجبيه صعودا ونزولاً ثم قال :
_ مارأيك؟
قال أحمد ببراءة الأطفال :
_ أهكذا يكون الحب يا أخي؟
تبددت ابتسامة مراد ثم نظر إلى أثرها، وبعد عدة لحظات ابتسم قائلا :
_ ربما.. أياً كان اسم مايحدث معي.. هو شيء رائع وبشع مبهج ومؤلم في نفس الوقت.. تصل معه حيرتك إلى درجة لا تتوقعها ولا تفهمها..
نظر إلى الصغير ثم قال ضاحكاً :
_ أتفهم شيئاً؟
قال أحمد وهو يهز رأسه :
_ لا !
_ ولا أنا.. دعك من كل هذا ولنكمل ما نفهمه إذاً..
تشارك أحمد الضحك مع شقيقه، ثم استكملا اللعب..
                                       & & &
كانت ريحان تعمل بكل قوتها في الورشة حينما جائها صوت بكاء شقيقة ليليان " نور "؛ فتركت ما بيدها بقلق، ثم خرجت إليها لتراها، فأخبرتها أنها كانت تشتري الحلوى لكاميليا الصغيرة وفي المحل ضربتها ابنة صاحب المحل، فردت لها الضربة لذا قام صاحب المحل بضربها بشده لدرجة ان أصابعه تركت آثاراً على وجهها، فغلي الدم في عروق ريحان وأخذتها ثم ذهبت إلى المحل الذي يقع على رأس الشارع، وهناك نادت صاحبه بعلو صوتها وعندما خرج لها قال :
_ ما الأمر.. لقد ضجرت رأسي بصراخك هذا؟!
_ لماذا ضربت الفتاة الصغيرة؟!..انظر إلى وجهها ! كيف فعلت هذا؟!
_ لقد ضربت ابنتي..
قالها بلامبالاة وكأنه لم يفعل شيء؛ لذا خطت خطوتين حتى أصبحت أمامه، وأمسكته بغضب بغضب من ياقة قميصه قائلة :
_ هما أطفال مع بعضهما.. هل هذه الفتاة في نفس عمرك لتضربها هكذا.. ألم تستحي وأنت تفعل هذا؟!
قال الرجل وهو يحاول رفع يدها :
_ اهدئي يا مدام.. هي فتاة عديمة التربية.. ربّي فتاتك أولا ثم تعالي وحاسبيني..
_ لتتربي انت أولا يا ظالم.. ألأن والدها وشقيقتها ليسا هنا ستفترى عليها؟!.. خاف الله انها طفلة صغيرة..
_ لا إله إلا الله!.. يا مدام اتركيني.. لا أريد أن أرفع يدي عليكِ..
_ يا رجل!!.. لقد رفعتها منذ قليل على طفلة في نفس عمر أولادك بل أحفادك.. والآن ترسم البراءة علي؟!.. أتدري؟.. ارفعها.. ارفعها.. انا أريدك أن ترفعها..
قالت ذلك بجرأة ؛ فصرخ الرجل منادياً أهل الحارة الذين تجمعوا فى ثوانٍ يضربون كفاً بكف على شأن تلك الفتاة المسترجلة التي ستضرب الرجل، في هذه اللحظة تدخل شاب في أواخر العشرينات قائلا :
_ ما بكم متجمعون.. هيا كل إلى عمله.. لا تنقصنا فضائح!
ثم اتجه إلى ريحان والرجل الذي قال مستنجداً به من تاك التى ستكسر ذراعه :
_ أستاذ أحمد.. أبعد تلك المجنونة عني..
قالت له بغضب وهي تضغط على ذراعه بقوة :
_ ليس قبل أن أكسر يدك التي رفعتها على نور..
قال أحمد ليهدئها :
_ أرجوكِ اهدئي واتركي الرجل.. هذا لا يصح..
_ يصح؟!.. ويصح ما فعله بها؟!.. انظر إلى ذراعيها ووجهها..
