لم تكن تعلم أن ذلك الشاب المشهور ذو السمعة السيئة سيكون يوماً ما زوجاً حنوناً لها يصب الحب عليها صباً ..!
ليست من عالمه ولا هو من عالمها ولكن تقاطعت طرقهما والتقيا ،ثم أصبح طريقهما واحداً..!
وأصبح ذلك الغريب..عائلتها..♥️
وأنتِ يا معجزتي.. أمازلت خائفة؟.. أقدم لك حياتي يا سيدتي الأولى والأخيرة .. لتكون عيناكِ آخر ما أراه قبل رحيلي .. فهل يمكنني أن ابقي انظر إليك ما تبقى لي من عمري؟.. .... لاحظت صاحبتنا في اليوم التالي أن مزاجه متعكر ؛ فعادتاً عندما يكون متوترا تسير معه الأمور بطريقة عكسية.. حاول أكثر من مرة أن يمزح ولكنه لم يفلح حتى عندما ساعدها في تنظيف المنزل رغم معارضتها للأمر.. دقَّ أحدهما على الباب في حين كان صاحبنا يضع المزهرية بالقرب منه، فتوقع أن يكون زائرهم المنتظر قد جاء ليأخذ مفتاح بيته، رآها آتية باتجاه الباب فأسرع هو وفتحه، قبل أن يرى شاباً وسيما في بداية العقد الثالث من عمره، طويل، أشقر.. ذو لحية خفيفة وجسد رشيق، مرتدياً بنطال من الجينز الأزرق وكنزة صوفية بيضاء.. ابتسم يونس حينما رأي مراد الذي ضاقت نظرته إليه، ثم قال : _ مرحباً.. أنا يونس ابن جارتكم.. رد له مراد الابتسامة، قائلاً : _ مرحباً.. أتيت لأجل المفتاح؟.. أومأ له الآخر إيجاباً، قبل أن يلتفت؛ ليحضر له مفتاحه، ولكنه توقف عندما رأي أمينة في وجهه ممسكة به، ثم تقدمت ناحية زائرهم وأعطته له، أخذه يونس منها وهو ينقل نظره منها إلى مراد الذي عبست ملامحه، وتساءل قائلاً : _ هل أنتم السكان الجدد لهذا المنزل؟ ابتسمت صاحبتنا قائلة : _ لسنا سكان جدد.. هذه أنا!.. ألا تتذكرني؟!.. نظر إليها يونس للحظات، وقال : _ عفوآ.. ولكنن...... انفرجت أساريره قبل أن يهتف : _ أمينة!؟.. رفع مراد حاجبه الأيمن وهو يراقب ردة فعله بأعين نارية، بينما استطرد الآخر : _ غير معقول.. هل عدتِ للعيش هنا؟.. _ مؤقتاً.. وسنعود إلى منزلنا مرة أخرى.. قالها مراد بحزم؛ ليستلم هو دفة الحوار، بينما نظرت إليه أمينة لا تعلم من أين له بهذه الثقة ليقل هذا.. هل منها؟! قاطع يونس تفكيرها قائلاً لمراد : _ على خير ان شاء الله.. هل أنت زوج أمينة؟ قام صاحبنا بضمها إليه وهو يحتضن خصرها بذراعه اليسرى كإيحاء للشاب الذي أمامه بأنها زوجته وقطعة منه، بينما أمينة سارت الكهرباء في جسدها واشتعل وجهها خجلاً من حركته الفجائية، خاصة عندما قال : _ أليس واضحاً؟! حمحم الشاب وقد تفهم غيرة مراد، فقال بابتسامة صافية : _ لا!.. واضح جداً.. تشرفت بك.. وشكراً لكم على المفتاح قالت أمينة قبل أن يذهب : _ إلى أين؟!.. أنت اليوم ضيفنا.. زفر مراد يكتم غيظه، فرفض يونس بتهذيب ولكن أمام إصرارها لقبول دعوتها على العشاء اضطر مراد أن يدعم دعوتها كي لا يحرج الرجل.. وفي النهاية قبل دعوتهما وغادرهما متجهاً إلى منزله المواجه، قال مراد : _ كيف تدعينه على العشاء دون أخذ رأيي..؟ علمت أمينة أن هذا سيغضبه وهذا رداً على ثقته المبالغ فيها؛ فقالت : _ وهل يجب أن آخذ رأيك؟.. قابل نظراتها المتحدية بنظرات غاضبة : _ أنتِ.. زوجتي! _ هذا لو كان زواجنا حقيقياً.. دخلت وتركته فتوترت شفتاه ونظر إلى أثرها طويلاً، ثم تمتم بعدة شتائم.. لاعناً قلبه الذي أوقعه في غرام هذه العنيدة.. ال.. الفاتنة.. اللعنة عليها!! & & & صعد درجات السلم المؤدي إلى الطابق الثاني في الشركة حيث مكتب جلال عامر، سأل عزت ضحى السكرتيرة عن جلال عامر فأجابته وهي تتحرك بسرعة لأجل اللحاق بالاجتماع : _ لدينا اجتماع هام الآن.. بإمكانك الانتظار.. راقبها حتى خروجها ودخل المكتب تفقد بعينه المكان وكما توقع وجد العديد من الكاميرات المخبئة بطريقة احترافية، ومع ذلك تحرك بسرعة وفتح خزنة جلال عامر بعدما عرف رمزها السري بطريقته الخاصة، ثم بحث جيداً بين الأوراق التي كانت في الخزنة.. ولكنه زفر بعد دقائق بإحباط كونه لم يجد ما يحتاج إليه، سمع صوتاً آتياً من الخارج فوضع الأوراق بسرعة مكانها، و قبل أن يغلق الخزنة رأي ذلك "الميكروفيلم" أمامه.. في تلك اللحظة كان جلال عامر قد أجل ذلك الاجتماع الذي لديه فجأة إلى وقت آخر؛ فقد كان مشغول بموعد التسليم، وفي اللحظة التي فتح فيها باب مكتبه قطب جبينه قائلا بدهشة : _ عزت!؟ .. أنهى عزت تلك المكالمة الوهمية التي تصنعها أمامه، ثم قال : _ جلال بيك.. جيد أنك أنهيت اجتماعك مبكراً.. لقد أخبرتني تلك الآنسة أن أنتظرك.. قالها بلامبالاة وبطريقة أكثر من عادية أغلقت أبواب الشك أمام جلال عامر تجاهه، فقال الرجل وهو يجلس أمامه : _ هل هناك جديد؟.. _ ليس هناك جديد.. غير أن العمال يطلبون أموالهم.. تنهد جلال عامر، ثم قال وهو يخرج له من الخزنة رزمة من الأموال : _ لا بأس.. أخرس ألسنتهم.. دخل عليهم في هذه اللحظة طارق قائلا : _هل تجري المياه من تحتي أم ماذا يا شركائي.. ؟! لم يعيره عزت اهتماماً، بينما قال الآخر : _ ليس كما تعتقد.. ولكن الأمور ستحدث عماً قريباً.. _ هل حددت موعد التسليم مع الجماعة؟!.. _ أجل.. لقد حددوا الموعد ولكنني أصريت على موعد آخر.. يوافقنا نحن أولا.. _ لا بأس في أن نتهاود معهم.. انها المليارات يا جلال بيك.. أجابه الآخر بتفاخر : _ ولكننا من نملك الذهب.. _ ومتى سيكون التسليم..؟ _ في اليوم الثالث من شهر يناير.. _ بعد اسبوع ؟.. قالها عزت؛ فنظر إليه طارق بابتسامة غامضة : _ أجل بعد اسبوع سينتهي كل شيء.. بادله عزت ابتسامته بأخرى واثقة، ثم قال : _ هذا جيد.. & & & كانت صاحبتنا تنوي الاستحمام عندما تفحصت مياه الصنبور، ابتسمت لأن المياه لم تخرج بنية حمراء كالمرة السابقة فأغلقت الصنبور واتجهت إلى الدوش لتفتحه؛ كي تملء المغطس وياليتها لم تفعل لأن الأنبوب المعدني الذي يوصل المياه إلى حلقة الدوش قد تآكل من الصدأ انفجرت المياه الباردة في وجهها؛ لذا صرخت عالياً، وقبل أن تبتعد انزلقت ووقعت في المغطس والمياه الباردة تقع فوقها، دخل عليها مراد وحينما رآها بهذه الحالة قال ببرود : _ انظروا إلى جميلتنا.. لقد تحممت بثيابها!.. نظرت إليه بغيظ قائلة : _ ما رأيك في أن تساعدني بدلاً من هذه السخرية؟.. _ أتمنى ذلك من كل قلبي.. ولكنني لست على استعداد لآخذ حماما باردا في هذا الطقس.. _ هيا يا مراد.. لقد التوت قدمي لا استطيع الوقوف عليها.. على الرغم من تلهفه عليها ولكنه قال ببرود : _ ولماذا لأساعدك؟.. أنسيتِ أن زواجنا ليس حقيقياً.. ؟ قالت بغيظ أكبر : _ صحيح.. وانا لا أريد اي مساعدة منك.. حاولت النهوض ولم تتحمل الألم، فوجعه قلبه عليها وبسرعة اقترب منها وحملها بين يديه، في حركة فجائية أيضا أزادت ارتجافها، قال مراد بضيق : _ أنتِ ترتجفين!.. أعند فتاة رأيتها في حياتي أقسم ! لم تستطع منع ارتجافها فقالت : _ قدمي تؤلمني.. قال بوجع وهو يضعها على المقعد : _ ليتها قدمي انا يا صغيرتي.. سأحضر لك ثياب أخرى.. بعد لحظات عاد ومعه ثيابها التي كانت تنوي ارتدائها تناولتها منه، وقبل أن يتركها لترتدي ثيابها قام بتدليك قدمها قائلاً : _ هل تؤلمكِ؟ نظرت إليه وهي لا تزال ترتجف، وقالت بصوت متحشرج : _ لا.. ضغط عليها بيده؛ ليتأكد ولكنه توقف على الفور بعدما تأوهت بوجع قائلاً : _ واضح جداً.. ولأنه يعلم أنها ستخجل منه ان ساعدها في ارتداء ملابسها، قال متجها إلى باب المنزل : _ ارتدي ثيابك.. إلى أن أعود.. وبعد دقائق عاد إليها كانت قد ارتدت بيجامة شتوية كانت لوالدتها وقد تركت شعرها منسدلا، نظر إليها للحظات وازدادت خفقات قلبه.. لا يرغب في شيء الآن أكثر من عناقها!.. لكنه ازدرد ريقه ووقف أمامها، ثم وبهدوء يخالف ما بداخله قام بتدليك قدمها بمعجون طبي، نظرت إليه طويلاً .. تحبه كثيراً بل تعشقه.. على استعداد لبيع الدنيا بما فيها مقابل حنانه عليها.. ولكن هو هل على استعداد؟.. لماذا فعلت هذا بنا يا مراد..؟ لِمَ لا تصدقين يا أمينة؟.. أنا لم أخنكِ ولا يمكنني أن أفعل.. قلبي هذا لا يخفق إلا لأجلكِ.. وجسدي لا يقبل بأن يسكنه أحد غيركِ.. لأنك حبيبتي أنا.. _ لماذا تنظر إلي هكذا؟.. طالت نظرته إليها أكثر، ثم ودون مقدمات اقترب منها وضمها إليه في عناق طويل يحمل لها حنان العالم بأسره وكأنه إجابة على سؤالها.. فهو أيضا على استعداد لأن يُقتل أو يموت لأجلها.. وكأنها تشنجت لم تستطع الحراك وهي بين يديه بل وحتى لم تستطع التنفس.. مضت لحظات طويلة وهم على نفس الوضعية حتى قال مراد : _ هل تدفئتِ؟ ازدردت أمينة ريقها، وقالت بصوت مبحوح : _ أجل.. تنهد بعمق، ثم شدد ذراعيه عليها أكثر قائلاً : _ ليس بعد.. وبقيا على هذه الحالة لفترة لا بأس بها قبل أن تبتعد عنه .. هي تقاوم مشاعرها وابن الأكابر لا يترك لها فرصة.. & & & _ أين أنت يا رجل؟ تنهد خالد بعدما أتته صيحة عادل اللائمة عبر الهاتف، ثم قال أثناء قيادته للسيارة : _ أنا هنا.. كل عام وانت بخير يا صاح.. ضحك الآخر، وقال : _ جيد أنك لازلت تتذكر عيد ميلادي .. صمت خالد قليلا، ثم قال : _ لا تؤاخذني.. تعلم ما أمر به هذه الأيام.. _ أنا فقط أجاكرك يا صديقي.. ولكنني حقاً لا أحب أن أراك هكذا.. ابتسم خالد قائلا : _ لا تقلق.. بعد أيام سأستلم قضية جديدة.. ظهرت نبرة فرح متوقعة لخالد منه وهو يقول : _ حقاً.. هذه أخبار جيدة.. سيعود الأسد إلى عرينه.. ضحك معه خالد، وقال : _ أي أسد هذا يا رجل..؟ سمع خالد صوت زوجة عادل تستعجله، للنزول معها لشراء بعض حاجات المنزل، فأغلق معه عادل المكالمة بعدما ألقى إليه بنصائح أخوية.. ولكن تلك النصائح لم تكن كفيلة لينسي بسهولة قضية جلال عامر.. & & & لقد تناست كل ما جال بداخلها تجاهه واستقبلت دعوته لها - لتخرج معه بعد إذن والديها - بصدر رحب، تريد أن تبني معه ذكريات تبني عليها حياتهما مستقبلاً.. صحيح أنها لا تحبه ولكنها تريد ذلك حقاً.. تريد أن تتكلل خطبتهما بالزواج؛ كي ترى نفسها بعد ذلك من خلال عينيه.. توقف بالسيارة قرب إحدى المطاعم و ترجل منها، ثم لحقته ودخلا المكان سويا، ابتسمت " هنا " باتساع وهي تجلس على المقعد أمام " علي" فقد اعجبتها زينة المطعم وأضوائه وتنظيمه.. وتذكرت آسر حينما علَّق على ترتيبها لمكتبه في الصباح قائلاً : _ لا يعجبني الأمر.. أحب فوضاويته الخاصة بي..! لا تفهمه حقاً.. مهما حاولت، أحيانا يكون بارداً وأخرى يغضب لأتفه الأسباب! ، ذلك الآسر سيفقدها عقلها ! _ ما الذي يشغل بالكِ؟ قالها علي عندما لاحظ شرودها، فابتسمت قائلة : _ لا شيء.. أعجبني المكان.. ابتسم بتفاخر قائلاً : _ انه مكاني المفضل.. طلبا الطعام وتبادلا الحديث حول ما تفضل وما يفضله هو أيضا من الأطعمة إلى أن جاء النادل بالطعام، تذوقته وأبدت استحسانها للطعم ، فوافقها قائلاً : _ بالفعل.. ولكنني أحب الطعام المنزلي.. وفي المستقبل ان شاء الله سنتناوله من يدكِ.. لذا يجب أن يكون طعامكِ ممتازاً.. كي يعجب أمي واخوتي.. انها المرة الواحدة بعد الألف التي يذكر هذا لها.. طوال الوقت افعلي هذا ولا تفعلي هذا لأجل أمي واخوتي.. مرارا وتكرارا !، لا تفهم ما غايته وراء ما يقوله.. هي من نفسها ستهتم بهم كعائلتها، ولكن ترديده لهذه الجمل في كل مكالمة بينهما يجعلها تشعر بأنه يريدها؛ لتكون خادمة لهم!، زفرت وتغاضت عما يقصده قائلة : _ هل تذكر ذلك الشاب الذي أخبرتك عنه؟.. نظر إليها بتعجب وتساءل : _ أي شاب..؟ لقد نسي الأمر برمته!.. ذلك الشاب الذي أخبرته أنه يلاحقها منذ أيام ووضع اللوم عليها قائلاً " أنتِ السبب.. بالتأكيد قد فعلتِ شيئاً لتجذبِ انتباهه إليكِ.. " وبعد ذلك اعتذر وقال أنه لم يقصد قول ذلك.. وحقيقة أفضل ما في الغضب أنه يُخرج أسوأ ما في المرء، فيكون صادقاً أكثر من أي وقت آخر، ومع ذلك قبلت اعتذاره ولكن في قرارة نفسها أدركت أن حبه إليها مجرد كلام لا فائدة منه.. لو كان يحبها لكان غار وخاف عليها ولكنه نسي الأمر ! وقبل أن تتفوه بكلمة قاطعتها مكالمة واردة على هاتفه، نظر إلى الرقم ثم نظر إليها بتوتر ولم يجب؛ فقالت : _ لِمَ لمْ تجب؟!.. زفر بتوتر قائلاً : _ انه من العمل.. وأنا أريد أن استرح قليلاً.. لم تتناقش معه حول ذلك العمل، فقط حاولت أن تسترخي وتنسى أمر ذلك الشاب كما نسي هو، وآخر العشاء استدعى النادل للحساب بينما عاد هاتفه يصدح مجدداً بلا توقف؛ فأجاب على المتصل وتشارك معه بضعة كلمات مختصرة قبل أن يغلق، أخبرها بعد ذلك بأنه يجب أن يذهب إلى الشركة بسرعة لأجل عمل هام، ثم نهض بسرعة وعلى استعجال واصتدم بنادل يحمل أطباق طعام؛ فوقعت الأطباق أرضاً وتناثر الطعام على بنطاله، شهقت