عندما رأي أحمد العلامات الحمراء على جسد الصغيرة ، قال معاتباً :
_ لا لا يا عم سامح!!.. لقد تورم وجه الفتاة.. سامحك الله يا رجل..
قالت ريحان بغيظ :
_ بل لا سامحه الله أبدًا..
_ حسناً يا أختاه.. لقد ضربتيه وفضحتيه في الحارة بأكملها.. اتركيه إذا..
_ لا أفهم كيف طاوعه قلبه على ضربها..
_ كفاكِ.. هو لن يقترب منها مرة أخرى..
_ وهل يستطيع أن يمد يده عليها مرة أخرى.. سأقطعها لو فعل..
قالت ذلك وهي تضغط على ذراع الرجل مرة أخرى؛ فتأوه، وقال احمد :
_ حسنا.. لقد فهم هذا.. اتركيه الأن من فضلك..
_ هذه المرة سأكتفي بإنذارك.. وتذكر ان هذه الفتاة وراءها فتاة من الصعيد اسمها ريحان.. ها؟!.. ريحان.. احفظه جيداً حتى تقوله للضابط في التحقيقات المرة القادمة.. عندما افتح رأسك ان شاء الله..
تركت يده التي كانت تلويها خلف ظهره، ثم اخذت نور وذهبت، بينما ظل أحمد يضحك على تلك الجريئة التي تدعى ريحان.. يا الله! جريئة حقاً لا تترك حقها..!
_ آه منك يا ريحان!.. قوية أنت يا فتاة!!
ثم رحل إلى مطعمه " للكشرى المصري" وغيرها من المأكولات، الذي يقع على رأس الشارع التي تقطن فيه ريحان، أما الرجل صاحب المحل تحسس يده بألم قائلا :
_ يا الله على هذه البلوة..هل كانت الحارة تنقصها مصائب جديدة؟!
                                      & & &
انتهى الحاج عبد المنعم من صلاة المغرب في جامع المشفى، وهو في طريقه إلى غرفة آسر لمح من بعيد دخول الأطباء والممرضات إلى الغرفة بسرعة؛ فأسرع خطاه حتى وصل وسأل إحدى الممرضات عما يحدث، فأجابته أن حفيده قد استفاق من غيبوبته؛ فابتسم بفرحة وهو يراه يفتح عينيه بصعوبة، أما آسر ما ان أدرك ما حدث وتذكر خيانة حبيبته.. " أسيل" تلك التي تمناها أن تكون زوجته يوماً، اغمض عيناه وانزلقت دموعه ببطىء وألم، بدأ الطبيب يسأله عدة أسألة وهو يجاوبه بصعوبة بصوت مبحوح متقطع..، وعندما استمع جده إلى صوته أخذ يبكي بسعادة رافعاً رأسه إلى السماء حامداً ربه بكل ذرة في كيانه وفي قلبه، ثم تسلل من وسط الأطباء والممرضات وأمسك كف حفيده بيديه قائلا له :
_ حمداً لله على سلامتك يا نور عيوني..
فتح آسر عيناه، ثم نظر إليه بألم.. حاول الابتسام ولكنه لم يستطع؛ فقال العجوز ليطمئن قلبه هو قبل قلب حفيده :
_ أنت بخير.. ستُرمم كسورك وستكون بخير.. سأهاتف خالد حالا لأخبره.. فهو قلق عليك كثيراً..
نظر آسر إليه ورءاه يخرج هاتفه ويتصل بحفيده الآخر، يتحسر على جده الذي يظن أنه سيكون بخير.. أي كسور هذه التي ستُرمم يا جدي؟!.. وهل وجع الخيانة يُمحي؟!.. هل كسرة القلب تزول؟!.. آآآه!.. لماذا ايقظتني يا الله.. لِمَ لمْ تأخذ روحي إليك لأرتاح من هذا الوجع؟!.. لست معترضاً على قضائك يا الله.. ولكن قلبي يؤلمني بشدة.. وكأنه ينزف بداخلي..!
                                       & & &
كان خالد في مكتبه عندما دخل عليه المقدم " عادل صلاح" صديقه وزميله بالعمل قائلا :
_ لم أعصابك متوترة هذه الأيام؟
نهض خالد من على كرسي مكتبه، قائلا باختناق :
_ تعلم ما يمر به آسر هذه الأيام..
قال الأول مواسياً :
_ لا تقلق يا خالد.. ان شاء الله سيكون بخير..
أمَّنَّ خالد على كلامه بينما قال الآخر :
_ ظننتك متوتراً بسبب المهمة الأخيرة..
ولأن عادل مصدر ثقة بالنسبة إلى خالد، زفر بضيق ثم قال:
_ آه يا عادل!.. انا أمام مجموعة من الأشخاص الأذكياء.. منذ أيام وانا اراقبهم بنفسي.. ولكنهم يأخذون احتياطاتهم جيداً في كل شيء.. لا يتركون أثراً ورائهم..
_ اهدأ يا رجل.. لا يأتي شيء بالعصبية أبداً..
_ معك حق.. والآن لا توجد أمامي سوي طريقة واحدة..
_ ما هي.. ؟
صمت لعدة لحظات ثم قال :
_ سأخبرك..
مضت عدة دقائق كان فيهم عادل ينصت جيداً إلى ما يقوله، حتى رنَّ هاتف خالد باسم جده ففتح المكالمة.. وبعد لحظات تهلل وجهه وهو يقول :
_  الحمد لله.. أنا قادم يا جدي..
                                        & & &
سمح حسن لميرال أن تدخل بعدما استأذنته، فقالت بأنوثة ودلال :
_ هناك شخص أسمه " الحاج غالي" يريد أن يقابلك يا فندم..
قال باهتمام بالغ بعدما سمع اسمه :
_ أدخليه فوراً..
بعد لحظات نهض احتراماً لصاحب والده القديم، قائلا :
_ مرحباً يا عم غالي.. لقد أنرت مكتبي..
تهلل وجه الرجل؛ فقال :
_ أعزك الله يا ولدي..
_ فالتجلس ارجوك..
مال على جهاز الاتصال، وطلب عصير له ولضيفه، ثم قال :
_ ما أخبارك يا عم غالي؟.. وأخبار أولادك؟
_ في نعمة والحمد لله يا حسن..
وبعد تبادل الاخبار والسلامات الخاصة لأولاد العم غالي ولوالدة حسن وشقيقته، قال الرجل :
_ المهم يا ولدي.. أخبروني أنك استلمت أعمال والدك هنا لهذا قصدتك في طلب مهم..
_ أمرك يا سيدي..
_ لا يأمر عليك ظالم يا بني.. هناك فتاة طيبة وابنة صديق لي.. والدها دخل بغيبوبة وتحتاج إلى العمل.. وانا قاصدك في إيجاد عمل لها..
_ فهمتك يا عم غالي.. لا تحمل هم.. أحضرها إلي غداً ومعها سيرتها الذاتية الخاصة.. يعني أوراق شهادتها وبطاقتها الشخصية.. وسأري ما فيه الخير لها ان شاء الله..
_ أجل.. ولكن الفتاة.. لاتزال تدرس في الجامعة.. ولكنها ممتازة ومجتهدة وستتعلم أي شيء بسرعة..
أعاد حسن ظهره إلى الوراء مفكراً؛ فقال الرجل :
_ لن أخفي عليك.. لقد سألت في أماكن أخرى ولكنهم تعللوا بدراستها.. انظر يا ولدي لن اضغط عليك.. ولكن هذه الفتاة في وضع تحتاج فيه حرفياً إلى المال.. ولكنها عفيفة النفس كوالدها لن تقبله دون أن يكون نتاج تعبها..