هنا بينما هو استشاط غضباً وأخذ يصرخ في وجهه بكلمات حادة لدرجة أن جميع من بالمطعم انتبهوا إليهم، ورغم كل الاعتذارات التي اعتذرها ذلك الشاب إلا أن علي أصر أن يقابل مديره؛ ليعاقبه، فقال الشاب : _ سيدي لقد اعتذرت منك ومستعد أن أنظف لك ثيابك.. لكن أرجوك لا تؤذني في عملي.. _ أنا مؤذي؟!.. أنت لم ترى الأذية بعد.. قالها علي بغضب ولكمه في وجهه فازدادت حمية الرجولة بداخل الشاب ورد له اللكمة ونشب شجار كبير بينهما كان نتيجته طرد ذلك الشاب من عمله، تابعت هنا ما حدث بصدمة كبيرة.. لم يكن هناك داعٍ لكل هذا.. هل تلك الحادثة التافهة استدعت أن يطرد اثرها ذلك الشاب من عمله؟!.. حرام!.. هذه الأيام لم يعد العثور على عمل مناسب سهلا.. ربما كان بحاجة ضرورية إلى المال.. قد يكون زوجاً أو لديه عائلة.. لِمَ يقطع رزقه ويكسر نفسه بهذه الطريقة؟! نحن في زمن من معه قرشاً يسوى قرشاً ومن ليس معه لا يسوى شيئًا.. وهذا ما يجعل كثير من الشباب يفكرون في " السفر " وكأنه طوق نجاتهم؛ فيلقون بأنفسهم في العبارات وطرق السفر الغير شرعية.. إما يصلون إلى بر الأمان.. أو يتلقف البحر أجسادهم حتى الغرق.. إما العيش والعمل بلا فائدة أو الموت غرقاً.. وفي الحالتين سواء.. توقف علي بالسيارة وقبل أن يقول شيئاً نزلت منها وأغلقت بابها، ثم دخلت منزلها ، زفرت بقوة تحاول أن تتحكم بغضبها وقد أدركت الآن أيضا أنه عندما يغضب قد يفعل أي شيء دون أن يراعي من أمامه.. المهم أن يُرضي نفسه.. يا الله !! كيف ستفعل هذا؟.. كيف ستجعل هذه العلاقة ناجحة كما تريد؟.. كيف ستنجح علاقتهما وهو بهذه الطباع؟.. هل ستبوء بالفشل بهذه السرعة؟.. لا ! .. ليس بهذه السرعة ! .. انها تحاول.. وستحاول.. ربما تستطيع تغييره.. ربما..! & & & كانت صاحبتنا تراقبه بأعين حالمة وهو يضع مفرش على طاولة الطعام ويرص أطباق الطعام عليها.. كم يبدو وسيماً!.. تذكرت رائحة عطره التي سرقت عقلها حينما عانقها ترغب في أن تعانقه مجدداً لتستنشقه إلى الأبد و.... وشتمت نفسها على ضعفها أمامه ! ، يجب أن تبتعد عنه ولكنها.. لاتريده بعيداً عنها.. انها لا تشعر بالأمان إلا وهي معه.. ماذا لو كان بريئاً حقاً؟!.. ماذا لو كانت رؤى هي التي دبرت؛ لتوقع بينهما؟.. ولكن كيف؟!.. هل هو طفل صغير لتقوم بخداعه؟!.. وهل هذه الأمور جديدة علي " ابن الاكابر صياد الفتيات " كما يطلقون عليه؟!.. لا يجب أن تستسلم.. بل يجب أن يخرج في أقرب وقت من هذا البيت وهو يجر أذيال الخيبة والفشل.. شعرت بيد توضع على كتفها فالتفتت تنظر إلى صاحبها فإذا بعيناه العميقتان تنظران إليها بطريقة صَعُبَ عليها أن تمنع نفسها من الانسياق وراءهما؛ فتصلب جسدها وثَبُتت عيناها عليه حتى أن فمها أصبح مفتوح قليلاً وازدادت خفقات قلبها، خاصة عندما لمحت ابتسامته وهو يقول بنظرات مشاكسة : _ مرحباً..! تملكها الارتباك ؛ فأشاحت بوجهها عنه قبل أن يقول : _ ما الذي يحدث لكِ يا صغيرتي الجميلة؟.. قالت وكأنها تدافع عن نفسها : _ لا.. لا شيء..! _ حقاً..؟! وقبل أن تستكمل تمثيلها الفاشل أنقذها طرقات ضيفهم على باب