فكر حسن مرة أخرى..لم ينظر إلى الأمر من الناحية الإنسانية بل فكر به بطريقة عملية.. حسناً لم لا يجربها؟ .. انه فعلياً لا يثق في ميرال وقرر منذ الأمس تغييرها ولكنها أيضاً ممتازة في عملها!.. ،سأل وهو لا يزال يفكر.. :
_ وماذا تدرس..؟
_ التجارة..
قَّلب الأمر في رأسه، ثم أخيراً قال بابتسامة :
_ حسناً.. أحضرها إلي غداً كما قلت لك.. وسأدبر لها وظيفة لأجل خاطرك يا عم غالي..
تهلل وجه الرجل مرة أخرى، ثم قال :
_ أكرمك الله يا ولدي.. غداً ان شاء الله ستكون أمامك هنا..
ثم نهض وهو يقول :
_ والآن.. أستأذنك لأرحل..
_ مبكراً يا عم غالي..!
_ لا يا ولدي.. يكفي أنني عطلتك عن مشاغلك..
_ أبداً.. زيارتك دائماً تسعدني..
ابتسم الرجل، ثم ودعه حسن وترحم على والده..
                                        & & &
دخلت أمينة الغرفة فوجدت مراد واقفاً أمام المرآة يُصفر برواق، تملكتها الدهشة وهي تراه يضبط ثيابه بأناقة؛ فقالت واضعة يدها اليمني على خصرها وقد رفعت حاجبيها :
_ مزاجك جميل اليوم !..
قال وهو يضبط ياقة جاكيته الفاتح لونه :
_ أنا مزاجي دائماً جميل..ليس كأشخاص أعرفها.. قنبلة نكد متحركة..
وقبل أن تعترض على كلامه، اقترب منها وهو يصفر نغماً راقصاً، ثم أمسك يدها الموضوعة على خصرها وقام بلفها ؛ فدارت حول نفسها ويدها بيده عالياً وهي متعجبة مما يفعله، ثم ترك يدها لتستقر واقفة قاطبة حاجبيها ناظرة إليه بشك، فقالت وهي لا تدرك كم بلغت حدة صوتها :
_ ولكن لكل شيء سبب..
قال بابتسامة ناظراً إليها :
_ ليس ضروري.. لا يحتاج المرء إلى سبب واضح دائماً ليروق باله..وإذا أردنا ما المانع أن نخترع أي مبرر.. المهم نروق قليلاً..
_ نروق قليلاً؟!.. آاه!.. يبدو لي انك ستخرج..
قال وهو يعود إلى المرآة :
_ هذا صحيح..
أدركت الآن ان ما تفكر به صحيح، فعقدت ذراعيها قائلة :
_ وهل ستخرج وحدك؟
هل تشمون تلك الرائحة التي أشمها الآن؟.. أجل انها رائحة الغيرة..!
انتبه إلى تغير طريقتها فأراد أن يثير جنونها قليلاً؛ لذا أخذ يضبط خصلات شعره وهو يقول ببرود :
_ لا..
تأكدت من شكوكها؛ فقالت بابتسامة غيظ :
_ ومع من ستخرج يا ترى؟
قال ضاحكاً :
_ على الرغم من رفضك للأمر.. بت كجميع الزوجات الآن.. ولو أنني لا أحب هذا النوع من الأسئلة لكنني سأجيبك..
أخذ زجاجة عطره وأخذ يرش منها على ثيابه ورقبته وموضع النبض في معصميه :
_  في الواقع.. انا لدي موعد..
قالت بعد عدة لحظات وهي تحاول إخفاء غيظها وراء هدوء مزيف :
_ موعد غرامي؟!
أخفي ضحكة تكاد تنفلت منه عندما لاحظ غيظها، لم يلتفت لينظر إليها ولكنه يكاد يرى ملامح وجهها العابسة، وتذكر سخريتها منه مسبقاً عندما سألها هل تغار.. والآن تموت من غيرتها وهذا ما أسعده ولو أنه لا يعلم لِمَ أسعده! :
_ سميه ما شئت.. فأنا سأخرج مع شخص أحبه جداً..
يا له من جرئ!.. بل يا له من وقح!!.. هل يخبرني بهذا الأمر بكل بساطة؟ ألا يحترم على الأقل الورقة التى تجمع بيننا؟!
أحمر وجهها، وقطع تفكيرها :
_ سأتأخر هذه الليلة.. السهرة ستأخذنا..
لم تستطع أن تخفي غضبها أكثر؛ لذا قالت:
_ على راحتك.. لا تشغل بالك أبداً.. أهم شيء أن تمضي سهرتك بكل رواق.. ولكن أخبرني.. ما اسمها ؟.. من هي ؟.. أهي رؤي أم زميلتي؟.. أم فتاة أخرى غيرهن؟
إلتفت ونظر إليها بغموض للحظات، ثم تقدم إليها بابتسامة :
_ خمني إذا.. من برأيك؟!
_ لن يهمك رأيي يا مراد..ولا يهمني أيضا ..هذا أمر لا يعنيني..
رأي مراد نار الغضب في عينيها؛ فقال بسخرية :
_ حقاً؟!.. حسناً يا زوجتي العزيزة.. انا سأخرج ولا تقلقي علي ان تأخرت.. ولكن هل أبدو أنيقاً؟.. أتمنى أن أعجب الفتاة التي سأقابلها..
قال جملته الأخيرة ضاحكاً، فنظرت إليه والغضب يفوح من نظراتها؛ لذا قرر أن يذهب قبل أن تنقض عليه، ثم أشار لها بيده وهو يقول خارجاً :
_ تصبحين على خير يا صغيرتي..
تركها وخرج ،بينما ظلت واقفة وسط غضبها وغيظها تحاول منع نفسها من إطلاق صرخة غيظ قوية مما يفعله ذلك ال" ابن الاكابر صياد الفتيات" معها..
                                       & & &
في إحدى الشقق في الاسكندرية خاصة في نفس المنطقة التي تعيش فيها ليليان، كانت تلك المسنة تتناول الشاي بعد العشاء مع ابنها قائلة بمكر أمومي :
_ وماذا بعد؟!
قال أحمد بحماس غير معهود :
_ أنت لم ترينها البارحة يا أمي.. كانت ممسكة بالرجل وكأنه دجاجة بين يديها!.. فتاة غريبة..عندما ترينها لن تصدقي أن تلك الفتاة تعمل في ورشة السيارات.. فتاة بألف رجل كما يقولون..
ضحكت والدته ،فارتشف القليل من الفنجان ثم جلس على الكرسي بجوارها متسائلاً :
_ علام تضحكين؟!
_ هاه؟.. لا شيء..!
قالت ذلك والدته من بين ضحكاتهما؛ فضيق عيناه قائلا :
_ ملاك.. ما الأمر ؟
كتمت ضحكاتهما، ثم قالت :
_ ألا تلاحظ أنك تتحدث عن ريحان تلك كثيراً.. يحق لي أن أسألك انا.. ما الأمر ؟!
شعر بحرج شديد واحمر وجهه قائلا؛
_ لا يوجد شيء.. هي فقط شخصية غريبة لذلك لفتت انتباهي.. فقط لا غير..
_ ولماذا احمر وجهك بهذا الشكل إذاً ؟!
وضع يده على خده، ثم قال :
_ عادي.. ربما لأن الشاي ساخن..
قالت والدته بمكر :
_ الشاي ساخن؟!. انتظر ليبرد قليلاً..
أومئ لها، ثم وجدها تمد يدها إليه بمجموعة صور؛ ليلتقطها منها، ففعل ونظر إليهم باستفهام، ثم قال :
_ ما هذه الصور يا أمي؟
_ بنات عائلات.. أخلاق وجمال..
_ أجل..؟!