المنزل؛ فأسرعت هاربة : _ سأفتح....... أوقفها بذراعه الممدود أمامه قائلاً بصرامة : _ سأفتحه أنا.. وبعد تبادل الترحيب بينهم والضحكات، قاده مراد إلى طاولة الطعام لتناول العشاء معهما؛ فجلس يونس بجوار مراد ثم قال : _ المنزل كما هو.. مضت سنوات طويلة.. أتذكر أن أخر مرة دخلته كانت عزومة عائلية في إحدى أيام رمضان.. وضعت أمينة الملاعق وجلست بجوار مراد قائلة بشرود : _ كان ذلك قبل وفاة أمي بعدة أيام.. _ أجل.. رحمها الله.. راقب مراد شرودها يريد أن يشاركها هذه الذكريات.. ويريد أن يعرف حكاية هذا المنزل..، بينما سألها يونس عن عزت وأحواله ثم سأل مراد عن عمله ومجال دراسته.. وهكذا تبادلوا حديث طويل أثناء تناولهم الطعام.. بعد ذلك ساعداها في ضب الطعام المتبقي وقامت هي بتحضير الشاي والفاكهة ، ثم جلسا على الاريكة وفي هذه اللحظة جاءت ليونس مكالمة هاتفية عرف صاحبنا من ابتسامته الواسعة ونظراته الحالمة أنها عاطفية؛ فلم يهتم وراقبها بشغف وهي واقفة أمامه في المطبخ الذي يشرف على الصالة ولا يحجبه سوي ستائر شفافة، بينما قال الآخر مشاكساً : _ هيا.. اعترفي أنكِ اشتقتِ إلي ولم تتحملي أن يطول خصامنا.. عدتِ للخناق مجدداً؟! أنتِ مجنونة ! .. معكِ حق وأنا مجنون لأنني أحببت فتاة مثلكِ.... لسانك طويل ماشاءالله !!.. لا أحد يترك روحه يا روحي.. انها حكمة المولى أن تكوني أجن مني لعله تخليص ذنوب !!.. والله أحبكِ يا أم الأولاد.. أغلق معها المكالمةوهو يضحك، ثم التفت ليرى نظرات مراد المتعجبة؛ فقال بلامقدمات : _ انها زوجتي.. كتبنا الكتاب قبل اسبوع والعرس بعد شهر ان شاء الله.. لا تحتاجان إلى عزومة سأنتظركما.. لانت نظرة مراد وارتاح قلبه فقد وضح له كم يعشق الرجل زوجته.. والرجل إذا وقع في العشق لا يرى امرأة أخرى غير التي معها قلبه.. يراها ملكة الانوثة بلا منافسه .. لا يملك إلا أن يتودد إلى قلبها لتكون ملكته.. _ مبارك لكما.. أمنّ يونس على دعاءه بحفاوة ومرح؛ فضحك مراد قبل أن يشاكسه قائلاً : _ ولكما.. أخبرني قصتكما بسرعة .. يبدو عليكما الهيام والعشق يا صديقي.. لأول مرة يعرف مراد معنى الخجل ذلك الشعور المربك : _هل هذا واضح علي إلى هذه الدرجة؟! _ معذور يا رجل. فأنت لا ترى نفسك وهي أمامك.. كلام في سرك؟ _ همممممممم؟ _ كنت خائفاً منك في الصباح.. _ لماذا؟! _ كان يبدو أنك في أي لحظة ستنقض علي لتفترسني.. ضحك بأعلى صوته قائلاً : _ لست متوحشاً يا رجل !! ضحكا سوياً ،ثم ساد الصمت لعدة ثوانٍ، قبل أن يستطرد صاحبنا قائلاً ببساطة : _ أغار عليها.. أحبها .. ، ثم أخبره بأنه جرحها دون قصده وهو هنا يراضيها؛ لتسامحه، ابتسم يونس وقال بطريقة رجل عجوز من أفلام الأبيض والأسود.. _ لا تبتئس لست وحدك هكذا.. لقد أصابتنا اللعنة قبل أن نهرب.. آآآه.. كلنا لها.. ثم ضحكا مجددا، وعادت إليهما صاحبتنا مستبشرة خيراً من ضحكاتهما المتعالية.. & & & _ شكر الله سعيكم.. كانت هذه آخر جملة قالتها ليليان إلى إحدى جارتها التي جاءتها؛ لتعزيتها، ثم أغلقت الباب خلفها.. كانت أيام صعبة عليها ثقيلة كالجبال.. ولكنها