_ اختر منهن عروسة..!
قلب عينيه بضجر، ثم نهض واقفاً وهو يضع الصور على الطاولة أمامه :
_ ملاك.. ألم ننتهي من هذا الموضوع؟!
تنهدت والدته قائلة وهي تنهض واقفة بجواره :
_ يا بني.. لقد أصبح عمرك فوق التسعة والعشرون عاماً.. نشتهي أن نحمل أولادك قبل وفاتنا..
تنهد ثم قال :
_ أمي.. العمل كل يوم يتطور.. وسأفتتح المطعم الجديد قريباً إن شاء الله.. لهذا أنا أؤجل هذه الخطوة فيما بعد..
_ العمر يجري يا ولدي.. ولا ينتظر أحد.. بماذا سيفيدك العمل وأنت وحيد.. كما أن " أولاد الشيبة يتامى" كما يقولون..
_ والآن!.. هل تريني في الخمسين من عمري؟..لم أبلغ الثلاثون بعد..
وبخته على سخريته من كلامها، ثم قالت :
_ لقد مللت من الحديث معك في هذا الموضوع.. متى ستريح قلبي؟!
_ سأقول لك كما أقول في كل مرة.. الزواج قسمه ونصيب.. ومتى يحين نصيبي ستجديني متزوج..
أخذ يمازحها بعد ذلك ثم سأل على والده، فأخبرته أنه يزور شقيقة احمد الصغرى في بيتها ويحل لها بعض المشاكل مع زوجها، حزن على شقيقته ثم دعا لزوجها بالهداية فقد فاض به الكيل ومن يمنعه عنه والده، بعد دقائق تركها ودخل إلى الشقة المواجهة لشقة والديه؛ لينام..
                                        & & &
مرت الساعات وأمينة لاتزال على حالها، تفكيرها مشتت وهي جالسة في الشرفة المطلة على مدخل المنزل واضعة على قدميها طبق من الفول السوداني المحمص، تفرك كل حبة بيدها لتجردها من قشرتها وتضعها في فمها بتوتر..
تتخيله جالساً مع إحداهن، يغازلها، يقترب منها، تكاد تسمع أصوتهما يتهامسان ثم يتعالي بالضحك، اغمضت عينيها وهي تهز رأسها باعدة هذه التخيلات عن ذهنها، ثم وضعت الطبق بجانبها ونهضت واقفة، زفرت بضيق وعصبية ونظرت إلى شاشة هاتفها مضت ساعات وهي لاتزال تنتظره مع انها أعطت لنفسها مبررات مختلفة لمَ يحدث معها، فكرت أكثر من مرة أن تهاتفه وتجبره على العودة ولكنها منعت نفسها مفكرة أنه لا يهمها ولا يعنيها حتى وإن كان مع رؤي نفسها!، ولكن ينتابها شعور مؤلم وكأن قلبها أصبح كشعلة تتوهج فيه النيران وتعلو وكلما مر الوقت أكثر يُثقل صدرها وتكاد تصاب بالاختناق..
_ وﷲ أنا هنا أحترق وهو يعيش حياته.. مغفلة أنا.. مغفلة.. يعني لِمَ آخذ الأمور وكأنها المرة الأولى.. وكأن هذا ليس مراد عامر.. ابن الاكابر صياد الفتيات!.. أنا لماذا أهتم بالأساس.. الأمر حقاً لا يستحق.. حتى ولو كان مع ملكة جمال العالم..
قاطع نبرة صوتها الغاضبة صوت مكابح سيارته تقف أمام المنزل، ورأته ينزل من السيارة وتبدو عليه امارات المرح والسعادة بابتسامته التي أنارت وجهه ، ماسكاً جاكيته بيده اليسرى ليضعه على جانباً من ظهره تراه يتمتم بأشياء وهو يفتح باب المنزل وكأنه يغني؛ فقالت قاطبة حاجبيها بغيظ ممسكة بسور الشرفة :
_ ما أغلظه!!