تماسكت لأجل الصغار، نظرت إليهما وهما نائمتان بجوارها على الاريكة.. لقد أصبحتا مسؤوليتها الآن.. أمانة في رقبتها ستُحاسب عليها يوم القيامة، ربتت ريحان على ظهرها قائلة : _ هيا يا ليليان.. لقد جهزت المائدة.. ردت ليليان بصوت مبحوح : _ لست جائعة.. زفرت الأخرى وجلست على المقعد المجاور لها قائلة : _ ليليان.. حباً لله.. هذا لا يصح أبداً.. أنتِ هكذا ستمرضين.. تنهدت ليليان بحزن : _ أرجوكِ يا ريحان.. أنا لا اشتهي شيئاً.. _ ليس بمزاجكِ.. لو كان عم سمير هنا.. هل كنتِ ترفضين طلبه؟ .. ازدردت ريقها ونظرت إلى صورة والدها المعلقة على الحائط، كبحت دموعها قبل أن تنهار باكية، وشغلت نفسها بإيقاظ الفتاتين ، في هذه اللحظة رن جرس الباب؛ فنهضت ريحان لتفتحه، ثم ذمت حاجبيها بانزعاج عندما رأته أمامها بابتسامته المستفزة، وقالت : _ أهلآ يا ريس عمار.. سمعت ليليان اسمه؛ فتمتمت : _ ابتدئنا..! دخل عمار وتركت ريحان الباب مفتوحاً؛ فقال : _ لم لا تغلقينه؟!.. أجابته ليليان باقتضاب : _ لأننا الآن فتيات بدون رجل.. ثم نهضت ووقفت أمامه وكأنها لا تسمح له بالدخول أكثر : _ خير يا عمار؟.. مضت سنوات منذ آخر مرة زرتنا فيها.. ابتسم عمار ببرود من طريقتها الساخرة : _ أولاً يا ابنة عمي.. لم يعد هناك داعٍ للقلق لأنني أصبحت الآن رجلكن .. وأنتن مسؤوليتي.. قاطعته كي توقفه عند حده : _ كلامك جميل " على عيني وعلى رأسي".. ولكن رجل هذا البيت كان أبي.. ومن بعده أنا.. أنا رجل هذا البيت الآن ولا أحتاج لأي أحد.. هذا أولاً.. ثانياً.. لقد قمت بواجبك وزيادة يا عمار.. مشكور على ذلك.. نظر لها طويلاً وبدأ الغضب يرتسم على وجهه، ثم قال : _ لا تقولي هذا يا ليليان.. أنتِ لم يعد لكِ أحد غيري.. يعني يمكنكِ أن تعتبريني ولي أمركِ من هذه اللحظة.. ابتسمت له، ثم قالت : _ الله ولي أمرنا جميعاً يا عمار.. وعندما أحتاجك سأطلب منك.. أنت ابن عمي في النهاية.. رمقها بغضب وكم رغب أن يضربها بأي شيء؛ ليشوه لها وجهها الجميل هذا، ولكنه قال قبل أن يتهور : _ أكيد.. تصبحين على خير يا ابنة عمي.. تركها ورحل، بينما قالت ريحان بابتسامة شامتة : _ جيد.. أوقفيه عند حده من البداية.. تنهدت ،وقالت بقلق : _ ولكن رد فعله لم يرحني أبدآ.. أخشى مما ينوي فعله معي.. قلقت الأخرى بدورها فالجميع يعرف شر عمار السويسى، ولكنها قالت : _ فوضي أمركِ إلى الله.. وان شاء الله لن يحدث إلا الخير.. فتنهدت مجدداً وقالت : _ وأفوض أمري إلى الله.. ان الله بصير بالعباد.. & & & قاما بتوديع ضيفهما أمام المنزل ولكنه همس في أذن مراد؛ كي لا تسمعه أمينة : _ بالمناسبة زوجتك تحبك كثيرا أيضاً.. وستسامحك قريبا.. رمقتهما أمينة بتعجب عندما رفع يونس رأسه قائلاً : _ إلى اللقاء يا رفاق.. وأعطاهما ظهره خارجاً من الحارة.. _ ما الذي قاله لك؟.. راقب مراد نظراتها الفضولية؛ فقال : _ ولماذا تريدين أن تعرفي؟.. أغلق باب المنزل بعد دخولهما، والتفت ليتقدم ناحيتها وهي كالعادة تتراجع للخلف : _ أجبي..؟ _ لأنني لا أظن أنكما بهذه الدقائق القليلة تبادلتما الأسرار.. ! _ وهل تريدين معرفة ما كان يقوله لي؟. _ لا.. _ أيتها الكاذبة الصغيرة !!.. يكاد الفضول يأكلك.. _ ليس صحيحاً.. _ ما هو الصحيح إذاً؟.. لم تجبه، فقال بابتسامة : _ يا حرام ! .. لقد أشفقت عليكِ.. أتعرفين ماذا قال؟.. رفرفت رموشها بتوتر قائلة : _ ماذا قال؟ _ قال.. أنك تحبينني كثيراً.. وأنك صحيح عنيدة ولكنك لا تريدين غيري.. يا إلهي!.. هل هذا واضح علي؟!.. والآن هذا المتذاكِ سيحسبها نقطة لصالحه..! تصنعت الدهشة، ثم ضحت قائلة بسخرية : _ أنا.. أحبكِ أنت؟!.. رمقها مراد بغضب من سخريتها، وعندما تركته؛ لتبتعد عنه أمسك ذراعيها يقربها إليه بهدوء يخالف لهيب قلبه : _ أهذا يعني أنكِ لا تحبينني؟.. تملكها ارتباك كبير وأشاحت وجهها عن نظراته التي تخترق روحها : _ أتركني يا مراد.. _ أهذا يعني أنه لا يوجد لي تأثير عليكِ؟ أغمضت عينيها وهي تكرر : _ اتركني..! _ انظري إلى ! وأخبريني بذلك.. قوليها.. قولي أنكِ لا تحبينني وأنني لا أؤثر عليكِ أبدآ.. _ يا إلهي.. ! _ ماذا تنتظرين ؟.. انظري إلى عيني ووقتها يمكنني أن أصدقكِ.. _ أجل.. لا أحبك وليس لك تأثير علي بتاتاً.. قالت هذا دون أن تنظر إليه، وأفلتت يده لتصعد إلى غرفتها فأدركها، ثم أمسك يدها وضمها إليه بسرعة وبقوة وهذه المرة كانت أقرب إليه من المرة الماضية؛ فقال وهو يرفع وجهها لتواجهه : _ والآن؟.. لم تجبه ولم تجرؤ على فتح عينيها، كانت تلهث وكأنها تجاهد هواها.. _ يا صغيرتي الجميلة.. إلى متى ستهربين من الحقيقة؟!.. لم تجبه أيضاً؛ فهمس : _ لماذا لا تجبي؟.. قولي أنكِ لا تحبينني.. فتحت عينيها ونظرت إليه.. لا تستطيع أن تقولها أبدا.. قلبها لا يطاوعها؛ فقالت برجاء : _ مراد بحق الله.. اتركني.. _ لا أريد.. _ لماذا تفعل هذا بي؟!.. تنهد بعمق ، ثم قال : _ لأنني أكاد أفقد عقلي.. أتدرين؟.. تأمل نظراتها للحظات وقال : _ أنا لا أريد أن أسمع أي شيء.. يكفيني ما أراه.. ولكن لماذا نضيع حياتنا بتفاهات؟! .. لماذا نترك أوقاتنا الجميلة تذهب سدى؟!.. بإمكاننا أن نعيش أجمل حياة فقط لو طاوعتِ قلبكِ.. كان بإمكاننا ذلك ولكن قبل أن تفعل أنت ما فعلته..لِمَ فعلت هذا بنا؟! ، انزلقت دموعها بألم فتحسس وجهها وأسند جبينه إلى جبينها هامساً : _ اششش.. لا بأس.. لا يوجد ما يستحق دموعكِ يا صغيرتي.. ولا حتى أنا.. ، ثم رفع رأسه يتأملها قائلا بعشق وهو يجفف دموعها : _ مجرد النظر إليك وحده نعمة.. أن أتأمل وجهك وأنظر إلى عيناكِ.. الأمر أشبه بمعجزة من الله منحها إلي.. له كل الحمد والشكر.. والآن يا معجزتي.. انا لن أتركك أبدا مهما حدث.. لأنك معنى حياتي.. ثم ابتعد عنها، وقال بأعين دامعة : _ وانا كما أخبرتك.. لن أرحل بدونك.. سأبقى بانتظار تلك اللحظة التي تصدقين فيها أنني لم أخنك.. وتثقين فيها أنني لن أفعل.. ساد الصمت بينهما للحظات طويلة، ثم قال : _ تصبحين على خير يا صغيرتي.. وتركها متجها إلى الغرفة الأخرى التي ينام فيها.. بينما هي بقيت تبكي مكانها تدعو الله أن يرشدها إلى الصواب & & &
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.