ثم وقبل أن يراها هبطت جاثية على الأرض، حسبته لم يلحظها ولكنه لمح محاولتها الفاشلة بالاختباء فابتسم وقد لمعت عيناه، ثم تمتم قائلاً :
_ لا يهمك الأمر ! .. هااه ؟!
كانت أمينة جالسة على الأرض لا تريده أن يعرف أنها كانت تنتظره حتى لا تمنحه شعوراً باهتمام منها قد يؤذيها فيما بعد، أخذت تحبي كالأطفال الصغار داخلة الغرفة بهدوء، ثم بعدما وصلت خلف الجدار نهضت واقفة وبسرعة تمددت على الاريكة وفردت الغطاء الخفيف عليها متظاهرة بالنوم..
                                      & & &
  كان مراد لايزال مكانه يفكر حينما وقف بجانبه أحمد الذي كان في السيارة ولم تلاحظه أمينة، قال الفتى الصغير وهو يعطي له مفتاح السيارة :
_ لقد صففت السيارة وأغلقتها..
لم يجبه مراد؛ فقال :
_ هل أنت على ما يرام؟
ابتسم مراد وقد انتبه إليه، ثم قال وهما يتقدمان ليدخلان المنزل :
_ أجل..
_ لا أظن ذلك.. بك شيء متغير.. بل في الواقع أشياء..
_ يا ويلي منك يا فتى.. تريد أن تعرف كل شيء؟
_ ليس كل شيء.. ولكن ما اعرفه يثير عجبي..!
_ وما الذى تعرفه إذاً..؟
_ لنقل من البداية.. زواجك مثلاً!.. عندما أخبرتني امي أنك ستتزوج ظننته مقلب منك لنا أو دعابة من أمي.. وعندما رأيتك يوم زفافك كان الأمر غريباً.. ولو انهم أخبروني أنك صعدت إلى القمر وأصبحت رائد فضاء لكنت صدقته أكثر..
_ إلى هذا الحد؟!
_ ألست محقاً..؟
_ أجل.. ولكن انصافاً.. لم أكن اعرف أمينة وقتها..
_ ومن حسن الحظ انك غيرت رأيك وتزوجتها.. انها طيبة جدا كأمي.. بالمناسبة تلك الفتاة التي كانت في المول لم تعجبني أبداً.. بدت لئيمة..
_ انها لا شيء!.. دعك منها.. ولا تشغل رأسك الصغير هذا بها.. هيا تصبح على خير..
ضرب أحمد كفه الأيمن بكف مراد بعفوية متمنياً له ليلة سعيدة ، ثم ركض صاعداً السلم إلى غرفته ولحقه مراد الذى وقف أمام الغرفة التي تقطن بها أمينة؛ ليفكر لها في أمر يثير تفكيرها.. وربما جنونها!
كانت أمينة تنصت إلى الأصوات خارج الغرفة وحينما رأت مقبض الباب يتحرك أغمضت عينيها ومثلت أنها مستغرقة في النوم، وعندما رآها ابتسم رافعاً حاجبيه.. وقد علم أن هذا بالضبط ما ستفعله.. وهذا أعجبه!
أخذ يغني بصوت منخفض وهو يلقى جاكيته على طرف السرير بينما أخذت تفكر بأنه شخص.. حقير!.. غليظ!
فتحت عينيها بحذره ورأته جالساً على السرير يخلع حذائها وحينما رأته يلتفت نحوها أغمضتهما مجدداً، ولأنه - برأيي -  شخص محظوظ وصلته رسالة من أدهم يخبره فيها بأنه سيسافر غداً إلى فينيسيا وأن سما سترافقه في هذه الرحلة على متن الطائرة، ولأنه يعلم أنها تنصت إليه نظر إليها ثم ضحك بصوت تسمعه، فتحت عينيها ببطىء ورأته ممسكاً هاتفه، قائلا :
_ هل كنت وسيماً حقاً إلى هذا الحد؟
شعر بأنه يرى عينيها المتسعتين تنظران إليه بغيظ؛ فضحك مجدداً ثم قال :
_ لن أنسى هذه الليلة أبداً.. ولو صار عمري مئة عام..
هذا إذا عشت وإذا لم أقتلك اليوم بيدي!. كان هذا ما فكرت فيه وهي تغمض عينيها مرة أخرى، سمعت حفيف ملابسه وهو يخلعها متجهاً إلى باب الحمام الملحق بالغرفة مستمراً بالغناء وبعد قليل سمعت خرير الماء فنهضت من مكانها وهي تبحث عن هاتفه بعينيها وحينما رأته فوق الوسائد خطت بخفة وببطئ تجاهه ثم أمسكته وحاولت فتحه، كتمت غيظها لأنه واضعاً رمزاً للدخول.. احتارت فكتبت تاريخ ميلاده ولم يفتح، ثم كتبت رمزاً عشوائياً وأيضاً لم يفتح، توقف خرير الماء فتركت الهاتف وعادت إلى مكانها بسرعة،تمددت على الاريكة وغطت نفسها كما كانت وعندما سمعته يفتح باب الحمام مغنياً بكل رواق أغلقت عينيها..
أخذ يجفف شعره وهو يتقدم تجاه السرير ووجد هاتفه ليس موضوعاً في نفس المكان الذى حدده قبل دخوله الحمام، ابتسم وقد أدرك أنها كما توقع حاولت أن تفتح هاتفه وترى رسائل حبيبته التي ليس لها وجود أساساً!.. ولكن هل هي حقاً تغار عليه؟! ..ابتسم وقد بدأ قلبه يخفق لمجرد الفكرة، ثم استمر في تمثيله وهو يجلس على السرير ناظراً إلى وجهها قائلا بنبرة صوت رحيمة هادئة :
_ اه يا إلهي!.. كيف لي أن أتحمل وكل هذا الجمال معي..
أخذ يتأمل وجهها وكأن التمثيل أصبح جاداً :
_ نظرات ساحرة كلما أراها أرحل معها إلى عالم آخر.. وسط قسوتها ترى فيها لمعة ترجو الاقتراب أكثر.. أخشى أن أقول أنني أصبحت أسيرها.. كيف؟!.. أو ما الذى يجب أن أفعله؟!.. لا أعرف..!
توقف مراد للحظات، لم يكن ينوي أن يقول ما قاله ولكن الكلمات خرجت من قلبه صادقة جداً بطريقة لا ايرادية.. تفاجئ من نفسه وفجأة طرأ سؤال واحد على ذهنه وهو ينظر إليها.. " ما الذي يحدث معي؟! "
بينما هي اندفعت الدموع الساخنة إلى عينيها.. هل أصبح شاعراً ويقول فيها اشعاراً ؟!، نامى أيتها الغبية.. هذا يكفي لا تتأملى كثيراً.. مراد عامر سيبقى كما هو ولن يتغير..
سمعته يفرد الغطاء على نفسه وينام، فببطئ فتحت عينيها ورأته نائماً.. حسبته رائقاً ولكنها لم تعرف أنه لم يفعل ذلك إلا ليتخلص من أفكاره والاسئلة التي لا إجابة لها في عقله، قطبت جبينها عابسة ثم أدارت ظهرها وجففت دموعها مقررة عدم التفكير في الأمر..
ولأن النوم لا يأتي دائماً على هوانا ويقف لإرادتنا رأساً برأس أبى أن يطيعهما.. كل منهما متحيراً لما يحدث معه.. ولا يدريان أن الحب الذي هربا منه طوال حياتهما ينصب الآن فخه لهما !
                                & & &

 ولا يدريان أن الحب الذي هربا منه طوال حياتهما ينصب الآن فخه لهما !                                & & &

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
هي وابن الأكابر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن